الجمعة، 27 فبراير 2015

متى يمكن الثبات على شيء؟ / الفن / الإتقان وترتيب الداخل / متى نكره شيئا ما بشكل فعلي؟ / الضمير الخفيف والضمير الثقيل


أي شي ليس له أساس شعوري يصعب الثبات عليه (قانون) ، فمثلا لا يمكن لأحد أن يتوب عن السرقة ويعود لها مرة أخرى ثم يتوب ثم يعود مرة أخرى ويجد نفسه تلقائيا يسرق أو يضرب الناس بدون سبب و دون أن يدري ، لأن الأخلاق أساسها الثبات، و شعور الإنسان أساسا يرفض الظلم والشر، لكن الاستماع لموسيقى مثلا فإحساسنا الفطري لا يشعر أن في هذا ارتكاب خطأ لأن من يسمع الموسيقى أو يعزف يعرف أنه لا يضر أحد ولا يسرف بالمال (( طبعا إذا التزم بالضوابط مثل احترام وقت الصلاة وعدم ازعاج الجيران وعدم الغناء بكلام فاحش وعدم الاختلاط وإبعاد كل صور المجون ، لأن الفن شيء والمجون شيء آخر. والإسلام لم يحرم الجمال ولا الأصوات الجميله وإلا لكان الاستماع للبلابل والشلالات من المحرمات ، فهناك أناشيد دينية ووطنية وأناشيد تمجد الخير والشجاعة ..الخ. والله سبحانه أنكر الأصوات القبيحة (إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) لأنه صوت قبيح وصاخب ومفاجئ ، إذن المعروف جميل والمنكر قبيح ، والأصوات الموسيقية جميلة)) لكن العقل الذي يظن الموسيقى شرا ينتبه ثم يشعر الإنسان بالندم ، ثم يجد الإنسان نفسه منجذب الى سماع أغنية جميلة مرة أخرى, لأن الشعور لا يرفض الجمال لكن يرفض الشر.

الشعور الفطري يحب الجمال والتناسق والنظام وهذا موجود في الفن والموسيقى بشكل عام إذا سلمت من المجون والخلاعة ، والجمال زينة إذا سلم من المحذورات ، فالموسيقى جمال طبيعي لأنها أصوات طبيعية ، والإسلام لا يحرم الزينة وبالتالي لا يحرم الفن بل يحرم المحظورات في الفن (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) وقال عن الخيل والأنعام (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).

والفن يطهر النفس من النشاز ويعيد للشعور نظامه وترتيبه, لأن الشعور يريد أن يكون كل شيء على أصوله و يحب الإتقان ويكره الفوضى سواء فيما نسمعه أو نشاهده أو نلمسه أو نقوله أو نفعله، بينما الحياة مليئة بالتناقض والفوضى الذي تسببه أفكار الشر المختلطة مع أفكار الخير في المجتمعات. فالفن بكل صوره من نحت ورسم وعماره وموسيقى ونشيد وتلوين وغيرها ، حتى الأعمال الفنية المفيدة ماديا كالنجارة والسباكة وتنسيق الحدائق....الخ، وحتى أعمال النظافة والترتيب تعيد للشعور توازنه الذي فقده بسبب النشاز من المشاكل التي سببها أفكار الشر فينا أو في غيرنا, والتي سببها في الأخير هو الشيطان. لهذا يقترح الأطباء دائما العلاج بالعمل وربما لا يعرفون كيف يعالج العمل، وحتى مراقبة الطبيعة وتأمل الحيوانات والأحياء والنبات تقدم نفس الخدمة التي يقدمها الفن.

يحصل التطهير بقدر الإتقان ، والإتقان معناه التناسق والنظام ، فكلما كان عملك متقناً أخذت نصيبك من استعادة التوازن الداخلي ، فرتب ما في الخارج ينعكس على ما بالداخل ورتب ما بالداخل ينعكس على ما بالخارج. رتب عقلك تترتب نفسك ورتب نفسك يترتب عقلك (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). لكن ليست كل مشاكل الشعور يستطيع العمل أو الفن ان يرتبها ، وهنا تحتاج الى التأمل والتفكير والبحث عن الله وطلب العلم الراسخ (عقل وشعور) لكي تُحَل المشاكل الأكبر ويحصل ترتيب أكبر ، وبعد التأصيل يسهل التفصيل دائما (قانون) ، فإذا كان مخطط البناء مثلا متكاملا ودقيقا من كل النواحي سيسهل التنفيذ ولا يكون فيه أخطاء.

شعورنا إذا كره شيء فهو قد اكتشف النشاز والشر في ذلك الشيء لهذا يستمر في كراهية ذلك الشيء، أما مالم نفهم الشر فيه فقد نقع فيه، فمثلا هناك من يحرم على نفسه سماع أي موسيقى وأي أغنية وأي أنشودة مع أنها قضية خلافية، وبعضهم يحرم الشعر كله إلا جزءا صغيرا منه, سيجد نفسه يقع في مخالفة هذا القرار لأنه لم يقتنع من الداخل. لكن مثلا القتل أو تعذيب الحيوان أو السرقة او الاغتصاب أو ترك الصلاة نجد أنفسنا نحرمها ونستمر في تحريمها بشكل عام ، والسبب لأن الشر فيها واضح ويعرفه شعورنا ، لاحظ مثل المشروبات الغازية أو الاكثار من القهوة والشاي أو من الشكولاتة بعضهم يستمع تحذيرات كبيرة عنها واقتنع عقله لكن يجد نفسه يطلبها ويبحث عنها والسبب أنه لم يقتنع اقتناعا كاملا أنها ضارة ، فعقله اقتنع لكن احساسه لم يقتنع ، لكن تناول السم نبتعد عنه مباشرة لأننا متأكدون من ضرره .

بإمكانك أن تهوّل شيء على أولادك وتحذرهم أشد التحذير منه لكن ستجدهم يعصونك أحيانا، بينما أشياء تحذرهم منها ويستمرون في البعد عنها ، هنا يأتي الاقتناع والبديل. أحيانا يكون الكلام مقنع مثل من يقول لأولاده: لا تلعبوا في الشارع لأنه خطر, لكن لا يقدم لهم بديل إلا شقة ضيقة ، سيجد الطفل نفسه في اختبار صعب إما أن يعصي والده أو يقع في الضجر بينما يرى الأولاد يلعبون من الشباك ، سيقع الطفل في حالة الممارسة ثم الندم ثم الممارسة مرة أخرى وهكذا..، لأنه لم يُقَدّم له بديل، ولن يستمتع بممارسة هذا الخطأ حتى لو فعله بسبب ضغط الضمير الخفيف.

الضمير الخفيف هو في الأمور التي لم يحصل الاتفاق فيها بين العقل والقلب مثل المثال السابق ، أما الضمير الثقيل فهو ما اتفق فيه العقل مع القلب في مثل النفور من الأشياء الفظيعة كالجرائم والإسراف في المعصية والظلم والقسوة على الضعفاء ..الخ، لأن العقل يقول عنها خطأ والشعور يقول عنها كذلك.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق