الأحد، 1 يوليو 2012

المرأة والمداراة والاختلاف..




عند كل الشعوب فكرة أن المرأة كائن رقيق ويجب التعامل معه برفق خاص يصل في العادة إلى حد المداراة على الأخطاء, لكن هذه المداراة تضر المرأة أكثر مما تنفعها وتحرمها فرصة المعرفة الحقيقية بأخطائها, وتؤدي بها في أحيان كثيرة إلى النزعة التسلطية والغرور والتكبر على الحقيقة، ويجعلها ليست في حاجة ماسة إلى العقلانية والمنطق..

 كما قال تعالى : {أفمن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} إشارة إلى ضعف المنطق عند المرأة المدللة المنشّأة في الحلية بشكل عام, لأنها تُدارى, وهذا ما يضطرها لاستعمال العواطف والدموع واتهام الآخرين بالقسوة إذا عجزت عن الحجة المقنعة.

وأسلوب المداراة هو الذي صنع حتى الديكتاتوريين عبر التاريخ, وكل من لا يُخبَر بأخطائه يظن أنه على حق, لهذا أصبحت المرأة تكره النقد وتعتبر من ينقدها أو يحاورها بصراحة مثلما يحاوَر الرجل يقلل الأدب معها وتصنفه قاسياً فظاً ، مع أن المنطق للجميع وينضوي تحته الجميع ، هذا ما يجب .

 لاحظ أن كلمة "قسوة" لا توضَّح من حيث الحق والباطل أو الخير والشر, فهي كلمة مطاطية.  مع أن المرأة تقسو لكن قلّ من يخبرها عن قسوتها, قال تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} على هذا كل من خالف هوانا وانتقد أخطاءنا نقول أنه قاسٍ علينا وجارح لنا وغير لطيف معنا, أي: مسيء لنا ، مع أنه هو الذي يستطيع أن ينفعنا ويصلحنا, وهو الوحيد الذي له حق الشكر (ورحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي) فهل هذا المبدأ ينطبق على الرجال فقط؟

المداراة والمجاملة جعلت المرأة لا تعرف موقعها الحقيقي, هل هي على صواب أو خطأ, وما مستوى التزامها بالأخلاق.

والأخلاق كلمة واسعة لا تعني فقط العفة كما يتصور الكثير من النساء عن أخلاق المرأة, فالنساء شقائق الرجال, ولسن نوعاً آخر مختلف في الأصل والتركيب, فالجميع بشر،  والقرآن عامل المرأة كما يعامل الرجل, قال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولم يقل أن المرأة رقيقة أو يدها ناعمة! وقال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة} لم يقل لأن المرأة رقيقة تكون جلداتها أقل! فما بالنا نفرق في التعامل بين الرجل والمرأة على غير هدي القرآن؟  

وكذلك في الشكر والتشجيع، قال تعالى: { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وهذه مساواة في الحقوق والواجبات ..

 إذاً تجب المساواة في التربية والتعليم ، ما داموا سوف يعاملون بدرجة واحدة في الحقوق والواجبات والجنة والنار.  

 أما في الحضارات الدنيوية التي تريد أن تبتز المرأة فهي التي تعتمد فكرة: (السيدات أولاً) (ladies first), المرأة إنسان قبل أن تكون امرأة, وتُربى إذاً بنفس الطريقة التي يُربى بها الإنسان.

 كثير من النساء يخفين ظلمهن وكذبهن وقلة أخلاقهن في التعامل وراء ستار الرقة والضعف, أيُّ رقةٍ وهي تَظلِم وتكذب تبعاً للمثال السابق؟! ولا قيمة للرقة الخارجية إذا كان الداخل خشناً وشائكاً وأنانيناً . ولست أعمم أبداً ، وإن كان غيري قد عمم مثل المتنبي الذي قال :

ومَنْ خَبَرَ الغَوَانِي فالغَوَانِي **** ضِيَاءٌ فِي بَوَاطِنِه ظلامُ ..!

وطبعاً ليس الجميع ..

المداراة والمجاملة لا تُصلح أحداً, فالله أمرنا بالحق. أما من يظلم المرأة فالظلم حرام على رجل أو على امرأة.

 إذاً ما هي القسوة التي تقصدها بعض النساء؟ .. إذا استبعدنا الظلم بكل صوره, سنجد أنها الصراحة وقول الحق, وقول الحق ليس قسوة على أحد, والحقيقة لا تجرح أحداً.

كثير من النساء تظن أن في اصطناع الرقة والنعومة وسرعة التأثر والاحتماء بها مكسباً لها، والحقيقة أنه مضرة أفقدتها الكثير, بل وأفقدتها كرامتها الإنسانية الحقيقية, وجعلتها تبدو بمظهر الضعيف الذي يدارى لضعفه ولا يُنتقَد لهشاشته وقلة عقلانيته, بل ولا يُطال النقاش معها لأنها ستختمه بالبكاء! وبهذا الشكل ستضيع الحقيقة.
هذا التعامل يشبه التعامل مع مريض أو طفل, ولا أظن المرأة العاقلة تسمح بأن تكون بموضع طفل يُدارى, ومراقبتها لمن يناقشها هل رفع صوته أو حرّك يده أو لم يقبل ما قالت أو لم يصدّق بسرعة .. ستصنفه في الأخير على أنه قاسي, مع أن هذه أمور شخصية وطريقة في التحدث نجده يستعمله معها ومع غيرها, وهي أيضاً لا تخلو من أساليب فظة في الحوار, لكن المعاملة كوضع خاص هي المشكلة.

أعتقد أن المرأة التي تهتم بكرامتها الإنسانية قبل تحديد نوعها هي الأجدر بالاحترام دائماً, تلك هي المرأة التي لا تحتاج لأن تدارى وتبني عقلها ومفاهيمها بجو صريح وواثق, وتأخذ قيمتها من علمها وأخلاقها لا من زينتها وجسدها ،  إنها تلك المرأة التي تعاملها كرجل , تلك هي المرأة الإنسانة التي ارتفعت عن مستوى ذوي الاحتياجات الخاصة, وصارت تحترم عقلها وتناقش به وتتحمل نتائج أفعالها وأقوالها, بل إنها غير محتاجة لأن تجعل جسدها يتكلم بدلاً من عقلها, ومكياجها بدلاً من إنسانيتها ومبادئها, إنها تكرم نفسها أن تكون بهذا المستوى الضعيف الذي يرقع شخصيتها, وبالتالي فما الداعي لزينة المرأة وإظهارها أمام الآخرين بشكل مبالغ ؟

الإنسانة المرأة هي من تثبت وجودها بأخلاقها و معرفتها وأفعالها وذكائها وليس بملابسها , بل تكفيها الملابس المناسبة مع الأناقة المناسبة والنظافة وهذا كل ما في الأمر, قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن}. قالوا للمرأة أنتِ أنثى, لكن لم يقولوا لها أنكِ إنسان وبشر.

 العنف لا يقبله أحد لا رجل ولا امرأة, العنف ظلم, والمداراة أيضا ظلم ومبنية على المصلحة، وصديقك من صَدَقك لا من صدَّقك.

 الإنسان المرأة وليس المرأة الإنسان هي التي يغضبها أن تعامل معاملة خاصة دون الرجال, بينما المرأة الإنسان يٌفرحها ذلك, والكريم هو من لا يقبل أن يأخذ ما ليس له من احترام وتقدير وتمييز, فما بالك إذا كان على حساب جسده -لا ذاته- والنظرة إليه؟! هذا وضع يجرح إنسانية الإنسان المرأة.

 قبل أن نتكلم عن رجل وامرأة، ذكر وأنثى، يجب أن نتكلم عن إنسان رجل وإنسان أنثى, هذا هو المنطلق السليم وهذا هو التكريم الذي قدمه الإسلام للنوعين , قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} أي: كلهم, وقال: {... وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ...} على حد سواء, فليس الصبر للرجال فقط, وليست النار للرجال فقط ولا الجنة للنساء فقط.

وحديث : (رفقاً بالقوارير) فقد كان الكلام موجهاً لحادي الإبل (وهو أنجشة) وقد كان يغني (يحدو الإبل) بصوته العذب, فليس الحديث عن الخشونة أو القسوة في التعامل.

المرأة تتأثر بالجمال الطبيعي والمعنوي أسرع من الرجل, وتميِّز الفضيلة أسرع من الرجال غالباً وإن كانت تتأخر في تبنيها؛ بسبب ارتباطها الشديد بالمجتمع والواقع, وهي الأعرف بالخير أكثر وأسرع والأعرف بالشر أكثر وأسرع أيضاً, وهذا يفسر تقلب الشخصية الواضح عند المرأة والذي تكاد لا تخلو منه امرأة.      

وهذا الكلام يقودنا للحديث عن أنوثة المرأة, فقد يُظَن أن الكلام السابق يفقدها أنوثتها, بينما الكلام السابق تكلم عن إنسانيتها..

الحقيقة قاسية على الهوى , وغير قاسية ومفيدة إذا احتُرمت , الحقيقة غير قاسية على من يطلبها وغير مريحة لمن لا يطلبها , فإذا كنت تصر أن تبقى في طريق الصخرة المتدحرجة ستكون قاسية عليك , وكلمة قسوة تكثر كثيراً عند أصحاب الهوى ومن يفضلون أنفسهم على الحقيقة , لأنهم لو كانوا مظلومين لقالوا ظُلمنا , لكنهم يصفون بها من يعطيهم الحقيقة ، وكأن الظالم رقيق والمنصف قاسٍ في موازين هوى النفس .

من صور مخالفة العقل لأجل الهوى القول بتعدد الحقيقة حتى يبقى كل على مزاجه وهواه مع أنه منطقياً لا تتعدد الحقيقة , ومن هذا جاءت فكرة التعددية في الثقافة الغربية المبنية على الهوى.

 وصورة أخرى تخالف العقل بسبب الهوى هي القول بالاختلاف وميزته واحتياج الحياة له، بل والسعادة له, مع أن العقل لا يتفق مع هذا , فلو كان الاختلاف هو الأفضل فلماذا لا يستمر عليه إلى الآخر؟!  وإن قلت قليل من الاتفاق وقليل من الاختلاف فكيف تصلح الحياة بالشيء ونقيضه؟ .. العقل لا يقبل هذا .

 وكل هذا لأجل تسويق الهوى على حساب  الحقيقة {ودُّوا لو تدهنُ فيدهنون} , يعني ادهن لي وادهن لك , وهذا ما دفعهم لقولهم بعدم وجود الحقيقة المطلقة , ويردد مثل هذه الأفكار من لا يحب أن يتغير سواء امرأة أو رجل من مثل: "الاختلافات ملح الحياة"، "الشجار بين الزوجين أمر جيد يدل على الاستقلالية"، "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" ، مع أن الجميع يتمنى الاتفاق ويكره الصراع والشجار ، ولا وئام مع الاستقلالية .

 الحقيقة واحدة وصراط الله المستقيم واحد والنور واحد  والظلمات متنوعة , والاتفاق سلام ومحبة وثقة , والتنوع جميل والاختلاف قبيح , إنهم يغالطون بين الاختلاف والتنوع ، فالتنوع ليس فيه صدام، أما الاختلاف ففيه تعارض وصدام.

التربة والشجرة والعصفور والماء تنوع لكن بلا صدام ، لأن النتيجة بستان! .. أما إذا كنت أنا أريد أن أنام وأنت تريد أن ترفع صوت التلفاز، فهنا اختلاف غير جميل!!  فكيف يكون ملحاً؟!

فما بالك إذا كان الاختلاف أكبر؟! أين الجمال فيه ؟؟! ولا أدري ماذا وجدوا في الاختلاف حتى يمدحوه هذا المدح؟؟! إذا استبعدنا الخلط بينه وبين التنوع في مزهرية واحدة، وحق الاختلاف أن يُزال لأن الحقيقة واحدة، وكلما زاد الاتفاق كلما زاد الانسجام , أما التنوع فهو فطرة ولا يمكن إزالته وإلا لأصبح الجميع نسخاً مكررة. 

هناك 4 تعليقات :

  1. دوماً موفقين ... وبأنتظار الجديد ..

    ردحذف
  2. المرأة تتأثر بالجمال الطبيعي والمعنوي أسرع من الرجل
    Lalasoltana

    ردحذف
    الردود
    1. هذا صحيح لكن بشكل عام وليس ينطبق على الكل .. شكرا لتعليقك ..

      حذف