كريشنا
مورتي
On Love
J.Krishnamurti
---------------------------------------
إن المَطلَب
لتحصيل الأمان في العلاقة لا بد له وبشكل حتمي من أن يخلق الأسى والخوف. إن هذا
السعي إلى الأمان بحد ذاته يقوم باستحضار اللا أمان. هل وجدت الأمان يوماً في أيٍّ
من علاقاتك؟. يطلب معظمنا الأمان حين يحب وحين يرغب بأن يُحَبَّ، ولكن هل هناك من
حب عندما يسعى كل واحد منا إلى أمانه الخاص، يسعى إلى دربه الخاص؟. نحن لا
نُحَبُّ لأننا لا نعرف كيف نحب.
ما هو الحب؟
إن الكلمة
مثقلةٌ جداً ومُفسَدَة إلى الدرجة التي تجعلني لا أرغب حتى باستخدامها. يتكلم
الجميع عن الحب – كل مجلة وجريدة وكل مُبشّر يتكلم إلى ما لا نهاية عن الحب. أحب
بلدي، أحب مليكي، أحب كتاباً ما، أحب ذاك الجبل، أحب اللذة، أحب زوجتي، أحب الله.
هل الحب فكرة؟. إذا كان كذلك، فيمكن حينها صقله وتغذيته وتثمينه والسيطرة عليه وحرفِهِ
بأي طريقة ترغب بها. عندما تقول إنك تحب الله، فما الذي يعنيه ذلك؟. إن ذلك يعني
أنك تحب إسقاطاً من تصورك الخاص، إسقاطاً لذاتك مُغطى بشكل معين من الاحترام تبعاً
لما تعتبره نبيل ومقدس؛ وبالتالي حين تقول: "أحب الله" فهو شيء سخيف
بالمطلق. عندما تعبد الله فإنك تعبد ذاتك – وهذا ليس حباً.
الرد
:
الحب
ليس فكرة بالاساس ، لكن تدعمه الفكرة السليمة وتثبّته. الحب شعور، والشعور مجبول
على الفضيلة، والشعور فطري وليس من صنع الإنسان، والشعور مشترك بين كل الناس. كلما
التقت الفضيلة حصل حب على ذلك القدر، لهذا الكل يحب الشخص الفاضل إلا من يتعارض مع
مصالحه، فتكون الفكرة ابعدته عن الحب، حتى المجرمون في السجون يشجعون البطل في
الفيلم، والذي أغلب ما يكون فاضلاً. وهذا التشجيع هو حب. مع أن أعمالهم التي سجنوا
بسببها قد تكون عكس ما يفعله البطل.
وفكرة
كريشنا حول عبادة الذات من خلال عبادة الله، هو صنع هذه الفكرة وصدّقها وصارت
النتيجة كما نرى : إذا أحببت الله تكون حببت ذاتك ! وعبادة الله هي عبادة ذاتك!
وبالتالي تصبح فكرة حب الله فكرة سخيفة بالمطلق ! حسناً : وإذا كرهت الشيطان ،
أكره من ؟ ذاتي أيضا ؟!
إذا
فلنعمم الفكرة : كل من أحببته، تكون قد أحببت ذاتك بموجب هذا التحليل الغير منطقي
! ما دمت تحب ذاتك فلماذا هذا الالتفاف ومعاناة الحب ؟ ذاتك أقرب ! اعبد ذاتك
وأحبها وانتهى الأمر ! اذن فكرة كريشنا مورتي غير قادرة على تحليل علاقة الحب.
لأنها تنتهي الى اللا علاقة . ذاتٌ تحب نفسها ! وهذا يذكرنا بالطرح المادي
الالحادي النتشوي حول تأليه الذات وجعلها هي مركز الكون.
هو
يعتقد أن الحب بسبب إسقاط ذاتي على الشيء المحبوب، وهذا غير صحيح، إذن تستطيع أن
تسقط ذاتك على أي شيء، ثم تصبح عاشقا له، هل هذا واقع؟ طبعا لا، أليسوا يقولون
الحب أعمى ؟ والحب من أول نظرة ؟ ألسنا نحب وننجذب قبل أن نعي ؟ ثم يأتي التفسير
والتحليل (أي الفكرة) فيما بعد؟ هذا هو الواقع ، كل الناس تقول : هذا الشخص يجذبني
ولا ادري لماذا، ولا يقولون : أنا عندي فكرة ساسقطها على ذلك الشخص حتى أحبه ! فقد
تحب مِن أعدائك ، أي خلاف فكرتك تماما، مثلما هي قصة روميو وجولييت، وقد يكون الحب
معاكسا للمكانة الاجتماعية وتصنيف المجتمع. فقد تحب غنية فقيرا، والعكس، كما فعل
إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش لأنه أحب فتاة من طبقة دنيا في المجتمع،
فساوموه على ترك العرش من أجل الحب، فترك العرش.
ثم
ما دامت المسألة اسقاطا : فلماذا لا تُسقَط على كل من في القاعة ؟ ثم : إذا سلّمنا
بأنها فكرة إسقاطية، فمن اين جاءت هذه الفكرة ؟ فكرة التعظيم والتقديس والتنزيه
لله ؟ لماذا وضعت له بالذات؟ لماذا لا توضع لغيره ويستجيب لها الناس ؟ وكيف فهمها
الجميع؟ من هذا المهندس الذي يضع للناس تصوراتهم ثم لا تتغير أبدا ؟ ويبكون ويضحون
بحياتهم من أجل فكرة ألزموا بها وعُلّموها ليست من صميم ذاتهم ولا علاقة لها ؟ هذه
تصورات الملحد أن كل شيء فينا مزروع وليس اصيل، إنما الاصيل هو عبادة اللذة
المادية وكأن البشر حيوان ..
الشيء
الذي يُضحَّى بالمال والحياة لأجله، لا يصح ان يقال أنه غير أصيل ولا يلامس شيئا
أصيلا في الذات، لنكن واقعيين . المؤمن الحق يدافع عن ايمانه حتى الموت، فهل
الملحد يدافع عن إلحاده حتى الموت ؟ هنا تتبين الفكرة الملامسة للشعور والفكرة
السطحية والغير ملامسة، الفكرة التي تضرب في العمق والفكرة التي تتمدد على السطح
..
لماذا
الإنسان بحاجة إلى أن يحب الله ؟ ولماذا يجد كل هذا الشعور الايجابي والصحة
النفسية واللذة في مناجاة الله ؟ كل هذا خدعة ؟ أم أنها نابعة من شعور الإنسان
ويقبلها الشعور إذا نُقلَت له ؟ مورتي يتصور أن العقل يتحكم في القلب، وأن الحب
مبني على افكار مسبقة، هيهات ! الأمر مختلف تماما عن هذا، هذا يدل على أنه لم يفهم
بعمق ما معنى كلمة حب .. مورتي يتصور الحب عملية عقلية، وبنفس الوقت يتكلم عن
الروحانيات! ما الفرق بين فكرته و فكرة الماديين عن الحب ؟ إنها مشابهة. هو الآن
مادي وليس روحاني .. وعقلاني وليس وجداني .. هو من اسقط عقله على عالم الحب،
هو
يتصور حب الله أنه نتيجة تغذية مجتمع وافكار، حسناً : لماذا ليس كل من تلقوا
الافكار يحبون الله بدرجة واحدة؟ فمن بين جميع المصدقين بنفس الأفكار، تجد بون
شاسع في حبهم لله وإستعدادهم للتضحية لأجله .. إذن ليست الأفكار هي من تصنع الحب
كما يتصور هذا المفكر المادي اللابس لعباءة الروحانيات ..
أحيانا
أفكارنا تقتضي أن نقاطع، فتمنعنا قلوبنا، وافكارنا تقتضي أن نحب، ثم نعجز أن نشعر
بالحب ! لدرجة أن الناس قالوا ان الحب أعمى، لا يعرفون متى سيحبون ومتى سيكرهون،
ومن سيحبون ومن سيكرهون، دون معرفة لماذا ، فأين الفكرة وأنت تقول : أنا أحب هذا
الشخص أو الشيء ولا ادري لماذا، في كل مرة تحب ؟ الفكرة المسبقة هي الغائب الوحيد
عن الساحة في هذه الصورة، مورتي يجعلها هي اساس القضية كلها ! كيف يكون شيء غائب
هو أساس القضية كلها ؟ لا يستطيع الناس ان يتحكموا بحبّهم ولا بكرههم . قد تحب
شخصا جديدا في حياتك أكثر من شخص صرف عليك منذ طفولتك. ثم تشعر بالذنب، وقلبك يرفض
أن يغير قراره.
وتصوراتي
عن الله : هل أنا من صنعها حتى أحب الله عليها؟ أنا من صنع تصوراتي أو الناس عن
جمال البحيرة والوردة ؟ لو قال الناس : أن الشجرة الميتة أجمل من الشجرة المزهرة،
هل سأصدقهم؟ بعبارة أخرى : هل بيدنا أن نصنع تصورات الحب والكره كلها ؟ هذا مستحيل
! ابذل كل مجهودك لتقنع الناس بجمال رائحة الكيروسين ! وأنه أفضل من رائحة عبير
الورد ! هل هذا ممكن؟ الإنسان محكوم بشعوره الفطري. فإذا رجع إلى إساسه فيما يتعلق
بالله و تأمل وتدبر عظمة الخالق وجماله ورحمته، يأخذه شعوره رغما عنه إلى البكاء
.. انظر الى عبدة الشيطان، هل استطاعوا أن يبكون من عظمة الشيطان وجماله ؟ مع أنهم
يحملون تصورات أنهه إلههم ! هل يشعرون تجاهه بالحب والشيطان نفسه يحارب الحب؟
هو
يزعم أن كل حب مبني على فكرة مسبقة وموجودة، وهذا لا يستطيع أن يفسّره عندما نحب
أشياء جديدة على حياتنا وافكارنا وليس عندنا أي فكرة عنها . نجد أنفسنا منجذبين
ولا ندري لماذا. هناك أشخاص يريدون ان يجعلوا غيرهم يحبهم، بموجب الافكار عن الحب،
رغم إساءتهم لمشاعرهم، فيبذلون اهتمام مبالغ فيه، واصطناع وتكلف محبة وهدايا ،
تنتج نفورا اكبر من لو أنهم بقوا على حالهم. وهذا يعني أن الفكرة ليست وحدها التي
تصنع الحب،
ولأننا لا
نستطيع أن نحلّ ماهية هذا الشيء الإنساني المُسمّى حباً فإننا نهرب إلى التجريد.
قد يكون الحب هو الحل المطلق لكل مصاعب ومشكلات ومتاعب الإنسان، ولذا كيف سنتمكن
من اكتشاف ما هو الحب؟، أبتعريفه فقط؟ لقد عرفته الكنيسة بطريقة ما، والمجتمع
بطريقة أخرى، ويوجد الكثير من الانحرافات والشذوذ. أن تعشق أحدهم، أن تمارس الجنس،
التبادل العاطفي، الرفقة، هل هذا هو ما نعنيه بالحب؟. لقد كان هذا هو المألوف
والنمطي. لقد أصبح شخصياً إلى درجة كبيرة جداً، حسياً ومحدوداً حتى أعلنت الأديان
أن الحب شيء أعظم من هذا. لقد شاهدوا فيما يدعونه حباً بشرياً اللذة والتنافس
والغيرة والرغبة بالتملك والتقييد والتحكم والتطفل على أفكار الآخر، وبرؤيتهم لكل
هذه الأمور وتعقيداتها فإنهم اعتقدوا أن هناك نوعاً آخر من الحب، حبٌّ إلهي، جميل،
غير فاسد ونظيف.
إن الذين
يُعتَبَرونَ رجالاً مقدسين في أرجاء العالم قد ادّعوا أن النظر إلى المرأة شيءٌ
خاطئ بالكامل: قالوا إنه ليس باستطاعة الإنسان أن يقترب من الله إذا كان منغمساً
بالجنس، ولذلك فقد تجاهلوه بالرغم من أنهم مُستهلَكون به في دواخلهم. ولكنهم
بإنكارهم الرغبة الجنسية قد اقتلعوا عيونهم وقطعوا ألسنتهم لأنهم أنكروا كامل جمال
الأرض. لقد جوّعوا قلوبهم وأذهانهم؛ إنهم كائناتٌ مجفّفة؛ لقد عاقبوا الجمال لأنه
الجمال مرتبط بالمرأة.
الرد
:
الإسلام
الحقيقي ينهى عن النظر المحرّم والنظرات الفاحشة التي حتى المرأة تكرهها وتشعر
بالإحراج بل وبالإهانة أن يُنظر إلى جسمها دون عقلها مثلما ينظر الجزار الى جسم
الشاة، ولا قيمة لعقلها .. أما النظرة الجادة والمبنية على احترام و رغبة زواج فلا
بأس بها، وأما الرهبانية والتبتل بدون زواج وكأن هذا يقرّب إلى الله، فالإسلام
مختلف عن هذا، اذن لا تجفيف ولا جفاف، لا إسراف ولا تقتير، هناك اعتدال.
اما
تركيز هذا الكاتب الروحاني على الجنس بهذه الدرجة المفرطة، وجعله جمال الحياة كلها
! فهذا مثير للضحك والاستغراب . فإذا كان هؤلاء الذين يقصدهم حصروا جمال المرأة في
الجنس، فهو قد حصر جمال الأرض كله في الجنس وليس بالمرأة فقط ؟ ومع ذلك يوصف
بالروحاني ولا يوصف بالشهواني !
هل يمكن تقسيم
الحب إلى مقدس ودنيوي، إلى بشري وإلهي، أو أنه لا يوجد إلا الحب فقط؟. هل الحب
يكون للواحد ولا يكون للكل؟. إذا قلت إنني أحبك، هل يستثني هذا القول محبة
الآخرين؟. هل الحب شخصي أو غير شخصي؟. أخلاقي أو غير أخلاقي؟. عائلي أو غير
عائلي؟. إذا أحببت البشرية هل يمكنك أن تحب الفرد؟. هل الحب عاطفي؟. هل هو شعور؟. هل
هو رغبة ولذة؟. كل هذه الأسئلة تشير فعلياً إلى أنه لدينا أفكار عن الحب، أفكار
وتصورات عما ينبغي أن يكون أو لا يكون عليه، نمط أو شيفرة تتطور بحسب الثقافة التي
نعيش فيها.
ولذا فإننا لكي
نفهم ما هو الحب نقوم أولاً بتحويل الحب إلى أفكار، عملية فكرية لما ينبغي أن يكون
أو أن لا يكون عليه. أن نقسم أي شيء بهذا الشكل، إلى ما ينبغي أن يكون وما هو
عليه، لهو من أكثر الطرق المُضلِّلة للتعامل مع الحياة.
الرد
:
واضح
أنه لا يعرف أي شيء عن الحب، ولكنه يعرف الكثير عن المادة واللذة والجنس، وأسئلته
الكثيرة والمتناقضة عن الحبـ تدل على انه لا يملك تصور واضح عنها. لكنه يملك تصور
واضح عن الجنس لأنه وصفه بجمال الارض.
والآن كيف
سأكتشف ما هي هذه الشعلة التي نسميها الحب – ليس أن أعبر عنها إلى أحد ما وإنما ما
تعنيه بحد ذاتها؟. سوف أرفض أولاً ما قالته الكنيسة والمجتمع، ما قاله أهلي
وأصدقائي، ما عبر عنه كل شخص وكل كتاب لأنني أريد أن أكتشف بنفسي ما هو. تكمن هنا
مشكلة هائلة تشمل كل البشرية، لقد وُجِدت آلاف الطرق لتعريفه وأنا عالق ببعض
الأنماط حسب الحالة المزاجية والنفسية لي في تلك اللحظة – ولذا ألا ينبغي علي
لأفهمه أن أحرر نفسي من أي تحيزات أو اتجاهات؟. إنني حائرٌ، ممزّق برغباتي ولذا
أقول لنفسي: "أولاً أَنْهِ حيرتكَ لعلك تكون قادراً على اكتشاف ما هو الحب
عبر ما ليس هو".
تطلب منك
الحكومة أن تذهب وتقتل في سبيل محبتك لبلدك. هل هذا حب. الدين يطلب منك التخلي عن
الجنس لأجل الحب الإلهي. هل هذا حب؟. هل الحب رغبة؟. لا تقل: لا. لأنه كذلك
بالنسبة إلى معظمنا – رغبة مع اللذة، اللذة المتولدة عن الحواس، عبر الارتباط
والإشباع الجنسي.
الرد
:
ما شأن الجنس في الموضوع ؟ كل ما تكلم عن الحب ذهب ليربت على كتف الجنس ! هذا
طرح مادي إلحادي بحت .. لا يؤمن إلا بالحواس في الفهم و في العاطفة، مثلما اعتمدوا
على الحواس في اثبات عدم وجود اله، يعتمدون عليها في تفسير العواطف والمشاعر
الإنسانية الراقية، إلا فما شأن الحب بالجنس ؟ فالجنس شيء والحب شيء آخر .. نعم قد
يجتمعان، لكن من إجتماع المختلفـَين .. وإلا فكيف مَرضَ العشاق وبعضهم مات من
العشق بينما الرغبة الجنسية يمكن إشباعها؟ أما أنهم كانوا مصابين بنوع من الجوع
الجنسي القاتل ؟!
الجنس
يجتمع مع الكره ايضا، وهذا ما يحدث في حالات الإغتصاب ، وبشكل واضح عندما تقتحم
جيوشٌ مدينةً تقاتلها وتستبيحها، فالطرفين كلاهما يكره الآخر، والعملية الجنسية
تتم ! فكيف نفسّر الشيء بما يمكن أن يكون مع نقيضه؟
دائما
التفسير المادي ضيق وعاجز عن احتواء كل الصور، لأنه أحادي النظرة إلحادي المبدأ.
أنا لست ضد
الجنس، ولكن انظر ما هو مُتضمّن فيه. ما يمنحه لك الجنس بشكل آني هو هجران للذات،
ومن ثم تعود مجدداً إلى اضطرابك السابق ولذا فإنك تريد تكرار الأمر إلى ما لا
نهاية، حيث تعيش تلك الحالة مجدداً، لا قلق، لا مشاكل ولا ذات. تقول إنك تحب
زوجتك. هل في هذا الحب لذة جنسية، أو لذة نابعة من أن هناك شخص في المنزل يرعى
أطفالك، يقوم بتجهيز الطعام. أنت تتكل عليها؛ إنها تمنحك جسدها، عواطفها، تشد
أزرك، تمنحك شعوراً بالأمان وحسن الحال. ثمَّ قد يأتي يوم وتهجرك، تشعر بالملل أو
تذهب مع رجل آخر وبالتالي فإن توازنك العاطفي يتخلخل كله، وهذا الاضطراب الذي لا
يعجبك هو ما يدعى بالغيرة. يوجد ألم به، كراهية وعنف. إذاً ما تقوله هو:
"طالما كنتِ لي فإنني سأحبك وفي اللحظة التي لا تكونين لي سأكرهك. طالما كان
باستطاعتي الاعتماد عليك لإرضاء مطالبي الجنسية وغيرها، أحبكِ، وعندما تتوقفين عن
منحي ما أريد أبدأ بكراهيتك".
الرد
:
هو يسمي الخيانة الزوجية الآن غيرة ! وهو يجمّلها ويقبّح منتقدها ! هذا داعية
رذيلة .. تسمية الاشياء بغير اسماءها لا يعني اختراق عقول الناس. هو تزوجها لكي
يبقى هو ايضا لها، عليها أن تبقى له، لا أن تخرج مع شخص آخر ! بدل أن يرى أن الزنا
رذيلة، صار الإعتراض على الزنى وعلى الخيانة رذيلة في نظر "معلّم
العالم" ، وما أكثر معلمي العالم في هذا الزمان ! هل يريد أن يقلب الموازين
من خلال فكرة كما يتصور ؟ لن يستطيع، لا هو ولا كل الإعلام المجيّش لخدمة افكار
الالحاد، لن يشعر احد في العالم ان الخيانة جميلة، ولا حتى هُم لو خانتهم زوجاتهم.
وكما
قلت : هو قال فكرة وصدّقها .. معتقدا أن الافكار هي التي تسيّر مشاعرنا وعواطفنا
وليس العكس . هو يتصور ان مجرد تناول فكرة بشكل مختلف ، كافي لتغيير اساساتها في
نفوس الناس. وهذا ما أنتج الغرور الوهمي في نفوس الملاحدة، اذ يحسبون أنهم يعيدون
برمجة الانسان على مزاجهم، ومن هنا يسمون انفسهم "بالمفكرين" ! ولسان
حالهم يقول : لسنا اقل من رجال الدين.. أي مجرد تغيير برمجة واعدادات لهذه الاوراق
البيضاء في الناس، كل المسألة تحتاج الى ممحاة وقلم، والناس مجرد آلات كما وصفهم
الالحاد ، تطورت بالصدف العمياء وتنتهي للاشيء من حيث ابتدأت باللاشيء ، وليس
لوجودها أي غاية ، تبسيط وسطحية يسمونها تفكيراً ..
وهذا
نابع من النظرة الالحادية التي تحتقر الانسان، وتعتبره مُفرّغ من الداخل، ومتصورة
بغباء أن رجال الأديان هم الذين برمجوا الناس على ما يريدون. أما الناس فهم ورقة
بيضاء من الداخل كما علّمهم جون لوك المادي السابق . كل هذه نظرات سطحية للإنسان ،
لا تصمد للواقع .. تريد أن ترى الإنسان سطحيا فتكشف عن سطحيتها هي، التسطيح نظرة
احتقارية للإنسان ..
هل
هذا هو من يسمونه الرائي و معلم العالم ؟ ما فرقه عن أي فرد من الملاحدة ؟ حتى لو
لم يكن ملحدا فهذا الطرح هو طرح الإلحاد بلحمه وشحمه .. هو ومن ماثله يريدون بث
الروح في الإلحاد الميت، ويحسبون القص واللصق من روحانية الاديان ينهي المشكلة
بدون أن نعوّل على إله. شخص يرى ان حب الله فكرة سخيفة، هل تقول عنه أنه مؤمن أو
يعرف الروحانية حتى؟ وأن الجنس هو جمال الأرض؟ أي لم يجد شيئا ارقى و أعلى من الجنس؟
هل هذا معلّم ؟ ومعلّم العالم أيضا؟ أين ذهب الأنبياء أمامه؟ الحيوانات تعرف الجنس
من نفسها ولا تحتاج تعليم ولا تدريب .. اذن هذا يعلّم ماذا؟
هل
هناك أضيع من وقت من يعلّم الكائن الحي قيمة الغريزة ؟
إذاً هناك عداوة
بينكما، انفصال، وعندما تشعر بالانفصال عن الآخر فلا يمكن للحب أن يوجد. ولكن لو
كنت تستطيع أن تعيش مع زوجتك بدون أن يخلق الفكر كل هذه المتناقضات، كل هذه
النزاعات التي لا تنتهي داخلك، فربما حينها – ربما – ستعرف ما هو الحب. عندها
ستكون حراً بالكامل وكذلك هي، بينما إذا اتكلت عليها لأجل لذّاتك فإنك ستكون عبداً
لها. إذاً عندما يحب المرء لا بد من الحرية، ليس فقط الحرية من الآخر وإنما من
ذاته أيضاً.
الرد
:
هذا
التلاعب بالألفاظ يعتقد أنه عبقرية، هذا مجرد تدليس، وتحايل، على قيم ثابتة مرتبطة
بشعور الإنسان الذي هو غريزة في الإنسان من الله حتى يعرفه به .. يجعل كلمة "حرية
وتحرر" بمعنى : اقبل الخيانة الزوجية .. يترك هذه اللفظة الصريحة إلى ألفاظ
معمّاة تلف وتدور، أول ما يُشترط في المفكر الحقيقي والمعلم أن يكون واضحا وصريحا
، هذا ما تقتضيه الأخلاق والشجاعة الادبية ، إذن هو بهذا الإسلوب افتقد العلمية
والاخلاقية. ومعلم العالم أحوج ما يكون لهما .. نيتشه أكثر صراحة و وضوحا من أكثر
الملاحدة، رغم جنونه وتهوره. ولهذا سمّي معلّم الإلحاد وسطع نجمه في سماء الإلحاد
لصراحته لا لعقله ..
ما
الذي منع مورتي أن يقول هذه الفكرة بوضوح : لا تغاروا على ازواجكم واتركوهن يخرجن
مع من يريدهن أو يردنه دون أن يحرك ذلك فيكم شعرة، حتى تتذوقوا كمال الحب، وإلا
فسأحرمكم منه !
ثم
ما شأن الحرية بالحب ؟ كلاهما يناقض الآخر، الحب ارتابط بالفضيلة او ما يلابس
الفضيلة، وبالتالي هو ارتباط بالله من خلال مخلوقات الله، هذا تعريف الحب عندي.
الحرية انفكاك ، كيف تأتي الحرية بحب ؟ نريد أن نفهم ..
هذا
الانتماء للآخر، أن يتغذى المرء نفسياً على الآخر، أن يتكل عليه – لا بد من أن
يوجد القلق والخوف والغيرة والذنب في كل هذا، وطالما كان الخوف موجوداً فليس هنالك
من مكان للحب؛ إن ذهناً ممتلئاً بالأسى لن يعرف الحب أبداً؛ الحسية والعاطفية لا
علاقة لهما أبداً بالحب. وكذلك الحب لا علاقة له باللذة والرغبة.
الرد
: بل يوجد ، جنبا الى جنب، والخوف مُلابس لكل الحياة وليس فقط امور الحب. هل يريد
ان يغير الكون بكلماته ؟ قال تعالى : (يدعوننا خوفا وطمعا) .. ثم منطقيا : إذا كان
الحب ثمينا، فمن الطبيعي ان تخاف عليه، مثل ما تخاف على الجوهرة الثمينة أو على
محفظة نقود مورتي ! هل يخاف عليها مثل الخوف على جريدته ؟ طبعا لا ، قد ترمي
بالجريدة ولكن لن ترمي بمحفظة النقود، وكلما زاد الحب زاد الخوف معه ..
الاشياء
التافهة لا نخاف عليها، اذن هو يريد أن يجعل الحب شيء تافه حتى لا نخاف عليه .. أم
أنه يريد ان يبقى الحب شيئا مهما عندنا ولكن لا نخاف عليه؟ كيف يأتي هذا ؟! نأخذ
الخوف من المهم، ثم نذهب به إلى ماذا؟ نذهب به إلى غير المهم ؟ ألن نكون مجانين
ولو بعض الشيء ؟ هل هذه الامور البسيطة تحتاج الى توضيح لمعلم العالم كما زعموا ؟ هل
هذا ما يعلمنا إياه معلم العالم ؟
هؤلاء
الجماعة الماديون هم من أنتج فكرة قانون الجذب وتغيير الافكار والبرمجة العصبية
وإدارة الذات والأديان البديلة تبعا لنظرتهم أن الإنسان آلة، فقط غيّر في
اعداداتها تتغير معطياتها، كالكمبيوتر تماما، وما أكثر الفشل الذي ينتظر من ينطلق
من افكار فاشلة وغير واقعية ومبنية على نظرة خاطئة للإنسان، والخطأ يجر خطأ .. لكن
سيظل الإلحاد يحاول ويحاول ان يثبت نفسه بأي طريقة ولو بالتطفل على الاديان التي
جاء لينقضها كما يدّعي واكتشف انه محتاج لها ..
يريد
مورتي أن تحب دون أن تخاف ابدا على من او ما تحب، ولا أن تخاف منه ! يريد أن يبدّل
الأرض غير الارض والعقول غير العقول والانسان غير الإنسان، فإن شعرت بأي خوف فالحب
فاشل ! بينما وهو يتعامل مع دور النشر التي تطبع له كتبه يلازمه الخوف ، وهو يمشي
الى المطعم الذي تجذبه رائحة طعامه يلازمه الخوف من السيارات ! لم يقل : إذن لا تأكل
لأن لذة الأكل فسدت بالخوف! هل هذا تفكير منطقي ؟
أضعف
ما يكون المفكر عندما يعتمد على افكار ضعيفة لا يمكن تعميمها ولا حتى على
حياته.
ليس الحب نتاجاً
للفكر، الفكر على أنه الماضي. لا يمكن للفكر أبداً أن ينمّي الحب. لا يمكن للحب أن
يكون مسيجاً وعالقاً في الغيرة، لأن الغيرة من الماضي. الحب دائماً هو الحاضر
الفعّال. إنه ليس "سوف أحبك" أو "لقد أحببتك". إذا كنت تعرف
الحب فإن لن تتبع أي أحد. الحب لا يذعن. عندما تحب لا يوجد اهتمام ولا ازدراء.
الرد
:
كيف
تكون من الماضي وهي واقعة في الحاضر ؟ يقول (الحب هو الحاضر الفعال) : هنا ينطلق
من فكرة الإلحاد : عش لحظتك و دع ما سواها ، المبنية على اساس بهيمي، و معلمهم هنا
هو عالَم البهائم وليس عالِم العالَم . وقوله (انه ليس "سوف احبك" ولا
"لقد احببتك") غير صحيح ، فالعكس هو الصحيح، أكثر الحب هو معتمد على
الماضي والذكريات الطيبة والعشرة الحسنة. وأيضا مرتبط بالمستقبل، باشتراك الحياة
والآمال المشتركة، ومرتبط بالحاضر من حيث العمل بين رابط الماضي والمستقبل ، فتكون
الحياة سلسلة مترابطة غير متناقضة. اما الذي يفكر في الآن مع من يحب، لن يكون في
الآن إلا مرتبطا بحواسه .. حكاية الآن كلها حكاية حواس .. إما رغبة جنسية او رغبة
بالطعام أو رغبة بأمن . إذا قلت الآن، ننتهي باللحظة. لا شيء تحبه ولا أحد تحبه
على اللحظة ولمدة لحظة ، وما هذ الحب الذي عمره لحظة ؟ .. يريدنا ان نحب لمدة لحظة
وهي لحظة الحس، وهذا بالضبط ما يفعله الاناني الذي لا يعترف بارتباط الا بلحظته و
لذتها التي لا يشترط ان تكون مع من يحب .. ويؤكد هذا قوله : (عندما تحب لا يوجد
اهتمام ولا ازدراء) ، اذن ماذا يوجد يا سيد مورتي ؟ يوجد لذة، هي التي تستحق
الاهتمام ! أما الطرف الآخر فهو وسيلة للذة وليس له اهتمام ولا ازدراء، أي كأنه لا
شيء والأنا هي كل شيء ..
يبدو
أن المفكر في نظر الماديين الدنيويين والملاحدة هو الابرع في تجميل وجه القبح.
الذي يعرف يزين بضاعة الراسماليين هو المفكر الناجح ، والمسالة سوق افكار تخدم سوق
تجّار .. لهذا تأتي اساليبهم مليئة باللف والدوران والتعمية وإستعمال الفاظ هادئة
ولطيفة وغير مباشرة ، وتعرف هذا كلما أمكن استبدال كلامهم بكلمات و تعابير صريحة
واضحة .. و تتسائل ما الذي دفعه ليبتعد عن الكلام المباشر الى غير المباشر؟ إنه
تزيين الباطل والخوف من السقوط والاتكشاف .. لا يضطر للكلام الغير مباشر الا من
عنده خوف من نوع ما. وعلى علمنا توجد حرية راي في الغرب ، فممن يا ترى يخاف مورتي
وأشكاله ويضطر الى اساليب غير مباشرة ؟
ألا تعرف حقاً
ما الذي يعنيه أن تحب أحدهم – أن تحب بدون كراهية، بدون غيرة، بدون غضب، بدون الرغبة
في التدخل فيما يفعل أو يفكر به الطرف الثاني، بدون نقد، بدون مقارنة – ألا تعرف
ما يعني هذا؟. عندما يوجد الحب هل توجد المقارنة؟. عندما تحب أحدهم بكل جوارحك،
بكليتك كلها، ذهنك وجسمك، بكامل وجودك، هل هناك مقارنة؟. عندما تهجر ذاتك بالكامل
كرمةً لذلك الحب فلن يوجد ما هو ليس حباً.
الرد
: هذا كلام طائش وسفيه ومجرد من العقلانية ، ولا يمكن أن يكون ، كيف تحب أحد ولا
تريده أن يكون افضل ؟ ولا تغضب اذا أساء ؟ قد تغضب لأجله خوفا عليه، وتغار عليه
وتهتم به. طبعا هذه الفكرة سخيفة وطائشة
لأنه لا يمكن أن يطبقها في بقية الحياة، "عليك أن تحب حديقتك او فرسك أو
حيوانك المدلل، لكن لا تدلـله ولا تخف عليه ، ولا تطلب تحسين وضعه ولا تحاول ازالة
السلوك السيء عنده" !! افعل هذا حتى يعترف لك مورتي أنك تحب بدون أي كره !
اترك صديقك يضر نفسه بدون ان تنبهه حتى لا يتاثر الحب ! من يتركك تضر نفسك، هل ستقول
أنه يحبك ؟ هذا يحب نفسه وليس يحبك، هذا أناني نفعي يريد أن يستفيد منك ولتذهب أنت
إلى الجحيم ..
الماديون
متضايقون من حكاية الارتباط والمبادئ في الحب والوفاء والإهتمام والاصلاح، يريدون
ان يتحايلوا عليها. لأنهم يحبون الحرية أكثر من الارتباط، والحرية تعني أن يكون لي
متسع لكي أخون و اغدر، ولكي ابدّل على مزاجي ، وكل سوء الاخلاق لا يسمّونه بإسمه ،
بل يسمونه حرية ! الحب فضيلة ، و طبيعي أن تستدعي الفضيلة فضيلة أخرى. فإذا أحببت
أحدا وأحبك ، يأتي دور الوفاء ونكران الذات والعطاء وعدم الخيانة وطلب الأفضل
والإصلاح، الخ . مورتي لا يريد هذا، يريد الحب وحده بدون وسائل حمايته وبدون غاية
له.
هذه
الامور هي التي تحفظ الحب، وإلا فسيكون في خبر كان، إذا أحد الطرفين خان. وهذا شيء
معروف يردده الشعراء والأمثال، إلا قلة ممن يريدونها عوجا على دين الالحاد.
"سوف
اخونك واستمر في محبتي ، وإياك أن تتدخل في شؤوني، وإياك أن تنصحني، وإياك أن
تعترض حريتي التي تريد أن تلتفت إلى غيرك، وعليك أن تبقى تحبني" ! ما هذا
التكبر الإلحادي؟ ابحث عن أحد يتحمل كل هذا ويستمر في محبتك ..
لا
حب بدون أخلاق يا مورتي، ولا شيء فاضل بدون أخلاق، ومن لا يطيق الأخلاق عليه أن
يتنازل عن الحب، ويحشر نفسه في عالم المادة فقط.
كتبت
إحداهن لأحد الملاحدة : أني احببتك ، قال : ابتعدي عني، فإني لا أعد بتحمل تبعات
الحب ولا اريده، اريد أن أكون حرا. كان صريحا في عدم قدرته على الوفاء.
لا
أحد يحب أحدا على ما هو عليه، وليس على ما هو كائن فقط، بل على ما يمكن ان يكون.
(لا بد دون الشهد من إبر النحل يا مورتي، ماذا نفعل حتى ندلّع أنفسنا؟) الحب عطاء
وتضحيات ووفاء وعدم التفات، هل يطيق الملحد هذا وهو الذي اختار الحياة السبهللا ؟
لهذا ليس للحب سوق رائجة عند الماديين إلا أن يسموا الجنس حبا، معتقدين أنهم إذا
غيّروا إسم الشيء تغيّر .. ولو كان الامر كذلك لسميت دور البغاء بدور الحب والعشق
والهيام ..
إذا
أحببت أحدا لا يعني انك تحبه بكل ما فيه حتى بعيوبه، فكيف تسميها عيوبا و تحبه ؟!
تعجبك قطعة من الأرض مثلا وتحرص على ان تشتريها ليس لتقبلها كما هي، بل لأنها
ستتحول الى فلة أو مبنى أو مزرعة يستفاد منها. طلب الأفضل هو شيء لا يمكن استئصاله
من غريزة الانسان الشعورية. الملحد يريد أن يُحَب بدون أن يتغير! لأنه هو ..
هل هناك مسؤولية
وواجب في الحب، وهل سيستخدم الحب هذه الكلمات؟. عندما تفعل شيئاً انطلاقاً من
الواجب هل هناك أي شيء من الحب فيه؟. لا يوجد الحب في الواجب. إن بنية الواجب
والتي علِق بها الإنسان تدمره. فطالما كان المرء مدفوعاً للقيام بأمر ما لأنه واجب
فهو لا يحب ما يفعله. عندما يوجد الحب لا يوجد الواجب ولا المسؤولية.
الرد:
اذا كان الحب خال من الواجب والمسؤولية ولا يحتاجها، فما الذي يحتاج إليه ؟ جمع
المال ؟ البزنس ؟ شيء عجيب ! حالة فصام في عقل الملحد بين الامور المادية
والمعنوية ، بين المادة والانسان، يرفض القوانين في عالم الانسان ويعترف بها في
عالم المادة ! يعارض في عالم الانسان ما يفعله في عالم المادة ! لو سألنا مورتي عن
عالم المادة لقال أن عليك ان تحرص وتخاف على ادواتك وممتلكاتك الثمينة، لكن في
علاقة الانسان لا يريدك أن تحرص على من تحب ولا ان تاخف عليه !! ازدواجية عقلية
عجيبة .. كيف يستطيع أن يعيش الإنسان وعقله منشطر إلى قسمين : قسم يناقض قسم ؟!
هذا ما يصنعه الإلحاد في الإنسان .
إن أغلب الأهالي
ولسوء الحظ يظنون أنهم مسؤولون عن أطفالهم وإحساسهم بالمسؤولية يأخذ شكل الإملاء
على الأولاد ما يجب وما لا يجب عليهم فعله، ما ينبغي أن يصبحوا وما لا ينبغي أن
يصبحوا. يرغب الأهل في أن يحصّل أطفالهم مكانة آمنة في المجتمع. إن ما يسمونه
بالمسؤولية هو جزء من الاحترام الذي يقدسونه؛ ويبدو لي أنه حينما يوجد هذا
الاحترام فليس هنالك من نظام؛ إن همهم الأكبر فقط هو أن يصيروا برجوازيين مثاليين.
عندما يُعدّون أطفالهم لكي يتلاءموا مع المجتمع فإنهم فعلياً يخلّدون الحرب،
الصراع والوحشية. هل تسمّون ذلك رعاية وحباً؟.
الرد : الملحد ضد الحرب لأجل قيم ، لكنه
مع الحرب من أجل مصالح ومكاسب مادية .. لا يريد من الاهل ان يعلّموا اولادهم
المسؤولية والواجب خوفا من ان تقع حروب بسبب الختلاف في قيم المجتمع ! ناسيا أن
الحروب طريقها اقصر من تلك اللفة، طريق الحروب هو المصالح المادية باختصار، التي
يبني عليها العقل الملحد كل كيانه، وتـًلبس أي لباس، إما بدين أو بقومية او بوطنية
أو برغبة بتطوير الشعوب المتخلفة كما فعل الاستعمار .. هذه قشور الحروب، اما لب
الحرب فهو المصلحة الخاصة لفئة مسيطرة .. والمصلحة مادية فقط لا علاقة لها بروح
الانسان.
وهذا الأسلوب في إظهار المخاوف البعيدة
غير منطقي ، هذا مثل من يمنع السباحة لأن هناك من غرق ! والملاحدة يستخدمون سدّ
الذرائع كثيرا، مخالفين بذلك انفسهم و هم ينادون بالحرية المطلقة ! وهذا شيء عجيب
، وكأنهم رجال دين .. لكن إذا جاء الدين أو الاخلاق والقيم تقوم السدود ويتوقف الكلام
عن الحرية وتظهر المخاوف المحتملة .. تناقضٌ ما لنا الا السكوت له .
ليس كل ما يعلمه الاهل من واجب و مسؤولية
: أخطاء ، مورتي يريد أن يعمم .. ليته قال : أن السلوكات الحسنة هي التي تستحق ان
يربى عليها الاولاد، هو لا يريد أن يربّوا على شيء، خوفا من أن تقع حروب! والعجيب
أنه لا يرى في التربية نظاما ! إذن الفوضى هي النظام عنده ؟ شيء عجيب ! هذا طرح
إلحادي فوضوي كامل ..
أن تهتم حقاً
يعني أن تهتم كما تفعل لشجرة أو نبتة، تسقيها، تدرس احتياجاتها، أفضل تربة لها،
تعتني بها بلطف وحنان – ولكن عندما تُعدّون أطفالكم لكي ينسجموا مع المجتمع فإنكم
تُعدونهم لكي يُقتَلوا. لو كنتم تحبون أطفالكم لما كان هنالك من حروب.
عندما تفقد أحد
ما تحبه تذرف الدمع عليه – هل بكاؤك على نفسك أم على ذاك الذي مات؟ هل بكيت حقاً
على آخر؟ هل بكيت حقاً على ابنك الذي قتل في أرض المعركة؟ لقد بكيت، ولكن هل هذه
الدموع سُكبَت من الشفقة على الذات أم أنها سُكبَت لأن إنساناً قد قُتل؟. إذا كان
البكاء نابعاً من الإشفاق على الذات فليس لتلك الدموع أي معنى لأنك معنيٌّ بنفسك
فقط. إذا كنت تبكي لأنك فُجعتَ بامرئٍ استثمرت فيها الكثير من المشاعر والعواطف،
إنها ليست حقاً مشاعر وعواطف. عندما تبكي على أخيك الذي مات، ابكي عليه فعلاً. من
السهل جداً أن تبكي على نفسك لأنه مات. من المؤكد أنك تبكي لأن قلبكَ تأثر، ولكنه
لم يتأثر لأجله، أنه أثر الإشفاق على الذات، وهذه الشفقة على الذات تجعلك غليظ
القلب، قاسٍ، مُغلق، تجعلك بليداً وغبياً.
الرد : يريدك أن تسقي الشجرة وتشذب
اغصانها الغير مناسبة وتهيء لها التربة المناسبة وتبعدها عن الغير مناسبة ، وتبعد
عنها السموم التي تضرها، هذا المثال يقبله على الشجرة ولا يقبله على الانسان الذي
تحبه ! لا يريدك أن تشذب اغصانه الناشزة ولا تحذره من الاخطار ولا تصلحه، مع أنه
يسوق مثال الشجرة في التعامل مع الشخص الذي تحبه ! إما أنه لم يفهم المثال، أو ان
التناقض اصلي في تفكيره ولا يمكن إزالته ..
هو يريد للشجرة أن تتلائم مع البيئة لكن
لا يريد للطفل ان يتلائم مع المجتمع .. وانا أؤيده إذا كان تلاؤما على عيوب
المجتمع وأخطائه. اذا كان المجتمع يحب الإعتداء وابتزاز الشعوب الضعيفة، فهذا
صحيح، لكن إذا قال المجتمع للطفل : تعامل بالتسامح مع الآخرين، فهل هذا نرفضه ايضا
؟ لأن المجتمع قاله ؟
مورتي راديكالي في تفكيره وكأنه يريد
اقتلاع أي شجرة مرّت من عندها الافعى ! هذا في الوقت الذي يُظهر نفسه بأنه ضد العنف
والراديكالية . بينما هو يستخدم تفكير سد الذرائع ! الذي يغلق كل باب أتى منه ريح
! مع أن الباب ما وُضع إلا لكي يفيد ..
عندما تبكي على
ذاتك، هل هذا حقاً حب – تبكي لأنك وحيد، لأنك هُجِرتَ، تُرِكتَ، لأنك لم تعد قوياً
بعد الآن – تشكو حظك، بيئتك – دائماً تنهمر الدموع لأجلك؟ إذا فهمت هذا، الأمر
الذي يعني أن تكون على تواصل مباشر معه كما لو أنك تلمس شجرة أو يداً، فأنك سترى
أنك ذاك الأسى هو من صنع الذات، الفكر هو من خلق الأسى، الأسى هو حصيلة الزمن. توفي
أخي، الآن أنا وحيد، متألم، لم يعد موجوداً ذاك الذي كنت أجد عنده الراحة والرفقة،
وهذا يبعث الدموع في عيني.
باستطاعتك أن
ترى كل هذا يحدث داخلك إذا راقبته. يمكنك رؤيته كاملاً، تاماً، بنظرة واحدة، بدون
أن تأخذ وقتاً لتحليله. يمكنك أن ترى بلحظة كامل بنية وطبيعة هذا الشيء الرث
والصغير الذي نسميه "الأنا"، دموعـــ"ــي"،
عائلتــــ"ــي"، أمتــ"ــي"، معتقداتـــ"ــي"،
دينـــ"ـــي" – كل هذه القباحة موجودة داخلك.
الرد : لم يذكر من ضمنها :
مصلحتـــ"ــي" ، ولاحظ أنه توقف عند "أمتي" و "معتقداتي"
..
عندما تبصر
الأمر بقلبك وليس بذهنك، من أعمق أعماق روحك حينها تمتلك ما يمكنك من إنهاء الأسى.
لا يمكن للأسى والحب أن يكونا معاً، ولكنهم في العالم المسيحي قاموا بتحويل
المعاناة إلى مثال، أمرٍ مثالي، وضعوها على صليب وقدسوها، الأمر الذي يتضمن أنك لن
تستطيع أبداً التخلص من المعاناة والعذاب إلا عن طريق هذا الباب المعين، وهذه هي
كلية المجتمع الديني المُستغِل.
ولذا عندما تسأل
ما هو الحب قد تكون خائفاً من معرفة الجواب؛ فقد يكون هو الثورة الكاملة؛ قد يحطم
العائلة؛ قد تكتشف أنك لا تحب زوجتك، أو أنكِ لا تحبين زوجك، أو أنك لا تحب
أطفالك، هل تحبهم حقاً؟، قد تضطر إلى تحطيم المنزل الذي بنيته، وقد لا تعود أبداً
إلى المعبد.
ولكن إذا كنت ما
تزال تريد أن تكتشف سوف ترى أن الخوف ليس حباً، الإتكال ليس حباً، وكذلك الغيرة
والتملك والهيمنة أيضاً ليست حباً، المسؤولية والواجب ليسا حباً، الإشفاق على
الذات ليس حباً، الألم المبرح لأنك بدون حبيب ولأنك لست موضوع محبةٍ بعد هو أيضاً
ليس حباً، ليس الحب النقيض للكراهية كما أن التواضع ليس النقيض للغرور. وبالتالي
إذا استطعت التخلص من كل هذه القضايا، ليس بالإكراه ولكن بغسلها كما يغسل المطر
غبار أيامٍ كثيرة عن أوراق الشجر، فحينها قد تصل إلى اكتشاف هذه الزهرة الغريبة
التي كان الإنسان هائماً دائماً وراءها.
إذا لم تمتلئ
بالحب – ليس قطرات منه وإنما بغزارة – إذا لم تفض به فإن العالم متجه نحو الدمار.
تعلم فكرياً أن وحدة البشرية أمر جوهري وأن الحب هو الطريق الوحيد إليها ولكن من
هو الذي سيعلمك كيف تحب؟. هل باستطاعة أية سلطة أو منهج أو نظام أن يملي عليك كيف
تحب؟. إذا أملاه عليك أي أحد فهذا ليس حباً. هل باستطاعتك القول "سوف أتدرب
على المحبة. سوف أجلس هنا يوماً بعد يوم وأفكر به. سوف أتمرن على أن أكون لطيفاً
وطيباً وأجبر نفسي على الانتباه للآخرين"؟. هل تقصد بقولك هذا أن باستطاعتك
ضبط نفسك لكي تحب، أن تروض الإرادة للحب؟. عندما تتمرس على الانضباط والإرادة لكي
تحب فإن الحب يهرب من النافذة. لربما تصير عبر التمرن بإحدى المناهج أو الأنظمة
فائق الدهاء أو أكثر لطفاً أو أن تصل إلى حالة من اللا عنف ولكن ليس لهذا أية
علاقة لا من قريب ولا من بعيد مع الحب.
لا يوجد الحب في
هذا العالم المقحل والممزق لأن الرغبة واللذة يلعبان الدور الأعظم فيه، ورغم هذا
فإن حياتك اليومية بدون الحب لا معنى لها على الإطلاق. ولن تعرف الحب إذا لم يكن
هنالك جمال. ليس الجمال شيئاً تراه – ليس شجرة جميلة أو لوحة جميلة أو بناء جميل
أو امرأة جميلة. يكون الجمال فقط عندما يعرف قلبك وذهنك ما هو الحب. بدون الحب
وذلك الاحساس بالجمال لا توجد الفضيلة، وأنتم تعرفون هذا جيداً، افعلوا ما تشاؤون،
طوروا المجتمع واطعموا الفقراء ولكنكم ستخلقون المزيد والمزيد من الأذى والضرر
فقط، لأن الأمر واضح: بدون الحب لا يوجد إلا القباحة والفقر قي قلوبكم وأذهانكم
ذاتها. ولكن عندما يوجد الحب والجمال فكل ما تفعله صائب، كل ما تفعله يكون
منتظماً. إذا عرفت كيف تحب فحينها باستطاعتك فعل كل ما ترغب به لأنه سيحل جميع
المشكلات.
إذاً لقد وصلنا
إلى الهدف: هل باستطاعة الذهن أن يكتشف ما هو الحب بدون الانضباط، بدون الفكر،
بدون الإكراه، بدون أية كتب، بدون أي معلمين أو قادة، هل باستطاعتك رؤيته كما لو
أن المرء يرى غروب الشمس الفتّان؟.
من وجهة نظري
أرى أن هنالك أمراً ضروري بالمطلق ألا وهو الشغف بدون الدافع – الشغف الذي ليس
نتيجة لالتزام أو ارتباط، الشفع الذي ليس شهوة. إن الإنسان الذي لا يعرف ما هو
الشغف لن يعرف الحب أبداً لأن الحب ممكن أن يأتي عندما يوجد هجران كامل للنفس.
إن الذهن الذي
يسعى وراء شيء ما ليس ذهناً شغوفاً وأن تكتشف الحب بدون السعي وراءه هو الطريق
الوحيد لإيجاده – أن تكتشفه بدون معرفة وليس كنتيجة لمجهود ما أو خبرة ماضية.
ستكتشف أن هذا الحب ليس تابعاً للزمن؛ هذا الحب شخصي وغير شخصي، هو للواحد وللكثرة
على السواء. تماماً كما الزهرة الفواحة تستطيع أن تشمّ عبيرها أو أن تتجاهله. تلك
الزهرة للجميع وأيضاً لذاك الذي يحب أن يشمها عميقاً وأن ينظر إليها ببهجة. سواء
أكان المرء قريباً جداً أو بعيداً جداً فإن الأمر سواء بالنسبة لها لأنها مليئة
بالعطر ولذا فهي تشاركه مع الجميع.
الحب شيءٌ
جديدٌ، حي، غض. ليس له من أمس ولا من غد. إنه أبعد بكثير من صخب الفكر. فقط الذهن
البريء هو الذي يعرف ما هو الحب، ويستطيع هذا الذهن البريء أن يعيش في هذا العالم
غير البريء. لكي تجد هذا الأمر المذهل الذي سعى إليه الإنسان ومازال منذ الأبد عبر
التضحية والتقديس والعلاقة والجنس وعبر كل أشكال اللذة والألم، فإن هذا ممكن عندما
يصل الفكر إلى المرحلة التي يفهم فيها ذاته، ويصل بشكل طبيعي إلى نهايته. حينها لا
يكون للحب نقيض، لا يكون في الحب صراع.
قد تسأل:
"إذا وجدت مثل هذا الحب، ما الذي سيحصل لزوجتي وأطفالي وعائلتي؟ لا بد لهم من
العيش بأمان". عندما تطرح مثل هذا السؤال فأنت لم تخرج أبداً من حقل الفكر،
حقل الوعي الحسي. عندما تخرج لمرة واحدة من ذاك الحقل فإنك لن تسأل هذا السؤال
أبداً لأنك ستعلم عندها ما هي حالة الحب التي لا مكان فيها لا للفكر ولا للزمن. قد
تقرأ كل هذا بافتتان وانجذاب ولكن أن تتجاوز فعلياً الفكر والزمن – ما يعني تجاوز
الأسى – يعني أن تكون متيقظاً وواعياً إلى أن هناك بعداً آخراً مختلفاً هو الحب.
ولكنك لا تعرف
كيف تصل إلى ذلك النبع المذهل – فما الذي تفعله؟ إذا لم تكن تعرف ما الذي عليك
فعله، فلا تفعل أي شيء، أليس كذلك؟ لا شيء بالمطلق. ومن ثم داخلياً تكون صامتاً
بالمطلق. هل تفهم ما الذي يعنيه هذا؟ إنه ببساطة يعني أنك لا تسعى وراء شيء، لا
تريد أي شيء، لا تتجه إلى أي شيء؛ ليس هنالك من مركز على الإطلاق. وعندها يوجد
الحب.
الرد : تعريف الحب الذي قدمه مورتي ،
ينطبق أكثر شيء على الموت وليس على الحياة، فعلا الميت لا يرغب بشيء ولا يعارض
أحداً ولا يتدخل بأحد. لم يعرّفنا ما غاية الحب .. رغم أنه لم يستطع تعريف ماهيته
.. حب فقط ! وبدون أي شيء ! ويخوّفنا من هذا الحب أنه سوف يدمّر علاقتنا بمن نحبهم
! بالله ما هذا الحب ؟ ما الفرق بينه وبين الجنون ؟ حب لا عقل فيه ولا هدف له ولا
باعث له ، بل لا يجب تبحث عنه ! مع أنه يقول أن حياتنا اليومية لا طعم لها بدونه،
ولكن لا نبحث عن الشيء الذي يجعل لحياتنا طعم ! كيف يأتي إذن بدون بحث ولا اهتمام
؟ علينا أن نتجمد ! إذا تجمدنا يأتينا حب مورتي !
اليس الحب إيجابية و نشوة وحب وعطاء !
كيف يأتي لإنسان متجمد ومتبلد العقل ولا عاطفة له ولا رغبة عنده ولا اهتمام بمن
يحب !؟ و في الاخير ، ورغم العبارات البراقة ، صنع لنا مورتي جنازة وضع عليها زهرة
وقال : هذا هو الحب ! من لا يهتم بك ولا يبكي عليك ولا يرجو اصلاحك ولا يرتبط بك ،
كيف تقول انه يحبك ؟ اذن بموجب كلام مورتي : جاري البعيد يحبني أكثر من جاري
القريب ! لأنه لا يهتم بي ولا ولا ولا .. فالحب عنده مرة جنس و مرة موت .. هذا ما
جنته فكرة التحرر التي تطنطن بها الليبرالية والالحاد : تفكـُّك من كل شيء إلا
المصلحة. إذن هو لم يقدم حلا للبشرية التي يبكي عليها ، بل زاد آلامها بصنع هذه
الشخصية المتوحدة المتوحشة التي لا تبالي بآلام الآخرين ولا تسعى للاهتمام بهم ولا
لتحسين أوضاعهم ولا ترتبط بهم ، تبعا لفكرة الفردية الملحدة ، وكأنه يقول لنا
بطريق آخر : قيم الإلحاد هو الحب، ولكن لا تسألوا ما هو هذا الحب ، ولو كان جميلا
لأسهب في شرحه و بيّن الطريق إليه ، ليخلُص في تعريف الحب بأنه هو اللا حب ، دون
ان يقول، يريد أن يغشّنا، يريد أن يقدم لنا اللا مبالاة واللا حب بأنهما هما الحب
! ويحاول ان ينتقص من الحب، لوجود علاقة مصلحية بالذات. طبعا لا يمكن الفصل بين
الذات والمصلحة، وعمرُ المصلحة ما كانت سببا للحب، فالحب أسمى من المصلحة .
الانسان جسد و روح ، هل نكون بلا أجساد حتى يعترف أن حبنا حب ؟ تذكر الجنازة التي
صنعها ..
كل انسان لنا به علاقة على مستوى المصلحة
و على مستوى المشاعر. هذا في الاغلب، فهل نخلط الاوراق كما يفعل الملاحدة بالبحث
عن أي علاقة مصلحية ولو محتملة حتى يشككوا في اخلاص الحب ؟ هؤلاء هم اعداء الحب
وأصدقاء الحرب، لأن مبدأهم البقاء للأقوى، ولا يعترفون بالقيم الانسانية ، بل
يرجعون كل شيء للمصالح المادية والصراع.
انا جسد و روح، لا بد أنني استفدت يوما
من الايام من الذي احبه، هل خسرت حبي لأني استفدت منه و ربما بدون طلب ؟ هذا غير
أنني أنا افدته دون أن نتحاسب ، لأن المادة في الدرجة الثانية من حبنا .. هذا
الكاتب المادي لم يعرف الحب ولم يستطع التفريق بينه و بين المصلحة .. قد نحب
أشخاصا لم نستفد منهم أبدا ، وقد ننفر ممن نأكل من خيرهم ، هو يعرف هذا لكنه لم
يتكلم عنه لأنه لا يخدم فكرته . ليس المهم ما قال الكاتب ، بل المهم دائما هو ما لم
يقل مع إمكانية ان يقوله ..
شخص توفت امه العجوز المريضة التي يتنقل
بها بين المستشفيات، ثم يبكي عليها، عند هؤلاء الماديين : هو يبكي على مصلحةٍ
خسرها ! شيء مضحك ومبكي .. مع أن مصلحته في موتها وليس في رعايتها بموجب تفكيرهم،
بل كان يجب ان يضحك ما دام ان الانسان مرتبط بالمصالح، هذا هو تفكيرهم بكل بساطة
..
هو وغيره انطلقوا من الفكرة الاساسية للمادية
والالحاد التي تسيطر على الثقافة الغربية ، و هي : ان الاهتمام بالآخرين هو ليس
إلا اهتماما بالذات ! و هي فكرة لها شواهد تؤيدها ولها شواهد تعارضها ايضا ،
فيكتفون بما يؤيدها وينسون ما يعارضها ، من مثل التضحية بالذات لأجل الآخرين .. مورتي
بنى فكره على جرف الإلحاد ، وهو جرف هارٍ، وهذا ما اضعف طرحه.
ومقارنة الانسان بالزهرة مقارنة خاطئة :
فالزهرة لها هدف و غاية ولم تأتي هكذا ، ولم تفض بالعطر من لا شيء ولأجل لاشيء كما
يتصور ، كل شيء في هذا الكون منظم وغائي، بينما الماديون يرون ان كل شيء فوضوي،
والشيء الجميل جميل بذاته وبدون أي غاية ! والشيء القبيح قبيح بذاته وليس له غاية
ولا يمكن تغييره ! اذن الموت هو الحل .. وبالفعل : كل ملحد عدمي .. لأنك إذا مزقت
أوصال الحياة بالتحرر لم يبق الا الموت . وما دمت تحررت من كل شيء ، لم يبق الا ان
تتحرر من ارتباطك بالحياة، سيرا على نهج التحرر الذي يفضي إلى العدمية .. وهكذا في
الاخير لا نجد الا الفناء والقبح في مثل هذا الطرح .. رغم العبارات التي تحاول ان
تبث الحياة في جنازة المرحوم (الحب) ,,
لم يعرف الحب ولم يعرّفه و لم يبين غاية
وجوده، والسؤال : إذن لماذا يتكلم عن الحب وهو لا يعرف فيه شيئا ؟ هو يعرف قيم
الالحاد اكثر من مشاعر الإنسان، ولهذا وصل إليها بطريق آخر : اتركوا كل شيء على
حاله إذا كنتم تحبون ، لتتحقق قيمة الليبرالية ! تهميش واضح لكل عواطف ومشاعر
الانسان، حتى البكاء يصنّفه على انه أنانية .. كما يفعل المادي في إرجاع سلوك الانسان
ومشاعره الى المصالح ..
ومن يبكي بدافع الرحمة يقول له الملحد :
أنت أناني مثلي تبكي على مصالحك التي فقدتها ! السؤال الذي لم ينتبه له : هل
المصالح المادية تُبكِي ؟ وهل هي بذاتها تُفرِح ؟ أم علاقتها بالإنسان وعواطفه ؟ قد
تبكي على طفل مظلوم في مشهد تلفزيوني. فهل أنت الآن تبكي على نفسك ؟ وما مصلحتك من
طفل في اقصى العالم ؟
الحب ليس شيئا جميلا و كفى .. الحب له
هدف، وهو الوصول الى عالم الجمال الكامل، فما نحب الجزء منه نريد الكل، وهو الله
.. ولم نحب أحد إلا على صفة فيه من صفات الله . لأن الله خلق الإنسان من روحه وليس
على صورته . فالله كريم ونحن نحب الشخص الكريم، والله رحيم ونحن نحب الشخص الرحيم
، لكن ليست كل صفات الله ينطبق عليها نفس الكلام، فهناك صفات خاصة بألوهيته، وهو
الذي جعل جذوة الفضيلة في ارواح البشر : (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق