الجمعة، 13 يوليو 2012

رداً على تعليق في موضوع الداروينية الاجتماعية




e7san

بالنّسبة للداروينيّة الاجتماعيّة فالحق يقال أنّها محلّ تصديق كبير عندي، وهذا يدحض شكوكي حول الداروينيّة العلميّة لأنّهما مرتبطتين .

هل إنسان اليوم - اجتماعيًا ونفسيًا - يشبه الإنسان قبل ١٠٠٠ عام ؟ هل الحبّ الّذي يمارسه هو نفس الحبّ ؟ هل ممارساته الدّينيّة هي نفسها ؟ هل نظرته للقتل والسبيّ هي نفسها ؟ ألا يبدوان مختلفين تمامًا ؟


يقول ثيودر رايك بأنّ الحبّ غريزة متطفّلة، وأنّ الرومانسيّة بعد ٢٠٠٠ سنة سيكون لها شكلاً مختلفًا تمامًا عن رومانسيّة اليوم، وأنا منطقيًا ونظريًا أصدّق كلامه، إنّ الإنسان يتغيّر .. أو لنقل يتطوّر


وفوق ذلك، لماذا عمد الله إلى تطور الأديان السماويّة؟ من يهوديّة إلى نصرانيّة إلى إسلام ؟ لماذا لم يكن محمّد هو أوّل الأنبياء وآخرهم ؟ لماذا بعثه الله في تلك الفترة المعيّنة من عمر البشريّة بالذّات ثمّ قطع الوحي بعده ؟


ألا يدلّ تطوّر الأديان الّذي لا نستطيع إنكاره على أنّه متّسق مع تطوّر الإنسان ؟ على الأقلّ اجتماعيًا ؟
 




الرد:

مع احترامي لطرحك ..
إلا أنني أختلف معك تماماً ..

وأرى أن تطور الإنسان ليس إلا وهماً كبيراً افترضه الداروينيون حتى يتسق مع نظرية التطور العلمية والتي هي وهم أكبر..

 الأديان لم تتطور لكن الله يجددها كلما لوّثها البشر بأفكارهم ، {إن الدين عند الله الإسلام} وهو الذي قال لإسماعيل وإبراهيم {أسلما} قبل أن يوجد محمداً ، والإسلام يعني تسليم الذات لخالقها وليس لأهوائها من خلال فكرة العبودية لله ..

أما تطور الحب فهذا أمر عجيب! فكيف يتطور الحب؟! النظرة إلى مظاهر الحب واختلافها وطرق التعبير عنه لا تعني أنه تطور ، الإنسان تتطور وسائله عبر التاريخ والتراكم الحضاري لكن لا يتطور هو؛ لأن شعوره ثابت، بل حتى وسائل الحب نفسها وطرقه لا نجد أنها تطورت أو تغيرت مع أنها وسائل خارجية مادية ..

 في أحد مقابر الملكات في سومر نفس أدوات الزينة اليوم : مرآة - كحل - أحمر شفاة ...الخ ، وهذا قبل سبعة آلاف سنة! بل وفي تابوتها باقة من الورد حزناً على موتها كما يُفعل اليوم!! لا جديد في عالم الإنسان، بل الجديد في الأدوات وليس كل الأدوات أيضاً ..

أما كلامك عن مفهوم القتل والسبي: فالمؤسف أنه مناقض تماماً لفكرتك ، ولو قال أحد أن الإنسان يتراجع في إنسانيته لوجد دليلاً في أسلوب الحرب الحديث وبشاعته وأسلحته المدمرة والتي ضحيتها دائماً هم المدنيون ، على عكس الحروب القديمة التي تقع بين فارس وفارس. والسبي على كل حال ألطف من تدمير المنازل بالصواريخ بمن فيها ، والسبي ألطف من التسمم الكيميائي والنووي وبتر الأطراف بالألغام التي تتفجر بعد عشرات السنين، فمن الأبشع في الحرب: القدماء أم المتأخرون؟!
هل هذا تطور إنساني؟؟!

لا ينبغي الخلط بين تطور أدوات الإنسان وتطور الإنسان نفسه ، فالنظرة إلى القدماء كأنهم مخلوقات أخرى يجب أن نخرج منها ، لأنها نظرة داورينية تريد تصوير الإنسان الأول أنه قريب من عقلية القرد، وأنه كان يستلذ بمنظر الدماء والافتراس ثم هذبته الحضارة لكي يلقي القنابل النووية على المدن بكاملها!! يجب أن نخرج عن هذا التصور ..

انظر لأقدم النصوص الأدبية ، هل ترى اختلافاً في الرؤية الإنسانية؟ 
في أحد البرديات الفرعونية كلاماً حكيماً لرجل ينصح ابنه، ولو بدّلت اسم الكاتب ونسبته إلى كاتب عصري فلن يكتشف الناس أنه نص فرعوني منذ آلاف السنين ، وكذلك أشعارهم ..

لكن لننظر إلى أدوات ذلك الشخص وأدوات الإنسان العصري فسنجد أنها مختلفة جداً ، فلم يكن يعرف الطائرة ولا الكهرباء ولا الإنترنت ولا الراديو ...الخ.

اقرأ في الشعر الجاهلي والشعر الحديث وأرني كيف اختلف الإنسان عبر 1500 سنة اختلافاً في إنسانيته؟ .. لن تجد ، ستجد أنه يُقدر ما نُقدر ويُحب ما نُحب ، ستجده يمدح الوفاء والإخلاص مثلنا ويُحب الجمال مثلنا ويحب الشجاعة مثلنا والكرم مثلنا ويحترم الأسرة والزواج مثلنا ويكره الحماقة والغباء مثلنا ويدعو إلى احترام الجيران والوالدين مثلنا ، هذا ما ستجده في نصوص كنفوشيوس وجلجامش وغيرهم ، وتجده يُقدر الجمال والفن ، وهذا ما تكشفه أثريات العصر الحجري وما قبله من موجودات المتاحف الباذخة في فنها وجمالها ، فأين تطور الإنسان؟ وأين الداروينية الاجتماعية؟

بعبارة أخرى : كل شيء إنساني تستطيع أن تنقله من زمن لآخر دون أن يتصادم مع ذلك الزمن ، أما كل شيء حضاري فنقله سوف يسبب تضارباً وتصادماً ، فقصيدة حكمة لزهير يستشهد بها الناس اليوم وقبل 500 سنة وقبل 1000 سنة وبعد 1000 سنة! 
لكن أواني زهير لا نستطيع نقلها والعيش بها في زماننا ، ولو رأى زهيراً أدوات منازلنا بهذا العصر لصُعق وتفاجأ ، بينما قصيدته نفهمها مثلما فهمها هو وأهل زمانه ، هذا يعني أن الإنسان يطور أدواته لا أنه هو يتطور .

ومن ناحية منطقية لم تأت أشياء خارجية لتطور حياة الإنسان بل هو الذي طوّر حياته ، أي أنه منطلق من ثوابته ليعطيها امتداداً ليس إلا . الإنسان القديم نظر إلى الطيور وتمنى أن يطير مثلها ، والإنسان الحديث حقق هذه الأمنية القديمة ، إذاً لم تتغير الدوافع ولكنه تحقق بعضها .

التطور العلمي الدارويني يجعل الأحياء ضحية للظروف الخارجية والصدف تطورها رغماً عنها. 

لما نأتِ للداروينية الاجتماعية: نجد الإنسان هو من طور وليست الظروف الخارجية ، إذاً هنا خلط وإقحام وعدم دقة ، وربط أمرين مختلفين ببعضهما البعض .

 في النهاية الإنسان لم يتطور ولكنه طوّر ما كان يحب أن يتطور من وسائل عيشه ليس إلا ، وهو الذي صنع هذا التطور منطلقاً من ثوابته التي لا تتغير عبر الأجيال ، فالإنسان ليس ضحية ظروف بل إنه يتحكم في الظروف ، وما يتحكم في الظروف لا يتغير بل يغير ما حوله !! هذا هو المنطق ..

وهذا يجعل فكرة التطور لا تنطبق على المجتمع ، وإخراجها من مجال الأحياء إلى مجال المجتمع إخراج غير دقيق ، مع أنها غير منطقية أيضاً في المجال العلمي وخارج نطاق العقل والمنطق ، أن تصنع الظروف العمياء حياة غير عمياء ، مع معرفتنا أن الصدف غير موجودة أولاً كفاعل ثم أنها متضاربة إذا وجدت ويتلف بعضها بعضاً ، إذا كل فكرة التطور ساقطة لا في المجتمع ولا في الطبيعة ، وعليهم أن يبحثوا عن فكرة أخرى ليحالوا بها ترقسع خروجهم عن الفطرة والمنطق التي تقتضي وجود إله ..

إذاً يجب أن نخرج من عالم الأساطير وأولها أسطور الإنسان البدائي الذي تطوره الظروف رغماً عنه في جسمه وفي ذاته ، فلا وجود حقيقي لإنسان بدائي يتطور شيئاً فشيئاً .. بدليل ثبات الشعور الإنساني رغم التطور الحضاري الهائل ، إذا قسنا هذا على الماضي السحيق فسيعطينا نفس النتيجة ، نحن نستمتع بفنون مضى عليها 20,000 سنة و30.000 سنة بنفس ما استمتع بها أهلها ، ولا نجد اختلافاً بالذوق ، إذاً الإنسان لا يتطور في ذاته بل في أدواته ، ليكافح ضعفه ويحقق رغباته التي يغذيها خياله الواسع غير الموجود عن بقية الحيوانات ..

وشكراً ..


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق