الأربعاء، 2 يناير 2013

رد على سوسنة الكنانة @sounaahmed حول الطموح وتحديد الاهداف و الرزق ..


سوسنة الكنانة :

نسأل الله أن تكون حياتنا له , وهنا سؤال ,قلت : ولا تقيد نفسك بالطموح وتضع أهدافا محددة فأنت تضيق واسعاً وتلزم نفسك بطريق ضيق واحد

هل طموحنا يقيدنا ؟! تعريف الطموح أنه بلا قمة , وهل الهدف المحدد أيضا يضيق علينا فكرنا ؟! أليس أنجح طريق لتحقيق الأهداف تحديدها ؟

الرد :

الاهداف نفسها هي شيء مُحدد لأجل واسع ، فشخص يطمح لأن يحصل على الوظيفة الفلانية ، يريد ان يصل اليها ليتسع ، لا ان يذهب بعدها الى هدف اضيق ، مثلا يريد ان يكون له مكانة في المجتمع ، او يريد ان يتمتع بتأمين صحي اكبر ، بعبارة اخرى : سعادة بالنسبة له ، و السعادة غير محددة .. و الواسع طرقه ايضا واسعة .. و تحديد شيء واحد : أكون او لا اكون ، يسبب العسر والكلفة والعنت والقلق والامراض النفسية (لأن اساسها الخوف) و صعوبة في تحمل الفشل ، وغير مناسب للتوكل على الله ، وغير مناسب لأن يكون الشخص حكيما .. بل نجد من انتحر لانه لم يحقق هدفا معينا كان يعيش من قبله ، وبسببه مات ! مع انه اتخذه لكي يعيش عيشة اسعد ..

هكذا الشيطان يضيـّق على الانسان ويحجر واسعا .. من حدد لنفسه قيّد نفسه ، وكون الاهداف بلا قمة كما قلتي يعني مزيدا من الضيق و القيود في الانتظار ، ما دام الطريق بدأ بقيد ، فستكون القيود الجديدة ادق واصعب .. لأن المسألة فيها قمة .. فالمفروض ان نركز على الغاية لا الوسيلة ، بينما قصة الطموح هي التركيز على الوسيلة .. وهذه لعبة الشيطان .. مثلما ركز الماديون على المادة لانها وسيلة الحياة وليسة غاية الحياة ، فجعلوها غاية ..

الدنيا وسيلة للآخرة ، الشيطان يريد ان يجعلها غاية .. هي من الاعيب الشيطان على البشر : لعبة الوسائل والغايات ، ليصل بهم الى ان تبرر الغاية الوسيلة .. أي : افعل ما تشاء لتصل الى هدفك .. ولا يوقفك اخلاق ولا دين .. فطموحك هو اثمن شيء .. و بعده افعل الخير من باب التعويض ..

اذن الطموح طريق ضيق الى واسع ، هو السعادة ، فلماذا لا نأتي الواسع من الواسع ؟ (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ،هذا مثل من يريد ان يوصلك الى البحر من طريق واحد وعر ، مع ان البحر يحيط بالبلد من كل الجهات .. التضييق عـُسر .. و رزقك الذي انت له و هو لك سيكون الطريق اليه ايسر ..

بعبارة اخرى : ما دامت الغايات غير محددة ، وهي السعادة ، فلماذا نحدد الوسائل اليها ؟ اذن لنتوكل على الله ونفعل ما نراه خيرا و حقا ، ونجتنب ما نراه باطلا و شرا ، ولا نحدد للسعادة كيف تكون ، ولا من اي الابواب يجب ان تدخل ، (والله يعلم وانتم لا تعلمون) (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم ، وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم) .. المهم ان نسير في طريقها الصحيح .. مثل من يسافر الى مدينة جديدة ، فهو لا يحدد للمدينة كيف تكون ، المهم هو ان يلتزم بالطريق المؤدي اليها ، و يصل اليها كما هي .. لاننا لا نعرف انفسنا تماما المعرفة حتى نحدد لها ما الذي يسعدها بالتفصيل ، و كلنا جرب ذلك : توقعنا ان تسعدنا اشياء و اشتريناها ولم تفعل ، بينما اسعدتنا اشياء وجدناها في الطريق الى المتجر و ربما مرمية على الارض .. وكم من مغصوب على حضور الرحلة او الحفلة ، سعد اكثر ممن انفق عليها أو ممن دعاه اليها .. و كم من رحلة سياحة وسعادة أو شهر عسل انقلبت الى هموم ومشاكل وبصل يسيل الدموع ، بعد ان أكلت ما في الجيب ..  

هذا الطريق كافي لان يوصلنا الى الواسع ، و الله واسع عليم، اي تصل اليه من كل الجهات .. وليس كما يفعل بعض المتزمتين في الدين بتحديد مسار واحد ، و طموح ديني واحد ..

لا شيء يستحق ان يكون غاية الا الله ، والله واسع ( فاينما تولوا فثم وجه الله) ، فإذا لم تكن الدنيا غاية ، تسهل .. و اطلب الآخرة توهب لك الدنيا .. وقديما قيل : ما اكثر القوت لمن يموت ، اي تموت طموحاته .. فمن يبحث عن شيء محدد ، يصعب ان يجده في تلك اللحظة ، و لكن من لا يبحث عنه ، يمر عليه كثيرا ..

حرصنا يضيّقنا ، و يقطع رزقنا عن اشياء اخرى اهملناها ، ويوتر اعصابنا .. و هذا لا يعني الا نرسم اي هدف ، بل نرسم اهداف لما يسر الله لنا من امور ، وهي معنا ، بدلا من ان نطمح لشيء بعيد عنا لم نتصل به بعد .. بعبارة اخرى : نستثمر الموجود والمتاح والقريب والممكن ، احسن من ان نترك ما يسـّر الله الى شيء لم ييسره ، ونقوم بقفزة كبيرة قد تكسر اقدامنا .. وكل ما وصل الينا و تيسّر هو رزق لنا .. وما لم يصل ليس رزقنا ، حتى يقترب منا ويلامس حياتنا .. ولعلنا نسميه "قانون الانجذاب والتفاعل" بين الرزق والمرزوق .. فكلما سهل الاندماج بينهما وبين اجزاءهما دل على انه رزق كامل ..

والبركة مرتبطة الرزق ، والبركة هي استكمال الشيء إلى آخره .. فهناك رزق مبروك ورزق غير مبروك ، وكلمة الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ابركهن ايسرهن مؤونة) ..  

والذي يركز على غاية محددة ، مثل الرجل الذي اضاع ناقته في الصحراء ، وذهب يبحث عنها ويكز عليها هي فقط ، نجده اهمل صيدا نادرا مر امامه ، و اهمل روضة جميلة ، وربما اهمل طريق العودة و تاه في الصحراء ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق