الأربعاء، 28 يناير 2015

المصابيح المعطلة (الطيبون والطيبات)


نلاحظ أن الإنسان الطيب ليس له تعصب انتمائي وإن كان فهو الأقل تعصبا, وهذا يعني عدم قابلية للأفكار الصناعية –الباطل- أو ضعف ارتباط بها ، فالإنسان يحتاج الى انتماءات لكن لا يحتاج الى تعصبات - هذا في الأصل -. وتجد أن غيره ربما يحسده على مكانة عالية لم يهتم بها كنسب أو وجاهة أسرة أو شهادات علمية...الخ, وهذا يرجعنا لموضوع الاختيار بين الخير أو الأنانية والشر ، فاختياره يرفض الاكتفاء بالارتباط المادي ويبحث عن ارتباط معنوي ، لذا دائماً ابحث عن الطيبين من غير المتعصبين أو المتعصبات ومن ضعيفي الارتباط المادي ، هؤلاء سوف ينتمون بشدة الى الصراط المستقيم إذا وجدوه و سيكون ولاؤهم حقيقيا ليس مزيفا كهولاء المتعصبين لما يتعصبون له.

 دائما الإنسان الطيب (الباحث عن الخير والحق ومن يجد أنه له قيمة بذاته ولو على حساب هوى نفسه) يصفه مجتمعه بعدم المبالاة أو بالغفلة والغباء وعدم مجاراة العصر والواقع وعدم تقدير قيمة ماعنده ...الخ, مع أنه ذكي، ومن ينتقدونه يعرفون ذلك ويستغربون سلوكه ، لكنه لم يجد في اهتمامات المجتمع ما يستحق الاهتمام ويشعر أنهم يبالغون في أمور ويعطونها أكبر من قيمتها الحقيقية... هؤلاء الطيبين مثل المصابيح التي لم توصل بالكهرباء ، ومتى ما وجدوا الرؤية التي تجمع مابين الحق والخير والجمال دون تعارُض -طريق الله- سوف يضيء هذا المصباح ، {الله نور السماوات والأرض}, وستظهر عبقريتهم وقدراتهم التي لم يكونوا يدرون عنها وسيكتشفونها تدريجيا ، وبدون هذا النور يبقى الطيبون الأذكياء -الأغبياء بنفس الوقت- في حيرة وقلق داخلي وشعور بفقدان شيء ما و أساسي في الحياة ، وهذا يفسد عليهم طعم الحياة وقد يودي بهم للأمراض النفسية أو الكآبة وأحيانا رفض الحياة وحتى الرغبة في الانتحار, مهما بلغوا ومهما كانت ظروفهم المادية ومراكزهم الاجتماعية جيدة, لأنهم ليسوا من الناس الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمئنوا لها -مثل بعض حسادهم- .


كل انسان تحكمه انتماءاته ، وحسب نوع الانتماءات والتعصبات تكون سلبيته أو إيجابيته وانطلاقته أو تقوقعه، وذكاؤه أو غباؤه. صاحب الانتماءات المادية والمتعصب يفتقر للحكمة وان بدا في قلب الواقع ومتابع جيد له ، وكأنه يعرِّف نفسه من خلال ما حوله و ما يملك -تفكير مادي- ، بينما الإنسان معنوي في الأساس ، والمادة لا تكفي لتعريف الإنسان. المتعصب لا يستطيع التأقلم مع الآخرين ودائما يشعر بالفروق بين البشر ، ويقيم على الظاهر والمتعلقات ويعطيها أكبر من حجمها، ويخطئ كثيرا في تقييماته ، وهو الأضعف في معرفة صديقه من عدوه وإن بدا متيقظ الحواس شديد الانتباه وكأنه يريد أن يفهم بعيونه وحواسه لا بقلبه ( مفتحةُ عيونهمُ نيامُ ) ، وهو ليس حرا في التفكير والاختيارات و إن ادعى ذلك. وصعوبة التأقلم تأتي من كونه مربوطاً، وأن أحس بتضرر مصلحته تنازل عن تعصبه بسهولة ، لذا تعصبه مزيف أساسا ، على عكس من يدافع عن الحق أو الخير ستجده لا يستطيع ان يستبدل الأدنى بالذي هو خير.


ثنائية الخير والشر تفسر كل ما جرى ويجري للإنسان منذ وجد على الأرض.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق