الأحد، 10 أغسطس 2014

رد على تعليقات موضوع اسبينوزا وابن رشد 2 (3 من 8)



إذا كان الهدف هو مصلحة الإنسان وفق المنطق والاحتكام للواقع من حيث النتائج، فلا خلاف بيننا إذن!

إذا كنت أنا لا أحتاج الدين، فغيري يحتاجه لطمأنة نفسه وتحقيق سعادته، وعلي احترام ذلك، وعلي عدم تشكيكه في معتقده الذي وفَّر له سعادة – بغض النظر عن رأيي في حقيقة وصواب معتقده ..، لكن هذا يحدث عندما يحترم هو كذلك اختلافي عنه، ولا ينظر لي من خلال نظارة معتقده على أنه الصواب المقدس وأن كل من يخالفه شيطان رجيم
!

الرد : بمقياس المنطق والاخلاق عليك أن تحترم مبادئك حتى ولو لم يحترمها الاخر، أليس هذا هو الافضل وأنت الأفضل؟ لا تكن مثل من يعض الكلب اذا عضه .. أنت الان تـُحمّل المؤمنين الأخلاق ولا تحمّلها نفسك، وكأن في نفسك أنهم هم اصحاب الاخلاق، وأن الاخلاق لهم وليست لك ، وهذا يدل على انك تدرك بإحساسك ارتباط الاخلاق بالدين وعدم ارتباطها بالالحاد، وإلا لقلت : (علي نفسي ، لا يضرني من ضل اذا اهتديتُ إلى الالحاد .. وأنا أحمل مبادئ ليبرالية عليا ، علي أن أتحمل لكي يرى الناس أنني الافضل ، ولو هاجموا إلحادي فلن أهاجم اديانهم، لأنني الأفضل وأنا القدوة، ومصيرهم يصبحون مثلي اذا رأوا حسن تعاملي) .. هذا هو الطرح الأفضل .. بينما في الواقع لا إلحاد بدون نقد دين، كيف تكون ملحدا بدون نقد للدين؟ لأن الالحاد ليس شيئا يُطرح، هوية الملحد أن يهاجم الدين. وفي كل مكان الالحاد والعلمانية والليبرالية هي التي تبدأ بالهجوم دائما على الدين، والواقع والتاريخ يثبت هذا، ان كنت ملتزما بنتائج الواقع كما تدعي .. هي طفيليات تعيش على الدين وتمتص دمه وتعيش عليه، وبدونه لا يكون لها وجود .

انظر الى شعوب متدينة تـُفرض عليها العلمانية بقوة العسكر وتـُسنّ القوانين ويُمنع الحجاب. العلمانية نفسها عبارة عن تدخل في الدين، لأنها تريد أن تفصله من النصف عن المجتمع والسياسة ومجريات الأحداث، أليس هذا اعتداء وتدخلا ؟ يجب أن ننظر الى الامور كما هي، لا كما نحب أن تكون . الإلحاد و بناته كلها قامت بالهجوم على الاديان وما يتبعها من اخلاق و لاجل ذلك ، هذه كاسحات أديان ، ثم تدّعي ان الدين يعتدي على حريتك مع أنك مسالم! و انت تنتمي الى مذاهب قامت لاجل هدم الاديان فقط .

تعتقد أن العلماني والليبرالي والملحد شيء محايد، وهذا غير صحيح، بل هو محارب، في السر والعلن. وأنا لا أتكلم عنك شخصيا، بل اتكلم عن هذه المسارات الفكرية التي وُضعت أصلا لمحاربة الاديان وتنحيتها لأمرٍ ما يُخفيه اصحاب المنابع والدوافع والمنافع .. لكن لا تنس أن تدمير الدين هو تدمير الاخلاق التي نادى بها الدين ، ضعها في بالك، والواقع يشهد بذلك .

كل ارض تدمَّر فيها الدين تدمَّرت معها القيم التي نادى بها الدين. وأنا لا أتكلم من فراغ، فالدين نادى ببر الوالدين، انظر الى حالهم هناك، تبرّ بهم الكلاب . الدين نادى بأن لا يكون المال دولة بين الاغنياء، وهناك تجمع المال عند واحد بالمئة . الدين نادى بقيم العفاف والوفاء الزوجي، انظر الى حال العفة هناك. الدين نادى بعدم الظلم حتى لمن نكرههم، انظر الى المظالم التي فعلتها دولهم بالشعوب الضعيفة. الدين نادى بعدم الأنانية وطالب بالإيثار، انظر الى حالة الانانية والمادية الشرسة هناك، حتى صار الكرم والمروءة أيضا من الاخلاق النادرة هناك. وعلى ذلك فقس ..

اذا كرهت شيئا في الدين فلا يعني هذا ان كل ما في الدين سيء. مهما كان فوجود الدين عبارة عن فرامل مفيدة مانعة عن أضرار كثيرة لا تتبين الا اذا جاءت. و شيء منطقي و واقعي أن الشيء اذا زال زالت وضعفت توابعه، انت تنظر الى الدين كحالة اجتماعية وسياسية، وتريد تدميره، لكنك تدمّره من الناحية الفردية التي قد تكون انت في يوم من الايام محتاجا لها، عندما يثور جدوى الوجود في داخلك ربما، أو عند غيرك، عندما يبتعد الناس عن الدين وتندرس معالمه ويدخلون النفق المظلم ، سيبحث عنه كثير من الناس ولا يعرفوه، مع أنه كان سيحل مشاكلهم الداخلية مع انفسهم ، الملحد مادي ولا يبالي بمعاناة الاخرين الذين لا يُريحهم الا وجود الدين، مثل من يحب الظلام فيريد ان يقطع الكهرباء عن الجميع. 

كل تركيزه على الشهوات وألا يمنعه احد منها حتى لو كان غير اخلاقي ، وهمّه السيطرة على المجتمع، ارجو الا تكون كذلك لأن هناك ضحايا كثيرة أذا فـُقد الدين الصحيح، وقد تكون منهم يوما من الايام، اذن ما الحل ؟ ان يزال الدين ام يتم اصلاحه من حيث فهمه وتوجيهه وتركه لمن يريده دون عمليات العداء والتشويه المستمرة التي يقوم بها الملاحدة والعلمانيين؟ وما العلمانية الا ثورة على الدين.

الدين القويم الذي قال (لا إكراه في الدين) و(لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) ، فلمَ يُحرَم الآخرين مما قد يُفيدهم ويحتاجونه بسبب السيطرة و التنافس على  المجتمع؟ ومن الحمق أن تدمّر منزلا مفيدا لأن فيه فأرا مؤذيا. هذه هي راديكالية الالحاد ومفرزاته، يمسك بتصرفات وسلوكات غير جيدة من منتسبين للدين ليدمّر بها الدين كله، ولو لم يكن البشر محتاجين له لما وُجد في كل مكان في العالم ، أليس الواقع مقياسك كعلماني؟ هذا هو الواقع، فكل الشعوب لها أديان، في الحاضر والماضي.

لهذا الدين مفيد واعترفت الشعوب به وتمسّكت به ، فهل مرة يكون الواقع مقياسك ومرة لا يكون؟ وليست المسألة في عداء الدين مسألة دفع أذى من قبل الإلحاد ومفرزاته في كل حال، الواقع لا يدل على هذا ولا التاريخ، فالدين في الغرب مقلّم الاظافر، والكنائس تباع بالمزاد، ومع ذلك لا يتوقف سعار الملاحدة وتحريضهم على كل من ينتسب لدين، بل أنشط الملاحدة في العالم في اقل بلاد العالم من حيث سيطرة الدين. وهذا واقع، وأنت تحترم الواقع ونتائجه ، اذن الالحاد ليس مسالما كما تتصور، بل ان الالحاد في الغرب لم يتوقف عن هدم الدين، بل حاول الى هدم الانسانية كلها كما ينادي سام هاريس مثلا، أي القيم الانسانية يريدون هدمها. بل حتى المنطق لم يسلم، وما زالوا يتآمرون عليه بإسم العلم حتى تبقى الفوضى فقط، ويتآمرون على من يشكك في نظرية التطور، لأنهم يشمُّون فيهم رائحة من دين. هذا ما يريدون، ومن بدأ بالفوضى انتهى بها. والإلحاد بدأ بنظرية الفوضى وسينتهي حاله الى الفوضى، وهكذا يريد، كمذهب تدميري طويل الامد. والفوضى ضد العلم الذي يدّعون احترامه.

الدين في الغرب تركهم و حالهم، واعطاهم الجمل بما حمل وسلّمهم المجتمع يفعلون به ما يشاءون، فهل سلم الدين من شرهم وكيدهم؟ لا يزال الدين يحارَب ويطالبون بمنع حتى المدارس الدينية الخاصة، بعد ان منعوه في العامة. وإذا تحقق طلبهم هذا فسوف يطالبون بفصل ابناء المؤمنين عن ذويهم، حتى لا يتأثروا بدينهم. وسوف يُحاكم من يتكلم بالدين امام اطفاله، كما يطالب داوكينز الملحد، ويجد من يؤيده. الشياطين تؤزهم لذلك أزا، وليس ذلك عندهم بدافع ذاتي، يريدون الحرب مع الفضيلة اينما كانت، مستغلين أي خطا ليعمّموه على الدين كله، بل يبرِّءون صاحب الخطأ ويضعونه على الدين، وهذا اكبر دليل انهم ضد الدين، وإلا فالمنطق أنه من اساء فهو المسؤول الأول عن اساءته وليس الثاني، و الاول هو الدين! أما إذا اصبح الانسان ملحدا فيكون هو المسؤول الاول عن تصرفاته وليس الالحاد، لا اول ولا ثاني .. نِعم العدل، مع أن الالحاد يدعو للاباحية الكاملة وفعل كل ذنب، ومع ذلك ليس مسؤولا عن أي ذنب يفعله الملحد .. والدين مسؤول حتى عن الذنوب التي نهى عنها! نِعمَ العدل! ومسؤول أيضا عن كونه يُفهم خطأ ولماذا يمكن ان يستغل !! نعم العدل والموضوعية !! هذا تحدي صارخ للدين خالي من الموضوعية واخلاق التفكير ما يفعله الالحاد والعلمانية في خطابه نحو الدين.

المنتسب للدين هو البريء والدين هو المسؤول عن ضحيته ! لم اجد ملحداً يتكلم عن الاخطاء وهو يشنّع على فاعلها، لا بد أن يقفز الى الدين ويجعل المعركة هناك، حتى لو كان يعلم ان ذلك الدين ينهى عن تلك الاخطاء. لهذا قلت لك انك محارب ولست محايد ولا موضوعي، وانت لا تدري. لانك ربما في كل اطروحاتك لم تتكلم عن أي شخص متدين، فقط عن الدين. وتستغل الاخطاء لتنتقل الى حرب الدين، دون ان يمسهم منك أي اذى. وهذه لعبة غير نظيفة مع الاسف. وهي لعبة استغلال الاساءة لفعل اساءة اكبر منها. وهذا ضعف في العدالة يقدمه الالحاد، ولا يُستغرب من مذهب يحلّل كل المحرمات التي تعارفت البشرية على قبحها. كل شيء في الالحاد حلال، هذا هو الفقه الملحد، والمرجع هو المصلحة واللذة، اذن الغاية تبرر الوسيلة هي القاعدة الاصولية في الفقه الالحادي. هل أفخر بأن أنتسب الى مثل هذا المذهب؟ شيء عجيب ! 

العلماني والليبرالي والملحد عادة يحاسب أي شخص يسيء اليه، الا اذا رأى عليه مظهرا دينيا ، تركه وقفز ليحاسب الدين ونسي الإساءة والمسيء !! هذا هو العدل الليبرالي. وكأنه لا يكره الإساءة التي وُجهت إليه بقدر ما يكره الدين. بل من شدة كراهيته للدين، اذا لم يجدوا شيئا، قالوا : لماذا اتخذ ذريعة؟ فكونه قابلا لان يُتخذ ذريعة يجب أن يمحى ! انظر الى شدة الكراهية وعداء الدين: لماذا يصلح أن يكون ذريعة ؟! وكأنه الوحيد الذي يتخذ ذريعة !

عزيزي أربأ بك أن تكون بهذا المستوى وأن تستعمل هذه الاسلحة الفاسدة. لأنها تضر بمصداقيتك وقيمة عقلك عند العقلاء. إما أن ترتبط بالمنطق كلية او اتركه كلية، فالتقلب والنفاق ليس شيمة محمودة، وانا لا اتهمك ، بل اتهم مذهبك الذي تسير عليه وانت لا تدري، أنا الآن أنسب أخطاءك الى الالحاد، لأن الالحاد يقول هكذا، أنسبها وأنا مطمئن، أما الأخطاء التي تنسبونها للدين لم يقلها الدين، خصوصا الإسلام في اصله، فاذا مسلم قتل بريئا، لم يأمره القرآن بهذا، بل نهاه. حتى لو قال انه يفعل ذلك لله، لكن اذا تقلّب الملحد فالإلحاد والبراغماتية يأمرانه بهذا، لأنهما يقولان له : اتبع مصلحتك فلا توجد حقائق ولا اخلاق ثابتة ، اذن نافق وتقلّب، أما إذا تقلّب المسلم فليس القرآن الذي قال له، لأنه شنع على المنافقين والكاذبين ومستغلي الدين. بل قال (كونوا مع الصادقين) وقال (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، لهذا الاسلام الحقيقي مُحترم أكثر من الالحاد ..

الإلحاد لا يدعو الى الصدق بل الى المصلحة ، اذا كذب المسلم كذبا ضارا كيف يكون الاسلام مسؤولا عن كذبه وهو ينهى عنه؟ اما الملحد اذا كذب فالحاده يقول له اكذب وان كان لا يقولها نصا، لأنه لا يرى الصدق فضيلة ثابتة. بل مرتبطة بالمصلحة، وهي الثابت الوحيد في الالحاد، وبئس الثابت ، انه ثابت دنيء مقارنة بالثوابت الاخلاقية.

الالحاد يقول اصدق اذا كان الصدق ينفعك ويملأ جيبك، واكذب اذا كان الكذب ينفعك. بينما الاسلام يقول : قل الحق ولو على نفسك، فعجب ان يُتهم الاسلام وهو بهذا الجمال، ولا يتهم الالحاد وهو بهذا القبح! متى نقول ان الدين او الفكر مسؤول عن الفعل؟ الجواب : اذا كان ذلك الفكر او الدين يشير او يطالب بهذه الرذيلة، وهذا الالحاد أمامك والاسلام امامك، الالحاد يبيح الرذائل والاسلام ينهى عنها، فإذا فعل المسلم رذيلة تلومون الاسلام لأنه لم يستطع ان يُجبر المسلم، ولا تلومون الالحاد الذي سمح بهذه الرذائل حسب المصلحة واللذة؟ لنكن منطقيين قليلا.

اذا طمع الملحد وبخل وحاول ان يبتز الناس ويستغلهم ويسيطر عليهم فكل هذا مشرع في دينه، دينه الذي يقول البقاء للاقوى والغاية تبرر الوسيلة، ولا يوجد آخرة يعاقب فيها أحد، أي خذ راحتك.. اذن الالحاد مسؤول عن كل اخطاء الملاحدة ، والاسلام غير مسؤول عن كل اخطاء المسلمين. الا ما كان مُلوثا ودخيلا على الاسلام من افكار البشر، وهذا ما يجب تنقيته وتصحيحه في الإسلام. اذا ظلم المسلم او كذب او سرق او اختلس، تلومون الاسلام الذي نهى عن الظلم والسرقة واكل اموال الناس بالباطل! وهذا عجيب. لكن اذا سرق وغش وكذب وظلم الملحد، فلنا حق أن نلوم الالحاد لأنه شرّع له كل الموبقات و أزال الفواصل بين الخير والشر امام الملحد. أي أن الحاده غرّر به. هل أنا افتري على الالحاد الآن ؟ أليس هو ما يبرر الرذائل كلها ؟ بينما الاسلام ينهى عن الفواحش كلها؟ الاسلام ينهى عن التكبر والغرور والتجسس والسخرية، اين هذه النواهي في الالحاد؟ اذن اذا فعلها الملحد نلوم الالحاد قبل ان نلوم الفاعل. اما اذا فعلها المسلم فنلوم الفاعل ونبرئ الاسلام، لانه نهى عنها وشنع عليها. أليس هذا كلام منطقي و واقعي؟ أم أنه كذب وافتراء على الالحاد؟

قدّم رذيلة واحدة امر بها القرآن، وقدّم رذيلة واحدة نهى عنها الإلحاد. بينما اقدم لك أن كل الرذائل سمح بها الالحاد، فتفعل منها ما تشاء حسب الطلب والمصلحة و الامكانية وانتفاء الضرر.

وان قلت أن الإلحاد لم يأمر، فهو لم ينهى، وفتح الباب على مصراعيه. وتركيزه على المصلحة هو دافع مبطّن لفعل الشرور كلها، لأنه لم يُفعل أي شر إلا بدافع مصلحة او لذة. وعدم تحريم الشر شر.

هذا المذهب يجعل متبعه يظهر في الاخير بهذا المظهر، مظهر من لا يحترم الحقيقة ويتغير ويتلون ويحمل الكراهية والعداء ويستغل أي ظرف ليُخرج هذه الكراهية، لا يبالي بتناقضه ، مع أن هذا فيه اساءة لعقله. لا يبالي بأن يُرى بأنه كاره للفضيلة والخير، وإن كان يتحجج بأنه يكره شر الدين. من يكره شر الدين عليه ان يحب خير الدين، لا ان يجتث الشجرة بثمارها لأن فيها اشواك ،من يفعل هذا لا يحب الثمرة، بل هو يكره الثمرة والشجرة كرهاً مبطناً مُتحججا بالشوكة .. العاقل يعرف ان من يحرق المنزل لأجل فأر هو لا يحب ذلك المنزل.    

وبالنسبة للقدسية التي يطنطن عليها الملاحدة والعلمانيون كثيرا، يجب ان نفهم ما هي القدسية ، وهل هي شيء يصرّح به الشخص؟ ولا تكون فيه اذا لم ينسبها له؟

التقديس حالة نفسية وليست كلمة تقال، فهناك من يدعي تقديسه للدين وهو ينتهك حرماته بكل سهولة. الطرح العلماني والليبرالي لا يدعي قدسية لشيء ، لكنه مشحون بالقدسية. انت مثلا تنظر الى القوانين الوضعية في الغرب نظرة قدسية، و أنا قدمتها لك كنكت وطرائف، وان كان فيها احكام صائبة بعض الشيء. الا ترى انني طالبتك ان تبتسم لأني اعرف انك تقدّس؟ والمقدّس لا يستطيع ان ينتقد، فضلا عن ان يبتسم على مقدّساته ..

انت تقول أن قوانينهم قابلة للنقد والطعن : أتحداك ان تنتقد شيئا منها !!! فضلا عن ان تطعن ! اذن التقديس ليس شيء خاص بالمؤمنين من اتباع الاديان المعروفة. ألم اقل لك ان عندك دين ؟ وها أنا أكشف لك انك تقدّس لكنك لا تدري .. هم علّموكم على التقديس غير المعلن، أنت ترى انك حر، لكنك في الحقيقة انك لست حر، فلا تستطيع ان تنتقد مفكري الغرب ولا قوانينهم، وتصاحبك نظرة الجلالة والمهابة وأنت تتكلم عنهم، هذا هو التقديس! وهذا ليس خاصا بك، كل ليبرالي وعلماني وملحد تقديسه تجاه الغرب ومفكريه، وأصحاب السيادة والمال هناك دون ان يدري، لأن "الكعبة" هناك .. أنت تقدس بشر وأنا اقدس رب البشر، وبيننا فرق .. ستقول أنك لا تقدّس، هذا مجرد كلام، التقديس وعدمه يظهر في الفعل.

هذا التحدي طالبت به غيرك من الملاحدة والليبراليين لم يستطيعوا ان ينتقدوا الا الاسلام والمسلمين فقط . حتى قلت لأحدهم : أنتقدهم بيني وبينك على الخاص، والله لن يسمعك الغرب! لكنه رجع ينتقد الاسلام والمسلمين، مع أنه قبل التحدي ..

اذن النتيجة : كل من أسلم هواه واختياره لشيء ، صاحبه ذلك التقديس، سواء علمَ بذلك أم لم يعلم. اذن الجميع في حالة عبادة حتى رافضي العبادة، وإن اختلفت طقوسها واشكالها .. حتى يكون التقديس أحيانا للوالدين او لزعيم سياسي او لمفكر، بل حتى لفنان او لاعب، فيكون فوق النقد والاتهام والجرح والخطأ كله .. التقديس حالة بشرية تابعة للهوى والاختيار وليست حالة دينية فقط كما زعم دوركايم ، حاجات كثيرة تفوت الملاحدة عليهم ان يفهموها كما هي، لأننا تعبنا من نظراتهم المجتزئة للأمور ، وتقديم بديهيات غير سليمة للناس لا تصمد للنقد .

الواجب عليهم ان يدرسوا الافكار التي يرددونها ويمحّصوها قبل الطرح، ما داموا يحبون التفكير اكثر من حبهم للترديد كما يقولون. ارجو الا تغضب مني فانا لا اتكلم عنك شخصيا ابدا، فأنا مع الافكار.   

معذرة .. ماذا تقصد بالدين القديم الذي شبهت الإلحاد به؟
هل هناك إسلام قديم وإسلام حديث - مثلاً؟
أم تقصد الكنيسة المسيحية القديمة التي كانت مصدرًا لاستعباد البشر وتكميم الأفواه ومصادرة الفكر، والكنسية الحديثة (العلمانية) التي منحت البشر حرية الإيمان وعدم الإيمان، وحرية الانتقال بين الأديان وأوجبت احترام كل المعتقدات – شرط ألا يكون المعتقد سببًا أو ذريعة للمساس بحرية الآخرين - وهو المنطق الذي لم يبلغه المسلمون بعد، ولذلك تجد – تقريبًا – جل المتحدثين باسم الإلحاد والمدافعين عنه هم من أصول إسلامية، لأنهم إما أُكرِهوا على مغادرة بلادهم وفراق أهلهم، أو اضطروا لحياة النفاق والمراوغة والكبت الفكري
!

الرد : الذي اقصده بالدين الجديد هو الالحاد، والدين القديم هو الاديان المعروفة ..

-
هنا أمر هام ..
تبين لي من خلال ملاحظاتك وتساؤلاتك أن ثمة اختلاف فلسفي بيننا ..

أنا أتحدث عن الحقيقة وأنت تتحدث عن المصلحة ..
أنا أتحدث عن الحقيقة وأنت تتحدث عن السعادة ..

فأن نتفق على أمر ما – اسمه دين أو غيره – حقيقي أو غير حقيقيأرضي أو سماوي - المهم أن نرى أنه الأصلح لحياة البشر وطمأنة نفوسهم،

الرد :

أنت تناقض نفسك على مدى السطر الواحد، فمرة تصف نفسك بالحقيقة ثم تقول : المهم أن يكون الأصلح وفيه مصلحة !

الإلحاد ينطلق من المصلحة، وهي رائده، وهي الشيء الحقيقي عنده، فالحقائق كلها لا يعترف بقيمتها بذاتها، لأنه لا يعترف بحقيقة مطلقة، لكنه يعترف على طول بالمصلحة، فكيف يكون الملحد تهمّه الحقيقة على حساب المصلحة؟! هذا التواء وتناقض. أتدري متى تهمّ الملحد الحقيقة ويطنطن عليها؟ اذا صار الواقع ضده والنتائج ليست بصفّه ، مثل أن يأتي الدين بسعادة ويأتي الالحاد بضيق ونكد وكآبة، هنا سيقول : أنتم تهمكم المصلحة، مع أن كل إلحاده مبني على المصلحة، هذا هو الضلال، أن تبحث عن المصلحة فتجد الهم والتعاسة، وصدق الله الذي قال ( والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء) ..

ولو سألتك عن الالحاد لقلت لي مثل هذا، ثم ترجع وتلتوي بأنك لا تهمك المصلحة وتهمك الحقيقة ! عقل الملحد يشبه الزنبرك الحلزوني، كله إلتواءات، والإسلام الحقيقي يشبه الطريق المستقيم، فكل كلمة فيه ثابتة، لايمكن أن تُحذف في ظرف من الظروف، وتـُبدّل بضدها، أما الفكر اللولبي اصلا فالالتواء هو طبعه اساسا.

فهذا أمر لا خلاف حوله طالما حاز على اتفاقنا وأثبت الواقع صلاحه، لكن شيء آخر تمامًا أن يُقال بأن هذا الدين حقيقة مقدَّسة وعلي اعتناقه ولا ينبغي لي انتقاده، وأنا أرى الواقع يُثبت أن مضاره للبشر أكثر من منافعه ..، هذا ما أرفضه!

الرد :

تقول ارى أن الواقع ، أي ليس العقل ! معنى هذا أنك مرتبط بنتائج الواقع، لماذا لا ترتبط بها على طول؟ مع تحفظي على ان تبيع عقلك للواقع. ألم يثبت أن الدين يأتي بالصحة الجسمية والنفسية وأنت اعترفت بهذا ثم رفضته ؟ أليس هذا واقع؟ أي لم تأخذ الواقع بالحسبان ! أي أنك إنتقائي ! فهل الانتقائية هوى؟ هل دخلنا في اللولب ؟ ارسِ على بر ! لنحتكم الى الواقع فقط ! استمر !! اما اذا الواقع اثبت ضد هوى الالحاد قلت : لا يهمني الواقع !! تهمني الحقيقة !! واذا الواقع صار في صفك قلت : يهمني الواقع !؟ ما هذا القفز ؟ القفز بين المتناقضات حركة عصافير وليس حركة تفكير . 

يتبع ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق