سوسنة الكنانة :
نسأل الله أن تكون حياتنا له , وهنا سؤال ,قلت :
ولا تقيد نفسك بالطموح وتضع أهدافا محددة فأنت تضيق واسعاً وتلزم نفسك بطريق ضيق
واحد
هل طموحنا يقيدنا ؟! تعريف الطموح أنه بلا قمة ,
وهل الهدف المحدد أيضا يضيق علينا فكرنا ؟! أليس أنجح طريق لتحقيق الأهداف تحديدها
؟
الرد :
الاهداف نفسها هي شيء مُحدد لأجل واسع ، فشخص يطمح لأن يحصل على الوظيفة
الفلانية ، يريد ان يصل اليها ليتسع ، لا ان يذهب بعدها الى هدف اضيق ، مثلا يريد
ان يكون له مكانة في المجتمع ، او يريد ان يتمتع بتأمين صحي اكبر ، بعبارة اخرى :
سعادة بالنسبة له ، و السعادة غير محددة .. و الواسع طرقه ايضا واسعة .. و تحديد
شيء واحد : أكون او لا اكون ، يسبب العسر والكلفة والعنت والقلق والامراض النفسية (لأن
اساسها الخوف) و صعوبة في تحمل الفشل ، وغير مناسب للتوكل على الله ، وغير مناسب لأن
يكون الشخص حكيما .. بل نجد من انتحر لانه لم يحقق هدفا معينا كان يعيش من قبله ،
وبسببه مات ! مع انه اتخذه لكي يعيش عيشة اسعد ..
هكذا الشيطان يضيـّق على الانسان ويحجر واسعا .. من حدد لنفسه قيّد نفسه ،
وكون الاهداف بلا قمة كما قلتي يعني مزيدا من الضيق و القيود في الانتظار ، ما دام
الطريق بدأ بقيد ، فستكون القيود الجديدة ادق واصعب .. لأن المسألة فيها قمة .. فالمفروض
ان نركز على الغاية لا الوسيلة ، بينما قصة الطموح هي التركيز على الوسيلة .. وهذه
لعبة الشيطان .. مثلما ركز الماديون على المادة لانها وسيلة الحياة وليسة غاية
الحياة ، فجعلوها غاية ..
الدنيا وسيلة للآخرة ، الشيطان يريد ان يجعلها غاية .. هي من الاعيب الشيطان
على البشر : لعبة الوسائل والغايات ، ليصل بهم الى ان تبرر الغاية الوسيلة .. أي :
افعل ما تشاء لتصل الى هدفك .. ولا يوقفك اخلاق ولا دين .. فطموحك هو اثمن شيء .. و
بعده افعل الخير من باب التعويض ..
اذن الطموح طريق ضيق الى واسع ، هو السعادة ، فلماذا لا نأتي الواسع من
الواسع ؟ (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ،هذا مثل من يريد ان يوصلك الى
البحر من طريق واحد وعر ، مع ان البحر يحيط بالبلد من كل الجهات .. التضييق عـُسر
.. و رزقك الذي انت له و هو لك سيكون الطريق اليه ايسر ..
بعبارة اخرى : ما دامت الغايات غير محددة ، وهي السعادة ، فلماذا نحدد
الوسائل اليها ؟ اذن لنتوكل على الله ونفعل ما نراه خيرا و حقا ، ونجتنب ما نراه
باطلا و شرا ، ولا نحدد للسعادة كيف تكون ، ولا من اي الابواب يجب ان تدخل ، (والله
يعلم وانتم لا تعلمون) (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم ، وعسى ان تحبوا شيئا
وهو شر لكم) .. المهم ان نسير في طريقها الصحيح .. مثل من يسافر الى مدينة جديدة ،
فهو لا يحدد للمدينة كيف تكون ، المهم هو ان يلتزم بالطريق المؤدي اليها ، و يصل
اليها كما هي .. لاننا لا نعرف انفسنا تماما المعرفة حتى نحدد لها ما الذي يسعدها
بالتفصيل ، و كلنا جرب ذلك : توقعنا ان تسعدنا اشياء و اشتريناها ولم تفعل ، بينما
اسعدتنا اشياء وجدناها في الطريق الى المتجر و ربما مرمية على الارض .. وكم من
مغصوب على حضور الرحلة او الحفلة ، سعد اكثر ممن انفق عليها أو ممن دعاه اليها ..
و كم من رحلة سياحة وسعادة أو شهر عسل انقلبت الى هموم ومشاكل وبصل يسيل الدموع ،
بعد ان أكلت ما في الجيب ..
هذا الطريق كافي لان يوصلنا الى الواسع ، و الله واسع عليم، اي تصل اليه من
كل الجهات .. وليس كما يفعل بعض المتزمتين في الدين بتحديد مسار واحد ، و طموح
ديني واحد ..
لا شيء يستحق ان يكون غاية الا الله ، والله واسع ( فاينما تولوا فثم وجه
الله) ، فإذا لم تكن الدنيا غاية ، تسهل .. و اطلب الآخرة توهب لك الدنيا .. وقديما
قيل : ما اكثر القوت لمن يموت ، اي تموت طموحاته .. فمن يبحث عن شيء محدد ، يصعب
ان يجده في تلك اللحظة ، و لكن من لا يبحث عنه ، يمر عليه كثيرا ..
حرصنا يضيّقنا ، و يقطع رزقنا عن اشياء اخرى اهملناها ، ويوتر اعصابنا .. و هذا
لا يعني الا نرسم اي هدف ، بل نرسم اهداف لما يسر الله لنا من امور ، وهي معنا ،
بدلا من ان نطمح لشيء بعيد عنا لم نتصل به بعد .. بعبارة اخرى : نستثمر الموجود
والمتاح والقريب والممكن ، احسن من ان نترك ما يسـّر الله الى شيء لم ييسره ،
ونقوم بقفزة كبيرة قد تكسر اقدامنا .. وكل ما وصل الينا و تيسّر هو رزق لنا .. وما
لم يصل ليس رزقنا ، حتى يقترب منا ويلامس حياتنا .. ولعلنا نسميه "قانون
الانجذاب والتفاعل" بين الرزق والمرزوق .. فكلما سهل الاندماج بينهما وبين
اجزاءهما دل على انه رزق كامل ..
والبركة مرتبطة الرزق ، والبركة هي استكمال الشيء إلى آخره .. فهناك رزق
مبروك ورزق غير مبروك ، وكلمة الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ابركهن ايسرهن
مؤونة) ..
والذي يركز على غاية محددة ، مثل الرجل الذي اضاع ناقته في الصحراء ، وذهب
يبحث عنها ويكز عليها هي فقط ، نجده اهمل صيدا نادرا مر امامه ، و اهمل روضة جميلة
، وربما اهمل طريق العودة و تاه في الصحراء ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق