الخميس، 22 يناير 2015

المنطق والفرق بينه وبين اللغة ، وموقف الإلحاد منه ..

المنطق مشترك, المنطق حقيقة, المنطق علمي ومجرب ويجري تجريبه كل يوم. المنطق أكثر تجريبا من العلم وهو رصيد البشرية وأعظم منجزاتها على الإطلاق, مع أنها لم تصنعه بل استقرأته من الطبيعة, فكون الأول قبل الثاني حقيقة لا يمكن أن تتغير ولا تحتاج إلى تجريب لأنها تحصيل حاصل, و كون الجزء داخل في الكل حقيقة لا يمكن أن تتغير ولا تحتاج إلى تجريب.

المنطق هو المعرفة القياسية التي يقاس عليها غيرها, المنطق هو رمز للحقيقة متفق عليه اختصارا للتجريب, مثلما الأسماء في اللغة رموز لأشياء بدلا من إحضارها ورسمها أو تصويرها, فتكفي كلمة أسد من أن أحضر ذلك الحيوان أو أرسمه أو أصوره, كذلك المنطق رمز للتجربة, فأقول: الفرع يأخذ حكم الأصل, بدلا من أن أجري تجربة فأقطع أصل الشجرة لأنظر كيف يتاثر فرعها! إن المنطق مبتكر اختزالي علمي رائع يسرّع عملية التفكير, مثلما اللغة ايضا رموز اختزالية تسرع عملية التفكير والتواصل.

والفرق بين المنطق واللغة أن المنطق يتعلق بالمعلومات القياسية التي يقاس عليها غيرها, فالجنوب عكس الشمال والشرق عكس الغرب والأربعة تشكل الجهات الأربعة وهي تصلح لتحديد أي مكان. بينما اللغة تقدم رموزا لذوات, إذن  فالمنطق + المفردات اللغوية = كلاما مفهوما, فكلمة البركة و البط غير مفهوم العلاقة بينهما إلا بروابط منطقية مثل : يسبح البط في البركة, فالفعل والحرف روابط وعلاقات منطقية بين الاسماء, والنحو يبحث في العلاقات المنطقية في اللغة.

الملاحدة يعتبرون المنطق شأنا نظريا لا علاقة له بالعلم, وربما اعتبروه من عالم الأدب وليس من عالم العلم لأنهم ينسبونه للبيئة والتربية, وهذه مغالطة تدل على عدم فهم العلم نفسه! ما هي الرياضيات ؟ إنها منطق, فـ 1+1=2 هي حقيقة علمية وحقيقة منطقية بنفس الوقت, المنطق هو علم من شدة علميته تحول إلى أفكار لا تحتاج إلى تجريب, و كلما رسخ العلم تحول إلى منطق, إما على شكل معلومات خاصة أو معلومات قياسية, ومجموعها مع اللغة أسميه العقل, فالاستخفاف بالعقل هو استخفاف بالعلم, قد لا يعرف بعض الملاحدة أنهم يفعلون ذلك.

ما دام المنطق هو الحقيقة فالحقيقة واحدة, أنا لا أتكلم عن المنطق الخاطئ، أنا أتكلم عن المنطق الثابت, الذي يثبته الواقع والتفكير السليم وإعادة التجريب ولا يتصادم مع الحقائق المنطقية الأخرى حتى أنه صار في كل عقل, فالتجربة لا تسمح بوجود شيء واحد في مكانين في نفس الوقت, و دعك ممن صدق بهذا فسوف يرفضه المنطق العام, مثل من يصدق بأن يحدث شيء بلا سبب ومن لا شيء, سوف يرفضه المنطق العام, وهذا على فكرة هو منطق الإلحاد غير المجرب المخالف للمنطق العام المجرب, فشخص يقول أن اللون البرتقالي درجة من اللون الأسود وليس الرمادي فإن الواقع سيخالفه, والتجربة ستخالفه, و التواتر عند الناس سيخالفه, وبقية منطق الألوان سيخالفه, وإذا أصر على رايه سيقال له : فلنجرب ، حينها يسقط منطقه الخاطئ ويعود إلى المنطق العام الثابت الذي هو معرفة البشرية الأساسية, وإن اصر فسيقال له : انت غير علمي وغير منطقي .

دائما المنطق الثابت يصحح المنطق غير الثابت. وتهوين شأن المنطق أمر معروف عند الملاحدة مع أنهم يدعون العقلانية! إنهم يحبون تطبيق المنطق على وجود الله فقط لكن لا يطبقونه على وجودهم , إنهم يكبرون المنطق لدرجة القفز به لنطاق الألوهية حينما يقولون: كيف يختبر الله الناس وهو يعرف كل شيء؟ ويطالبون بالالتزام بالمنطق حينها, لكن إذا قلنا لهم هل يوجد مصنوع بلا صانع هوّنوا من شأن المنطق الآن وسخروا من فكرة البعرة تدل على البعير والاثر يدل على المسير! وقالوا أن هذا من خرافات الصحراء مع أنه أصل المنطق والعلم كله : الاقرار بالسببية, والبحث عنها.

هناك 3 تعليقات :

  1. إذن، ما ردك على المنطق الأرسطي، وما الفرق بينه وبين هذا المنطق؟

    وذكرت أيضًا في معرض كلامك أن المنطق مستقرأ من الطبيعة، أليس الأصح أن نقول مستخرج من الفطرة؟

    ردحذف
    الردود
    1. الفطرة ليست خاصة بالإنسان فقط، فالطبيعة من الفطرة، قال تعالى (فاطر السموات والارض) ، وكلمة الطبيعة تطلق على الأرض وغيرها وما فيها من أحياء على الأكثر.

      أما بالنسبة للمنطق الصوري فهذا الإقتباس مختصر له :

      يقوم هذا المنطق على قوانين ثلاثة وضعها أرسطو للتفكير الصحيح، يرى أنها بديهية أى واضحة بذاتها وليست بحاجة إلى برهان, وأن صدقها ضرورى في كل زمان ومكان، ومن ثم لا تخضع للتغيير أو التبديل أو التنقيح مهما تغيرت المعرفة الإنسانية، لأنها تتفق مع بداهة العقل السليم وهذه القوانين هي:
      قانون الهوية أو (الذاتية):
      ينص هذا القانون على أن "الشئ هو نفسه " وهو يعبر عن أبسط الأحكام لأن أبسط الأحكام هو الحكم بأن الشئ هو نفسه مثل أن نقول (الإنسان هو الإنسان)و (المرأة هي المرأة), ورمز هذا القانون (أ هو أ).
      قانون عدم التناقض :
      نقيض الشئ هو نفيه ،فنقيض الحكم بأن هذا الشئ " قلم " هوالشئ نفسه " ليس قلماً "، والكلام المتناقض هو الذي ينفى بعضه بعضاً, وفى ذلك مخالفة لقانون الهوية لأن إذا كان الشئ هو نفسه بمقتضى قانون الهوية، فلا يجوز - حينئذ -أن نصف الشئ نفسه بصفة أو بنقيض هذه الصفة في الآن نفسه، وإلا نكون قد وقعنا في تناقض واضح، ورمز هذا القانون هو (الشئ لايمكن أن يكون "أ" و"لاأ" في آن واحد.
      قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع
      إذا كان "الشئ هو نفسه" طبقاً لقانون الهوية، وإذا كان لايجوز منطقياً وطبقاً لقانون عدم التناقض أن نصف شيئاً واحداً بأنه هو نفسه وليس نفسه, لاستحالة ذلك منطقياً حيث لا وسط بين النقيضين، ويترتب على ذلك قانون ثالث هو قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع أو المستبعد، ورمز هذا القانون هو (إما أن يكون الشئ "أ" أو "لاأ".


      وهنا تعليق عليه :

      لماذا فقط هذه البديهيات الثلاثة للعقل؟ والتي هي أًصلاً مأخوذة من الشعور, هناك غيرها الكثير ولا يقل عنها قيمة, وكيف يفصل الشيء عن غيره إلا بمجموعة من القوانين؟! ما ذكره أرسطو هو عبارة عن قانون واحد في الحقيقة، فالقانونين الثاني والثالث هما عن بعض حالات هذا الشيء, أيضاً الشيء نفسه قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً أو قد يكون مجموع مركبات, مفردا مثل طالب، ومركبا مثل فصل، ومجموع مركبات كمثل كلية، وهكذا..

      وهل الشيء الواحد واحد فعلاً؟ القلم هو قلم بالنسبة للكاتب لكنه عود من الحطب لمن أراد أن يشعل ناراً, أو وسيلة كأن يستخدم كسلاح! إذن لا يمكن أن يحدد الشيء تحديداً كاملاً إلا نسبياً.

      أيضاً الشيء لا يمكن أن يوجد إلا في وسط، لا يوجد شيء لوحده، وهذا من قوانين الأشياء. وأيضاً لابد من علاقة بينه وبين الأشياء, وهكذا الصفات لا تنتهي للموصوف الواحد, فلماذا حُددت بثلاث؟! مع أن هذه الثلاث صحيحة إلى حد ما. إذا كان العلم ممتداً فكذلك المنطق ممتد ولا قفل له, لأن المنطق عبارة عن علم ثابت تحوّل إلى مقاسات يعلم بها غيرها, وتستعمل في التفكير, والتفكير هو إٍسقاط المنطق على المعلومات, والمنطق نفسه عبارة عن معلومات قياسية.
      أرسطو لم يذكر من أين جاءت، أي من أين جاء فهمها، مما يدل على أنها معلومات عرفها الشعور وتكررت معرفتها له وثبتت بالتجربة.

      إذا أردنا أن نرجع لأساسات التفكير فليست هذه الثلاث قوانين أساساتها, بل الأساس {وعلّم آدم الأٍسماء كلها} أي من التمييز، الذي هو من الشعور, فتأخذ الأشياء أسماءها ومن ضمنها هذا الشيء الواحد.

      بدون تمييز لا تستطيع أن تفكر؛ لهذا الحيوان لا يفكر إلا في ما يميّزه وهو ما يتعلق بغرائزه, فعندما أعرف أن هذا شخص وهذا هواء وهذه شجرة...الخ, بعد هذا أستطيع أن أفكر, والتفكير قائم على الميزات, فهذا إناء مجوف وغير مسرِّب إذن أستطيع أن أضع فيه الماء, لأنني ميزت صفاته, قال تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلها} الأسماء هي الذوات والأساسات, الحيوان لم يعلّم الأسماء؛ لذلك لا يفرق بين الذوات إلا ما له علاقة بغرائزه, لهذا الحيوان لا يفكر مثل الإنسان.

      يتبع

      حذف
    2. وقوانين أرسطو تنطبق على الحيوان فيما يتعلق بغرائزه، فالقط ينظر إلى جسم صغير يتحرك ويقول: إما أن يكون فأراً أو لا يكون, فإذا عرف أنه فأر عرف أنه لن يكون كلباً أبداً ولا قرداً ولا دباً, أي لا يكون الشيء نقيضه, أي عرف أن (أ) هو (أ) , بدون هذه البديهيات لا يستطيع أن يعيش لا الإنسان ولا الحيوان.

      إذن أساسات المنطق الصوري لم تميّز الإنسان عن الحيوان, والذي يميزه هو أن الإنسان يستطيع أن يميز ما ليس له علاقة بحياته على خلاف الحيوان. وهذا الذي يصلح أساس التفكير عند الإنسان، وليس القوانين الثلاثة. هذه ميزة خاصة لآدم أنه عُلّم الأسماء كلها, فالأسماء تعني الذوات المفصولة عن بعضها, لهذا أهم شيء في دراسة أي لغة هو الأسماء، أما الباقي فتوابع لها كالأفعال والحروف, واللغة ما هي إلا عبارة عن موصلات للأسماء مبنية على المنطق اللغوي العام. وكل اسم يحمل الصفات في داخله وإلا لم يعط اسماً لولا ميزاته, انظر إلى تدرجات أسماء الرياح والهواء في اللغة أو أسماء مراحل نمو الإنسان أو الحيوان ... وهكذا, كل اسم مبني على تمييز, إذن علم الله آدم التمييز العام مثلما علم الحيوان التمييز الخاص. والقرآن دائماً هو المرشد الحقيقي الذي لا يخطئ لمعرفة الإنسان والحياة.

      لاحظ أن أول قانون وضعه أرسطو هو الهوية والذي يشير إلى التمييز وإلى قوله تعالى {وعلم آدم الأسماء}.

      حذف