الجمعة، 2 يناير 2015

حوار مع مدير شبكة الالحاد العربي في موضوع (ما هو التقديس) .. 3



اقتباس:
أنت قلت : "كيف تريدون منا ان نحترمكم" ، أنا لم اقوّلك ما لم تقل ، هذا هو كلامك بنصّه ، وتقصد من ؟ تقصد المسلمين .. و الآن تقول لي "إخرس" .. لأني مسلم، أنت تمارس الإسلامفوبيا و واقع في العنصرية الدينية .. هذه مشكلتك أنت وليست مشكلتي ، وأنا لم افتري عليك ، وإذا كنت لا تستطيع أن تعي حتى كلامك الذي كتبته أنت، فهذا يؤكد أن المشكلة مشكلتك ..
كلمة "إخرس" تدل على بالغ إحترامك للمسلمين .. واضح أنك لا تستطيع أن تسيطر على نفسك ، باعترافك أنت ، وماذا يسمى من لا يستطيع أن يسيطر على نفسه ؟ قلها أنت .. وما سمي العقل عقلا إلا لأنه لجام الانفعالات الطائشة، وانت تعترف انك لا تستطيع ان تلجم انفعالاتك التي تخرج كما تخرج الجشأة ..

العقل مثل العقال ، يقيد صاحبه ، وأنت لا تستطيع أن تقيد نفسك، باعترافك ، اذن ما هو الجزء المفقود ؟ أو الحلقة المفقودة على طريقتكم ؟

أنت مصرّ على عدم الفهم؟ الإسلام، أنا أكرهه، نعم عندي إسلاموفوبيا، أكرهه و أمقته، و لا حاجة أن تعيد قولها كأنّك الذي اكتشف ذلك، فأنا أقولها و قلتها و سأقولها، إنّي أكره الإسلام يا عالم. و لكن قد تقول لماذا تتهجّم عليّ إذا كنت تكره الإسلام لا المسلمين، هذا لأنّك وقح، و ليس لأنّك مسلم، أنا حاورت الكثير من المسلمين ذوي الأخلاق العاليّة و أحببتهم من أعماق قلبي و تمنّيت لهم الهداية و الخروج من دروب الضلال و الخرافة، من بينهم الصديق مازن من منتدى اللادينيّين و زميلة أخرى نسيت اسمها. أمّا أنت، فأشهد في أوّل الأمر بوقاحتك، و لكن من يدري، قد يكشف المستقبلُ عن تحسّن في سلوكك، خصوصا بعد أن نهرتك بعض الشيء.

الرد : رمتني بدائها وأنسلتِ ! وعن تصريحاتها انسحبت ! حتى الوقاحة لا تعرف ما هي الوقاحة ! تتصف بها وترميني بها ! قل لي بإلحادك : ماذا تفهم أنت ؟ شيء واحد تعرفه تستطيع تحديده ؟ ومن لا يدري عن نفسه كيف يدري بغيره ؟ أنا لم أرمك بألفاظ غير مؤدبة حتى تقول عني أني وقح، بل تحملت وقاحتك، وكان حقّي أن أُشكر، كل هذا لأنني أقول رأيي كما هو، بدون مجاملة لأحد على حساب ما أعتقد و أفهم، وهذا سر وقاحتي عندك. أين احترامك لحرية الرأي؟ أنت تعاني من "الرأيفوبيا" وليس فقط الإسلامفوبيا ..

من يعادي حرية الرأي هو يعادي الإنسانية كلها.

اقتباس:
أنا غير متفاجئ ممن ليس لديهم لا حلال ولا حرام وليس في دينه نظام أخلاقي إلا على سبيل النفاق لأجل المصلحة أن يقول لي "إخرس" أو اسوا منها .. هذا هو دينك ! أليس هذا هو ؟ أم أنا أفتري على دين الإلحاد ؟ إذا كان له نظام أخلاقي أخبرنا به ..

اذهب و اكرز في منتديات بارك الله فيك، قال انظر إلى المستوى بين ديني و دينك، أنا ليس لديّ دين،

الرد : ليس لديك دين ، أي ليس لديك حلال ولا حرام ، ولا صواب ولا خطأ ، إلا اللذة والمصلحة .. هل هذا التحليل خطا في حق الإلحاد وهو يصرّح بذلك ليل نهار؟ كيف تفتخر بهذا ؟ هذا السؤال ..

أنا لبّ الأخلاق مع المتخلقين، و لبُّ الوقاحة مع الوقحين، مستوى دينك الحقيقيّ لا يظهر من تصرّفاتك أنت الذي شابتك بعض الإنسانيّة التي استقيتها من مجتمعك،

الرد : مجتمعي مسلم ! فهل تقول أن المجتمع الإسلامي يعطي إنسانية لأفراده ؟ أم أنك "ستكرز" هنا بموجب لفظتك التي لا أعرف معناها ..

و لكن يظهر في تصرّفات محمّد، ماذا قال محمّد؟ قال: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهنّ أبيه ولاتكنوه، و هذا مثال على الأخلاق الفمويّة لسيّد المرسلين، فلا تأتِ و تتجشّأ عليّ محاضرة تافهة حول الأخلاق، لأنّ نبيّك هو أسوأ البشر خُلُقا عبر التاريخ.

الرد : نبيي قال أيضا : المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وقال : اقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا، وقال : هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم .. والله وصفه بأنه على خلق عظيم. وهذه الرواية معناها صحيح في النهي عن التفاخر بالأنساب، لكن الرسول كما وُصِف كان عفّ اللسان ولم يكن فاحشا ولا متفحشا كما في الحديث، ولا يمكن للرسول أن يأمر بالكلام الفاحش، وعندما تكلم أحدهم بفخر الجاهلية وأنسابها، قال للموجودين : دعوها فإنها منتنة، ولم يدعوه بهن أبيه أو آباءهم .. فربما تكون هذه رواية بالمعنى من أحد الرواة. لاحظ أن صيغة العبارة فيها كناية نفسها، فقال : هنّ أبيه. مع أنها تنهى عن الكناية. والرواية التي تناقض بقية الروايات ستكون هي محل النظر أو التي تـُناقِض القرآن، لأن القرآن هو أساس الإسلام وهو الرسالة المهيمنة على الدين كله، ويُعرض عليه كل شيء في الإسلام، والقرآن لم يستخدم ألفاظ الفاحشة، حتى كلمة الغائط تعني المكان المنخفض، ومنه كلمة الغيط للأراضي الزراعية المنخفضة، والرسول كان خلقه القرآن كما في الحديث الصحيح. والقرآن كنّى عن عملية الجماع بملامسة النساء .

اقتباس:
لا لم يطلب الإسلام ، الإسلام قال : لكم دينكم ولي دين، هل نأخذ معرفتنا بالإسلام من ملحد ؟

أجل، سوف تأخذ درس الليلة من ملحد، و حول دينك، وربّما الدروس المئة القادمة، في إسلامك و في الأخلاق و في كلّ شيء، ستأخذ دروسا منّي فدعني أحكِ لك السيرة الذاتيّة لهذه الآية التي فلقتم بها رؤوسنا، لكم دينكم و لي دين، هل تعني السماح للكفّار بالكفر؟ أم إنّها براءة منهم و تمييز للإسلام عنهم، دعونا نر إذن:


الرد : ليست هي الآية الوحيدة في القرآن حول هذا الموضوع حتى تـُأولها كما تشاء .القرآن يقول أيضا : لا إكراه في الدين، ماذا نفهم من هذه ؟ وماذا بعد هذا الوضوح ؟ بل و يقول : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..) هذه آية مدنية وليست مكية حتى تقول أنها بدافع الخوف. بل يستنكر القرآن من الإلزام، (أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ، وقال للنبي (لست عليهم بمسيطر) .. بل وأخبرنا أن عدد المؤمنين قليل دائما، وعدد الرافضين الدنيويين أكثر، (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) .. وطالب النبي ألا يستغرب ولا تذهب نفسه حسرات على كثرة الرافضين.    

3
ـ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ عِنْدَ مَنَامِي؟ قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ» {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} «حَتَّى تَخْتِمَهَا، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ الشِّرْكِ» [رواه أحمد في المسند (20924)، والطبراني في الكبرى (2150)، والأوسط (900) و(2042)، ، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2247)، ورواه البغوي وابن قانع والضياء (كنز العمال 41253)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/121): رواه الطبراني ورجاله وثقوا، وصححه الألباني في صحيح الجامع (292)].


الرد : نعم براءة من الشرك ! ما المشكلة ؟ أتريد من المسلم أن يُوالي المشركين ولا يوالي المؤمنين ؟ هل تستطيع أنت أن تواليني وأنا مختلف عنك ؟ ألست تتبرأ مني ومن الإسلام وتعلن كراهيته و تسبني وتشتمني لأني مسلم مختلف عنك في الرأي والمعتقد؟ لو كنتُ ملحداً هل ستفعل معي هذا ؟ طبعا لا ! إذن لماذا تريد من المسلم أن يوالي من حاد الله ورسوله إذا ثبتت محادته لله ورسوله ؟ وعدم الموالاة لا يعني القتل، كلٌّ يألَف من يناسب معتقده و مبادئه، وهذا شيء موجود عند كل البشر، وتكفله حرية الاختيار والرأي والمعتقد الذي تنادي بها لنفسك ولا تطبقها على غيرك ..

نكتفِ بهذا الحديث و دعنا نرَ تفاسير أسيادك مَسَكَةِ الإسلام و حفظتِه:

الرد : ليس لي أسياد ، مرة تجعل أسيادي ونيتشه وشلة الماحدة، ومرة تبحث في الكتب التراثية عن أسياد ! إذا كنت عبدا لا تمشي إلا بأسياد، فأنت أعلنت أنك عبد تابع لنيتشه وماركس، لأنك لا تستطيع أن تقف على قدميك بدونهم، أما أنا فعبد لله وحده لا شريك له إن شاء الله ، وحر مما سواه، إلا من وافق الوحي وسار دبر الآيات وليس أمامها .. الإسلام له مصدران : مصدر إلهي ومصدر بشري، المصدر البشري يُعرض عن المصدر الإلهي ، لأن البشر يعتورهم النقص والخطأ والنسيان، إذن أساس الإسلام هو القرآن، وهو المرجع، و استمر في نقاشي فيه، لا تبحث لي في الكتب والآراء وما شابهها، ناقشني في أصل الإسلام، لأن الآراء والاجتهادات كثيرة ومتناقضة أحيانا .. مثل ما أنا أناقشك في أصل الإلحاد وخطوطه العريضة . وأنت طلبت النقاش في القرآن وأراك هربت عنه إلى كتب التراث لعلك تجد ضالتك ..


*
قال ابن كثير[ ] : "هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} شمل كل كافر على وجه الأرض. [تفسير ابن كثير[ ] (8/507) طبعة دار طيبة]. قال أبو حيان: "{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}: أي لكم شرككم ولي توحيدي، وهذا غاية في التبرؤ" [البحر المحيط (11/22)].


*
وقال البقاعي: "ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم، قال مؤذناً بصدق خبره تعالى آخر الكوثر من حيث إنه مع الجزم بالمنابذة لا يستطيعون له نوع مكابدة نافذة، بادئاً بالبراءة من جهته لأنها الأهم {لاَ أَعْبُدُ} أي الآن ولا في مستقبل الزمان" [نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (10/29)]. قال ابن الخطيب: "هذه السورة تسمى سورة البراءة وسورة الإخلاص[ ] ، والمشفعة" [تفسير اللباب لابن عادل (16/471)]. قال الشنقيطي: "{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}: هو نظير ما تقدم في سورة يونس: {أَنتُمْ بريئون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تَعْمَلُون} [يونس: 41]، وكقوله: {وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}" [البقرة: من الآية 139]. ليس في هذا تقريرهم على دينهم الذي هم عليه، ولكن من قبيل التهديد والوعيد كقوله: {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: من الآية 29].

*
قال البيضاوي: "{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} فليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد[ ] " [أنوار التنزيل وأسرار التأويل (5/422)]. قال الإمام الرازي: "فإن قيل: فهل يقال: إنه أذن لهم في الكفر؟ قلنا: كلا فإنه عليه السلام ما بعث إلا للمنع من الكفر فكيف يأذن فيه، ولكن المقصود منه أحد أمور:

أحدها: أن المقصود منه التهديد، كقوله: {اِعْمَلُوا مَا شِئِتُم} [فصلت: من الآية 40].

وثانيها: كأنه يقول: إني نبي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فاتركوني ولا تدعوني إلى الشرك.

*{
لَكُمْ دِينَكُمْ} يفيد الحصر، ومعناه لكم دينكم لا لغيركم، ولي ديني لا لغيري، وهو إشارة إلى قوله: {أَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 38-39]؛ أي أنا مأمور بالوحي والتبليغ، وأنتم مأمورون بالامتثال والقبول، فأنا لما فعلت ما كلفت به خرجت من عهدة التكليف، وأما إصراركم على كفركم فذلك ممالا يرجع إلي منه ضرر ألبتة
.


الرد : الآية تقر بالبراءة من الكافرين وتقرّ أيضا باختيارهم، فهل تريد من المسلم أن يقول للكافر أن دينك حق؟ سيقول له : لماذا لا تتبعه إذن؟ ما دام أنه حق ؟

أين المشكلة هنا ؟ إذا قلت لأحد : لك رأيك ولي رأيي ، هذا يعني أني لا أشاركك في رأيك و لا تشاركني في رأيي، وكلٌ يعمل على شاكلته كما أخبر القرآن. بهذه الحالة هل أكون ظلمتك واعتديت عليك أو أنك ظلمتني أو اعتديت علي ؟! تصنع مشكلة من لا مشكلة ! لا تريد البراءة من الكافرين ؟ هل تريد الموالاة؟ هل أنت توالي المسلمين حتى تريد أن يُوالوك ؟! مع أن القرآن أمرنا بالبر والقسط مع الذين لم يعتدوا علينا ولم يخرجونا من ديارنا، والبر مستوى راقي في التعامل، مع أنهم مختلفون عنا في الدين. وطالبنا أن نتعامل معهم على كلمة سواء، أي نبحث عن أساس مشترك بيننا، والذي يقيم العلاقة على نقاط إتفاق، هذا لا يريد الشر ولا يريد الدمار والفناء للبشر، المشكلة عندما تُقدَّم الإختلافات على الاتفاقات، حينها سيتقاتل حتى أهل الدين الواحد إذا كانت الإتفاقات لا قيمة لها والمهم هو الإختلافات مهما صغرت أو قلّت مقابل الإتفاقات ! 

لقد مدح القرآن فئات من أهل الكتاب، و هم مختلفون عن المسلمين. هذا مستوى المعقول في التعامل : العداوة للمعتدي، والتعامل بالبر والقسط مع المختلف المسالم لدرجة إعطاء الزكاة، والموالاة الكاملة للمؤمنين، ومحاربة الباغين ولو كانوا مؤمنين إذا لم يفد الإصلاح، لأن الباغي معتدي .. هذه درجات التعامل مع الناس في القرآن. ليت الكافرين تعاملوا مع المؤمنين بهذا الاسلوب، لكنهم اضطهدوهم وقتّلوهم لأجل كرههم لدينهم. وفرضوا عليهم آراءهم الجاهلية بالقوة والتعذيب. ليت قريشا قالت للنبي و أصحابه : لكم دينكم ولنا دين، وليتها قالت لأفرادها: برّوهم وأقسطوا إليهم طالما لم يعتدوا.

وإذا لم يكن في الآية إذن في الكفر مع الوعيد في الآخرة كما تبيّن الآيات الأخرى، وليس فيه تخيير، فماذا فيه إذن؟ كلام القرآن كلام واضح بلسان عربي يُؤخذ كما ورد دون تغيير ولا تأويل. فالله يقول (ولا يرضى لعباده الكفر)، وهذا لا يعني أنه يجب غصبهم على الإيمان و هم له كارهون. كقوله تعالى (أفأنت تـُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين). الآيات كثيرة في التخيير بين الإيمان والكفر، قال تعالى (و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) ، (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) ، فهل بعد هذا وضوح في التخيير؟ لو كان القرآن يريد الإلزام لقال : ألزموا كل الناس على الإيمان، القرآن يقول : (قل إعملوا على مكانتكم) و (فتربصوا إنا معكم متربصون) أي طول حياتهم متبرصين. حتى يأتي اليقين ، وهو الموت وما بعد الموت. ولو كان يريد قتلهم لما قال : تربّصوا، وما قال : إعملوا على مكانتكم إني عامل. وما قال : قل كل يعمل على شاكلته، وما قال : لكل وجهة هو موليها . كل هذه الآيات ولا نأخذ منها شيء؟ كيف نكون متّبعين إذن؟

والجهاد أيضا وضحه القرآن، فهو حرم الاعتداء ، قال : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) ، هذا بيان واضح، هذا غير الأمر بالقسط والبر بل ودفع أموال الزكاة لغير المسلمين المسالمين. دستورنا هو القرآن وليس كلام البشر. والقرآن نزل بلسان عربي مبين، لا يحتاج إلى تأويل ولا إضافة كلام لم يقله. بل هو مبيّن لغيره، والشيء المبيّن لغيره هو أبين ما يكون.

وقول الإمام الرازي أن النبي ما بعث إلا للمنع من الكفر يحتاج إلى توضيح، فالرسول بعث مذكّرا وليس مانعا عن الكفر بالقوة، الله يقول (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) وهذا حصر لدور النبي على التذكير فقط، وقال (لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) و قال (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) ومحاربة من لا يضرنا تدخل في الإعتداء. الله يختبر عباده ليهلك من هلك على بينة ، وينجو من نجا على بينة وليس على غصب، وليس الله محتاج للناس مثلما يحتاج الحاكم للناس، وما قيمة إيمان جاء بالإكراه، وهل هو إيمان حقاً؟ و حق الله أعز من أن نُلزم الناس بصراطه و هم كارهون. بضاعة الله و بضاعة الآخرة تكون بالطلب وليس بالسحب. والأعمال بالنيات، والله ليس حاكماً أرضيا يهمه الخضوع الظاهري وليس معنيا بما في القلوب، لكن حساب الله يعتمد على ما في القلوب، قال (إلا من أتى الله بقلب السليم) وليس بعمل سليم فقط، فالمنافق قد يعمل أعمال لا يعملها المسلم المؤمن. لكن لا قيمة لها. فمعاني القرآن لا يصح تخريجها بمفهوم بشري دنيوي تجعل الله كالحكام. والحديث الشريف يقول : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكنه ينظر إلى قلوبكم ..

وقد يكون دين هؤلاء الكافرين لهم ولغيرهم، مثلما أن دين الرسول له ولمن إتبعه وليس دينه لوحده، معنى الآية الفصل بين المؤمنين بالقرآن والكافرين به، وإعلان ذلك بأنه لن يعبد ما يعبدون. والسورة تبيّن الإختيار، مع الوعيد طبعا للكافرين في الآخرة كما تكرر في القرآن، وليس قبول دينهم. وهي من إنكار المنكر والشهادة بالحق.

هذا و قد أوضحنا معناها من أمّهات كتبكم، و لكن بافتراض أنّها تحمل المعنى الذي في عقلك، ألم تعلم بأنّ هذه الآية منسوخة بآية السيف؟ تبّا له، إنّه لا يعلم، و سيخبره ملحد بذلك، يعني درس الليلة من ملحد:

الرد : أولا لا يوجد في القرآن آية سيف ولا ذكر للسيف، فقط ذكرت الرماح والدروع. ثانيا موضوع النسخ موضوع اجتهادي ،والدليل اختلاف الناسخين في عدد الآيات المنسوخة، وموضوع القتال في القرآن موضوع مركّب، والموضوعات المركبة لا تؤخذ من آية واحدة، بل باستعراض جميع آيات القتال، لأنها تقدّم محدّدات. وموضوع النسخ مختلف فيه، فهناك من العلماء من لا يقرّه ، لأن النسخ يعني إلغاء لآيات كثيرة وتعطيل لمضمونها، وربما تبديل، مع البقاء على قراءتها. وليس له برهان من القرآن أن هذه الآية نسختها هذه الآية مثلا، والله نهى عن تعضية القرآن، أي تقطيعه و إهمال بعضه كما يُفعل بأعضاء الجسم الواحد، قال تعالى : (الذين جعلوا القرآن عضين) ، والله ذم كفار اليهود بأنهم لا يعرفون الكتاب إلا أماني، أي قراءة فقط دون اتباع للمضمون ، وقال عنهم (كمثل الحمار يحمل اسفارا) لأنهم يقرأون بلا مضمون، كلهم أو بعضهم. وقال تعالى : (وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، والهجر ليس ترك القراءة فقط، بل ترك التدبر والمضمون أو بعضه ، وهو الأهم وهو الذي طالبنا الله به أكثر من القراءة، لتصل إلى قريب الخمسين آية أو مائة أو مئتين عند بعضهم، أي هو هجر لكل هذه المضامين الكثيرة التي نزل بها جبريل على قلب محمد وتعطيلٌ لها عن الإعمال والإتـّباع، وهذا ليس بالشيء الهين، وآية النسخ أيضا تحصر النسخ في القرآن، وبالتالي لا يمكن لحديث أن ينسخ القرآن, قال تعالى : (نأت بخير منها أو مثلها) أي آية مثلها وليس حديث كما يقول البعض. والرسول بعث هاديا و بشيرا، ولم يبعث قتّالا مُبيرا .

على المسلم أن يلتزم بآي القرآن والسير وراءها، حتى لا تدخل بشريته في موضوع إلهي. لأن الإنسان بشر أيا كان. و (آية السيف) داخلة في مجموعة آيات عن القتال وليست لوحدها، وليس فيها ما يشير إلى نسخ الآيات السابقة، فمن أين نأتي بالنسخ وهي نزلت قبل فتح مكة؟ والمشركون المقصودون بها هم مشركي مكة بلا شك، الذين لهم تاريخ دموي مع المسلمين، وليست لعموم غير المسلمين. لأن ليس كل غير المسلمين مشركين ايضا ولا معتدين. لأن منهم من لا يعبد ، كالدهريّ ، ومنهم كفار أهل كتاب. ومنهم من مدحه القرآن، ومنهم من دعاه إلى كلمة سواء. ثم أين الأشهر الحرم والإلتزام بها ؟ أم المهم هو القتال فقط ؟ وكيف تكون هذه الآية ناسخة لكل الآيات الكثيرة ؟ لماذا أُنزلت إذاً ؟ ألأجل القراءة فقط ؟ ولماذا أمرنا بتدبرها ثم تُنسخ؟ والقائلون بالنسخ مختلفون في عدد الآيات المنسوخة، فأيهم نتبع؟ ثم هي ليست آخر آية نزلت في القتال، فما الذي يجعلها تنسخ كلام الله السابق أو اللاحق؟ الأمر ليس على مزاجنا ومصالحنا في التوسع ، فننسخ ما نشاء بما نشاء ! والقرآن لم يقل بأنها ناسخة لما غيرها من الآيات، ولا يجوز أن نقول على الله ما لم ينزّل به سلطانا. هذا غير أن فكرة النسخ موجودة عند الديانة اليهودية المحرفة. 

ونسخ بعض الآيات يعني هجر لمضمونها، والقرآن يؤخذ كله، ويؤخذ حكم القرآن من كل القرآن وليس من آية فردية. قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) وإذا كانت هناك آيات ملغاة ومنسوخة، يعني أن مضمونها ملغى ، وبالتالي لا تُتَدبر، وتدبر الشيء السير وراءه. والتدبر مطلوب من الله في كل القرآن بلا إستثناءات. والله يقول : (لا يبدّل القول لدي)، والقول بالنسخ تبديل و أيضا تعقيب على الأصل بحذف بعض المضامين من القرآن وإبقاء تلاوته، يقول تعالى : (لا معقب لكلماته) ، ويقول (لا يبدل القول لدي) ويقول (إنه لقول فصل وما هو بالهزل) ويقول : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فالآيات المنسوخة أنزلها الله، ونسخها يعني إيقاف أحكامها وعدم الحكم بها وهي مُنزلة. و يقول : (اليوم أكملت لكم دينكم) أي باكتمال القرآن، والمكتمل لا يُعقَّب عليه ولا يُستدرَك ، خصوصا من بشر وهو كلام الله، لا بحذف ولا بإضافة ولا بتأويل لا تحتمله اللغة.

و أصل النسخ لغويا هو المسح. (ما ننسخ من آية أو ننسها) ، والكلام موجه للنبي، لأن القرآن مودع في قلب النبي، و لأنه نُهي أن يحرّك لسانه، (إن علينا جمعه وقرآنه) ، بدليل كلمة (أو ننسها) أي نجعلك تنساها، فالقرآن جمعه الله في قلب النبي ولم يحفظه بمجهوده، فالله تكفل بحفظ القرآن حتى في قلب النبي. لكن القرآن الذي ظهر للناس جاء بعد عملية النسخ أو التنسية، لاحظ آخر الآية يقول (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)، وهذا يدل على أن المقصود هو الرسول، وقوله (على كل شيء قدير) أي يستطيع أن يزيل من ذاكرتك آية و يضع بدلاً منها، أو يجعلك تنساها رغما عنك، و في هذا إعجاز، لهذا ناسبه قوله (ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير) . افرض أنك تعرف اسم جدك جيدا ، وفجأة تجد أنك تدعوه بإسم آخر، وكأنك لا تعرف الإسم الأول، أو تنساه رغم معرفتك به، ففي هذا شيء غير عادي و معجز، لكن القرآن الذي خرج للناس و ثبت في قلب النبي لا نسخ فيه ولا تبديل، وهكذا نجمع بين آية النسخ وآية (لا يبدّل القول لدي) على أن النسخ والإنساء خاص بقلب محمد، ولاحظ أن من يفعل النسخ والإنساء والتبديل هو الله، وهو الذي يعلمه، وليس مجالا لبشر أن يجتهد في هذا المجال الخاص بمُنزِل القرآن، فيضيع القرآن بآراء النسّاخ، بحيث يقول هذه الآية منسوخة، ويقول آخر : لا بل تلك الآية منسوخة. و يأتي ثالث لينسخ غيرها. شؤون الله لله والقرآن كلام الله. لأن الله لا يقدّم للناس كلاما كثيرٌ منه ملغي ثم يُدينهم به ويطلب منهم تدبره ! من المقصود بقوله (نُنسها) ؟ هو الرسول وليس المسلمين، إذن كلمة "ننسخ" أيضا لها نفس الحكم، بما أنه لا يصح القول أن الله أنسى المسلمين آية أو آيات بعد أن وصلت إليهم، كذلك لا يصح أن نقول أنها نُسخَت بعد أن وصلت إليهم. والنسخ والإنساء للقرآن الذي في قلب الرسول وليس الذي بين يدي المسلمين. إذن هو المقصود بنسخ الآية. القرآن دستور ثابت ولا يحق لبشر التجرؤ عليه لا بحذف ولا بإضافة، والحذف من النص يكون مثل الإضافة عليه، والنسخ حذف ضمني لأنه يعطل معناها ويبقي لفظها، لأنه من صور التغيير، حتى لو أبقينا على اللفظ، اللفظ ما جاء إلا لأجل المضمون الذي يحمله .. والنسخ هو مسح شيء بشيء، ومنه سميت الأفعال الناسخة كان وأخواتها، لأنها تنسخ المبتدأ وتجعله إسمها ، وتنسخ الخبر وتنصبه وتجعله خبرها. 
وكلمة "نأت" تدل على الموجود (المكتوب)، والنسخ والإنساء يدل على شيء أصبح غير موجود ، والنبي أتى بهذا الذي قال عنه القرآن "نأت بمثلها أو خير منها"، وهذا القرآن هو الذي أتى به النبي، أي بعد النسخ والإنساء ..تىأ فالإتيان بمثلها يعني هذا القران الموجود، لأنه هو الذي أوتيه الرسول وآتاه للناس، قال تعالى (و آتينا داود زبورا ) فكلمة "ننسخ" أو "ننس" تدل على شيء أزيل ، فكما يُزيل النسيان، كذلك يُزيل النسخ. الفرق بينهما أن الإنساء هو إذهاب بدون بديل، والنسخ ذهاب الشيء وإحلال بديل، ونتيجة كلاهما (المنسوخ والمُنسى) أنه غير موجود .. وكلمة "نأت" تدل على موجود ، والقرآن موجود وليس مزال ، وإلا فكيف تكون الآية المنسوخة موجودة وناسختها موجودة أيضا ؟ والنسخ يعني محو وإزالة واحلال جديد ، وهذه هي اللغة العربية والتي نزل القران بها ، والشيء المنسوخ أو المُنسى يعني المزال ، أنت لا تمسح كلمة على الورقة وتبدلها بكلمة أخرى وتجعل الكلمة القديمة موجودة والجديدة موجودة أيضا ! لابد أنك ستزيل الأولى وتنسخها بالثانية ، لأن النسخ هو المحو مع التبديل ، إذا نسخت كلمة بكلمة أخرى فأنت أزلت الأولى وجعلت الأخرى مكانها، فتكون نسخت الأولى بالثانية، أقصد بموجب اللغة لا يجتمع ناسخ مع منسوخ.
مثلا إذا قلت : نسخت الثوب الأبيض بالأسود معناها أنه زال، أي ان الأسود أزال الأبيض ونسخه ، ولا يعقل أن يكون اللون الأبيض والأسود موجودان في نفس الثوب ، فنسخته يعني طمسته .
وفي الآية عطف بين النسخ والإنساء ، والإنساء يعني الزوال ، وكذلك النسخ إذن يعني الزوال ، و هما طريقتا الإزالة ، وهما إما الإزالة أو التبديل . ثم إذا بدل الله آية بمثلها أو افضل منها، لا يُعقل أن يجتمع الفاضل و المفضول، أو الشيء ومثله، سيكون هذا تكراراً، لاحظ كلمة "بدّلنا" ، فهي لا تعني بقاء الأول. وإلا فأين سيكون التبديل إذا اجتمع البديل مع المُبدَل؟

القرطبي :
+
كان هذا قبل الأمر بالقتال، فنسخ بآية السيف

الجلالين
:
+
هذا قبل أن يؤمر بالحرب

الشوكاني:
+
هذه الآية منسوخة بآية السيف

الفيروز آبادي :
+
نسختها آية القتال وقاتلهم بعد ذلك

السمرقندي :
+
هذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسخ بآية القتال

البغوي :
+
هذه الآية منسوخة بآية السيف.

ابن عطية :
+
منسوخة بآية القتال

ابن الجوزي :
+
منسوخ عند المفسرين بآية السيف

الخازن :
+
هذه الآية منسوخة بآية القتال

ابو حيان :
+
منسوخة بآية السيف

النيسابوري :
+
السورة منسوخة بآية القتال.

الثعالبي :
+
وهِيَ مَنْسُوخَةٌ

ابن عادل :
+
نسخ ذلك الأمر بالقتال


مقاتل بن سليمان :
+
نسختها آية السيف في براءة: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }[التوبة: 5].

الثعلبي :
+
هذه الآية منسوخة بآية السيف

الحلبي :
+
نَسَخَ ذلك بالأمرِ بالقتال
.

الرد : الآية تبين أن للكافرين دينهم وللمسلمين دينهم ، فهل تغير هذا المعنى بآية السيف؟؟ ، وإذا تغير هذا المعنى سيتغير إلى ضده ، فيكون ليس للكافرين دينهم وليس للمؤمنين دينهم ، وهذا لا يكون ، فكيف نسخت ؟ وكلاهما تحمل معنى مختلف ؟ بل ان معناها باقي إلى قيام الساعة بين الايمان والكفر ولا يمكن ان يجتمعا ، وتؤيدها آيات أخرى كقوله (اعملوا على مكانتكم اني عامل ) (ولكل وجهة هو موليها) ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) ، فهل هذه المعاني نسخت ؟؟

القتال كما يُفهم من القرآن ليس مبنيا على إيمان أوعدمه أصلا، بل مبني على رد الاعتداء، بدليل مقاتلة الفئة الباغية من المؤمنين، لو كان الإيمان يمنع لما قُوتلوا، وبالمقابل هناك أمر بالبر والقسط ودفع الزكاة للمسالمين غير المسلمين، هذا يوضح الأمر لمن أراد ان يستوضح من القرآن وليس من رأيه. فهذا القرآن بين أيدي الجميع. الله لم يأمر بقتال كل من يختلف معنا في الدين، أين ذلك النص؟ وبخصوص الأمر بقتال المشركين، فإن القتال لم يكن ممنوعا ثم أبيح، لا يوجد ما يدل على هذا. ولم يُقاتلوا لأنهم مشركين، بل لأنهم ظالمين ومعتدين. قال تعالى (إذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير)، والآية تسوق المبرر لقتال المشركين. لاحظ كلمة "يُقاتَلون" وليس بعدها إثبات أنه دفع أذى و ظلم ، حتى أنها جاءت في صيغة فعل مضارع ، أي مستمر، وليس لإختلاف الدين. لأنه قال لهم سابقا "لكم دينكم ولي دين" ولم يكفّوا عن طغيانهم. وسرقوا واستحلوا ممتلكات المهاجرين ظلما وعدوانا بسبب اختلاف الدين. كلامك هذا وجهه لقريش وليس للمسلمين الأوائل. لاحظ : (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله) أي لم يعتدوا عليهم، (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) والآيات المكية تنزل كالصواعق على رؤوس الكافرين وتتبرأ منهم.

لا ينبغي أن نفهم أن المسلمين منهيون أن يُقاتلوا دفاعا عن أنفسهم قبل آية السيف، فالدفاع عن النفس حق مشروع. لكن كان هناك باب الهجرة أسلم وأفضل، حمزة لما اسلم شرخ جبهة ابي جهل بقوسه، لما أخبر أنه أهان محمداً وآذاه في الطريق أما صناديد قريش متحديا له، وقال : تسبه وتؤذيه وأنا على دينه ؟ ولم ينه النبي حمزة عن فعله، وهذا قبل آية السيف. والصحابة في دار الأرقم لما علموا بمجيء ابن الخطاب غاضبا يحمل سيفه يريد قتل محمد، قالوا والرسول بينهم : دعوه يدخل، فإن أسلم فهذا ما نريد، وإن أراد شرا قتلناه بسيفه، وهذا كله قبل آية السيف وقبل الهجرة. وعمر نفسه لما أسلم هدد قريش و سل السيف قبل آية السيف، وقال : من أراد أن تثكله أمه فليتبعني وراء هذا الوادي، إذن القتال في الإسلام هو للدفاع عن النفس وليس بعد آية السيف وليس لإختلاف الدين. أي منذ البداية. المشكلة أن قريش لم تترك المسلمين يأمنون حتى في مهجرهم، وكانت تتحرش بهم وتعقد المؤامرات مع اليهود ضدهم، استكمالا للأذى الذي كانت تفعله بهم في مكة. بل تعقّبتهم إلى الحبشة.

وما الذي جعل قريش لا تتجرأ على قتل المسلمين رغم قلتهم إلا خوفا من سيوفهم، ولا يعقل أن يسلّموا رقابهم لقريش لأن آية السيف لم تنزل ! لهذا عذّبوا واضطهدوا مماليكهم العبيد مثل بلال وخباب وعمار وسمية رضوان الله عليها أول شهيدة في الإسلام، على اعتبار أنهم أملاكهم لا يحق لأحد التدخل، أما المسلمون الأحرار لم يستطيعوا تعذيبهم بنفس الصورة البشعة لأولئك العبيد الأحرار العظام عليهم من الله الرضوان والسلام .. الله رفعهم رغم عبوديتهم وجعلهم قدوة للأنام ، وجعلهم من السابقين ، أولئك المقربون .. فإن قلت أنهم أُمروا بالقتال بعد آية السيف، فعليك أن تقدم نهيه لهم عن القتال قبل آية السيف، وهذا لا يوجد. أما آيات الأمر بالقتال فهي لأن الوقت صار مناسبا والله أعلم ، مع أن المسلمين كانوا يشعرون بضعفهم أمام قريش ويرون أن الوقت غير مناسب، لذلك كان القرآن يحضهم ويحثهم، وأخبرهم أن قلة عددهم سيعوضهم الله عنها، فكانوا ثلاثمائة فقير وهزموا ألف مدجج، وقتلوا أكابر طواغيتهم، وبالذات الذين كانوا يعذبون العبيد، كأمية بن خلف و أبي جهل وعتبة وغيرهم. والمعركة الأولى في الإسلام حدثت بقدر الله، لم يكن المسلمين ينوون مواجهة قريش كلها. لأن هيبتها في أنفسهم، قال تعالى : (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي لم تكن على ميعاد. وقال (هو الذي أنزل السكينة في قلوب الذين آمنوا) ، (إذ يريكهم في منامك قليلا) مع أنهم كانوا كثير. والمعركة أثبتت أنهم فعلا قليلون رغم كثرة عددهم، لأنهم علمانيون يريدون الدنيا، والمعركة صدّقت الرؤيا.

الغرناطي :
+ {
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذه براءة منهم، وفيها مسالمة منسوخة بالسيف



الخلاصة أيّها التلميذ الكسول، هل في الآية أي معني لاطلاق حرية الكفر لمن شاء ؟





البيضاوي :
+ فليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليكون منسوخاً بآية القتال

البقاعي :
ليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليحتاج إلى نسخ

الشنقيطي :
ليس في هذا تقريرهم على دينهم الذي هم عليه، ولكن من قبيل التهديد والوعيد


الرد : كلام الله بيّن و بلغة عربية بيّنة ، جادلني في القرآن وليس في آراء البشر، لأن هناك من العلماء من يقول غير هذا، لا يُترك كلام الله المبين إلى كلام البشر. إلا إذا كان البشر أهم من الله فهذا كلام آخر، كلام الله هو الذي لا يأتيه الباطل وهو الذكر الحكيم . (ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) . حتى لو كان الإعراض إلى كلام أناس يُرجى منهم الخير، المشكلة في الإعراض. لأنه لا يوجد من هو أفضل من الله حتى نعدل إلى غيره، قال تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون). وهو الذي قال : (لكم دينكم ولي دين) ، ولم يقل أنه نسخ هذه الآية أو سوف ينسخها ، بل هم من قالوا ، و هم بشر أغلبهم يقلّد من قبله وينقل عن كتبهم بموجب الثقة، بينما الكلام الأول كلام إله. لا يُنسَخ كلام الإله بكلام البشر. والرسول نهى عن ضرب القرآن ببعضه في حديث صحيح. والله نهى عن تعضية القرآن ونهى عن هجره، والنسخ يُنتج هذا كله، التعضية والضرب ببعض والهجر، ويخالف آية : لا يبدل القول لدي. والنسخ تبديل. وفيه تعقيب على كلام الله ، والله يقول (لا معقّب لكلماته). وفيه تقوّل على الله بغير سلطان مبين، مجرد اجتهادات وافتراضات. والله قال (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) والعلم من الله وليس من اجتهادات العقول.

هناك تعليق واحد :

  1. أجدت وأحسنت أستاذي الوراق ..
    سأقوم بمتابعة المناظرة هذه التي حمي فيها الوطيس ..

    وفقك الله لما تحب ..

    ردحذف