الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

ردود على كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 9


و من ثم يقوم المؤلف بإعطاء نبذة عن أهم علماء أيونيا من الذين كان لهم الفضل في إنارة شعلة العلم الأولى حيث ترجح الأساطير ، كما يقول المؤلف “أن أول قانون طبيعي لشرح ظواهر طبيعية ينسب للأيوني فيتاغورس (٥٨٠-٤٩٠ قبل الميلاد)٠

Pythagoras

و هو الذي إشتهر بنظرية  سميت بإسمه “.  هذا مع العلم أنه ليس مؤكدا أن فيتاغورس و الذي كان أحد كهنة المعابد و إشتهر بممارسة السحر هو بنفسه الذي كان وراء وضع القوانين التي إشتهرت بإسمه  لاحقا و منها قانون في حساب المثلثات التي إستخدمها من سموابالفيتاغورسيون” و الذين أتوا بعد عهده بفترة من الزمن.

 

انظر كيف تصادمت افكار هوكينج مع بعضها امامه ! فيثاغورس يقدم اول قانون طبيعي تجريبي لتفسير ظاهرة طبيعية معتمد الى اليوم و بدون غيبيات ، مع انه كاهن معبد ! و متهم بتعاطي السحر ايضا !

 

لهذا يضطر هوكينج للتشكيك بنسبة القانون الى فيثاغورس ، لأنه مؤمن ، محاولا ان ينسبه الى احد تلاميذه بدون دليل ، لأن مثال فيثاغورس يثبت صحة كلامي و ليس صحة كلامه .. فالانسان له مستويات كثيرة ، ممكن ان يكون مؤمنا و بنفس الوقت يدرس الطبيعة كما هي .. الايمان لا يتعارض مع الطبيعة ، لأن تركيزه ليس على الدنيا ، ولم ياتي لتفسير ظواهر الطبيعة كما يحب ان يفهم الملاحدة الذين يتكلمون دائما عما يحبون وليس عن الواقع .. فيتناولون العلم والتاريخ بطريقة عاطفية .. الايمان ليس علما ماديا مختصا بالطبيعة .. كتب الاديان ليست كتبا في الجغرافيا والفيزياء والطاقة ..

 

بل يمكن ان يكون العالِم مصدقا بنوع من الخرافات ، لكنه عندما يتعامل مع المادة فليس شرطا ان يتعامل معها بالخرافات التي يصدقها ، لانه في حياته اليومية لا يتعامل مع المادة بالخرافة ، فلا ينتظر القدر او الالهة ان تفتح له الباب ، بل يحمل المفتاح و يعرف ان الباب لن ينفتح الا به ، او تحمي سقف بيته من السقوط ..

 

كل الاديان تعرف ان المادة لها قوانين يجب احترامها ومعرفتها ، و لم يوجد دين يقول : لا تعملوا شيئا واتكلوا على الالهة .. بل اعقلها و توكل ، اي ادرس ما تستطيع درسه ، وتوكل فيما لا تستطيع معرفته .. والا لماذا يدرس العالم المؤمن الطبيعة ولا يكتفي بايمانه أو ما قد يكون لديه من خرافات تفسيرية ؟ ..

 

لا يوجد انسان يخلو من اي ايمان ميتافيزيقي ، حتى الملحدين ، لكن لكل مقام مقال .. فهذا باسكال مؤمن و يدرس الرياضيات كما هي في الطبيعة ، ما شأن الايمان بهذا المجال ؟ و نيوتن وفرانسيس بيكون كذلك ، مثلما درسها ابن الهيثم و ابن النفيس وعلماء اللغة و الكيمياء والطبيعة في كل الحضارات المؤمنة ، مع ان هوكينج يعتبر نيوتن و بيكون وباسكال مصدقين بخرافة المسيح ، فهل ضرهم علميا هذا التصديق ؟ وهل قدم هو الذي لا يؤمن بالاديان ولا الخرافات ، مثلما قدم نيوتن المؤمن الذي يجلس على كرسيه ؟ اذن لا شأن للايمان باي نوع بدراسة العلم والطبيعة ، و الا لكان العلماء هم الملاحدة فقط . و الواقع و التاريخ لا يثبتان هذا الزعم العاطفي .

 

اذن فكرة : كلما تلحد كلما تكون علميا ، فكرة خاطئة .. و كل علوم البشرية جاءت من مؤمنين ، إلا النزر القليل و المنصبّ على النظريات التفسيرية الغير مثبتة ، أو على نقد العلم الثابت والتشكيك فيه كما فعل بوبر وغيره ..

 

الحضارة حضارة مؤمنين وليست حضارة ملاحدة ، و هي تتراكم عبر الاديان والازمان ، ولم يعق الدين الحضارة يوما من الايام ، بل هو الذي يدعمها . وهذا التصور الملحد تصور ضعيف جدا ، أن كل من آمن بشيء سيظل متقيدا به لا ينظر للحياة الا من خلاله . لو كان هذا التصور صحيحا لسقطت علمية كل من ينتسب الى دين او يؤمن بأي خرافة او شيء غير مشاهد ، و لا حتى الطرق على الخشب او الرقم 13 المشهورة عند الاوروبيين ..

 

بل ان هذا التصور الملحد هو خرافة بحد ذاته ، و الواقع ليس له هم الا ان يكذب افكار الملاحدة ، و يثبت خرافيتها . بل حتى الرياضيين بعضهم يؤمن بخرافة ذر الملح او بعضهم يرسم الصليب او الخ .. لكن هل سيجعله هذا لا يهتم بلياقته ولا بفن اللعبة ولا بالاحتياط والاستعداد و التمارين ؟ اذا سايرنا الملحد في تفكيره ، سنقول : لا ، بما انه يؤمن بأن ذر الملحد سيجلب الحظ الحسن ، فهذا سيجعله يتكل عليه ! و ينزل الحلبة منتظرا قوى الحظ ليس الا ! ويـُسحب مهزوما .. هكذا يفكر الملاحدة .. لكن الواقع غير هذا ، نجده يذر الملح ومع ذلك نجده مستعدا للملاكمة و متدربا ويـُعمِل ذكاؤه وعقله وهو على الحلبة .. حتى يسدد اللكمة القاضية لخصمه و لهذه النظرة الملحدة الغير واقعية على الدوام ايضا ..

 

من فشل في تفسير ظواهر الانسان العادية ، كيف ينجح في تفسير ظواهر الكون ؟ (لخلق السماوات والارض اعظم من خلق الناس) ..

 

كل المشكلات المنطقية في فكر الملحد هي ناتجة من اهتمامه بالمادة و قلة اهتمامه بفهم الانسان ، و معرفة مستوياته غير المحدودة . و اذا رجعنا للفلسفة في القرون الوسطى ، نجد اقطابها اغلبهم من رجال الكنيسة ، اذن ماذا يعني هذا لهوكينج ؟ لماذا لا يعني ان العقل مرتبط مع الدين ؟ واذا ذهب احدهما ذهب الاخر ؟ فالتاريخ يقول ذلك . لكن هوكينج يريد غير ذلك ..    

 

و كذلك إشتهر فيتاغورس بوضع “العلاقة بين تذبذب الوتر و طولة في الآلات الموسيقية” و هذه الخاصية يعرفها جيدا موسيقيوا الآلات الوترية.  فإن كانت هذه الإسطورة صادقة، كما يقول المؤلف، ” فنحن نستطيع أن نقول أن هذه المعادلة البسيطة {أي علاقة ذبذبة الصوت بطول الوتر} تمثل أول لحظة {ولادة حقيقية} لما نعرفه اليوم بعلم الفيزياء النظرية” ، و الذي هو اليوم علم قائم بحد ذاته و من إختصاص المؤلفين لهذا الكتاب .  و لكن الشيء الأكيد هو أن “القوانين الوحيدة التي نعرف (نسبها الصحيح للقدماء) و بصورة مؤكدة هي ثلاثة قوانين قام أرخميدس ( ٢٨٧-٢١٢ قبل الميلاد) ٠

Archimedes

بإعطاء شرح مفصل لها. و هذا ما يجعل أرخميدس من أبرز الفيزيائيين القدماء و بكل المقاييس” كما يذكر المؤلف و يزيد بأنأرخميدس لم يسمي {عمله هذا} بقوانين، و لا حتي شرح نظرياته بإستخدام المشاهدة و القياس. و لكنه تعامل معها و كأنها أفكار رياضية {كألغاز } . في نظام بديهي {منطقي} يشبه كثيرا تلك الطريقة المستخدمة من قبل إيكليد٠

Euclid

في الحسابات الهندسية “٠

أما أناكسيماندر (٦١٠-٥٤٦ قبل الميلاد)٠

Anaximander

فيقول المؤلف أنه “قدم مناقشة {فلسفية} مفادها أن طفل الإنسان يكون ضعيف البنية عند الولادة، فإذا كان الإنسان الأولي  قد ظهر علي سطح الأرض بنفس صورة الطفل الحالي {الضعيف}، لما كان بإستطاعته البقاء {أي لكان إنقرض نوعه}. و هذه قد  تكون أول إشارة { في التاريخ البشري} لنظرية النشوء و الإرتقاء { و التي فصلها بصورة علمية أكثر كل من شارلز دارون و ألفريد رسل واليس بنفس الوقت و بصورة منفصلة، بعد ذلك بقرون}، فالناس، كما منطق أناكسيماندر الأسباب في حديثه “لابد و أنهم تطوروا من حيوانات كانت صغارها أكثر صلابة {من الإنسان الحديث، و ذلك لتتحمل الأجواء الأولية القاسية من أجل البقاء }” هذا مع العلم أن أناكسيماندر يعتبر من أوائل من لجأ إلى التجربة في إثباث نظرياته ٠

و في نفس الوقت إكتشف إمبيدوكليس

Empedocles

المادة “التي قمنا {بعد ذلك } بتسميتها بالهواء الجوي “٠

 

هل الهواء الجوي لم يكن معروفا قبل امبيدوكليس ؟ ولا حتى الرياح ؟

 

و كذلك في نفس الوقت  “إعتقد ديموقريطوس (٤٦٠-٣٧٠ قبل الميلاد)٠

Democritus

و الذي كان يسكن مستعمرة في أيونيا بشمال اليونان، أن أية كتلة مادية {بما فيها الكائنات الحية }  هي {في الواقععبارة عن تصادم الذرات مع بعضها” و سميت نظريته هذه  بالاتوميزم

Atomism

و أضاف ديموقريطس  أن  هذه الذرات ” إذا لم يكن هنالك ما يعترض مسارها فهي تتحرك في الفضاء حولنا إلي الامام في مالانهاية . ” و هذا { المفهوم هو } ما نسميه اليوم بقانون الإنيرشيا {للطاقة الذاتية عندما تكون الكتل في حالة سكون}”٠

 

هذه التأملات او الخطرات كثيرة عند الانسان و عبر القرون و في كل مكان ، وليست فقط عند اليونان ، و ليست هي التي اقامت العلم ، بدليل انه يقول ان العلم اكتشف تلاقيا معها ، اي ان العلم تطور بمفرده ثم اكتشف هذا التلاقي ، مما يعني ان كل هذه النظريات ليست هي التي بنت العلم ، اذن ليست هي تاريخ العلم ، و الا لكانت تطورا تدريجيا لها و يمكن رصده تاريخيا الى ان تصل الى العلم الحديث ، و هذا لم يحدث ، والا لاستطاع هوكينج ان يقدم كيف تطورت فكرة الذرات اليونانية الى علم الذرة الحديث خطوة بخطوة ، و هكذا في بقية الافكار ، حتى يجوز لنا ان نقول ان تاريخ العلم يبدأ من اليونان . هو لا يستطيع ذلك ، اذن هذه التأملات اليونانية ليست هي اساس العلم ، لكن مؤرخو العلم الغربيون رجعوا يفلون في التراث اليوناني لعلهم يصادفون ما يتفق مع معطيات العلم الحديث . و التعسف يبدو واضحا .. مثلما فلوا في عصر النهضة الايطالي ..

 

ولو قرأ تراث الشعوب الاخرى بنفس القراءة ، لوجد اشارات كثيرة تتفق مع العلم الحديث ولو جزئيا كما فعل .. فبعضها سيكون اكثر وضوحا ، بل ان الهندوس و البوذيين يفخرون باتفاقات كثيرة للعلم الحديث مع تراثهم ، والقرآن مليء بهذه الاتفاقات كما يوضح الاعجاز العلمي في القرآن . اذن لماذا يحصر هذا في اليونان فقط ؟ و نحن نعرف ان هذه النظريات التفسيرية ليست هي اساس العلم ، والا لكان لها مراحل في التطور ، حتى تصل الى العلم الحديث ، و هذا ما لم يكن . اذن ليست هي المسؤولة عن العلم الحديث ، بل المسؤول عنه هو الكشوف الجغرافية بدافع الذهب ، معتمدين على حضارة المسلمين .. فلا توجد صلة حقيقية بين النهضة العلمية في اوروبا والتراث اليوناني  بكل صوره ، فما بالك بالتراث اليوناني السابق لسقراط الذي يعتمد عليه هوكينج والملاحدة وعلى راسهم نيتشه .. بدليل اعترافهم بالانقطاع عن التراث اليوناني و تمجيدهم لابن رشد لانه نقل لهم ارسطو ، فاذا كانوا لا يعرفون ارسطو ، فكيف بالبقية ؟ كيف يكون اليونانيون اساس العلم و اوروبا في العصور الوسطى لا تعرفه كما يـُصورون ذلك ؟   

 

اين مراحل التطور بين تنظير ديموقريطس و علم الذرة ؟ اين مراحل التطور بين فكر اناكسيماندر والتطور عند داروين ؟ طبعا لا يوجد ، اذن ليست هي المسؤولة بشكل مباشر .. كل ما في الامر ان الملاحدة يريدون ذلك ، معتقدين انه اقرب لحرب الدين ، و بدافع التعصب لاوروبا واهمال علوم الحضارات السابقة التي بنت حضارة اليونان اساساتها عليها وعلى علومها . و هذا اختزال للتاريخ و الحضارة في قارة اوروبا فقط فيه غمط للامم الاخرى وتتجلى فيه عنصرية الرجل الابيض .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق