في هذا الموضوع رد على شبهة: إذا عُرف السبب بطل العجب "الإلحادية" ، والتي انبنت عليها فكرة إله الفراغات :
يتحدث بعض الملاحدة أنهم استطاعوا أن يعرفوا الطريقة
الطبيعية التي تنتهجها الطبيعة في عملها في الظواهر الطبيعية وغيرها ..
ولكن الطريقة الطبيعية أليست مبتكرة و مخلوقة ؟ ما معنى
"طبيعية" من وجهة نظرهم ؟ هل نحن من وضعناها ؟ طبعاً لا ، هم كمن يقول :
"إن هذه النباتات تنموا أمامنا بطريقة طبيعية.. فلا داعي أن يكون لها إلهاً
" ! إ
إذاً كل شيء سيفعله الإله و يوجد في الطبيعة سيقال عنه نفس
الشيء ! فكل شيء يكون سيقولون عنه أنه طبيعي لأنه تحول إلى معتاد ، فالطبيعي من
وجهة نظرهم هو المعتاد. والحقيقة أنه غير معتاد وغير طبيعي!! و إن كان معتاداً
وطبيعياً فلنصنع مثله ومن العدم ، و دون المطالبة بنماذج أخرى ..!
إذاً لا يوجد في
التحقيق شيء اسمه طبيعي ولا يحتاج إلى تفسير ..
إذاً الطبيعة ليست طبيعة ، بل هي معجزة .. و الإلف والتعود
لا يعني السهولة .. كلنا معتادون أن نحب ونكره ونعجب ونطرب وننام ونستيقظ.. ونقول
عن هذه الأشياء أنها "طبيعية" ، أي: كأنها أمور بسيطة ولا تستحق الوقوف
عندها لأنها متكررة!! .. وهذا كلام سطحي جداً ، لأننا لا نعرف و لا حقيقة واحدة
عنها ..
افرض أن شخصا فقد فجأةً (وبدون سبب) كل أنواع المحبة و الانتماء
في داخله ، بما فيها محبة الحياة .. فهل يستطيع أحد أن يقدم له شيئاً ؟؟
إذاً لم يُحل اللغز بعد ، و لن يُحلّ أبداً .. كل ما في
الامر هو اكتشاف ظواهر ليس إلا ، و أغلبها قائم على نظريات و ليست على حقائق علمية
، و حتى إذا اكتشفنا علمياً كيف تترتب بعض الأمور ، ففي الحقيقة أننا وقفنا وجهاً
لوجه أمام المعجزة ..
هل يستطيع العلم أن يفهم قانوناً واحداً من قوانين الطبيعة
التي نمر عليها بدون اكتراث ؟ و نعتبرها من باب تحصيل الحاصل ؟ .. كل من يعرف
العلم يعرف أن بديهيات العلم هي أصعب ما في العلم .. بل هي المستحيل بعينه ..
إذاً نحن لا نعرف لبنات المعرفة و نعرف بعضاً من ظواهرها و
علاقاتها بغيرها : {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} .. هذا في كل البديهيات ،
سواءً في الرياضيات أو الفيزياء أو في النفس البشرية أو في العقل أو في المنطق إلخ
..
يا ترى هل نستطيع
تفسير المنطق ؟ هل نستطيع تفسير الرياضيات ؟ الفيزياء ؟ .. طبعاً لا ، لكننا نعرف
إلى حد ما كيف تعمل بعض قوانينها ليس إلا .. إذاً في مجال المعرفة الحقيقية
الأصلية نحن لا نعرف شيئاً .. و معرفتنا كلها من النوع الفرعي ، أي: معرفة علاقات
..
المعرفة بالنسبة للعقل البشري مثل جبل الجليد في المحيط ،
أكثر شيء نعرفه هو أظهر شيء ، وأبعد شيء عن المعرفة هو الأعمق .. و المعرفة الفرعية
هي ما بعد وجود الشيء ، أما المعرفة الأصلية هي ما قبل وجود الشيء والتي تسبق
وجوده ، مثلما يعرف التاجر و المستهلك ذلك المُنتـَج لأي شيء يُستعمل و كيفية
استعماله و علاقاته بالأشياء الأخرى ، لكن لا يعرف كيف تمت صناعته ، لأن هذه من
نوع المعرفة الأصلية .. و المعرفة الفرعية هي الظواهر ، لأن الظواهر نتيجة
للعلاقات ..
إذاً على الإنسان ألا يفتخر كثيراً بالمعرفة ، في حين أنه
لا يستطيع أن يفسر لماذا 1 + 1 = 2 و لم تكن 3 .
لا يستطيع أحد أن يفسر الجاذبية ، و هي أول معلومة يعرفها
الطفل في الروضة .. لأن تفسير الجاذبية سيعيدنا إلى أصل كل شيء ، و نحن لا نعرف
الشيء إلا بالشيء الآخر .. ولا نستطيع أن نعرف شيئاً بدون شيء آخر ، فعقولنا مبنية
على المقارنة ..
هذا لا يمكن أن يعرفه إلا الذي أوجد البدايات .. و هو ليس
نحن بلا شك ، و عقولنا لا تستطيع أن تصل إليه .. لأن عقولنا مبنية على النسبية ..
و لو وضعتَ عقل الانسان في اللاشيء لصار لا شيء .. والنسبي لا يستطيع أن يدرك
المطلق .. إذاً لن يستطيع العلم يوماً من الأيام أن يعرف كل شيء .. و لو عن الشيء
الواحد .. ولو عرف كل شيء عن الشيء الواحد لعرف كل شيء .. إذاً نبقى في حدود الآية
: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} .. نحن و علمنا و علماؤنا .. و لم ينحل اللغز
كما تتصورون .. بل زاد تعقيداً .. وهذا يذكرنا بكلام أبو العلم التجريبي فرانسيس
بيكون : "قليل من العلم يؤدي إلى الإلحاد ، ومزيد منه يدفع إلى الإيمان"
..
ومعرفة ما يمكن أن يُعرف وما لا يمكن أن يُعرف لهي أثمن
المعرفة ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق