الجمعة، 29 أغسطس 2014

رد على نظرية التطوير الإلهي ..



"الحمدلله منشئ الكائنات على
ما شاءها وبلا مثل هناك خلا"

الكثير من النقاشات والأخذ والرد في موضوع "بدء الخلق" قد ضجة به الإنسانية وهناك من أفنى حياته في البحث والتقصي من أجل الوصول إلى حقيقة علمية حول كيفية بدء الخلق.

البحث في "بدء الخلق وكيفيته" يفيد العلوم الطبية ويطور طرق العلاج والتعامل مع الأمراض والعوارض التي تعتري هذا الانسان. فثمارها خير والبحث فيها ذو نتائج إيجابية تعود بالمنفعة على البشرية.

الدين لا يختلف حول خالق هذا الكون وموجد الموجودات والذي هو الله لا إله الا هو خلق كل شيء فقدره تقديرا. لكنه يختلف في الكيفية فهناك من يؤمن بالخلق المباشر وهناك من يؤمن بالتطوير وحتى هنالك من يؤمن بالتطور الدارويني.

وكل هؤلاء لهم أدلتهم وتأويلاتهم حول إعتقاداتهم في الكيفية. وذلك ﻷن آيات القرآن تسكت عن الكيفية والتفصيل فيها.

فبعد كل شيء القرآن ليس مكتبة علمية وإنما كتاب هداية ورسالة نجاة تمكننا من إجتياز البلاء، ولكن به دلائل واشارات كونية يؤكد عليها العلم وهي دلائل على وجود الله. لذا وصى القرآن بطلب العلم عن طريق السير في الأرض والبحث والتقصي وإعمال العقل تفكرا وتدبرا.

اشارات القرآن وآيات خلق الانسان:

الآيات رقم (1)

سورة البقرة, الآية 117:
(
بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)

سورة يس, الآية 82:
(
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)

"
كن فيكون" هو أمر الله النافذ. إلا أن كن فيكون لا يجب أن تفهم بأنها تحدث فجأة وبلمح البصر!، فالله تعالى قال لعيسى كن فكان في بطن أمه تسعة أشهر، وكذلك قال للسماوات والأرض كنا فكانتا في ستة أيام وهذه الأيام لا نعلم كنهه هل هي كأيامنا أم كألف سنة أو كخمسين ألف سنة. فسبحان من جعل سنته لا تتبدل.

الآيات رقم (2)

سورة الإنسان, الآية 1:
(
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)

سورة الحجر, الآية 28:
(
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون)

سورة البقرة, الآية 30:
(
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)

سورة طه, الآية 55:
(
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)

الآيات السابقة بها إشارة بأن خلق الانسان أتى في مرحلة لاحقة وبأن هنالك من سبقه. الملائكة والجن مثال
.

الرد :

من الممكن أن الله أطلع الملائكة على عالم البشر ومستقبلهم قبل أن يخلقهم، أي بحدود ما يعرفون استنكروا، مثلما استنكر موسى على الخضر، بحدود علمه، ولم يكن مخطئا ولم يكن مصيبا ايضا، فهو مصيب بحدود علمه فقط .

نحن أخبرنا الله ايضا عن يوم القيامة وأهوالها، فهل إذا تكلمنا عنها يقول قائل : أنه وُجد بشر قبلنا وقامت قيامتهم وأخبرونا عن أهوالها ؟ مثل ما اطلعنا على عالم الآخرة ، أطلع الملائكة على عالم البشر قبل أن يُخلَقوا ، وأطلعنا الله أيضا على عالم الملائكة والجن ونحن لم نرهم ..

الله عالم ما كان وما سيكون .. ومثلما أخبر عما كان، أيضا يُخبر عما سيكون .. ولو كانوا يعرفون أن هناك بشر قبل آدم في الأرض، فلماذا يخبرهم بخلق آدم و هم يعرفون نماذج مثله ؟ و لماذا يأمرهم أن يقعوا له ساجدين مع وجود نماذج من البشر قبله يعيشون و يتقاتلون على المصالح كما هو واقع البشر؟ ولماذا لم يسجدوا للنموذج الاول، والأول احق ؟ وإن قيل أنهم بشر لم ينفخ فيهم من روح الله، فهذه افتراضات لا دليل عليها من القرآن، وما ليس له روح ليس حيا .. و لماذا يحسده الشيطان ولم يحسد البشر الذين قبله ؟ ونحن نعرف أن الإفساد في الأرض وسفك الدماء كله بوسوسة الشيطان، فهل كان الشيطان يوسوس للجيل الأول قبل آدم؟ هل حسدهم أيضا ؟ مع أن قصة الحسد يوردها القرآن عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم وليس لإبليس، فتكبّر ..

الشيطان قبل قصته مع آدم لم ينزل الى الارض ، فهل كان يوسوس لهم بسفك الدماء والشر في الأرض ؟ كلمة إفساد من قول الملائكة (يفسد فيها) تشير إلى وسوسة الشيطان، وهذا يبدو مما أطلعهم الله عليه من حال البشر.. والسياق يشير إلى هذا ، لأنه في سياق الإخبار : إني جاعل في الأرض خليفة، وأني خالق بشرا من طين، أيضا بلغهم عما سيفعل البشر ولم يذكر ما قال لهم ، لكنه ذكر ردة فعلهم التي تشير الى انهم عرفوا من سياق التعريف، وأسلوب الحذف كثير في القرآن ، قال عز من قائل : (ولو أن قرآنا سيّرت به الجبال أو قُطِّعت به الأرض أو كلّم به الموتى). و واضح أن المحذوف هو (لكان هذا القرآن) . والله أخبر الملائكة أنه سيجعل في الارض خليفة، أي سينزل آدم إلى الأرض، ولو ان فيها بشر غيره، فلماذا ينزله؟ ولماذا يخبرهم بهذا الخبر العادي ؟ ومما يدل على ان الله اطلع الملائكة على علم عن آدم وذريته، قوله لهم بعد اعتراضهم : (إني أعلم ما لا تعلمون) ، هذا يثبت أنهم يعلمون شيئا عن البشر .. وما يعلمونه ليس شرطا أن يكونوا علموه بأنفسهم. و يدل على هذا أيضا كونه أطلع آدم على الملائكة وأسمائهم، دون أن يعرفها من نفسه، ودون أن يعرفوا هم أنه يعرفها ودون أن يعلّموه ، ولا علم إلا من الله.  مثلما أطلعهم الله على حياة آدم وذريته، اطلع الله آدم على الملائكة وأسمائهم. ثم لماذا علّم آدم الأسماء كلها إذا كان يوجد في الأرض بشر قبله سوف يتعلم منهم ؟

ثم لاحظ هذه الآية : (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) ، والمخاطب هو إبليس وآدم وحواء . ولو كان يوجد بشر قبلهم لحصل إشكال، والمستقر والمتاع لهؤلاء الثلاثة و ذريتهم . ولو كان فيها بشر آخرون للزم التنبيه إليهم ، وهل سيكونون من ضمن الأعداء أم غير ذلك ؟ بل لبعث آدم رسولا إليهم لو كان فيها بشر يفسدون ويسفكون الدماء، ما دام انه نبي ! والله يقول : (وما من أمة إلا خلا فيها نذير) ، فكيف يتركهم آدم و هم يفعلون هذا الفعل ولا يُرسَل إليهم ولا يخبرنا القرآن عن قصته معهم ؟ ثم إن الرسالة اشترط فيها الله أن يكون الرسول منهم - بشرا مثلهم - لا ان يكون متطور عنهم. لأنه لا يصلح أن يكون قدوة، لاختلاف الخلق .

وإذا كان الله عاقب آدم وإبليس وأهبطهما إلى الأرض، ما ذنب أولئك الأقل تطورا عندما اهبطوا إلى الأرض؟ ثم لو قيل أنهم أقل تطورا ويشبهون القردة، كيف يحاسَبون ويستنكر فعلهم و هم من أمثال الحيوانات؟ ثم ان القردة لا تسفك الدماء ولا تفسد في الأرض ! بل ملتزمة بفطرتها. وإذا كانوا عقلاء لماذا يخلق آدم و هم موجودون؟ ولماذا يتركهم بلا أنبياء؟ وكل الرسل أخبر الله لمن أرسلوا إلا آدم، لأنه لم يوجد بشر غيره هو وزوجه.

ثم لم يتكلم القرآن عن أي بشر آخرين بعد نزول آدم إلا خبر آدم وذريته . فكيف يخلق الله بشرا ثم يهمّشهم ولا يرسل لهم رسلاً ولا يحدد موقف آدم منهم؟  

وقوله تعالى (إن الله اصطفى آدم) لا تعني أنه اصطفي من أوادم آخرين معه، فبالنسبة لله، ما سيكون مثل ما كان، بنفس الدرجة، وبنفس العلم، فالله يعلم عن العالمين الذين لم يولدوا بعد، ويعلم أن آدم أفضل، فاصطفاه منهم. المشكلة هي في موضوع ما كان و ما سيكون، عندنا كبشر مشكلة، لكنها عند الله ليست مشكلة، لان الله يعرف بنفس الدرجة ما كان وما سيكون.

هذه الآية يأخذها من يؤمن بالتطور من المتدينين دليلا على التطوير الإلهي، ومن يحتاج إلى التطوير هو من لم يكتمل علمه، إذن كلمة "التطوير الإلهي" صفة نقص تنسب لله وليست صفة كمال. و صفات النقص تخل بالعقيدة إذا نُسبَت لله .. و قوله تعالى (ان الله اصطفى ادم ونوحا و آل إبراهيم و آل عمران) تعني انه اصطفاهم في النبوة، وليس في التطوير، لأنك إذا قلت أن آدم اصطفي من باب التطوير، فماذا ستقول عن نوح وآل عمران وآل إبراهيم ؟ أي هل هم أكثر تطور من آدم ؟ إذا كان آدم و نوحا أفراد، فهل آل عمران تطوروا بالجملة كطفرة جماعية ؟

إقحام نظريات الماديين في الدين هكذا تُنتِج.. نظرية التطور أصلا وليجة صنعها الملاحدة لتكذيب الأديان التي تقول ان الله هو الذي خلق البشر بيده، وتقدّم كبديل يخدم الإلحاد بأن الصدف والانتخاب الطبيعي الذي هو خرافة نفسه، هي التي طورت الإنسان إلى هذا الخلق وليس الله. والبعض ممن يصدقون بخرافة التطور وبنفس الوقت يؤمنون بالدين ، يريدون الجمع بينهما، فيقولون : نعم ، الإنسان تطور من قرد، لكن الله الذي طوره وليس الصدف العمياء ! مع أن الله عاقب بعض بني إسرائيل ومسخهم قردة، وهذا ما جعلهم يقولون أن كل الناس من قردة وليس نحن فقط .. لأن الإلحاد صنعه اليهود في الغرب، وأئمة الإلحاد والتطور كلهم يهود أو يقف وراءهم اليهود .    

وقوله تعالى للملائكة (إني خالق بشرا من طين) يدل على أنه لا مثال ولا نموذج سابق له، فهو يعرّفهم عن خلق جديد ومن طين أيضا .. لأنهم لم يُخلقوا من طين، بل من نور،  فهو خلق جديد عليهم .. 

الله سمانا بني آدم ، وأخبرنا بالتفصيل عن خلق آدم ، حتى صار بشرا سويا ، أي مكتمل، والمكتمل لا يحتاج تطوير، وبعدها أمر الملائكة أن يسجدوا له، فهل يسجدون لبشر لم يكتمل؟ القضية واضحة من وجهة نظر القرآن .. الله يعلم الغيب والمستقبل كله، وأخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة، يعني من علم ما سيكون، وفعلا كلام الملائكة لم يكن على خطأ، فقد سفكت الدماء، بل ولدي آدم حصل بينهم سفك الدماء، لكن الله يعلم ما لا نعلم وما لا يعلم الملائكة، كسبب لخلق البشر وإنزالهم إلى الأرض, ولا يعقل أن يكون المخلوق محيط بعلم الخالق، سواء ملائكة أو بشر ..

الآيات رقم (3
)

سورة الأنعام, الآية 99:
(
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)

سورة نوح, الآية 17:
(
والله أنبتكم من الأرض نباتا)

في الآية 99 من سورة الأنعام يقرر القرآن بأن الله أخرج نبات كل شيء بعدما أنزل الماء، ومن نبات كل شيء أخرج منه خضرا وهي المادة الخضراء والتي تعود للنباتات.

قد يقول قائل بأن نبات كل شيء للنباتات ولكن الآيات واضحة وبينة إذ خصت النباتات بالبعض والذي يخرج من نبات كل شيء في (فأخرجنا منه خضرا...).

كذلك الآية 17 من سورة نوح تبين بأن الإنبات لا يستثني الانسان فتأمل
.

الرد :

اجمع هذا مع آية الخلق من الطين و الحمأ المسنون ، وهو الطين المشبع بالماء، والنبات يخرج من الطين وآدم خلق من الطين، في كلا الحالتين إنبات. القرآن لا يناقض نفسه، فهذه الآية فيها عموم، وآية خلق آدم فيها خصوص. قال تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) أي من تراب الأرض خلقنا أصلكم، وبالضبط مثلما يخرج النبات من الطين المشبع، خرج آدم من هذا الطين المشبع من الماء. النبات يتغذى على الطين وتدخل معادن هذا الطين في خلايا هذا النبات. فمراد الآية يقصد ان الإنسان مادته التي خلق منها هي من الطين والماء ، مثل النبات، بعد تحلل النبات يتحول إلى تراب، وكذلك الإنسان، منها خلق وفيها يعاد، أي من تراب الأرض. وكل ما يرجع إلى التراب أصله تراب. انظر إلى قوله تعالى عن مريم (وأنبتها نباتا حسنا) هل تفهم منها أنها نبتت من التراب وكأنها فاصولياء؟! هذا التعبير مجازي و صادق في نفس الوقت. القرآن كما قلت ليس كتابا علميا تأخذ كلماته بحرفية.

الآيات رقم (4)

سورة السجدة, الآية 7، 8، 9:
(
الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)

هذه الآيات تبين خلق الانسان على مراحل وهي:
-
مرحلة بدأ الخلق من طين.
-
ثم جعل نسله من ماء مهين.
-
ثم بعد ذلك التسوية ونفخ الروح
.

الرد :

كيف ينسل وهو ليس فيه روح ؟ وقبل ان يُسوّى جسمه ؟ هذه الآية عن خلق آدم، لأنها شُرحت في آيات أخرى، فالقرآن لا يُفهم بشكل جزئي إلا في الأمور الجزئية، إذا وردت عدة آيات عن شيء واحد، لا يصلح أن تكتفي بآية واحدة، بل احضر كل الآيات عن ذلك الموضوع حتى تخرج بحكم.

(بدأ خلق الإنسان من طين) توضحها آيات أخرى. فالله قال انه خلق آدم من صلصال كالفخار، وقال إذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، هي مراحل خلق آدم وليست مراحل خلق البشر. والله كان قادرا أن يخلق آدم دفعة واحدة، لكنه أراد أن يختبر ملائكته. وفعلا اختبرهم وفشل إبليس ..

الله يتكلم عن خلق آدم وهؤلاء فهموا أنه عن خلق البشرية. فهم يتصورون أن هناك من اصطفيوا من أناس خـُلقوا من طين بعد أن تناسلوا، ثم جاء آدم الذي نُفخ فيه من روح الله، ليبدأ مرحلة تطورية جديدة ، مع أننا لا نجد فرقا بين ذرية آدم و أؤلئك المفترضين، فكلاهما يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض إلا من شاء الله ، فأين التطور المزعوم؟ و زعمهم أن الذين اصطفاهم الله هم الذين نفخ الله فيهم من روحه ؟

ينبغي أن نتدبر آيات القرآن ولا نفترض عليها افتراضات، أي نكون دُبر الآيات لا أمامها ونقول ما لم تقله حتى نرضي تيارا علمانيا لم نتحقق من نظرياته ولم يثبتها العلم . ولا يمكن أن تكون للتطور حقيقة، المنطق يرفض ذلك فضلا عن الواقع.

التطور مجرد نظرية لم ترق الى مستوى العلم . بل إن العالم بدأ ينتبه لفشلها، كوريا مثلا ألغت تدريسها في مدارسها بحجة : لا نريد أن ندرس إلا حقائق علمية لا نظريات مفترضة. وهذا عين العقل. وكان الأولى بالدول الإسلامية أن تفعل ذلك. و التطوريون حتى في الغرب يشتكون من تكذيب الأجيال الجديدة لهذه النظرية العجوز، فهي نفسها لم تتطور من مستوى نظرية إلى علم .

في الختام أضع غاية القول ألا وهو:

بأن الخلق ثابت يقيني لا يمكن الشك فيه، فالخالق الله لا خلاف على ذلك أبدا. أما الكيفية فهي غير مقطوع بها وتبقى ظنية وكل إفتراضات كيفية الخلق أيها ثبت مستقبلا لا تتعارض مع صريح القرآن
.

الرد :

كيف "ظنية" مع أن القرآن فصّلها ؟ و بيّن اكتمال الخلق، و ان البشر كلهم من ذرية ذلك المخلوق من طين كالفخار بعد أن سوى الله جسمه في أحسن تقويم ونفخ فيه الروح ، بل إن ذلك المخلوق بهر الملائكة بعلمه، وأنه يعرف الأسماء كلها، فهل هذا يحتاج إلى تطوير؟ ثم إذا قلنا أن الله خلق شيئا على مراحل، لا بد أن يكون هناك حكمة أو علم عند الله ، لا ضعف، من يحتاج للتطوير في العادة هو الضعيف الذي يبحث عن الأفضل في كل مرة، تماما كما تفعل شركات الاتصالات مثلا، كل دفعة جديدة تكون أكثر تطور ودقة وسرعة من النماذج السابقة. ومن هنا نفهم من أين جاءت فكرة التطور، جاءت من أناس رأسماليين يريدون تطوير منتجاتهم، وعمّموا فكرتهم حتى على الخالق سبحانه وتعالى الذي قال : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) فهل أحسن تقويم يحتاج إلى تطوير ؟ وقوله تعالى (ولقد خلقكم أطوارا) تعني أطوار خلق آدم، وأطوار خلق الجنين في الرحم، ولا تعني نظرية التطور الإلحادية.

لا ينبغي أن نقول عن كتاب الله المبين أنه لم يبين ، مع أنه بيّن ، الحجة قائمة علينا، بقي أن تحدد موقفك من فكرة التطور كلها. والحقيقة أن كل مسلم يجب أن يقف ليختار : هل أصدّق نظريتهم أم أصدق كلام القرآن عن خلق الإنسان؟ ولا يمكن الجمع بين الحق والباطل. ولا يمكن الجمع بين متناقضين، ولا يمكن الإقرار بصفة ضعف لله.

الذي يحتاج لتطوير هو الذي لا يعلم. أو ناقص القدرة ينتظر ظروفا أفضل. والله خلق الإنسان في أحسن تقويم حتى يختبره، فكيف يختبر ناقصا لا ذنب له في نقصه الخلقي ؟ بينما النار مثوى المتكبرين، وليست مثوى المتكبرين و المتطورين فقط.

قال تعالى : (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) ، وقال (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) ، أي أن الخلق كامل منذ البداية، هذه الآية لوحدها تسقط فكرة التطوير الإلهي.

يجب علينا ألا نعتقد ما يخالف القرآن، فكتاب الله بيان لكل شيء، بل هو الكتاب المبين، أي الذي يبين غيره، والله تكلم عن خلق آدم في آيات عدة وليس في آية واحدة، فكيف نقول ان الصورة غير واضحة؟

كونك تقول بنظرية التطوير، ستكون عالة على نظرية التطور أكثر من كونك عالة على القرآن، وأنت بهذه الحالة لا تكون قد اتبعت ما يُفهم من القرآن ولا اتبعت نظرية التطور نفسها ! لأنك تخالفها في رفض الانتخاب الطبيعي العشوائي والصدف العمياء والأصل المشترك مع القرد وأن الكائن الحي يطور نفسه ولا يوجد إله..

وبما أنك والحمد لله مؤمن وترى أن القرآن حق بذاته، ستتجه إن شاء الله إلى التفكير بفكرة التطور من أصلها، وسوف تقول مثلي إن شاء الله انها خرافة، لكن لك الحق في نقاشها أكثر، وفي المدونة عدة حوارات عن التطور، أنصحك بقراءتها، أما القرآن فهو واضح في موضوع الخلق. من الصعب أن نترك الواضح إلى تأويلات وافتراضات لم يقلها القرآن ولا يقرها المنطق أيضا.

هذا ما أراه ولا ألزمك برأيي ، لكن أريدك أن تعيد النظر أكثر وأكثر، فأنا أشكك في فكرة التطور كلها، لأن الله خلق كل شيء موزون، والله خلق السموات و الأرض وقدر فيها أرزاقها و وازنها بحيث لا تحتاج إلى تطوير أو تغيير، ويحق لنا أن نشك ونحن نرى إصرار الملاحدة وتمسكهم بهذه النظرية و إنفاقهم الواسع عليها، وكأن العلم ليس فيه نظرية سواها، بل ضبطوا في حالات تزوير كثيرة ليثبتوا هذا التطور المزعوم. وتزويرهم للعلم هو التزوير الوحيد الذي حصل في مجال العلم.

وإذا كنت تقر بالتوازن الطبيعي، فمنطقيا يجب ان ترفض فكرة التطور، لأنه لا شيء متوازن يعمل إلا دفعة واحدة، فالحيوان والنبات والهواء والمعادن والغازات كلها يجب أن تكون بأقدار ونسب معينة حتى تتم الحياة. أي يجب أن تتوفر في وقت واحد، مثل المحرك يجب ان تتوفر كل أجزاءه حتى يعمل.  بعبارة أخرى : لا يمكن أن يكون النيتروجين موجود قبل الأكسجين وان الشمس موجودة قبل القمر أو أن الماء لم يكن موجودا ثم تطور .. كل هذا لا يمكن، مسألة التوازن تفترض وجود الجميع في وقت واحد. لا نستطيع ان نقوِّل القرآن عكس ما يقول ، هو اخبرنا نصاً أن أبانا ادم اكتمل خلقه وأن الله خلقه بيده، فهل يخلق الله بيده شيئا و يكون ناقصا ويحتاج تطوير؟ هل القرآن يحتاج إلى تطوير ؟ إذا كان القرآن كلام الله فالإنسان خلق الله، فالله يقول : (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ،

وفكرة التطوير تقتضي وجود تفاوت، الذي بدوره يحتاج إلى تطوير . وما دمت تقول بفكرة التطوير فأنت عالة على الداروينيين الذين هم في الأخير ملاحدة، فكيف يكون أعداء الدين أساتذتنا في الدين ؟ راجع كتاب (خديعة التطور) لهارون يحيى ، وكتاب (التطور نظرية علمية أم أيديولوجيا؟) لعرفان يلماز. وأقرأ لأتباع نظرية الخلق في الغرب وكيف يُحارَبون من قبل أهل التطور الملاحدة. 

كما أني أرى بأن الأسلم للإعتقاد والدين هو عدم القطع بالكيفية حتى لا نلزم الأجيال اللاحقة برأي قد يكون صواب وقد يكون خطأ. فإن قطعنا برأي وثبت خلافه مستقبلا فإننا نضع المعتقد بهذا الرأي بين تصديق قطعي العلم وبين تصديق قطعي الدين (بعد الالزام بالكيفية).

فمن الإحسان بهذا الدين أن نقطع بالخلق لا بالكيفية

هذا رأيي المتواضع بعد قراءات ونقاشات عدة ولا أقطع به فهو قابل للأخذ وقابل للرد
.

الرد :

معذرة ، لكن الله ذكر الكيفية، كيف نبطل أو نهمش ما ذكره الله؟ و نستبدله بنظرية الملاحدة حتى لو حذفنا منها؟ كيف نتجاهل كيفية ذكرها الله؟ هذا داخل في عدم التصديق .. و تصديق القرآن لا يجب أن يكون انتقائيا .. ولو سألت أي مسلم : كيف خلق الإنسان ؟ لأخبرك معتمدا على القرآن. هي كيفية واضحة والكل يعرفها ، فكيف نشكك فيها ؟

الله خلق آدم من طين، وسواه ونفخ فيه من روحه، وآدم هو اول البشر ، وخلق منه زوجه أيضا، وأهبطهما إلى الأرض التي لم لكن فيها بشر ليتناسلوا هناك. وكل البشر هم أبناء ذلك الذي خلقه الله من طين و سواه في أحسن تقويم ونفخ فيه من روحه، وسخر لهم الأرض وخيراتها ، هل بعد هذه الكيفية كيفية؟ ماذا نريد أوضح من هذا ؟

الانبهار بالعلم الغربي وإعلامه سبّب محاولات التزاوج والتوفيق بين متناقضين، حتى بعد اكتشاف باستور للبكتريا والجراثيم وضج العالم حينها ، قال محمد عبده من علماء الأزهر : أن الشياطين عبارة عن جراثيم، لأنها تجري مجرى الدم كما تفعل ميكروبات التيفوئيد والملاريا ! والآن عندما شيّعت نظرية التطور حاول البعض مزاوجتها مع الدين ..

ينبغي أن تكون لنا شخصيتنا و موقفنا النابع من ديننا وعقولنا وان نكون مستقلين غير انهزاميين. و أنا ناقشت تطوريين كثر عربا و أجانب كنت خائفا منهم في البداية ، لكني رأيت إفلاسهم بل وهروبهم من النقاش. وهذا يدل على أنهم ليسوا على حق. وإلا لاستطاعوا الصمود ، وغيري ناقشهم أيضا، وسيلتهم : يضخون ما عندهم ، ثم يسخرون ممن يخالفهم بأنه جاهل، وإذا بدأ النقاش الجاد مع عقولهم انسحبوا!    

محاولة المزاوجة هذه تشبه من أصّلوا للشيوعية في الإسلام وقت انبهار العالم بالشيوعية وأفكار ماركس، واعتبروا "أبا ذر" الأخ الرفيق الأول عند العرب !

وشكرا لك على سعة صدرك، وباب النقاش مفتوح ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق