الثلاثاء، 25 يونيو 2013

حوار حول الله والأديان ومدى صحة الإسلام.. الجزء الرابع والأخير.




الجزء الرابع والأخير من حوار الوراق مع ابنة أبي نواس


اقتباس من الوراق :

وهذا مما يثبت كلامي بعد أن صرحتي بكثرة ما لديك من نقد للحضارة الغربية مدحتيها الآن من حيث لا تعلمين، بأنها لا تدعي الكمال كما تدعي الأديان، مشيدة بتواضعها وواقعيتها وعدم المبالغة فيها ، أي أنك ترينها صادقة .
أما عن الادعاءات فهي لم تدع شيئاً لم تدعيه ، حتى صنع السوبرمان الذي لا يموت ولا يمرض ، وإيجاد الحياة والخلود، ولا بعد هذا الادعاء شيء ؛ لأنه ادعاء ألوهية لم يسبقهم بها إلا فرعون، وكذلك ادعاء نشر السلام والحريات والتنمية وحقوق الإنسان والديموقراطيات ...الخ ، بل هي أكبر من ادعاءات الدين الذي لم يدعِ أنه سيطيل عمر الإنسان ويبقي شبابه ويعالج أمراضه ويطوره إلى إله ، غير الإدعاءات عن أصل الكون والحياة ، فهي ادعاءات في الماضي و المستقبل أكثر من الحاضر،

ابنة ابي نواس :

اوكي .. هل الادعاء بحد ذاته مشكلة ؟ أم أن بقاءه معلقا في الهواء بلا دليل هو المشكلة
يمكن لأي شخص أن يدعي أي شيء ، لكن المحك عند الدليل
فرعون ادعى الالوهية - حسب القصة القرآنية - ولم يثبت ذلك
والدين ادعى وجود حياة اخرى ولم يثبت ذلك
والعلم ادعى القضاء على الأمراض وقد أثبت جزءا من دعواه وما زال في طريق الإثبات
أين المشكلة ؟

الرد :

إذن أنت مؤمنة بالسوبرمان-الإله ومعرفة سر الحياة, وقبل قلت بأن الحضارة الغربية لا تدعي شيء , مع ان العلم لم يقدم دليلا واحدا على هذا الشيء فلم يعد العلم الحياة مرة واحدة ولو في ذبابة! أما عن معالجة بعض الأمراض فلم تكن الأمراض يوم من الأيام حاجزا غيبيا والقدماء عالجوا الكثير من ألأمراض ، لكن هذا السوبرمان ليس رجلا قليل الأمراض, هو رجل خالد يمتص اللذات ما بقيت السماوات والأرض ولا يموت ابدا ولا يشيخ وسيصنع الحياة بل ويخرج الموتى من القبور! هو إله بإدعاء الملاحدة أو إله الملاحدة وهو ليس إله خارج عنهم بل إنهم هم الآلهة ، كدعوى فرعون تماما مع أن فرعون لم يدع الخلود .

هل يوجد إدعاء أعرض من هذا الإدعاء ولا دليل عليه ؟ ألا تلاحظي أن هذه الأمنيات غير متناسبة مع اكتشاف جرثومة في مجهر مكبر وإدخالها في جسم كي يصنع لها مضادا؟ فيأخذون من الطبيعة ويعالجون به الطبيعة تماما كأسلوب القدماء يأخذون من النبات ليعالجوا به الإنسان والحيوان مع فرق التراكم الحضاري الذي أنتج دقة أكثر. هذه الإدعاءات ليس عليها دليل واحد ، أما معرفة بعض الأمراض يوجد دليل عليه ولم تكن حاجزا غيبيا, أما عن الحياة وكيف تنشأ الحياة فلم يكتشف العلماء ولو خيطا واحدا ولن يكتشف, فقط حتى تتفائلي كل هذا التفائل ، فكل ممكن له تاريخ وما ليس بممكن ليس له تاريخ فلا يخدعك الملاحدة بأمنياتهم الخرافية محتجين باكتشاف العلم لبعض الأمراض ، العلم نفسه سبب أمراضا أكثر مما حل ، يكفيك قائمة السرطانات التي تزداد ومشاكل الاشعاع والوراثة وأمراض التلوث , حتى في مجال الأمراض كيف نقول أو نثق بأن العلم سيحلها وهو يحل مرضا وينتج ثلاثة بدلا منها لم تكن موجودة ؟ أين الواقعية التي تدعونها ؟ لماذا تبخرت في هذا الموضع وحل محلها الإيمان والخرافات؟ هل تريدين أن تُثْبَت الحياة الأخرى في الحياة الدنيا ؟ إذن كيف تكون حياة أخرى ؟ الدين لم يدعي أن سيريكم الحياة الأخرى في الدنيا بعد أن تنتهي حياتك ، وستعلمين حينئذ إن كان كاذبا أو صادقا . لكن مزيدا من الفلسفة يستطيع أن يثبت لك ضرورة وجود الدار الآخرة كضرورة فلسفية حتى يستطيع الفكر البشري أن يأخذ دورة كاملة ويستقر بعد تعلقه كخطوط فكرية متجهة إلى الأعلى مستقلة عن بعضها البعض .

بمعنى آخر : لا توجد فلسفة علمية شاملة تستطيع ان تفسر كل شيء ، ولن توجد اصلاً ، لكن الدين الحقيقي يستطيع ان يقوم بذلك ، فيستطيع ان يقدم رؤية شاملة للحياة ، والواقع يؤيده دائما ولا يقف ضده ابداً ، بعكس فلسفتكم التي تصطدم مع الواقع الانساني بشكل دائم . وكل ما قدمته هو اصطدامات لفلسفتكم مع الواقع ، ولكنكم لا تحبون الاقرار بها ، بينما هي حقيقة موجودة لمن شاء الحقيقة و احبها . ولم اتلقى ردودا تثبت بطلان ما ذهبتُ إليه .

اقتباس من الوراق :

وهذه من علامات الكذاب أن يكثر من ذكر الماضي والمستقبل ، نعم.. هي ادعت أنها طريق الكمال البشري ولا يوجد طريق سواه ، والواقع أثبت أنها طريق القلق والكآبة والتفكك والأمراض النفسية وتدمير البيئة والانتحار بموجب الإحصاءات ، وهذا لا يعني رفض كل معطياتها ، ولكن هو رد على ادعاءاتها العريضة بالكمال الوشيك على ذمة العلم .      

ابنة ابي نواس :

وهل لديك خيار أفضل ؟
اساسا ليس من مصلحتك أن تجعل العلم والحضارة منتج إلحادي !
أراك تهاجم العلم وتظن أنك تضرب به الملحدين
بعض العلماء مؤمنين طيب ! فيهم المسلمين وفيهم المؤمنين بوجود رب أيا كان
والعلم أيضا منتج حضاري بشري اشتركت فيه شعوب الأرض بملحديها ومؤمنيها على اختلافهم
كن منصفا وأجب نفسك : هل الحياة قبل العلم التجريبي أفضل أم بعده ؟

الرد :

طبعا يوجد خيار ، ومن قال اني جعلت العلم والحضارة منتج الحادي ؟ هذا ادعاء خاطئ لمن ادّعاه ، فالحضارة قامت على الاديان في الاصل ، انا اتكلم عن الحضارة المادية ، التي تشمل من له دين اسميّ ومن ليس له دين ، حتى ان صاحب الدين قد يكون ماديا وتدينه مادي ، اما الملحد فلا يحتاج إلى تكلف في معرفة ماديته .

أنا لا أهاجم العلم ، أنا اوضح النطاق للعلم ، ولست أنا من أحدده أيضاً ، إن الطبيعة والواقع هي من تحدده ، دعيني اسألك : هل العلم يستطيع مهما تطور ان يغير من نتيجة المعادلة : 1+1 = 2 ؟ 

أنا أقول ان دعاة الإلحاد وخدم الرأسماليين استغلوا ويستغلون فكرة ان العلم استطاع ويستطيع أن يحل الكثير من المشكلات المادية التي واجهت الانسان ، وهذا حقيقي ، ولكن خدعتهم أنهم ضخّموا موضوع العلم وعمّموه على كل شيء ، سواء كان من نطاقه أو من غير نطاقه مما لا يستطيع الدخول إليه ولن يستطيع  ، مستغلين انبهار العوام – ولا أعدّك منهم ، لأن حوارك طويل وهادئ ومحترم ، وهذا ما لا يتمتع به العوام الذين ناقشنا كثيرا منهم في هذه المواقع - بمعطيات العلم ، فصوّروا لهم ان العلم قادر على كل شيء ، وأنه هو الإله البديل ، فبما أنه حل مشكلة الجدري ، وحلّق بكم في السماء ، إذاً فهو قادر على كل شيء وعلى أن يخبركم ما هو آخر السماء ، بل قادر ان يخلق سماء جديدة ، فما الذي يمنعه ؟ ألم يكتشف الجراثيم ؟ إذا فهو قادر على خلق نجوم جديدة ! ، وتبقى المسألة مسألة وقت ، فقط تخلّوا عن أديانكم وألحدوا حتى يتشجع العلم بإلحادكم ويخبركم عن الحكاية من أولها لآخرها ، ويعيد بناءها لكم مرة أخرى ، ويخلق ما تشاؤون أمامكم ويخلق مالا تعلمون ! وبذلك يسقط فكرة الإله المرتبط بالأخلاق نهائياً !! ويبقى الإله الغير مرتبط بالأخلاق وهو العلم المادي ,  قليل من الوقت وكثير من الإلحاد وفصلٌ بين العلم والأخلاق والانسانية يحل المشكلة !! هذه باختصار دعوى سام هاريس ،  الداعية اليهودي الملحد .

هذا السؤال أكبر مما تتخيليه ، فهو سؤال فلسفي ، بنظرة إلى الحاضر والعاجل يكون معك حق ، ونظرة للشامل وللبيئة بشكل عام ، يكون العكس . ولا أحب أن أخوض في تفاصيل هذا الموضوع ، ولا أدعي أن لي رايا حاسماً فيه ، الآن على الأقل ، ويبقى العلم نور والجهل ظلام ، لكن لا تستطيع أن تنكر أن القدماء عاشوا بدون تلوث ولا مشاكل مياه ولا احتباس حراري بل ولا تدخين لأن الحضارة هي التي نقلت التدخين والمخدرات والمسكرات إلى أغلب أجزاء العالم التي لم تكن تعرفها أصلا. ووسائل النقل الحديثة وشدة الاتصال نقلت الأمراض الجسمية والاجتماعية وغيرها  بين البلدان بسهولة.  لم يكن عند القدماء حوادث مروعة كحوادث السيارات والطائرات والحرائق والكهرباء, بل لا يكادون يعرفون حروب المدن التي تسقط الصواريخ على رؤوس المدنيين لأن المعارك كانت تقام في خارج المدن بين المقاتلين أنفسهم. لم تتدمر الغابات والنباتات في زمنهم ولم تحجز وتسور الطبيعة ويقام بدلا من الغابة المصانع الملوثة , لم يعيشوا القلق المزمن الذي يعيشه الإنسان العصري وإن كان لديهم أمراض فنحن لدينا أمراض وأخطاء لم يعرفوها , والقدماء لم يعرفوا الانفجار السكاني الذي يهدد بنضوب الموارد , لو قمت بنظرة مقارنة لما قبل الثورة الصناعية وما بعدها ستكونين في حالة من الحرج أيهما أفضل ؟ ما قبل التقنية أو ما بعد التقنية ؟

الحقيقة أيتها العزيزة أننا لا نعيش في جنة كما تحبين أن تتخيلي ولم يكن القدماء يعيشوا في جحيم كما تحبي أن تتخيلي , ولكل زمن مشاكله , فكلما أحسن العلم التجريبي كدر ومن بمعروفه وأفسد في مواضع لم ينتبه لها , أنا لا أريد علما تجريبيا فقط لوحده ، أريد بجانبه علما انسانيا أيضاً لأن الإنسان أهم من المادة ، على عكس ما ترون ، ووجود العلم التجريبي المادي لوحده هو المشكلة ، ليس لأنه سيء ، بل لأنه لوحده ، ولأن معطيات العلم كلها من أجل الإنسان الذي لا يُعْرَف ولا يؤخذ رأيه في سياق حمى النفعية والراسمالية الغير حكيمة  ، فالمادة تعرف والإنسان لا يُعرف !

هذا ما أنتج الخلل وأنتج مشاكل العلم وتضرر الانسان من نواحي واستفاد البعض على حساب الباقي الأكثر وهو الإنسان والطبيعة مؤقتا من نواحي ، لدرجة أن كثير من الناس ، حتى في الغرب ايضا تمنوا أن العلم لا يتطور لكثرة ما انتج من آلات الفتك والدمار وإفساده المستمر للبيئة ، ويحسبون ان العلم التجريبي هو المشكلة ، اصبح العلم وكأنه سلاح فتاك بيد مجنون ، بسبب غياب الإنسان والأخلاق عن العلم ، وليس العلم سيئا بحد ذاته بل المشكلة في التقنية ، وبالرجوع إلى كتب حماية البيئة سترين حجم الخسارة والتلف الذي حل في البيئة  ، وتستطيعين حينها ان تجيبي على سؤالك ، وكيف ان الانسان و حياته اصبحا في خطر على الامد البعيد ، فانقرضت انواع من النبات والحيوان ، بل غابات باكملها وتلوثت المياه والانهار والهواء والاوزون والغلاف الجوي ، إلى آخره .

هذا هو العلم الذي اعتمدتم عليه بدلا من الله ، هو غير قادر على اصلاح اضراره ، مثل صنم قوم ابراهيم الغير قادر على اخبار اتباعه من كسّر الاصنام الاخرى ، مع أنه يقف بينهم .

انا ليست قضيتي مع العلم ، أرجو ألا تفعلي كما يفعل بقية الملحدين من اتهام المؤمنين بمحاربة العلم ، مع أن الغالبية من العلماء هم مؤمنون ، قديما وحديثا والعلم اصلا منتج ديني , ليست قضيتي مع العلم ، بل أنا أفصل بين الالحاد والعلم ، بل واتهم الملحدين بمحاربة العلم ! ومحاولة اعتسافه لصالح ايديولوجيتهم المصلحية واللذائذية قريبة النظرة .

اقتباس من الوراق :

وهذه مدحة أخرى !
أنا أرى أن هذا ليس من الجيد، بل من الجيد أن يوجد رب يهدد بالنار ليردع الظلمة والكاذبين ، ويردعني أنا حتى لا أظلم نفسي ولا غيري ، لأني إذا انسقت وراء مصالحي وشهواتي فحتماً سأنسى الفضيلة التي أحبها ، ولا يجعل المعاندين يتهنون بانتهاك الحقائق باسم القوة ، حتى لو لم يردعهم لن يجعل هذا ضمائرهم مرتاحة مئة بالمئة ، وليطمئن المحسن الذي يعمل الخير ويحبه ويُجحد حقه بل ربما ظلم واتُهم؛ بأن حقه لن يضيع فيستمر في فعل الخير رغم عدم تقدير الخير من قبل الآخرين .

ابنة ابي نواس :

الفضيلة التي تحبها علمتها لك والدتك التي تعلمتها بدورها من حياة الجماعة التكافلية لكي يسند بعضهم بعضا
والمعاندين الذين يأخذون بالقوة قد يكونون ملحدين يبحثون عن مصالح علنية
أو مؤمنين يبحثون عن مصالح مغلفة بالدين كنشر الدعوة
عدنا للمربع الأول
الظلم يصدر عن الجميع .. والله والعلم والحضارة والتربية غير قادرين على استئصال الظلم من أنفس البشر !

الرد :

فكرتك من المترجمات الغربية فكرة خاطئة و غير منطقية وتسقط أمام البحث الجاد , الفضيلة شيء والمصلحة شيء آخر ولم يجتمعا مرة واحدة حتى يجتمعا كل مرة , مزيدا من التدقيق واعتماد على النفس أكثر من النقل تتضح الصورة .لأن قياداتكم الفكرية عبارة عن أقلية جاءت لأجل المصلحة والتجارة في مجتمعات مختلفة عنها بل وتكرهها وأشاعت هذه الفكرة لأن الفضيلة في تلك المجتمعات ضد مصالحهم, فمن مصلحتهم أن يحاربوا الفضيلة حتى تنفتح تلك المجتمعات أمامهم , ومن مصلحتهم نشر الليبرالية ومحاربة العنصرية حتى لا يؤذيهم أحد, ونشر الفردية حتى يكسروا أي تكتل قد يقف في طريقهم, ونشر الإلحاد لإخراج الدين عن الساحة, لأن تدين تلك الشعوب ليس في صالحهم لأسباب تاريخية, فكل أفكاركم عبارة عن مصالح أقلية تجارية تملك رأس المال الذي يستطيع أن يتحكم في الإعلام و استفادت بلا شك أيما استفادة بعد أن راجت هذه الأفكار وانتشرت وأصبحت مسيطرة بعد أن كانت معزولة. هذا بخصوص أمك وجدتك ويامحلا لم الشمل , هذا من ناحية أصل فكرتك .

لا أحد يستطيع أن يستأصل الظلم من نفس تحب الظلم ومن كره الظلم فطريق العدالة مفتوح ولم يدعي اي دين أنه سيصلح الناس رغما عنهم  ,النظام التكافلي يستعين بالخير والشر أيضا, وما ينتج الشر لا ينتج الخير(قانون) فالفضيلة تقول لا تقتل احد ولا تأخذ مال احد إلا بالحق, وفضيلة المجتمع التكافلية ولا أسميها فضيلة تقول لا تقتل ولا تسرق من مجتمعك واقتل واسرق من المجتمع المعادي , أليس بينهما فرق؟ أليست هذه فضيلة مطلقة وتلك مصلحة وليست فضيلة ؟ أليس الإنسان يضحي بمصالحه لأجل فضيلة ؟ إذا كنت المصلحة هي الأصل لماذا توجد الفضائل السامية ؟ ولماذا لا تقولون عن المصالح النفعية بأنها سامية ؟

لماذا يتخلى الإنسان عن المصلحة لأجل الكرامة ؟ لماذا الإنسان يكره أن يوصف بأن كل تصرفاته بدافع المصلحة؟ وأنت كذلك ؟ هل تحبين أن  تعرف مصالحك أو تعرف مشاعرك وتقيمين على أيهما على مصالحك أم على ذاتيتك وأخلاقك ؟ هذا إن كانت المصالح تعرف بأحد , هل تقولين عمن عرف مصالحك بأنه شخص يفهمك ؟ أم تفرحين بمن يحس بإحساسك حتى لو لم يعرف مصالحك ؟

الإنسان عبارة عن وجود مادي ووجود معنوي, المصالح تابعة للوجود المادي والفضائل التي تشتق منها الأخلاق تابعة للوجود المعنوي والوجود المعنوي أثمن عند الإنسان من الوجود المادي, فهو يعرض نفسه للخسارة وجسمه للتعب أو الجوع أو الحرمان لأجل أمور سامية بغض النظر عن انتمائه لدين أو لغير دين وجرح إحساسه وكرامته أشد من جرح يده , هل نستطيع أن نعتسف هذا ونقول أنه لأجل المصلحة ؟ العقلية المادية تعاني صعوبة في تفسير الإنسان وتضطر للإعتساف.

والتفاهم صعب وسيزداد صعوبة بين العقل المادي والإنسانية لأنه لا يستطيع أن يفهم إلا من خلال المادة فقط, يستطيع أن يفكك ولا يستطيع أن يركب , إنه عقل متطرف وبطيء الفهم إنسانيا لدرجة أنه ينكر وجود الفضيلة وهي أكبر محرك للبشر , ولا يستطيع أن يفهمها ويحتاج لأدلة على اشياء واضحة يعرفها الأطفال, ودائما يعوزه الدليل فهو عقل كليل, ويربط تصرفات الإنسان السامية بحبال بعيدة ملتفة  تنتهي بقطعة مادية لا تساوي قيمة الحبل, ولو كان كل الناس يملكون هذه القدرة الفائقة في التخطيط والإلتفافات لأجل المصالح فأين سيكون مكان  البسطاء من الناس؟

إذن المادي ابعد من يفسر الإنسان , فالإنسان الذي يقاتل حتى الموت لأجل مبدأ حتى لو لم يكن منتميا لدين سوف تحاولون ربط عمله هذا بهدف مادي لأنكم لا تعرفون إلا المادة كما علمتكم الجدات التجارية هناك , ستعجزون عن هذا الربط فهو لا ينتظر جنة ولا نار .أين المصلحة هنا ؟ ستقولون لأجل مصلحة المجتمع في الوقت الذي تضعون سلم الأولويات المصلحة الشخصية ثم المصلحة الإجتماعية فماباله ضحى بالمصلحة الشخصية مقابل المصلحة الإجتماعية وقتل نفسه لأجل أن يحصل على حماية المجتمع ونفعه بجسده الميت مادام الكلام مصالح ؟ ووجود المجتمع أصلا لمصلحة الفرد كما تقولون, لماذا الفرد ضحى لأجل المجتمع الذي وضع لأجله فأيهما خادم الثاني ؟ وهكذا تتبخر خرافات الأمهات والجدات بتعميم المصلحة والجسد على كل شيء لأنهن يتكلمن عن أنفسهن وليس عن البشر.

اقتباس من الوراق :

فهذا الإله هو الحافز الوحيد في هذه الحالة {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا } والله نعم الحارس للأخلاق، ولولا الله لن أستمر في عمل الخير بالنسبة لمن يسيؤون إلي ، لأني أجد منه العزاء والتشجيع ، والله ليس جلاداً ولا محتاجاً لأعمالنا حتى يحاسبنا بآلية ويرمينا بالنار لأسباب تافهة ، وهو صرح بأنه سيبلو سرائرنا و ليس أعمالنا ، ولا خوف ممن يعاملك وهو يفهم نيتك ، فسيكون الخوف من نفسك ألا تنحرف ،

ابنة ابي نواس :

كلام جميل لا دليل عليه للاسف

الرد :

ماذا تقصدين بالدليل ؟ هل تقصدين دليلا من القرآن ؟ ثم مادمت لا تسيري إلا بأدلة ما الدليل ان هذا الكلام جميل؟

اقتباس من الوراق :

 لكن الخوف من يحاسبك على مظاهرك وأفعالك حتى لو كانت نيتك طيبة ، فالنية لا تعني عند البشر شيئاً ولكنها تعني عند الله كل شيء ،أما أن تكون الحياة غابة - مع احترامي للغابة لأنها أعدل - القوي يأكل فيها الضعيف بموجب قوانين البقاء للأصلح وغياب المرجعية الأخلاقية وغياب المحفزات على الفضيلة والعقوبات على الرذيلة .. فهذا الوضع يخيفني أكثر مما يطمئنني فأنا لا أحب أن أَظلم أو أُظلم , فليس من الوضع الجيد حسب رأيي كما ذكرت .      

ابنة ابي نواس :

وهل إيمانك بالحلم يغير من الواقع شيئا ؟

الرد :

طبعاً ، يغير واقعي على الأقل ، ولم يتغير الواقع قط إلا بالأحلام ، أليس كذلك ؟ وأنتم لكم احلام ولكنها ليست جميلة ، هي تناسب من في داخله رغبة في التسلط وقهر الطبيعة وطمسها ، واطلاق العنان لللذائذ ولديه شهوة في القوة والتجبر . تبعاً لقانون البقاء للافضل الدارويني الذي تؤمنون به ، اي لا بقاء للاضعف ، هكذا أحلامكم باختصار . مع أن الغابة يعيش فيها الأقوى والأضعف جنبا إلى جنب ، بل وبتكافل . أحلامكم أسوأ من شريعة الغاب بناء على الأفكار ، وانا لا أتكلم أي كلام إلا بناء على الأفكار المطروحة ، ولا أخاطب شخصاً أو أشخاصاً بل فكراً ، احترم اشخاصكم مع أني لا اعرفكم ، ولا يعني أن كل ملحد مخصوص بهذا الكلام ، لأنه ليس أكيداً أن كل ملحد يتبنى أفكار الإلحاد ، فأرجو عدم التداخل بين الشخص والفكرة ، فأنا لا أعرفك ولكن أعرف الافكار التي تقدمينها ، ولا اعرف هل أنتي تتبنينها أم لا ، ولا يهمني ذلك وليس من شأني . وأنا أدخل الحوار من أجل الفكرة وليس من أجل الشخص ، وأظنك كذلك .  

اقتباس من الوراق :

 الله لايصنع أفعال البشر بل نياتهم هي التي تصنع أفعالهم وإلا كيف يختبرهم وهو الذي يصنع أفعالهم فالله لايغزو العراق الآن ..أكل هذا لتبرئة ساحة لطفاء أمريكا ؟

ابنة ابي نواس :

هه هه هه لماذا تفترض أنني أدافع عن امريكا ؟ أنا أكره أمريكا كدولة وسياسة واقتصاد ايضا
كزميلنا السعلي حفظته اللات والعزى 
ووضع امريكا مقابل الله في المثال هو لأنني أخطيء الاثنين معا

الرد :

من الصحيح إذاً ؟ لا بد للإنسان من نموذج ومثال ، أم أن الوضع السليم أن يعيش الإنسان بلا مثال يحاول الإقتراب منه ؟ هذا يعني حياة فوضوية ، لا يستطيع ان يحدد موقعه فيها ، إلا إذا كان عنده مثال يقيس مدى قربه وبعده من ذلك المثال .

لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا قيمة ، فسيكون حينها أردأ من الحيوان ، لأن الحيوان تنظّمه الغريزة ومحكوم بها ، والغريزة مرتبطة ولصيقة بالطبيعة ، أما هذا الإنسان الذي بلا قيمة ، فهو غير مرتبط بالطبيعة لأن له حرية إرادة وتفكير وليس محكوماً بالغرائز جبرياً كالحيوان ، ولكنه بدون غاية ولا مثال ، فكيف سيكون ؟ سيكون حينها أردأ من الحيوان ، لأنه يتخبط فيما يرى أنه مصلحة ، وليس صحيحا أنه يعرف مصلحته تماماً ، وكل إنسان يشهد بأنه أخطأ كثيرا في تحديد مصالحه ، إذاً الوضع سيكون ( كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ، لأن الأنعام تعرف سبيلها . إذا اتفقنا على هذا ، فيجب أن تطرحي المثال والنموذج ما دمتي ترفضين امريكا والله كنموذجين ، مع أن امريكا هي النموذج الاقرب لافكارك وليس الله ، وها أنتي ذا ترفضين امريكا ! مع أنها تتصرف بطريقة برجماتية مصلحية ولا تنطلق من تأثير الدين و تحترم الفلسفة المادية وتقدس العلم ، فما الفرق بينكم ؟ ولماذا التنصل ؟ أم أنها تطبيقات لأفكاركم ؟ في الوقت الذي تنتقدون فيه تطبيقات المسلمين ؟ وتهربون من تقييم تطبيقات افكاركم ؟ وإذا كنتي ترفضين وجود مثال ونموذج ، وأن تُعاش الحياة هكذا بطريقة بوهيمية ، فأنتي إذاً ترفضين العقل ، وإن كان كذلك فسيكون موقفك ضد العقل ، ويتعيّن حينئذ أن لا يندرج في خطابك لفظة العقل والمنطق والقيم .

اقتباس من الوراق :

 نحن نقول الله يختبر الناس وأنتم تقولون الله يصلح الحياة ويزيل الشرور، وهذا خلاف كبير بين وجهات النظر .,. على الأقل نحن مؤمنون وأدرى بما يريده الله بموجب تصريحاته.. هو لم يصرح بمنع الزلازل والعقم فمن أين أتيتم بهذا الكلام ؟؟
  
ابنة ابي نواس :

بما أنه لا يفعل فليتح المجال لغيره إذن
فليبتعد عن الطريق كما فعلَ مشكورا في البلاد المتقدمة ويتيح للحضارة البشرية المادية أن تشق طريقها
هذا ما نريده .. إصلاح دنيانا التي يعيش فيها المؤمنون والملحدون إخوة
ولتبقى الآخرة والله للمؤمنين

الرد :

وهل منع ذلك ؟ الم يشجع على العلم ؟ أليست أول آية في القرآن نزلت هي إقرأ ؟ لا نجد في الشعر والأدب الجاهلي ما يفضّل العلم والعلماء على الجهل والجاهلين ، بينما الله يقول : إنما يخشى الله من عباده العلماء ، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وكلمة علم كلمة عامة ، ولا تعني العلم الشرعي فقط ، بدليل أننا نسمي دارس الفيزياء بالعالم ، مثل ما يسمى الخبير بنصوص ومقاصد الدين بالعالم أيضاً ، هل كان للعرب علوم تذكر قبل ظهور الاسلام ؟ إلا ما ندر و تجارب وحكم متفرقة لا تسمى علماً . إذاً فهو يحث على العلم ، وهو سبب قيام الحضارة العربية والاسلامية التي تعد أكبر رافد لقيام الحضارة الغربية ، بشهادة المفردات اللغوية الكثيرة الداخلة في اللاتينية والالمانية والانجليزية والفرنسية والاسبانية ، ولا اظن احدا ينازع على هذا ، فعلوم الصوتيات والنحو والصرف والبلاغة والنقد الادبي والتفسير والجرح والتعديل والمعاجم تسمى من علوم القرآن ، وهكذا توسعت الدائرة لتشكل علوم الفلك والطبيعة والطب إلخ ،

هذا ما فعله ، وهذا ما يريده القرآن ، أن تبقى الآخرة للمؤمنين ، وأن يعرف المعاند مصيره بموجب هذا الإيمان ، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون بعد موتهم ، فلا اكراه في الدين ، أما عن إصلاح الحياة ، فالقرآن ليس ضده ، بل يدعو إليه ويكره الفساد والإفساد ، والله لا يقبل أحداً مرغماً على قبوله والاعتراف به ، وهو أغنى الشركاء عن الشرك. أما أن تنقلي تصرفات البشر وتحوليها إلى تصرفات إله، وكل من اخطئ أو أساء وهو يحمل ديانة ، تجيّر أخطاؤه على الله ، فهذا ليس من العدالة ، لأنك لم تجيري أخطاء امريكا على الفلسفة البراجماتية الليبرالية والمادية التي تؤمنين بها ، وهذا أيضا ليس من العدالة . فإذا أخطأ المسلم فالله من أخطاً ! وإذا أخطأت امريكا فليست الليبرالية من أخطأت! إنما هو اجتهاد شخصي من جندي أو رئيس لا يمثل إلا نفسه ، ولو قتل الناس للتسلية أو ألقى القنابل الذرية !!

 المشكلة هي على أي أساس يكون الإحتكام مع من ليس له اساس ؟؟ المنطق والعقل والدين ليست مرتكزات لديهم ! والمصلحة متغيرة دائماً ! ما هي المرجعية التي نحتكم إليها في حوارنا ؟ لا توجد . كل المراجع ملغية ، وهذا الوضع بحد ذاته ليس مدحة لكم بأن لا يكون لكم مرجعية للإحتكام ! فأنتم على هذا الوضع مثل من يضرِب ولا يضرَب ! أنتم في الوضع الزئبقي ! لا يوجد شيء محترم عندكم ولا مثال ولا فكرة ثابتة تستقرون عليها ! تدّعون احترام العلم كمرجع ، ولكن العلم عندكم عبارة عن ميتافيزيقيا الحادية وليس ما اثبته العلم واقعيا ! تتخيلون أنكم بعيدون عن الميتافيزيقيا وأنتم متفيزقون ، ولكي ان تتصوري من هم الذين ندخل معهم في حوار ولا يجمعنا معهم اي مرجعية نحتكم إليها ؟ أترك لكم أن تتخيلوا هذا الوضع ! كيف التحاور مع أناس لا يريدون ثوابت ولا يتمسكون بها أصلاً ، بما فيها آراؤهم ؟ هل نحن مقبلون على عصر ليس ببشري ولا حيواني ؟ ربما عصر الحيوان البشري ؟ الذي لا تجتمع فيك معه أي ثوابت تحتكم إليها ؟ أنا لا اسب هنا ، وأحيلك هلى الفيلم الإلحادي بعنوان الحيوان البشري The Animal Human ، وكل ما قمت به أنا عبارة عن توضيح لبعض الأفكار وإثبات خطئها ، أما ان يكون حوارا يوصل إلى نتيجة ، فيجب أن يكون بين من لهم ثابت يرجعون إليه ، ومدى بعد أو قرب الطرفين من هذا الثابت المتفق عليه ، حتى نخرج بنتيجة .

أنتم تستطيعون ان تنتقدوا أي منتسب إلى دين بالمقارنة بينه وبين ثوابته ، أما أنتم فليس لكم ثوابت دائمة ، وتسمحون لأنفسكم أن تتخطوا الأخلاق أو العلم أو العقل أو المنطق ، على حسب ما تريدون ، أو تشغلونها بطريقة تناوبية حسب المصلحة ، أما تصرف الشخص الليبرالي فلن تنسبوه لفكركم ، بحجة أنه ليبرالي وليس له ثوابت ويتصرف كما يشاء . وبهذا لا تكون الليبرالية مرجع لأنها تعني : اللامرجع ! اي حيلة خبيثة بحيث تجعل انتقادك لغيرك سهلاً لأن له ثوابت ، وتخرجك من دائرة النقد لأنك ليس لك ثوابت أو قيم تضطر للرجوع إليها ! ولكن منظّريها لم يعرفوا أن هذا يُخرج الإنسان من دائرة الإنسان إلى الحيوان الذي لا يمكن أن يتفاهم معه الإنسان ، وربما قصدوا ذلك . فها هم يركزون على حيوانية الإنسان . ليصنعوا الحيوان البشري الذي لا يمكن التفاهم معه . لأن ليس له ثوابت . هذا الضع يشبه وضع الإنسان الذي تنصل من الذوق والحياء والقيم ، ويشتم الناس فيؤذيهم ويشتمونه فلا يتأذى ، ويحسب بهذا أنه منتصر عليهم ، بينما هم يرونه خارج عن دائرة المروءة الإنسانية . لهذا قالوا : شر الناس من يتقى لسانه ، وإذا لم تستح فاصنع ما تشاء . أي ليبرالي ، لا يقيده شيء إلا الخطر .

لا زلت أستقرئ الأفكار ولا أخص أفراداً .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق