الجدوى من الحياة هي ما يجعل الإنسان المؤمن يتحمل هذه الدنيا لأن مصيره في النهاية هو الموت , فالموت هو ما يخفف الرغبة بالشهوات , ونرى الشعراء الذين تحدثوا عن الموت وعن طريقه أثبتوا أن الحياة ألم وعذاب ولا تستحق العيش فيها كأبي العتاهية وحتى المعري , وكذلك الفيلسوف شوبنهاور , وهم قالوا ذلك لأنهم عرفوا (الحياة من أجل الحياة) وهذا سر تشاؤمهم .
وكل من يفكر فسوف يقوده تفكيره إلى التشاؤم ,
فلا بد من وجود حياة أخرى تعمل من أجلها , فالحياة من أجل الذات تسبب فقدان الحياة
وبالحسابات العقلية هي خاسرة , فالإنسان بعد سنوات سيفقد شبابه وتزداد أمراضه
وآلامه , ففكرة الماديين والدنيويين والأبيقوريين هي فكرة خاطئة لأنه أي خسارة سوف
تكسرك والخسارة مستمرة , ولا يوجد ربح حقيقي وبذلك فالخسارة مستمرة .
فمهما جمعت من مادة فإن المادة ليست كلها لك , وبذلك
فأنت تجمعها لغيرك فالإنسان يمتلك معدة واحدة وليس معدتين , فلو ملكت سفينة
مملوءة بالتفاح فأنت في النهاية لن تأكل إلا تفاحة واحدة , ولن ينفعك ذلك إلا إذا
أنفقت هذا التفاح لحل أزمة مجاعة في أفريقيا مثلا , وإلا لن تستفيد شيئا , لأن
الإنفاق رَبَط ما تملك بأهداف سامية وهنا ستحس بالجدوى من وجودك .
إذاً فالحياة لأجل المتعة على الخطة
الأبيقورية هي فاشلة , إذاً .. إذا كان الملحد عقلاني فعليه أن ينهي حياته لأنها
ليس فيها أرباح , وما يجعل الملحد يحب حياته هو الأمل والأماني .. قال تعالى: {وغرتهم
الأماني} الآية .. {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} الآية .. حتى
الشاب حياته تنقص ولا تزيد , إذا فالجميع في خسر , كقول أبي العلاء المعري :
إنّ حُـزْناً فـي ساعةِ المَوْتِ أضْعَا فُ سُـرُورٍ فـي سـاعَةِ الـميلادِ
وإذا كنت تنظر للحياة بأنها متعة
وشهوات فالواقع سيقول لك بأنك مخطئ , إذا ماذا نعلم ؟ .. هذا يدل على وجود طريق
سليم يعطي الإحساس بالانطلاق وهو أن لا يحيا الإنسان لنفسه وإنما يعيش لأجل أهداف
سامية لأن النفس خاسرة أصلا , بينما لو كان لدى الإنسان أهداف سامية فإن الإنسان
يموت وأهدافه السامية لن تموت , وبذلك أصبح الإنسان ذو قيمة منحتها إياه أهدافه
السامية , فهو يعمل لأجل أهدافه ويعلم بأنه سيفنى وأهدافه لن تفنى .
وحتى الرضا بالقضاء والقدر هو صبر
جميل للمؤمن لأنه ارتبط بالله الذي يحبه عباده , فصبر عباده هو من أجل حبهم له ,
بينما لو يصبر الإنسان من أجل نفسه فإن صبره سيكون أليما , فمثلا لو أقام شخص
مشروع خاص به وفشل هذا المشروع فإنه سيصاب بالإحباط , لكن لو كان هذا المشروع إصلاحي
لوجه الله فإن قضيته هنا هي العمل وليست النتيجة , فالأهم بالنسبة للشخص هو أداء الواجب
وحتى لو خسر فإنه لن يهمه .
وبذلك فلن تصلح حياة الإنسان إلا
بالارتباط بالله , ولن تصلح حياته عندما يكون الإنسان هو الوسيلة والغاية , أي
جسمه يعمل من أجل جسمه ( فلا يصلح أن يكون الشيء وسيلة وغاية في نفس الوقت ) .
الأصل بالشعور الإنساني هو الانطلاق
وليس الانغلاق , والانغلاق أو التبلد هو حالة مرضية وليس حالة صحية , لأن الشعور
لديه حركتان , اندفاع وانسحاب , والانسحاب يسبب انكماش للشعور وينتج عنه الخوف , حتى
الكراهة والشك والتردد عبارة عن خوف , وبذلك فمقياس الصحة النفسية هو انطلاق
الشعور , فيكون الشخص مبادر ومنطلق مثله مثل الطفل في بداية حياته تجده منطلق قبل
أن يبدأ به الخوف عندما يكبر ويمتلئ بالعقد النفسية .
وعندما ترى إنسانا متفائلا بشكل دائم
تحس بأنه سطحي وغير فاهم للحياة , أما إذا كان الإنسان مؤمن بالله وهذا الإنسان
يعلم أنه سيعيش في جنة ليس في هذا الخسر اليومي الذي يعيشه في الدنيا فإنه من حقه
أن يتفاءل , بينما من يتأمل الحياة بعقله فهو سيذهب إلى التشاؤم , وهذا يدلك أنك
إذا أرت أن تعيش الحياة بلا تشاؤم فلا بدل أن تملك فكرة سليمة وحقيقية , والمنطق
هو من يجبرك أن تعترف أن الحياة لأجل الحياة تساوي تشاؤم وخسر وألم ومنطقيا يجب
الخروج منها , ومن هنا بوابة الانتحار فالخروج من الحياة هو الخروج من الألم .
وفلسفيا ومنطقيا فالحياة لا يمكن أن تعاش من أجل
الحياة , فالنظرة الدنيوية خطأ , وفكرة الإيمان هي الحل الوحيد من أجل أن تجد
الجدوى المنطقية للحياة وهو أن تعيش لهدف سام فلا يحصل لك هنا الإحباط والألم لأنك
تعمل من أجل غيرك , لأنك عندما تعمل من أجل نفسك فإنها ستهمُّك النتيجة أما عندما
تعمل من أجل غيرك فإنها لن تهمك النتيجة , قال تعالى : {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} .
ومن يعجبون بالدنيا هم يعيشون وهم
وغرَّتهم الدنيا ولا يعلمون أنهم في خسر , وبذلك فالحياة مشروع باطل إلا إن خرجت
عن الذات كمحور , أي نعيش من أجل غيرنا ولذلك سمانا الله بالعبيد , والعبد يحيا من
أجل غيره فالعبد خادم .
شكرا على الموضوع
ردحذفشكرا على الموضوع
ردحذفشكرا لك على هذا التفكر
ردحذف