ملاحظة: يتردد في هذا المقال وغيره من مقالات المدونة ذكر كلمة "الصناعي" وهي: كلمة تشمل كل الأفكار الباطلة سواء مقصودة أو غير مقصودة, والباطل لا أساس له في الطبيعة, لهذا نسمي الحق بالطبيعي, وعليه فالشخص الصناعي هو من يتبنى الأفكار الصناعية سواء بقصد أو بغير قصد, وهي أفكار من صنع الشيطان.
من غرائز الإنسان أنه يعيش لأهداف, لذلك من قالوا أنهم
سيعيشون للمتعة فقط وقعوا في مشكلة الخواء الداخلي وفقدان طعم المتع, لذلك يلجؤون
من باب التعويض لأفكار صناعية يعيشون من أجلها, فلا يوجد مذهب أن تعيش للمتع فقط,
لا يمكن أن يعيش أحد للمتع فقط لأنه سيصير حيوان والإنسان لا يستطيع أن يكون
حيوان, الإنسان عنده غرائز عليا ليست عند الحيوان ماذا يفعل بها؟ مثل أن أقول لك
فقط استمتع بالأكل, ستمل من الأكل وتكرهه, ونفس الشيء لبقية الغرائز كلما تكثر
منها تفقد طعمها أكثر, السبب أن للإنسان غرائز إنسانية, فلا بد أن يكون لك مبادئ
إنسانية و قيم و أفكار تعيش لأجلها, وهو ما يسمونه جدوى الحياة, يسمونه جدوى
الحياة ولا يعترفون به كغريزة! مع أن بدونه ليس للحياة جدوى! هذا الخواء أدى
لانتحار أناس متفرغين للمتعة فقط و للآن.
المتعة ليست شيء محدد بل هي متنقل, فمثلا شرب الماء شيء
عادي, لكن بالنسبة لمن انقطع في الصحراء ووجد ماء باردا سيكون في قمة المتعة وهو
يشرب الماء مع أنه من قبل كان شيء اعتيادي وخالي من المتعة. الأكل اللذيذ قد يكون
مشعرا بالتقزز في بعض الظروف كما هي في حال المريض, إذن المتعة غير مربوطة بأشياء
محددة, بل مربوطة بشعور الإنسان وليس بالأِشياء المادية, ومادامت تتنقل وتطلب
الجديد والأكثر إذن الشعور هو الذي يطلب هذا, والشعور إذن غير ثابت بل متحرك, ترى
متحرك لماذا؟ ما الهدف الذي سيصل إليه في الآخر؟ {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى
ربك كدحا فملاقيه} في الأصل كل حركات الشعور هي إلى الله, لكن كثيرا ما يضل عقل
الإنسان الطريق الذي يوجه ذلك الشعور.
مبدأ الحياة من أجل المتعة فقط لا يمكن تطبيقه أبدا وإذا
كثر بحياة الإنسان يبدأ يعمل عداد السأم و الملل, وبالتالي نظرية "حياتك
متعتك نظرية" فاشلة, لأنها تستهلك المتعة ليحل محلها السأم وبالتالي الرغبة
في التخلص من الحياة, لأن المتع لم تعد تمتع فماذا بقي غير شقاء الحياة؟
لابد أن يكون للإنسان أفكار لا يوجد أحد بلا أفكار
وأهداف عليا, حتى أصحاب الثروات إذا كثرت أموالهم بدأت تظهر أفكارهم و يخدمونها
بقوة أموالهم, فيتدخلون بالفكر والسياسة والإعلام أي بعالم الأفكار ولم يقل أنا
سأجمع أموال و حسب, بل جمع القدر الذي جعله قويا لدرجة أن يستطيع أن يوصل أفكاره,
لكن في السابق كان أضعف بتوصيل أفكاره, إذن هو استغل المتعة وما يؤدي إلى المتعة
لتوصيل الأفكار, وبالتالي حقيقة الإنسان أنه لا يعيش لأجل مصلحته و لا متعته بل
لأجل أفكاره التي لا تخرج عن نجدين, إما عالم الخير أو عالم الشر. قال تعالى: {يا
أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} فالجميع يكدح و أصل كدح الإنسان هو
لربه فهو بدافع من الشعور الفطري أصلا المبرمج والمتحرك ليصل إلى ربه, لكنه غير
ملزِم ولو كان الشعور ملزما لاهتدى كل الناس, الله أراد ذلك لتتحقق حرية الاختيار
ولم يجعله غريزة ملزمة كما هو في الحيوان فالحيوان لا يوجد فيه حيوان ضال ولا يوجد
حيوان مجنون بالنسبة لقطيعه. الله قال أن الكل كادح كدحا لكن أيضا: {فملاقيه} أي
كلٌّ سيرى نتيجة كدحه, والآية لم تحدد المسلمين فقط بل تكلمت عن الإنسان بشكل عام,
فالكل يكدح و أساس الكدح إلى "ربك" وليس للمتعة, لذلك لا يستطيع أحد أن
يعيش للمتعة لوحدها ويتجرد من أي قيمة وأي خدمة لأي فكرة ويقبل الجميع فعلا, هذا
كلام غير صحيح أن يدعي أحد أنه يقبل الجميع بلا استثناء ويقبل تعدد الآراء, هذا
كذب على الناس مثل كذبة الحرية, فليس هناك أحد يريد الحرية أصلا لوحدها وكلما تحرر
كلما صار أسعد, فالإنسان يريد أن يرتبط, ويرتبط أي إلى ربه, فالذي يجعله يريد أن
يرتبط هو الشعور الذي يريد أن يرتبط بربه, والشعور هو مصنع السعادة والكآبة.
كل الفلسفات البشرية و من ضمنها الفلسفات الغربية لم
تفهم الإنسان بعمقه ولو فهموه بعمقه لما أنتجوا أفكارا بتلك السخافة, فلا فكرة
الحرية واقعية فعلا بإطلاق اللفظة ولا كلمة عدالة ممكن أن تكون واقعية بإطلاق
اللفظة ولا كلمة مساواة, بل حتى يساوون بين المرأة والرجل بالرغم من الاختلاف الذي
يرونه! كل هذا كلام طوباوي لخداع الناس وواقعهم لا مساواة فيه ولا عدالة, كيف تكون
هذه في ظل رأسمالية لا تعترف بأي مساواة؟! ففي الرأسمالية فرد واحد ممكن أن يملك
قوت عشرة ملايين شخص! أين المساواة وأين العدالة وأين الإخاء؟! كيف يمكن الجمع بين
المتناقضات فكيف تُصف هذه المبادئ مع الرأسمالية؟
الملحد نيتشه الذي يدعو إلى الحياة من أجل المتعة يقول
في كتابه: "سررت أني عرفت الآن مهمة حياتي" أي أن شعوره كان يضغط عليه
يقول: ما هو هدف حياتك؟ أي ما هي الفكرة التي يعيش من أجلها! مع أنه ضد أن يكون
للحياة هدف أو جدوى, فكلمة سررت خرجت دون أن ينتبه لها. وجد فكرة شيطانية كبديل
صناعي للهدف الذي يريده الشعور, فالشيطان قال: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} أي
كلما خرج من الشعور شيء جاء الشيطان يقدم له البديل الصناعي عن الأصل الفطري.
فلابد أن يكون للإنسان مهمة في حياته والذي يقول أن حياته ليس فيها مهمة فهو واحد
من اثنين: إما كذاب, أو آخذ طريقه لأن يلقي بنفسه من الشباك! لأن الإنسان لا يمكن
أن يكون حيوان, حتى ربطهم للإنسان بالحيوان واعتبار الحيوان مرجعية للإنسان هذا من
الحمق, من الغباء أنهم اعتبروا الإنسان حيوان متطور! جرب أن تعيش لو يوم واحد ليس
لك فيه أي هدف وليس لك موقف تجاه أي شيء وليس لك وجهة نظر ولا علاقة لك بأي فكرة
موجودة, هل تستطيع؟ لا يمكن, أي تعيش لنفسك فقط فتتعامل مع الظالم مثل المظلوم ومع
الطيب مثل غير الطيب و لا اعتراض لك على أي فكرة ومنصب على شهواتك ورغباتك, لا
يمكن! إلا إذا فقدت العقل! لهذا صار التحيون أمنية عند كثيرين لم يستطيعوا أن
يصلوا إليه ولن يصلوا, فالإنسان في داخلهم موجود وغرائزه العليا موجودة كيف
يستأصلها؟ {فأين تذهبون؟} للإنسان غرائز ليست موجودة في الحيوان مثل غريزة حب
الفضيلة وحب الجمال والأخلاق والرحمة وكراهية الظلم إلخ, هذه الغرائز هي التي تدفع
لمواقف فكرية. كذب علينا دارسوا علم النفس واقتصروا على الغرائز المادية ولم
يتكلموا عن الغرائز المعنوية على اعتبار أنها طارئة بسبب الدين وثقافة المجتمع
وهذا تحايل على الحقيقة, فهي غرائز مثل غرائز الأكل والنوم المادية تماما بتمام.
وإذا كانت الغرائز المادية تجعل الجسم والنوع يبقى فالغرائز المعنوية تحدد لأي سبب
يبقى, ولهذا إهانة الغرائز المعنوية تزين الرغبة بالانتحار أي إنهاء البقاء الذي
قالوا أن كل الغرائز لأجله! لو كانت الغرائز هي المادية فقط وهدفها البقاء لما
وُجد شيء اسمه انتحار إذا توفرت هذه الغرائز, إذن ما الذي يدفع للانتحار؟ هل هو
نقص في الغرائز المادية؟ طبعا لا, إذن هو نقص في الغرائز المعنوية والتي هي مسؤولة
عن هدف البقاء, وتحدد للإنسان يبقى أو لا يبقى. فرويد يسمي الحرب والانتحار غريزة
الفناء, بعد أن يثبت غريزة البقاء يتكلم عن غريزة فناء! تناقض كامل! فهل يبقى لكي
يفني نفسه؟! وهل يفنى لكي يبقى؟!
أما الشهوات فهي نفسها مغشوشة فقالوا أن الإنسان عنده
غريزة تملك وعنده غريزة السيطرة وحتى قالوا أن عنده غريزة الانتحار! فهم يتخبطون
حتى بتحديد الشهوات والغرائز, فالإنسان ليس عنده غريزة تملك بل العكس هو الصحيح أن
عنده غريزة عطاء, لكن إذا أجبرته الظروف وصار الناس كلٌّ يسرق من الآخر فبالتأكيد
سيكون مضطرا لأن يحب أن يتملك ويجمع. و الإنسان ليس عنده غريزة سيطرة, فلا أحد يحب
أن يسيطر لكن الكل يحب أن يُحترَم وأن يُعطى بطيبة نفس وتلبى حاجاته بطيبة نفس
ويحب أن يلبي للناس حاجاتهم بطيبة نفس, هذه هي الغريزة وهي من الشعور. وصدق الله
العظيم الذي قال أن الشيطان يزين الباطل, فلا أحد أخبرنا عن تزيين الباطل إلا
القرآن, بينما البشر يعتقدون أن الباطل حسن لكنه حرام أو ممنوع, لكن عند الشعور هو
ليس حسن لكنه يُزيَّن. حب السيطرة ليس شيئا حسنا لكنه يزيَّن, فلو تسأل الشخص الذي
يحب السيطرة هل تريد زوجتك وأولادك يطيعوك بمحبة أو يطيعوك مرغمين؟ سيقول بالعكس
أريدهم يطيعوني بمحبة, إذن كيف يقولون أن هناك غريزة اسمها حب السيطرة؟ ليس لها
وجود, فهل أنت تحب أن تسيطر على حصانك بالضرب أم أن تناديه ويأتي إليك؟ هل لو
تنادي خادمك الذي يحبك وجاء إليك هل تشعر بنقص في سيطرتك؟ إذن الغريرة ليس موجودة!
فالشخص المتسلط مثل الذي يحب أن يُلزم من حوله لو أطاعه أحد بمودة و يطيعه آخر
خوفا منه سيرتاح لمن جاء محبا له وبرضاه أكثر ولا يشعر أنه أنقص من قدره بل سيشعر
أن الذي جاء مرغما هو من أنقص من قدره! هل تحب أن تتملك الحديقة العامة؟ ستقول لا,
لكن إذا رأيت الناس كل يمشي ويسيج مكان خاص له ستضطر لأن تفعل مثلهم لأنك لن تدخل
الحديقة, هذا أساس كذبة غريزة التملك. وغريزة التملك وحب السيطرة من تسمية العقلية
المادية الإلحادية الرأسمالية وهي تمثلهم أكثر من تمثيلها للإنسان, وهما غريزتان
طارئتان وليستا أصيلتان في الإنسان مثل حب الفضيلة الذي لم يسموه غريزة مع أنه
ضارب في أعماق النفس البشرية, فحتى المجرم معجب بسير الأبطال والنزيهين. إذن غريزة
التملك و غريزة حب السيطرة ليست موجودة في شعور الإنسان العميق لكن الظروف
تنتجهما, فإذا كثر الشح والأنانية سيجبر كل إنسان على ذلك. مع أن علماء النفس
يقولون بوجودها ويستشهدون بالأطفال استشهادا غير دقيق, بأن الطفل يحب أن يمسك
الأشياء ويأخذ لعبته من الأطفال الآخرين, وهذا من عقلية رأسمالي وليس من عالم
حقيقي, فهو الذي يريد أن يمسك بقوت غيره ويقبض ممتلكاته! تستطيع أنت تجري تجربة
تجعل مجموعة من الأطفال في مكان تتوفر فيه الألعاب بكثرة ستجد أن كل طفل يريد أن
يعطي الآخر, لكن إذا صارت لعبة واحدة فبالتأكيد سيأخذها واحد وسيغضب البقية,
والأصل هو توفر الحاجات وليس ندرتها, فلو ندر الماء لبيع بالذهب و لقامت المعارك
لأجله.
تلاحظ أن الذين تركوا الدين وألحدوا يقولون أنهم يعيشون
لأجل المتعة, ولكنهم يتركون المتعة ويقضون الساعات الطوال في جدال المتدينين
والردود عليهم! لماذا لا يذهب إلى متعه؟! إذن الناس خادمة أفكار, وما الذي يجعلك
تخدم الأفكار؟ ما يجعلك تخدمها هو إما إيمانك بالله أو إيمانك بالشيطان, الشيطان
يحركهم فيضع لهم طُعم ليظنوا أنهم متجهون للمتعة بينما هو يقودهم للأفكار التي
يريدها, وضيعوا حياتهم وضيعوا متعتهم بسبب الأفكار, وكثير من الناس كانوا أثرياء
وكانوا يستطيعون أن يستمتعوا بثروتهم بسلام لكنهم أقحموا أنفسهم في صراعات سياسية
بحثا عن السلطة سببت لهم مشاكل وتعب خربت عليهم حياة المتع والسبب خدمة أفكار,
لماذا يريدون السلطة؟ إذا كان قصدهم بالسلطة مال وخدم فقد كانت عندهم حين كانوا
أثرياء! فالمليونير الذي ليس عنده سلطة يتمتع أكثر, بينما طالب السلطة أدخل نفسه
في مشاكل وحروب وصار له أعداء, بينما المليونير يتمتع يثروته وخدمه وهم يدهنون
جسمه بزيت الفستق! فمحب السلطة مستعد أن يعرض نفسه للخطر ولا أن يتنازل, والسبب
أفكار. المتع من أمن وأكل وشرب وصحة كلها يستطيع أن يتمتع بها دون أن يبحث عن سلطة
ويضطر لقتال الناس. يُذكر أن زياد بن عبيد
قال يوما لأصحابه : من أسعد الناس ؟ قالوا : الأمير ، فقال : "كلا, لصعود
المنبر روعات ، ولكن أسعد الناس رجل له مسكن يملكه ، وقوت من معاش ، لا يعرفنا ولا
نعرفه ، فإنا إن عرفناه أضررنا بدينه ودنياه ، وأسهرنا ليله وأتعبنا نهاره",
أي تأمين مصرف ورزق أي كفاف, و بُعد عن المطامع والأفكار الطمعية التي ليست
غريزية, أو ما يسمونها الأفكار الطامحة, وهي غرائز صناعية لا وجود لها في الشعور,
ففي داخل الشعور لا يوجد غريزة تجعلك تحب أن تأمر إنسان بالغصب ليصلح لك الشاي
مثلا, والشعور سيتعب لو تجبر أحد على هذا, وفي الشعور كلما يكون الآخر ساخطا عليك
فلن ترتاح, إذن السلطوية معارضة للغريزة تماما. لا يوجد عز يخالف الشعور, فحين
تخالف الشعور وتأخذ عز مصطنع هذا لا يريحك من الداخل لأنه معارض للغريزة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق