الله مجرد أمنية. الأمنية والإيمان لهم نفس الجذر اللغوي
ونفس التأثير النفسي؛ طمأنينة وسكون نفس. لكن نحتاج لنضج عقلي كافي حتى ندرك أن اﻷمنيات
مهما كانت جميلة أو مهما كان شدة رغبتنا بحقيقتها ستبقى أمنيات وهروب من الواقع.
تأمل هالجملتين:
أتمنى أن يحاسب قاتل أبي في الآخرة.
أؤمن أنه قاتل أبي سيحاسب في اﻵخرة.
كلاهما تعبير عن رغبة.
i.e. Wishful thinking.
سأعطيك مثال
بعيد عن اﻷديان إذا كان موضوع الدين حساسا بالنسبة لك.
أنا أؤمن بأن قبيلتي هي أعظم القبائل العربية وعلى
الآخرين الخضوع لها. لا يوجد عندي أية حجج أو براهين سوى أني أؤمن بذلك في داخلي. سأزعم
أن إيماني هذا هو حقيقة مطلقة وموضوعية. ومن لم يوافقني فهو كاﻷنعام بل هو أضل. حتى
لو كانت كل الدلائل تشير إلى عكس ذلك. وطبعا سأعزي نفسي بأن من لا يشاركني هذا الإيمان
بأنه حتى وأن جحد إلا أنه في قرارة نفسه مستيقن بها. وسأتعامل معه على هذا الافتراض.
في رأيك الشخصي، ألن يكفي هذا مبرراً لي لقمع المخالف المكابر الذي لا يؤمن بتفوق قبيلتي
متى ما كان لي عليه سبيل وقدرة؟
الرد :
هذا بالضبط ينطبق عليك .. أنت تؤمن أن كل شعوب الأرض على خطأ ، وأن قبيلة الملاحدة
هي الوحيدة على الصواب .. وأن الحياة لن تتطور الا بالالحاد ، وأنت ليس عندك دليل على
عدم وجود خالق ، والمنطق لا يسندك، فهو يدل على أن لكل شيء سبب. والمنطق يسخر من تفسيراتكم
لوجود الحياة والنظام بأنها جاءت من لا شيء .. فاقد الشيء لا يعطيه، ويسخر من قانون
الصدفة البناءة الذي تعتمدونه، لأنه متى كانت الصدفة بناءة يوما من الايام؟ ولو بنت
لأفسدت .. وتؤمنون بالقوة والبقاء للأقوى، ألا تجعلك هذه الإيمانات تشكّل خطرا على
الآخرين وتريد تنحيتهم ؟ مع أنهم هم الأكثر، إن كان الأمر بالأكثرية، أو وُضعَ على
طاولة ديموقراطية. كل كلامك ينطبق عليك، فاسترح ..
لو كان الايمان تمني، لكان الكلام صحيحا، الايمان يعني الثقة والتصديق في اي شيء
، حتى أفكار الإلحاد أنت مؤمن بها لأنك غير متأكد لا منطقيا ولا علميا. المؤمن يؤمن
بوجود جهنم، فهل هو يتمناها؟ هو لا يتمناها لأعدائه ايضا، بل يتمنى لهم الهداية ..
إذا كان الإيمان تمني سيكون الالحاد تمني ايضا لأن كلاهما مبني على الإيمان، لا شيء
مضمون و واضح 100 % ، وهل أفكار الإلحاد لها اساس في الواقع إذا لم تكن أفكار الإيمان
لها اساس؟ هل في الواقع نرى الصدف تخلق وتبني و توجد حياة ؟ أم أنها تدمّر؟ في الواقع
نحن نرى الصدف تدمّر، وعقل الملحد يراها تعمّر
! فالملحد يغرّد خارج الواقع. هل في الواقع يوجد الشيء بلا سبب ؟ أفكار الإلحاد هي
الغير واقعية.
الدافع الاول الى الايمان اصلا هو الخوف من الله وليس الأمنية : (أما من جاءك
يسعى وهو يخشى) ، ودافع الخوف دائما أقوى من دافع الرغبة، إذن أنت أبعد عن فهم
كلمة "إيمان" لأنك ربطتها بالرغبة والأمنية .. الإنسان لا يشعر بالرغبة
حتى يشعر بالأمن، وإذا تصادمتا : الرغبة والخوف كان الخوف هو الاقوى، الإلحاد هو
المبني على الرغبة، ويريد أن يجعل الإيمان مثله، لأن الإلحاد يزيل كل قيود الحلال
والحرام، ومن يفعل هذا فدافعه الرغبة والانفلات بلا شك وليس الخوف، فالملحد لا
يدفعه الخوف الى الالحاد ، و مم يخاف ؟ إذن سيكون الدافع هو الرغبة، لأن الرغبة و
الخوف هي دوافع الانسان ..
اذن الالحاد رغائبي شهواني، اما المؤمن فهو يبكي خشية من ان يقصر في حق ربه.
ولو قيل للمؤمن : ايهما تفضّل: أن تدخل النار قليلا ثم تدخل الجنة، أو أن تموت ؟
لاختار الثانية. مضحيا بالرغبة التي يعظّمها الملاحدة. وهي من تزيين الشيطان لهم،
(يعدهم الشيطان ويمنيهم) ..
التمني ينطبق على الالحاد : (يعدهم الشيطان ويمنيهم) ، الذي يتمنى أن يحصل على
اللذة والمتعة اذا تخلّى عن الدين، بينما هو كمن يشرب من ماء البحر و يزداد ظمئا وكآبة
. في كل مرة يقول : سأجد اللذة فيما بعد ، حتى يأتيه الموت, (وما يعدهم الشيطان إلا
غرورا) .
هل أنت تريد أن تعرّف شيئا معرّفا و مخلوصا منه ؟ المؤمن بالله هو الذي يعبّر
عن الإيمان وليس الملحد، بل على الملحد ان يبيّن دوافعه للالحاد .. كلٌ أدرى بشؤونه
. وبما أنك ملحد، فلماذا تتكلم عن المؤمنين ؟ تكلم عن الإلحاد والملحدين ! تكلّم عن
عالمك ! لم يبق الا ان تعرّف لنا نواقض الوضوء وآداب الصلاة كما يراها الملحد ! لماذا
لا تكون مفتيا وينتهي الامر ؟
لا احد يمنعك أن تتكلم عن الايمان، لكن من باب أولى أن تتكلم أكثر عن إلحادك،
لا أن تخفيه وكأنه عورة .. وتقول أنه لا شيء ! هو دين يريد نقض الأديان، والذي ينقض
شيء عنده بديل أفضل ، ما هو بديلك المُخجِل ؟
إذا قال لك المؤمنون أن التمني هو دافعنا سيكون كلامك صحيحا. أما التحجج بالتشابه
اللفظي واللغوي، فهذا ليس بحجة، مثل ما بينت لك تشابه كلمة "فرض" و افتراض"
، وغيرها كثير .. ومثل كلمة "سَنَة" و "سُنَّة" ..
كلمة "إيمان" تشبه كلمة "أمن" ، لغويا، اكثر من كلمة
"أمنية" .. وفعلا الإيمان ينتج الأمن ..
أيضا كلمة "مِنّة" ، هل تستطيع أن تربط بين "منّة" و
"إيمان" و "أمنية" و "مِنَى" ؟
وبعد البحث في لسان العرب ومقاييس اللغة، تبين أن اصل كلمة أمنية هو (مَنَيَ)
بالياء، وأصل كلمة إيمان هو (أمن) ، أي لكلٍّ جذر مختلف .. و معنى (مني) أي قدر،
والماني هو المُقدِّر، ومنه القراءة في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ
يَظُنُّونَ)، لأن القراءة
تقدير ووضع كل آية موضعها ، كما يقول صاحب مقاييس اللغة .. و منه : المنيّة :
الموت، لأنها قَدَر . ومنه المنيّ ماء الإنسان ، لأنه يقدّر منهُ خِلقَته ..
وتمنّي الإنسان : أملٌ يُقدّره .. وفي لسان العرب كلمة "إيمان" : الإيمان
عند اللحياني : الثقة، و منها الإعتقاد ، مثل أن تقول : أنا مؤمن أن هذه القضية
ستنجح ، أي واثق .. و بدقة أكثر : الإيمان يعني الثقة قبل أن تكتمل كل الأدلة،
لكنه لا يقوم على فراغ أو رغبة، بل على شعور بالحقيقة. وهكذا نجد أن استنتاجك لم
يكن في محله، لا لغويا ولا منطقيا ولا واقعيا .. و يخلف عليك الشيطان مجهودك ..
الملحد يصر على ان الرغبة هي محرك الايمان. ليكونوا في الهوى سواء .. مع أنه
بتناقضه العجيب، إذا سألته عن وجود الدين، قال : بسبب الخوف من مظاهر الطبيعة !
فهل الدافع للدين مختلف عن دافع الإيمان ؟ لأنك إذا سألته عن الإيمان سيقول لك :
من أجل اللذة الموعودة بالجنة ، وإذا سألته عن أصل الدين قال : الخوف من مظاهر الطبيعة
!! والدين والإيمان شيء واحد .. هذا عدا انه هناك أديان ليس فيها وعد بجنة، ومع
ذلك هي اديان قائمة.
الرغبة لا تنتج إيمانا ..عندما أنت ترغب بشيء ، رغبتك به لا تعني أنه أصبح في
عينك حقيقة ! أنت تتمنى مثلا أن يكون لديك قصر وحرس وسيارات، هل تستطيع تصديق ذلك
؟ الإنسان لا يستطيع أن يخدع نفسه بأمنية ثم يصدّقها، هذا يدل على أن الإيمان يأتي
قبل الرغبة. والرغبة فرع من الإيمان، لأن الإيمان يعني إيمان بجهنم ايضا وإمكانية
دخولها. وليس فقط بالجنة ..
عندما تؤمن بإمكانية وصولك مثلاً إلى الثمرة في اعلى الشجرة، ترغب فيها، لكن
رغبتك بوصولك إليها لا تنتج إيمانا بإمكانية الوصول إليها إذا لم يكن ممكنا. أنت
ترغب من الشيء الممكن تحقيقه، ولكنك لا ترغب بالشيء المستحيل ، حتى لو كان أكبر
رغبة من الممكن. لماذا الملحد يلبس رأسه مقلوباً ؟! هو يفكّر لكن كل تفكيره خطأ،
وعكسه هو الصحيح .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق