لا إلحاد بدون نقد دين، إذ كيف تكون ملحدا بدون
نقد للدين؟ إن الالحاد ليس شيئا يُطرح .. هوية الملحد هي أن يهاجم الدين. وفي كل مكان
نجد الالحاد والعلمانية والليبرالية هي التي تبدأ بالهجوم دائما على الدين، والواقع
والتاريخ يثبت هذا .. هي طفيليات تعيش على الدين وتمتص دمه وتعيش عليه، وبدونه لا يكون
لها وجود .
انظر الى شعوب متديّنة تـُفرض عليها العلمانية بقوة
العسكر وتـُسنّ القوانين ويُمنع الحجاب. العلمانية نفسها عبارة عن تدخـّل في الدين،
لأنها تريد أن تفصله من النصف عن المجتمع والسياسة ومجريات الأحداث، أليس هذا اعتداء
وتدخلا ؟ يجب أن ننظر الى الامور كما هي، لا كما نحب أن تكون .
الإلحاد و بناته كلها قامت بالهجوم على الاديان
وما يتبعها من اخلاق و لأجل ذلك ، هذه "كاسحات أديان" ، ثم يدّعي من يدّعي
أن الدين يعتدي على حريته مع أنه مسالم! بينما هو
ينتمي الى مذاهب قامت لأجل هدم الاديان فقط .
يعتقد البعض أن العلماني والليبرالي والملحد شيء
محايد، وهذا غير صحيح، بل هو محارب، في السر والعلن. وأنا لا أتكلم بشكل شخصي، بل اتكلم
عن هذه المسارات الفكرية التي وُضعت أصلا لمحاربة الاديان وتنحيتها لأمرٍ ما يُخفيه
اصحاب المنابع والدوافع والمنافع ..
لا ننس أن تدمير الدين هو تدمير الاخلاق التي نادى
بها الدين، والواقع يشهد بذلك .
كل ارض تدمَّر فيها الدين تدمَّرت معها القيم التي
نادى بها الدين. وأنا لا أتكلم من فراغ، فالدين نادى ببر الوالدين، انظر الى حال المجتمعات
اللادينية هناك، تبرّ بهم الكلاب .
الدين نادى بأن لا يكون المال دُولة بين الاغنياء،
وهناك يتجمّع المال عند واحد بالمئة من السكان .
الدين نادى بقيم العفاف والوفاء الزوجي، أنظر الى
حال العفة هناك.
الدين نادى بعدم الظلم حتى لمن نكرههم، انظر الى
المظالم التي فعلتها دولهم بالشعوب الضعيفة.
الدين نادى بعدم الأنانية وطالب بالإيثار، انظر
الى حالة الانانية والمادية الشرسة هناك، حتى صار الكرم والمروءة أيضا من الاخلاق النادرة
هناك. وعلى ذلك فقس .. اذا كرهتَ شيئا في الدين فلا يعني هذا ان كل ما في الدين سيء.
ومهما كان ، فوجود الدين عبارة عن فرامل مفيدة مانعة
عن أضرار كثيرة لا تتبين إلا اذا جاءت و وقعت. و شيء منطقي و واقعي أن الشيء إذا زال،
زالت وضعفت توابعه.
عندما يبتعد الناس عن الدين وتندرس معالمه ويدخلون
النفق المظلم ، سيبحث عنه كثير من الناس ولا يعرفوه، مع أنه كان سيحل مشاكلهم الداخلية
مع انفسهم .
الملحد مادي ولا يبالي بمعاناة الاخرين الذين لا
يُريحهم إلا وجود الدين، مثل من يحب الظلام فيريد ان يقطع الكهرباء عن الجميع . كل
تركيزه على الشهوات وألا يمنعه أحد منها حتى لو كان غير اخلاقي ، وهمّه السيطرة على
المجتمع.
هناك ضحايا كثيرة إذا فـُقد الدين الصحيح، اذن ما
الحل ؟ أن يُزال الدين ؟ أم أن يتم إصلاحه من حيث فهمه وتوجيهه وتركه لمن يريده دون
عمليات العداء والتشويه المستمرة التي يقوم بها الملاحدة والعلمانيين؟ وما العلمانية
الا ثورة على الدين.
الدين القويم الذي قال : (لا إكراه في الدين) و
(لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) ، فلمَ يُحرَم الآخرين مما قد يُفيدهم ويحتاجونه بسبب
السيطرة و التنافس على المجتمع؟ من الحمق أن
تدمّر منزلا مفيدا لأن فيه فأرا مؤذيا . هذه هي راديكالية الالحاد ومفرزاته : يمسك
بتصرفات وسلوكات غير جيدة من منتسبين للدين ليدمّر بها الدين كله ، ولو لم يكن البشر
محتاجين له لما وُجد في كل مكان في العالم ، أليس الواقع مقياس العلماني؟ هذا هو الواقع،
فكل الشعوب لها أديان، في الحاضر والماضي.
لهذا الدين مفيد واعترفت الشعوب به وتمسّكت به ،
فهل مرة يكون الواقع مقياس العلماني ومرة لا يكون؟ وليست المسألة في عداء الدين مسألة
دفع أذى من قبل الإلحاد ومفرزاته في كل حال، الواقع لا يدل على هذا ولا التاريخ، فالدين
في الغرب مقلّم الاظافر، والكنائس تباع بالمزاد، ومع ذلك لا يتوقف سعار الملاحدة وتحريضهم
على كل من ينتسب لدين، بل أنشط الملاحدة في العالم في اقل بلاد العالم من حيث سيطرة
الدين. وهذا واقع، والعلماني يحترم الواقع ونتائجه ،
اذن الالحاد ليس مسالما كما يُتـَصَور، بل ان الالحاد
في الغرب لم يتوقف عن هدم الدين، بل حاول هدم الانسانية كلها كما ينادي سام هاريس مثلا،
أي أن القيم الانسانية يريدون هدمها. بل حتى المنطق لم يسلم، وما زالوا يتآمرون عليه
بإسم العلم حتى تبقى الفوضى فقط، ويتآمرون على من يشكك في نظرية التطور، لأنهم يشمُّون
فيهم رائحة من دين. هذا ما يريدون، ومن بدأ بالفوضى انتهى بها. والإلحاد بدأ بنظرية
الفوضى و سينتهي حاله الى الفوضى، وهكذا يريد، كمذهب تدميري طويل الامد. والفوضى ضد
العلم الذي يدّعون احترامه.
الدين في الغرب تركهم و حالهم، وأعطاهم الجمَل بما
حمَل وسلّمهم المجتمع يفعلون به ما يشاءون، فهل سَلِمَ الدين من شرهم و كيدهم؟ لا يزال
الدين يُحارَب ويطالبون بمنع حتى المدارس الدينية الخاصة، بعد ان منعوه في العامة.
وإذا تحقق طلبهم هذا فسوف يطالبون بفصل أبناء المؤمنين عن ذويهم، حتى لا يتأثروا بدينهم.
وسوف يُحاكم من يتكلم بالدين امام اطفاله، كما يطالب داوكينز الملحد، ويجد من يؤيده
على ذلك. الشياطين تؤزهم لذلك أزا، وليس ذلك عندهم بدافع ذاتي، يريدون الحرب مع الفضيلة
أينما كانت، مستغلين أي خطا ليعمّموه على الدين كله، بل يُبرِّءون صاحب الخطأ ويضعونه
على الدين، وهذا أكبر دليل أنهم ضد الدين، وإلا فالمنطق أنه من أساء فهو المسؤول الأول
عن اساءته وليس الثاني، و الاول هو الدين! أما إذا اصبح الانسان ملحدا فيكون هو المسؤول
الاول عن تصرفاته وليس الإلحاد ! لا أول ولا ثاني ! نِعم العدل، مع أن الالحاد يدعو للإباحية الكاملة
و فعل كل ذنب، ومع ذلك ليس مسؤولا عن أي ذنب يفعله الملحد ، والدين مسؤول حتى عن الذنوب
التي نهى عنها ! نِعمَ العدل! ومسؤول أيضا عن كونه يُفهم خطأ ولماذا يُمكن ان يُستغل
!! نِعْمَ العدل والموضوعية !! هذا تحدي صارخ للدين خالٍ من الموضوعية وأخلاق التفكير
ما يفعله الالحاد والعلمانية في خطابه نحو الدين.
اصبح المنتسب للدين هو البريء والدين هو المسؤول
عن ضحيته ! لم اجد ملحداً يتكلم عن الاخطاء وهو يشنّع على فاعلها، لا بد أن يقفز الى
الدين ويجعل المعركة هناك، حتى لو كان يعلم ان ذلك الدين ينهى عن تلك الاخطاء. لهذا
الملحد مُحارِب وليس محايد ولا موضوعي، وهو لا يدري. لانه ربما في كل اطروحاته لم تتكلم
عن أي شخص متدين، فقط عن الدين. ويستغل الاخطاء لينتقل الى حرب الدين، دون ان يمسهم
منه أي اذى. وهذه لعبة غير نظيفة مع الاسف. وهي لعبة استغلال الاساءة لفعل اساءة اكبر
منها. وهذا ضعف في العدالة يقدمه الالحاد، ولا يُستغرب من مذهب يحلّل كل المحرمات التي
تعارفت البشرية على قبحها. كل شيء في الالحاد حلال، هذا هو الفقه الملحد، والمرجع هو
المصلحة واللذة . إذن ، الغاية تبرر الوسيلة هي القاعدة الاصولية في الفقه الالحادي.
هل أفخر بأن أنتسب الى مثل هذا المذهب؟ شيء عجيب !
العلماني والليبرالي والملحد عادة يحاسب أي شخص
يسيء إليه، الا اذا رأى عليه مظهرا دينيا ، تركه وقفز ليحاسب الدين ونسي الإساءة والمسيء
!! هذا هو العدل الليبرالي . وكأنه لا يكره الإساءة التي وُجهت إليه بقدر ما يكره الدين
. بل من شدة كراهيته للدين، إذا لم يجدوا شيئا، قالوا : لماذا أُتـُّخـِذ ذريعة ؟ فكونه
قابلاً لأن يُتـَّخذ ذريعة يجب أن يُمحى ! أنظر الى شدة الكراهية وعداء الدين : لماذا
يصلُح أن يكون ذريعة ؟! وكأنه الشيء الوحيد الذي يُتخذ ذريعة وليس غيره !
إن الأخطاء التي ينسبونها للدين لم يقلها الدين،
خصوصا الإسلام في اصله، فإذا مسلم قتل بريئا، فإن القرآن لم يأمره بهذا، بل نهاه. حتى
لو قال هو أنه فعل ذلك لله . لكن إذا تقلّب الملحد فالإلحاد والبراغماتية يأمرانه بهذا،
لأنهما يقولان له : اتبع مصلحتك فلا توجد حقائق ولا اخلاق ثابتة، اذن نافق وتقلّب،
أما إذا تقلّب المسلم فليس القرآن الذي قال له، لأنه شنع على المنافقين والكاذبين ومستغلي
الدين. بل قال : (كونوا مع الصادقين) وقال : (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، لهذا الاسلام الحقيقي مُحترم أكثر من الالحاد ..
الإلحاد لا يدعو الى الصدق بل الى المصلحة ، اذا
كذب المسلم كذبا ضارا كيف يكون الاسلام مسؤولا عن كذبه وهو ينهى عنه؟ اما الملحد اذا
كذب فإلحاده يقول له : اكذب ، و إن كان لا يقولها نصا، لأنه لا يرى الصدق فضيلة ثابتة.
بل مرتبطة بالمصلحة، وهي الثابت الوحيد في الالحاد، وبئس الثابت، إنه ثابت دنيء مقارنة
بالثوابت الاخلاقية.
الالحاد يقول : اصدق اذا كان الصدق ينفعك ويملأ
جيبك، واكذب اذا كان الكذب ينفعك. بينما الاسلام يقول : قل الحق ولو على نفسك، فعجبٌ
ان يُتهم الاسلام وهو بهذا الجمال، ولا يتهم الالحاد وهو بهذا القبح!
متى نقول ان الدين او الفكر مسؤول عن الفعل؟ الجواب
: اذا كان ذلك الفكر او الدين يشير او يطالب بهذه الرذيلة، وهذا الالحاد أمامنا والاسلام
امامنا، الالحاد يبيح الرذائل والاسلام ينهى عنها، فإذا فعل المسلم رذيلة يلومون الاسلام
لأنه لم يستطع ان يُجبر المسلم، ولا يلومون الالحاد الذي سمح بهذه الرذائل حسب المصلحة
واللذة ؟ لنكن منطقيين قليلا.
اذا طمع الملحد وبخل وحاول ان يبتز الناس ويستغلهم
ويسيطر عليهم فكل هذا مشرع في دينه، دينه الذي يقول : البقاء للاقوى والغاية تبرر الوسيلة،
ولا يوجد آخرة يعاقب فيها أحد، أي خذ راحتك..
اذن الالحاد مسؤول عن كل اخطاء الملاحدة ، والاسلام
غير مسؤول عن كل اخطاء المسلمين، إلا ما كان مُلوثا ودخيلا على الاسلام من أفكار البشر،
وهذا ما يجب تنقيته وتصحيحه في الإسلام. إذا ظلم المسلم او كذب او سرق او اختلس، يلومون
الاسلام الذي نهى عن الظلم والسرقة واكل اموال الناس بالباطل! وهذا عجيب. لكن اذا سرق
وغش وكذب وظلم الملحد، فلنا حق أن نلوم الالحاد لأنه شرّع له كل الموبقات و أزال الفواصل
بين الخير والشر امام الملحد. أي أن الحاده غرّر به. هل هذا افتراء على الالحاد الآن
؟ أليس هو ما يبرر الرذائل كلها ؟ بينما الاسلام ينهى عن الفواحش كلها؟ الاسلام ينهى
عن التكبر والغرور والتجسس والسخرية، اين هذه النواهي في الالحاد؟ اذن اذا فعلها الملحد
نلوم الالحاد قبل ان نلوم الفاعل. اما اذا فعلها المسلم فنلوم الفاعل ونبرئ الاسلام،
لانه نهى عنها وشنع عليها. أليس هذا كلام منطقي و واقعي؟ أم أنه كذب وافتراء على الالحاد؟
لا توجد رذيلة واحدة أمر بها القرآن، ولا توجد رذيلة
واحدة نهى عنها الإلحاد.
وإن قيل أن الإلحاد لم يأمر بالرذائل ، فهو لم ينهى
عنها ، وفتح الباب على مصراعيه. و تركيزه على المصلحة هو دافع مُبطّن لفعل الشرور كلها،
لأنه لم يُفعل أي شر إلا بدافع مصلحة او لذة. وعدم تحريم الشر شر.
هذا المذهب يجعل مُتـَّبِعه يظهر في الأخير بهذا
المظهر، مظهر من لا يحترم الحقيقة ويتغير ويتلون ويحمل الكراهية والعداء ويستغل أي
ظرف ليُخرِج هذه الكراهية، لا يبالي بتناقضه ، مع أن هذا فيه اساءة لعقله. لا يُبالي
بأن يُرى بأنه كاره للفضيلة والخير، وإن كان يتحجج بأنه يكره شر الدين.
من يكره شر الدين عليه ان يحب خير الدين، لا ان
يجتث الشجرة بثمارها لأن فيها أشواك ، من يفعل هذا لا يحب الثمرة، بل هو يكره الثمرة
والشجرة كرهاً مبطناً مُتحججا بالشوكة .. العاقل يعرف ان من يحرق المنزل لأجل فأر هو
لا يحب ذلك المنزل.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق