الأحد، 15 فبراير 2015

توضيح لمفاهيم: العقل والشعور والعاطفة والمصلحة والقوة.



العقل هو ما يمكن نقله وتوصيله للآخرين, وما لا يمكن نقله هو شعور. و لا يمكن نقل شعور بالكامل لذلك ما يُنقل هو ما عُقِل من الشيء {لقوم يعقلون}. الشعورات التي مرت عليك ولكنك لا تستطيع توصيلها للآخرين لا تسمى عقلا بعد, فكونه محبوسا فهو مايزال شعورا, وإذا استطعت أن توصّله صار عقلا فلا عقل إلا بالتواصل. أليس القرآن لقوم يعقلون؟ أي تواصل من خلال العقل, فهو رسالة منقولة ليستقبلها العقل. العقل كأنه بريد يوصل رسالة من عقلك لعقل آخر, هذا هو العقل فالعقل محدود. كل الرسائل التي يوصلها العقل هي ناقصة, فلما تصف مكانا أعجبك مثلا بأن ألوانه كذا وفيه كذا وكذا سيتبقى أشياء كثيرة لم تنقلها, إذن الجزء الذي نقلته هو عقل والذي لم تستطع ما زال حبيس الشعور, هذا ما نستطيع أن نسميه العقل الباطن وهو المختمِر لكنه لم يخرج بعد. حتى ما وصّلتُه يحتاج شعورا يكمله عند الشخص الآخر حتى يتم الفهم ولا يكتفي بالرسالة المنقولة فقط.

ليس كل ما تحسه هو عقل فمادمت لم تستطع نقله لغيرك بأي وسيلة كاللغة أو الرسم فهو ليس عقلا, لذلك الفن أول ما يخاطِب هو العقل لأنه شعور منقول, فالفنون أنواع من اللغات كالنحت أو الرسم أو الشعر وكلها يعرفها العقل, فاللوحة تراها بعينيك أولا ثم إلى العقل ثم يسقطها العقل على الشعور ليعطيها التقييم.

يمكن أن يفلت الشعور منك كأن يظهر من خلال عينيك أو حركاتك, وهذا لا يُفهم كعقل منك, فأنت تدري أن شخصا ما خائف أو يشعر بالخجل أو أنه يحبك وهو لم يعبر عن هذا بل ربما أنه حاول إخفاءه, بل حتى من خلال اللغة مثل من يشتكي ويقول: أنا لا أدري ما الذي حل بي أشعر بضيقة ولا أستطيع التعبير عما بداخلي, هذا شعور و لا يُعتبر عقلا بعد.

هذا حد فاصل بين ما يسمى شعور وبين ما يسمى عقل, وعلى هذا فالعقل ليس مبنى ثابتا لا يزيد ولا ينقص, بل هو يزداد كل لحظة ويتغير؛ لأنه ينبع من عين الشعور. العقل ليس شيئا جامدا, الأحاسيس الكثيرة التي نشعر بها كل يوم تنتج نسبة من العقل يضاف للعقل البشري وللعقل الشخصي, ولكن الفرق كبير جدا بين كمية العقل وكمية الأحاسيس. لكن العقل البشري بشكل عام يزداد وكذلك العقل الشخصي, ولكن في حالة الوفاة يذهب العقل الذي بناه الشخص ويبقى ما نُقل أو حُفظ منه.

بناء على هذا الكلام, لا يكون مصطلح الشعور مرادفا لمصطلح العواطف, فوضع العاطفة مقابل العقل فكرة غير دقيقة ولا تنطبق على كل الأحوال, لكن ممكن أن تنطبق على بعض الحالات. هناك أحاسيس كثيرة لا تندرج ضمن العواطف, ومنها التمييز مثلا بأن شيئا أكبر من شيء أو أن هناك شيء مختلف عن غيره أو أن تشعر أنك نسيت شيئا أو أن تشعر أن شيئا ما ناقص. إذن كلمة شعور أوسع من كلمة عواطف وهي التي تقابل كلمة عقل.

من يحصر الشعور على العواطف فقط لم يفهم الإنسان ولا يستطيع أن يحدد سلوك معينا للإنسان هل هو من الشعور أم من العقل أم غيرهما. مصطلح العاطفة مصطلح فقير ولا يشمل كل الشعور, وهو أصلا مصطلح غير مفهوم, فهل العاطفة هو شعور حقيقي؟ يقولون مثلا أن الحسد عاطفة, وإذا قيل عاطفة أي صار جزءا من الفطرة بينما الحسد عمل صناعي أصلا وليس طبيعي, أي أن الحسد ليس من الشعور الفطري فالشعور لا يَحسِد. إذا كانت عاطفة من الشعور يجب أن نسميها شعور حتى تتحدد المفاهيم, وإذا كانت عاطفة من فكرة صناعية فيجب أن نسميها فكرة وليس عاطفة, فهي فكرة رُكّبت على عاطفة أي فكرة من الشيطان أُدخِلت على شعور متحفز.

بسبب عدم وضوح مصطلح "عاطفة" صار من الناس من يُدخِل الحق بالباطل من خلال تسمية عاطفة, فيكون شخص يحسد ويغار ويكذب ويظلم و يقال عنه: مسكين هو شخص عاطفي وينظر للأمور بعاطفية! وبهذا صار للحسد والغيرة نفس مسمى الرحمة والأمومة.. كلها عواطف! هذا لا يصح, فالرحمة عاطفة أصيلة في الإنسان بينما الغيرة مصدرها فكرة خاطئة وليست من الفطرة.

أيضا يضعون مصطلح عاطفي مقابل مصطلح عقلاني, بينما العاطفة آتية من الشعور الذي بنى العقل كله! فالشعور ليس شيئا بعيدا عن العقل حتى يوضع في ضدية معه, بل هو صانع العقل! مثلا حين يرون أحدا يرحم شخصا يتعذب يقولون هذا شخص عاطفي, كيف يكون عاطفي؟! هذا هو الصواب! هل العقل يعارض هذا الشعور بالرحمة؟ قد يقول أحدهم أن العقل يقول: اهتم بمصلحتك, ولكن أليست مصلحتي عاطفة أيضا؟! لهذا الشيوعيون والماديون يقولون أن العواطف كالرحمة هي ضد العقل, فالعقل مع مصلحتك! لماذا صارت المصلحة عقل والرحمة عاطفة؟! فيقولون إذا كان فوزك يقتضي أن تضر أحدا فيجب أن ألا تكون عاطفي وترحمه بل كن عقلاني مع مصلحتك! المصلحة لم تكن عقلا في يوم من الأيام, أي أن المصلحة إذا صارت هي الهدف الأساسي صارت ضد العقل, ولو أن كلاًّ جعل المصلحة هدفه الأساسي لتضرر الجميع. إذن المصلحة ليست الأساس في الإنسان مثلما جعلها الماديون.

ثم ما هي كلمة مصلحة؟ إنها مصطلح ممدود ولا حد له, فلو تملك العالم كله لما وصلت لآخر مصلحتك. المصلحة تُصلح, أين الإصلاح هنا؟! المصلحة من الصلاح والصلاح ضد الفساد بينما هذا الطريق طريق فساد, والفساد لا ينتج صلاحا. الصلاح مشترك, لا يمكن أن يَصلح شيء لوحده بل يجب أن يَصلح كل ما حوله. إذن من الخطأ فكرة "مصلحتك هي هدفك" بل مصلحة الجميع, ومصلحة الجميع دائما في الحق فهو ما سينفعك وينفع غيرك.

أما فكرة الماديين أن الحياة صراع مصالح وأن البقاء للأقوى, فأحد مشاكلها أنه لن تكون دائما أنت الأقوى, فالقوة لها مراكز ولها ظروف, ففي لحظة أنت القوي وفي لحظة أخرى أنت الأضعف, إذا لم يكن هناك عطف وتراحم ستكون أنت الضحية. القوة مرتبطة بأوضاع (قانون) فالقوة لا تستمر, فلا يستمر شيء دائما قوي, الصخرة نفسها بوضعية معينة قوية وبوضعية أخرى أضعف, فمن جهة تستطيع أن تضربها وتكسرها نصفين ومن زاوية أخرى لا تستطيع أن تكسرها. إذن كل شيء يحمل قوة وضعف بنفس الوقت, فكل قوة تقوي الضعف أيضا, فعلى قدر ما يملك الشيء من القوة على قدر ما يملك من الضعف في تناسب عجيب, ويبقى القوي مطلقا هو الله سبحانه. مثلا المبنى الضخم العالي هو مبنى قوي لكن قوته هذه جعلت ثقله من الخطر أن يسقطه! ومثلا لو عمارة طويلة ويحصل فيها انفجار في الأدوار العليا ستتهاوى الأسقف وتسبب انهيار لما تحته, لكن لو المبنى قصير لما صار هذا الشيء. إذن كل قوة تحمل ضعف من أنواع متعدد بتعدد القوة, فالحديد الصلب قوي لا تستطيع أن تثنيه لكن الحديد المطاوِع لو تضربه لن ينكسر بل سينثني, فالتصلب يسبب سهولة كسر مع أنه قوة! مثلا لديك عامود كلما تطيله كلما يكون طرفه آمن من أن يكسره شيء, لكن الضعف سيأتيه من نصفه! هذا شيء يعرفه الشعور الإنساني لذلك يتحسس سقوطَ القوي كلما زادت قوته سواء كان شخص أو أمة, بموجب المنحنى الطبيعي حيث أن كل شيء يصل إلى قمة ثم يبدأ بالنزول.  قال الشاعر: "لكل شيء إذا ما تم نقصان     فلا يغر بطيب العيش إنسان".

إذن فكرة القوة المطلقة وإرادتها غير موجودة وخرافة ومن أوهام المادية, وبالتالي تسقط فلسفة نيتشه القائمة على إرادة القوة والسوبرمان الملحد الذي لا يأتبه الضعف من بين يديه ولا من خلفه! فمن الخرافة أنك تستطيع أن تكون قويا و تكوّن مصلحتك لوحدك, هذا وهم. إذن الفردية وبناء المصلحة الخاصة كله عبارة عن وهم فالإنسان مخلوق اجتماعي. وبالتالي أمنيات الرأسمالية مبينة على أوهام.

فكرة الشيوعية فكرة خاطئة و فاسدة أيضا, لكن فكرة الإسلام بالأخوة والفضل وأن من عنده زيادة يعطي الآخر هذه هي التي تخدم مصلحة الفرد, فمصلحة الفرد من مصلحة المجموع, فإذا انصلحت أحوال العالم تنصلح أحوال الأفراد ويستفيدون. إذن فكرة الصراع والبقاء للأقوى فكرة صبيانية وأنانية وقصيرة النظرة لا تنظر للمصلحة العامة, إذن فكرة الرأسمالية فكرة سخيفة وقصير النظرة, لا تنظر إلا للمصلحة الفردية القريبة ولا تدري أنها تبني ضعفا, فكلما تبني قوة أنت تبني معها ضعف. هم ينظرون إلى القوة التي يبنونها ولا يدرون أنهم يبنون ضعف أيضا, مثلا ستبني سفينة ضخمة جدا بحيث تحوي أكبر عدد من الركاب أو البضائع, هذه السفينة الضخمة صارت معرضة للأخطار فإذا اصطدمت بشيء ستكون الصدمة قوية, و صارت معرضة لأن تنخفض ومعرضة للصخور والغرق ومن الصعب نقلها و من الصعب صيانتها وهكذا.

إذن هذه الأفكار هي عبارة عن أوهام: وهم القوة و وهم المصلحة الخاصة, حتى وهم المصلحة الوطنية حيث كل دولة تهتم بمصلحتها هذه مثل فكرة المصلحة الخاصة, فهي فكرة خاطئة إذا لم تراعي مصلحة العالم كله لأننا نعيش في عالم واحد وهو قرية صغيرة, فلابد أن كلهم يصلحون أمورهم حتى يصلح أمر الواحد منهم. قال سبحانه: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} وليس لتعاركوا بناء على فكرة البقاء للأقوى! وهذا الصراع مبني على فكرة سخيفة بأن الموارد قليلة, كأن يتحاربون على بئر ماء, مع أنه بدلا من المجهود الكبير الذي يبذل في الحروب والخسائر والجروح لو حفروا بئر آخر لكان أفضل وأسهل ولصار الجميع يشرب! الحصول على الماء لا يتطلب إلا حفر بئر في الأرض وحفرها أسهل بكثير من الحرب! فكرة المصلحة الخاصة هي مصيبة ومن الصعب يتخلص منها أحد حتى لو وُسِّعت وشملت الوطن مثلا فهي أيضا لا تكفي.

حتى بناء القوة الخاصة هو وهم, فمع كل قوة هنالك ضعف, فالطول الزائد يسهّل الكسر, والتضخم يسبب تفكك وانفجار, والثراء الفاحش يسبب عزلة ويسبب كثرة أعداء, صحيح أن ثروتك تكبر لكن قدراتك الجسمية والعقلية وحواسك تضعف فيصير من حولك يحاولون استغلالك وتكون هدفا للصوص, فتحضر لنفسك المشاكل والضعف و الكسر. قانون التفتت والبناء سائر في كل شيء في الدنيا, فلا شيء ينبني ويستمر ينبني, وهذا معارض تماما لفكرة التطور الغبية فكل شيء في تفتت و بناء, وانظر إلى الناس يتفتتون ويبنون من جديد, كذلك الأشكال تتفتت وتنبني, شيء يتحول إلى صخور ثم مع عومل التعرية تتحول إلى تراب ثم تبنى مرة أخرى وهكذا. كل شيء في تفتت وبناء, أي ضعف وقوة وكلما يقوى يقوى معه ضعفه, فتكبر الشجرة وتكبر و تكبر حتى يسقطها الهواء أو لا يكفيها الماء والغذاء من حولها أو تشيخ وتموت. ولهذا لا شيء يؤهل الديناصور لأن يكبر بهذا الحجم الذي قد يصل وزنه إلى أربعين طنا وارتفاع هائل كما يقال لأن قانون التفتت سيسقطه, كيف لمخلوق بهذا الحجم أن يشرب الماء فقط؟! ستغوص قدميه في الوحل خصوصا وهو على قدمين في الغالب! فقانون التفتت ينافي فكرة التطور كلها, يتصورون الإنسان مثل الشركة تتطور عبر السنين! الشركة لم تمت بل هي مستمرة, بدأت بمحل صغير ثم تطورت لتكون شركة عملاقة, التطوريون يتصورون أن الدنيا كل مثل هذه الشركة!

سبب قانون التفتت هو كبر الضعف, فالضعف نفسه هو قوة مضادة تكبر وتسبب الانهيار, فهناك تناسب طردي بين القوة والضعف. من الغباء أن يرى أحد القوة التي تزداد ولا يرى الضعف الذي يزداد, مثل من قيل له: لم لا تتبرع بأحد الأراضي التي تملكها للأعمال الخيرية فالناس بحاجة إليها, فقال لن أبيعها لأنها مع مرور الوقت تزداد قيمتها, فقالوا له : ولكن أنت مع مرور الوقت تنقص! (واقع تحت توهم الرأسمالية). لهذا قلنا أنه لا نستطيع أن نحدد هل الأسد أقوى أم القط, فالأسد أكبر ولكن أيضا ضعفه أكبر, والقط أصغر لكن أيضا ضعفه أًصغر, هذا يدل أنه لا يمكن أن توجد قوة خارقة يمكن أن نبنيها مثلما توهم نيتشه بفكرة السوبرمان, فالأسد لا يستطيع أن يناور مثل القط وأن يقفز من جدار إلى جدار, ولو تحبسه في سطح مبنى لمات فيه بينما لو تحبس القط لقفز إلى ثلاثين مبنى مجاور! فالقوة موضعية وليست شاملة ولا مطلقة, فقوة ضربة الأسد أقوى من قوة ضربة القط, ففي هذا الموضع الأسد أقوى. "إن البعوضة تدمي مقلة الأسد" أي أقوى منه في هذا الموضع! فهي تستطيع أن تدمي عينه ولا يستطيع أن يدمي عينها وتستطيع أن تصله ولا يستطيع أن يصلها. ومن هنا تسقط منطقيا فكرة التطور لأنها قائمة على وجود أفضلية بين الكائنات الحية وعلى فكرة البقاء للأقوى وتمايز في القوة وتمايز في القدرات, إلا إذا استطاعوا إثبات أن الأسد أقوى من القط أو أنسب على طريقتهم. بل عليهم أن يثبتوا أن الإنسان أٌقوى من النملة قبل ذلك, فالنملة تستطيع أن تحمل عشرة أضعاف وزنها والإنسان لا يستطيع أن يحمل مثل وزنه فقط. هذا غير الميزات الأخرى لبقية المخلوقات التي كلها أقوى من الإنسان, والإنسان أقوى منها أيضا في مواضع. وسيطرة الإنسان على الطبيعة لم تأت بالقوة كما يتصورون بل بالتسخير والإعداد.

إذن القوة موضعية وبالتالي القوة متنقلة, مرة تكون مع القط ومرة تكون مع الأسد, ففي حالة التسلق تكون القوة مع القط وفي حالة الضرب تكون مع الأسد وهكذا. إذن القوة ليست ملكا لأحد. وهذا يُسقط فكرة الانتخاب الطبيعي القائمة على انتخاب الأفضل وتطوير القدرات, لأن الله قدّر وهدى وجعل كل شيء موزون, إذن القوة موزونة أيضا لا يمكن أن تتجمع بمكان بشكل كامل ومطلق. كلما تصغر الأشياء كلما يصغر معها ضعفها وتقل قوتها, إذن القوة المطلقة وهم , فالقوة لله سبحانه وتعالى, وهذا من الخيوط الدالة على وجود الله وهو عدم وجود شيء يمتلك القوة المطلقة مع إمكانية ذلك عقلا, إذن هو الله, فلا بد من وجود قوة لا يعتورها ضعف, فكل شيء حولنا يدور في حلقة القوة والضعف.

كل شيء حولنا في تبادل, فتغنى الشركة وتكبر ثم تنهار, تكبر الامبراطوريات وتتضخم ثم تنهار مع كبر ضعفها. هذا يدل دلالة قوية أن هناك قوة قوية لا تضعف هي التي أوجدت هذا الكون وتديره.. قوة مطلقة وقدرة مطلقة ليس في داخلها ضعف وهي التي تعطي القوة وتسلبها. لكن على حياتنا وعلى الأرض وعلى الواقع نلاحظ أن كل قوة يمشي معها الضعف ويمشي معها العجز, فتستطيع أن تصنع فأس ضخم لكن صعب نقله و تحريكه وصعب إدخاله في أي مكان والاستفادة منه, فكيف أصنع فأس مطلق؟ لا يمكن! قس على هذا كل شيء. كل مادة تحمل قوانين الضعف وقوانين القوة, إذن الضعف موضعي والقوة موضعية, فكل شيء في مواضع وأوضاع هو قوي وفي مواضع وأوضاع هو ضعيف, الوضع زماني ومكاني أي نسبي, فعود الخشب الصغير لو أدخل داخل الجسم قد يقتلك لكنك تكسره بسهولة بيديك. فكل شيء فيه قوة وفيه ضعف حسب الأوضاع والمواضع. إذن لا وجود للقوة المطلقة, مع أن العقل يقول يجب أن تكون موجودة إذن هي لله, {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسوعون}, لا يوجد شيء قوي في كل الأوضاع إلا الله سبحانه.

إذن القوة الخالصة غير موجودة والضعف الخالص غير موجود, بل القوة مخلوط معها الضعف في بناء تركيبي يؤدي إلى الهدم. البناء نفسه عبارة عن قوة وضعف معا بتناسب دقيق إلى أن يعمل إلى قانون التحلل والتفكك, فلا يمكن أن يستمر بناء القوة. وبما أن القوة لها قوانين فالضعف أيضا له قوانين. إذن المسألة مسألة حكمة, في بعض اللحظات تكون بحاجة إلى مفك ولحظات أخرى إلى مطرقة ولحظات أخرى لست محتاج للمطرقة أبدا. تجميع القوة نسبي لأنه كلما تجمع قوة أكبر أنت تجمع ضعف أكبر, فلو تعمل مخبأ مثلا سمك سقفه 50 مترا أنت وضعت وزنا هائلا قابل أن ينهار عليك! فشيء تريده أن يسبب لك قوة صار يسبب لك ضعفا. "مصارع الرجال تحت بروق الطمع" فجاءتهم المصارع من المال وهو قوة, فكم شخص قتله اللصوص لأنهم اتهموه بالثروة أي لو لم يكن قويا لما قُتِل! وكما قال الشاعر ابن زيدون: " هل الرياح بنجم الأرض عاصفة     أم الكسوف لغير الشمس والقمر".

لا يوجد شيء يستطيع أن يواصل مشوار البناء إلى ما لا نهاية, وهذا يعارض نظرية التطور, فكيف استطاعت الأحياء أن تواصل التطور و يوجد الإنسان من بروتين في مستنقع؟! أين عمليات الهدم التي تلاحقه؟َ! منطقيا هناك من هو مهيمن على الكل هو الذي خلقها وفرقها ووضع لها أرزاقها, فالقوة لا يمكن أن تستمر في بناء نفسها. حتى الإنسان نفسه فهو يبني انهياره, فالحضارات تنهار والأمم تنهار فكلما تضخمت حملت ضعف معها. الإنسان هو الواعي الوحيد ومع ذلك لا يستطيع أن يستمر في البناء فما بالك بالأشياء غير الواعية؟! فتضع لهذا الكائن قدرة للتناسل حتى يبقى النوع وتضع رحم للأنثى حتى يحفظ الجنين وتضع أقدام للمشي وتضع أظافر!

إذن نحن منطقيا مخلوقون وكل ما حولنا مخلوق ولا يمكن أن يتطور, فكل شيء في هذا الكون داخل في حلقة البناء والتفتت, الذي خلقه ابتداءاً ليس محتاجا أن يطوره, لأن تطويره يعني تلافي أخطاء, وتلافي الأخطاء يعني نقص في الخلق. ومن هنا يسقط هذا الجمع بين نظرية التطور ونظرية الخلق الذي يؤمن به بعض المسلمين. إذن هناك شيء خارج هذا الكون وهو الذي يدير الكون, هو الذي قدر فهدى وهو الذي أنتج التوازن وجعل كل شيء يعمل في وقت واحد, لأنه لو لم يوجد التوازن لما وجدت الحياة. فلا يمكن أن يوجد نوع من الأحياء لوحده لا بد أن تكون كلها أتت دفعة واحدة مثلما السيارة لا تسير إلا إذا أتت دفعة واحدة. لو لم يكن هناك غطاء نباتي لما صارت الأرض بهذا الشكل ولما استطاع الحيوان أن يعيش, ولو لم يكن هناك حيوان لتضرر النبات, فكلها أتت مع بعضها دفعة واحدة وليس بالتطور.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق