الأحد، 1 يوليو 2012

الحرية و علاقتها بالسعادة



الانفكاك- أي انفكاك - يعطي سعادة مؤقتة ، كانفكاك الزوجة من زوجها ، و فصل الموظف من وظيفته لمشاكله مع الإدارة ، و من يقتـُل في لحظة الغضب يشعر لحظتها بالسعادة والتي تنقلب إلى تعاسة فيما بعد . و لكن عدم الإرتباط - أيُّ عدم ارتباط كان - يسبب كآبة ، والإلحاد هو عدم ارتباط إلا بالشهوات و المصلحة .

تشعر المطلقة براحة في بداية الطلاق ، ولكن عندما تبدأ بالتفكير بحياتها القادمة و مصيرها الجديد ، ستأتي عليها ظلمة ٌ من الكآبة ، لأن هذا التخلُّص ليس من الأسوأ إلى الأفضل ، بل من الشيء إلا اللاشيء ، فهي لا تملك حباً جديداً أو حياة جديدة جاهزة لاستقبالها .

كذلك حال الذين يخرجون من الدين بسبب الضغوط ، فهم يشعرون بشعور الزوجة المطلّقة ، لكن عندما يصحون (والصحوة عادة تأتي عندما يذهبون للنوم، أي "هموم الوسادة" ) عندها تبدأ أحاسيس الضياع بزيارتها الكريهة والشعور بعدم الجدوى من الحياة و عبثية الاهتمامات والإحساس بالفوضى الكونية .. فلا خير ولا شر ، ولا ربٌّ مطّلع و طيب يقف في صف الأخلاق ويُنصِف المظلومين من الظلمة .. كلٌ و مصالحه ، و يده و ما تعطي ، و ليس لنا حق في أن نبغض الظـَّلـَمـَة لأنهم يراعون مصالحهم ، و لا حسيب ولا رقيب ..

لا شك أن حياة ً بهذا الشكل هي كابوس بحد ذاتها للعاقل ، هذا بالإضافة إلى آلام الوحشة من المجتمع إذا كان الملحد في مجتمع ديني ، والتي تتنامى إلى حد الفوبيا ، و يحسب كل صيحة عليه .

من يسعد بالتغيير سعادة حقيقية دائمة ، هو من يخرج عن وضعه المتعب والمشتَّت وغير المتوازن إلى وضع مدروس ومنظم و مفهوم و مستمر و ممتد ، أي لا يحل مشاكل اللحظة فقط ، و لا يحل مشاكل الجسم فقط ، بل يحل كل المشاكل ، ويقدم أنواراً من كل الجهات تنير جميع مناحي الحياة ، سواء الفكرية أو النفسية أو المستقبلية واليومية أيضاً .

أتمنى مزيداً من التفكير للمرحلة اللاحقة (بعد الانفكاك) ، فالإلحاد ليس نهاية المطاف ، هو منطقة فراغ ليس إلا ، تنعدم فيها القيمة لأي شيء ، إلا من خلال المصلحة ، و كما قال فرانسيس بيكون أبو العلم التجريبي : "القليل من العلم يؤدي إلى الإلحاد ، والكثير منه يؤدي إلى الإيمان" ..  والمصلحة دائماً محكومة باللحظة الأقرب ، ولابد بعد الصحراء من واحة وارفة يستريح فيها ليس الجسم فقط ، بل حتى العقل والمشاعر . وهذا ما أتمناه لكل باحث عن حقيقة  ..

الكثير من الناس يحسبون أن السعادة تتأتى من الحرية بشكل مطلق ، لكن الحقيقة أن الإنسان مخلوق ارتباطي وليس مخلوق تحرري ، فسعادته الحقيقية هي في الارتباط بكل ما هو حقيقي ، و ليست في التحرر من كل شيء . وبهذا فالحرية تعني القدرة على الارتباط أيضاً ، مثلما تعني القدرة على الانفكاك ، بدرجة واحدة .

الشعور الإنساني لكي يشعر بالجمال ، يحتاج إلى تناسق ونظام ، وهذا ما لا تقدمه الحياة الإلحادية المادية ، سواءً في نظرتها للمستقبل أو للأخلاق أو لأساس الوجود ، فضلاً عن فقدانها لأي قيمة للوجود والحياة ، لهذا تخلو من الجمال في الحقيقة  .و قيود الجمال لا يريد الإنسان الفكاك منها أو التحرر .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق