الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

ردود على كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 8


و من ثم إنتشرت فكرة أن الكون { و ما يحويه بما في ذلك الإنسان لابد أن يكون } مخلوق و أنه لابد أن يكون للكون كروكي {مخطط هندسي تم تصميمة من قبل الآلهة و حتما}  سيتعلم {الإنسان} قراءته في يوم ما { بحل شفرته}”٠

و من هنا يبدأ المؤلف في سرد خط تطور العلوم في تفسير الطبيعة من خلال نقطة التحول هذه، إبتداءا بعهد الإغريق الكلاسيكيين فيقول “إننا نجد أن البحث العلمي { أو اللجوء للعلوم في تفسير الأمور الطبيعية} هو مسعي جديد نسبيا {في خط تطور الإنسان الحديث و الذي بدأ مع الهوموسابيان بحوالي ٢٠٠،٠٠٠ سنة قبل الميلاد} …  فاللغة المقروءة ظهرت {حوالي} ٧٠٠٠  سنة قبل الميلاد تقريبا {كحاجة} في مجتمعات تمركزت حول زراعة الحبوب { مع بداية التبادل التجاري}.

 

الخط المسماري في العراق موجود قبل اكثر من 7 الاف سنة ، وهي اقدم كتابة وجدها الانسان قبل الاغريق بكثير ، ومحفوظة في الواح الطين . و محاولات تفسير الكون و ظواهره موجودة منذ وجد الانسان بكل اشكالها ، سواء تفسيراً من خلال العلم او من خلال الغيبيات ، و دائما التفسير من خلال الغيبيات لا يمنع التفسير من خلال العلم ، كما يحاول الملاحدة ان يقنعوا الاخرين بذلك ، و لا يوجد ولا نص ديني في كل الديانات يحرم الامور المادية و تفسيرها من خلال العلم . ان هذا من ضمن التقوُّل الذي يريده الالحاد ، فالالحاد يستغل العلم ويقدمه كشيء مقدس ،  ثم يفترض له الخصومَ من عنده (و هم طبعا المؤمنين فقط) لكي يـُسقطه من خلال هذا المقدس .. مع العلم ان السياسة عارضت العلم في اوقات كثيرة ، وكذلك الراسمالية ، فهي تعارض اي علم يؤثر على ثرواتها وما زالت تفعل ، بل حتى العلماء انفسهم اكثر ما يعارضهم و يثبطهم هم علماء آخرون بدافع التنافس والحسد ، كما حصل لذلك الطبيب الذي اكتشف مخدر الاسنان ، و كما حصل لنيوتن نفسه حينما فكر باعتزال العلم والفلسفة لكثرة ما ناله من شتائم و اهانات من منافسين له ، و ليست من رجال الدين طبعا . لكن الملاحدة لا يريدون النظر الى كل هذا ، فقط ينظرون إلى حادثة واحدة عابرة حصلت لجاليليو و خلافه مع احدى الكنائس ، ومع ذلك فقد استمر جاليليو وانتشرت آراؤه ..

 

انهم يصورون لنا ان كل الكنائس و رجال الاديان كانوا يحاربون كل العلم ، حتى لو كان علما لا علاقة له بالدين ، وكأنهم لا يريدون اي بحث ولا محاولة تفسير ، و يمنعون اي تجربة علمية ، وكأنهم اقاموا محاكم تفتيش ضد العلم والعلماء .. وهذا كله لم يحدث ولا يعقل أن يكون قد حدث في اي زمان او مكان .

 

الحقيقة انه لم ولا يمكن ان يوجد صراع بين الدين والعلم ، الا في مواقف عارضة من متطرفين لا تستحق الوقوف عندها .. و في المقابل نعرف ان كل علوم البشرية وحضاراتها قامت حول الاديان . مما يعني ان الدين هو الدافع الاساسي الى العلم ، وهو الذي يخرج البشر من همجيتهم ، لا ان يكون هو عدو العلم ، فكيف يقدَّم على انه هو عدوه ؟

 

خذ العرب كمثال واضح جدا : كانوا امة علمانية دنيوية ، تتصارع على شكل قبائل متفرقة لا يعرفون الكتابة ولا القراءة ولا من الحضارة الا القليل .. و بعد ظهور الاسلام تحولوا الى امة حضارية تدريجيا ، و بدأت العلوم تتبلور بداية ً حول دراسة القرآن والعلوم التي يحتاجها ، كالكتابة والاملاء والتفسير والبلاغة والحديث ، ثم الى العلوم العربية بدراسة اللغة و وضع قواعدها وانظمتها النحوية والصرفية والصوتية ، ثم انطلقوا الى ما هو اوسع كدراسة المنطق و الفلسفة والترجمة ، ثم توسعوا الى علوم الطبيعة والطب والكيمياء والاحياء والرياضيات والفلك ..

 

هذا المثال يعطينا صورة واضحة كيف تقوم النهضة العلمية عند اي امة ، لأن الدين مقدس عند الامم ، و بالتالي هو يقدم لها الدافع الى العلم لأجل خدمة اصول ذلك الدين و كتبه .. فقبل الاسلام كان العرب يعيشون حياة قريبة من الهمجية ، و كلهم اميون تقريبا . وليس عندهم دافع الى العلم ولا مبرر ، لأن حياتهم معروفة في الرعي والتنقل والحرب وفنون القتال ، ويعرفونها بالوراثة والتلقي ، وهي ادوات حياتهم ، و بالتالي ما الذي يجبرهم على طلب العلم و دراسة الكون ما دام همهم هو العيش ؟ أما بعد الاسلام صارت تبنى المدارس و حلقات العلم والكتابة ، ثم التطور العمراني والصناعي ..

 

طلب العلم يحتاج الى دافع سامي عند الانسان ، اما من دافعه ان يعيش و يأكل و يشرب ، فهذا الدافع ليس بكافي لكي يطلب العلم .. بل عليه ان يركز مجهوده لاتقان طريقة الحياة وسبل الكسب في مجتمعه ، إلا أن يرى بعينه نفعا ماديا للعلم ، حينها سيتجه له بدافع المصلحة ، ما دام العلم يقدمها ، واذا توقف العلم عن تقديمها فسوف يتركه و ينخرط في الواقع مرة اخرى .

 

فمن همه ان يعيش ، سيكون اهتمامه منحصر في ذلك النطاق وليس عنده وقت ليضيعه ، والعلمانية الغربية لم تتجه للعلم الا لانها وجدت فيه مكاسب مادية وسيطرة ، منذ الكشوف الجغرافية ، فإذا توقف العلم عن هذا العطاء النفعي والعسكري فسوف يـُترك ، و هذا ما حدث و يحدث ..

 

انا لا اقصد ان رجال الدين هم فقط الذين يقيمون العلوم ، انا اقول ان اي نهضة حضارية بما فيها العلم ، اخبرنا التاريخ انها تقوم حول دين ، و أن الدين هو نقطة البداية ، حتى العصور الوسطى في اوروبا لم تكن عصورا همجية ، لأن عندها دين .. الملاحدة هم من يريدون ان يصوروا انها كانت عصورا مظلمة همجية .. لقد كان عندهم علوم و حضارات ، ولكنهم كانوا في حالة تفكك سياسي واجتماعي وحروب داخلية ، و استفادوا من حضارة العرب و المسلمين ، و نبهتهم عن هذه الغفلة ، واستفادوا من علومها ، وانطلقوا بها ليقيموا الحضارة الاوروبية الحديثة .. لان اي دين سيدفع الى المعرفة ، اما الدنيوية والعلمانية فتدعو الى التشبث بالواقع ، والتشبث به لا يقتضي تغييره بل اتقان لعبته : الا تلاحظ ان للأديان كتبا ، والكتب تحتاج الى معرفة قراءة وكتابة ، وتحتاج الى شروح و ثقافة وصناعة ادوات تتعلق بالكتابة والحفظ ؟ بينما المادية لا تحتاج الى هذا ، بل تحتاج الى القوة على مبدأ الصراع .

 

كانت قبائل العرب تتصارع ، و لم تحتج الى العلم قدر ما احتاجت الى الشجاعة ، و لم يفكروا حتى في تطوير الاسلحة ، و هذا ينطبق على بقية الشعوب .. فكلها كانت تستعمل نفس السلاح تقريبا ، لأنه فعال وتدربوا عليه . ويعتمدون في انتصاراتهم على الكثرة والمفاجأة والخطط العسكرية والشجاعة ..             

 

و حتى الان ، هذه هي الديانات موجودة ، فأيّ منها منع اتباعه عن معرفة الحياة من خلال العلم ؟ القرآن مثلا يقول : (قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق) ، وليس هناك تصادم دائم و حقيقي بين الدين والعلم كما يحاول الملاحدة ان يكبروا ، فالعلم يحتاجه الجميع حتى رجال الاديان ، وفي مصلحة الجميع ، و ما نـُفعـُه عام يكون طلبه عاما . و الكنيسة لم تحارب العلم كما يحاول الملاحدة ان يضخموا للعالم ، فالكنيسة نفسها مبنية بطريقة علمية و هندسية ، و تحتوي على مكتبة و تعلـّم القراءة والكتابة ، و هما اساس العلم . وكذلك الفن .      

 

و أقدم التقارير المكتوبة لدينا {هي تلك التي تخص } حضارات إغريقية عظيمة يرجع تاريخها إلي القرن التاسع قبل الميلاد. و لكن قمة هذا الإزدهار العلمي كان في عهد ما يسمي “بالفترة الكلاسيكية” للحضارة الإغريقية، و التي أتت بعد عدة قرون لاحقة من بدء هذه الحضارة الإغريقية القديمة، و كان ذلك في حوالي ٥٠٠ سنة قبل الميلاد تقريبا.” أو “حسب أرسطو (٣٨٤-٣٢٢ قبل الميلاد)، كان ذلك  الوقت قريبا من  الوقت الذي  قام به العالم ثاليس

Thales

بتطوير فكرة أن الكون {من حولنا} ممكن أن يفهم {بالعقل}، مفسرا ذلك بأن الأمور المعقدة حولنا ممكن أن تختزل إلي مباديء و أسس أبسط {لتسهل فهمها}. شارحا {ما يقصد} دون أن يلجأ إلي إدخال الأساطير أو التفسيرات الثيولوجية في مناقشاته. و {مما ينسب لثاليس أيضا أنه } كان أول من توقع حدوث الكسوف الشمسي في عام ٥٨٥ قبل الميلاد {في وقت كان الناس فيه يرتعبون من هذه الظاهرة}، {هذا مع العلم أن } الدقة الشديدة في تنبؤه، و صحة ذلك، كان علي الأغلب حدسا {ذكيا}…{ ولقد } إشتهر {وقتها } منزل ثاليس {بملتقى المثقفين و العلماء في ذاك العصر} . فهو كان مركزا {معروفا} في منطقة كانت تسمي أيونيا {و هي المدينة التركية\الإغريقية التي كانت منبع العلوم البشرية}، و كانت أيونيا { وقتها} تحت سيطرة الإستعمار الإغريقي و الذي  إمتد تأثيره لاحقا {علي مساحة إمتدت} من تركيا إلى إيطاليا. فالعلوم الأيونية كانت {أولى} المساعي {البشرية الجادة} التي تميزت بالرغبة الشديدة في كشف الغطاء  عن المجهول من الأمور ، و وضع  مباديء القوانين الأساسية لشرح الظواهر الطبيعية. و هذه المرحلة تعتبر نقطة التحول المركزية الهائلة في تاريخ الفكر البشري، حيث كان هذا السبيل يعتبر راديكاليا { بالنسبة لزمنه}، و في ظروف كثيرة {نجد أن علومهم} قادت إلي إستنتاجات مشابهة و بصورة مذهلة لما قادتنا إليه طرقنا الأكثر رقيا و الأكثر تطورا اليوم. فتلك الفتره كان بمثابة البداية العظمى {للإزدهار الثقافي العلمي بحق}. و لكن {للأسف لم يكتب لها الإستمرار علي نفس المنوال} فالكثير من العلوم الأيونية كان مصيرها النسيان في القرون اللاحقة، مع أنه تم إعادة إستكشافها أو إعادة إختراعها بعد ذلك، و أحيانا {تم هذا الإستكشاف } أكثر من مرة واحدة”٠

 

الان كأنه يربط بين الالحاد والعلم ، بمعنى : كلما ألحد عالم ، اقترب من المعرفة السليمة . يريد ان يؤرخ للعلم والالحاد معاً ، معتقدا ان الدين ضد العلم او التفسير من خلال قوانين الطبيعة ، مع العلم ان ثالوس وارسطو وغيرهم لم يكونوا ملحدين فعلا ، مما يثبت خطأ هذه الفكرة .. يريد ان يقسم العلماء الى : علماء يفسرون من خلال الدين و هم مؤمنون ، وعلماء يفسرون من خلال الطبيعة و هم الملاحدة ، هذا ما يريده هو ، ولكنه ليس هو الواقع ..

 

من ينسب كل شيء الى الالهة ، كيف يسمى عالما ؟ لا يوجد عالم يسمى عالم إلا وقد بحث من خلال الواقع و الطبيعة ، لان كلمة : هذا من اختصاص الالهة ، يستطيع ان يقولها اي شخص وليست محتاجة الى عالم ليقولها .. الحقيقة ان كل شيء يسمى علم ، هو عبارة عن معرفة منفصلة عن الميتافيزيقا . و على هذا يسقط تحديده لبداية العلم في ايونيا . لان التاريخ و الواقع والاحافير تثبت وجود العلم من قبل الايونية و بعدها ، وهذا ارسطو يسمى المعلم الاول ، وهو الذي اتجه الى الطبيعة مباشرة ، لم يكن ملحدا .

 

اصلا كل من يسمى عالم ، هو يعتمد على عقله و الطبيعة ، وليس على القوى الغيبية ، وإلا فسيسمى مؤمنا فقط و ليس عالما ، وهكذا نرى مدى التزوير في تاريخ العلم و الافتئات عليه وهضم حقوق العلماء الآخرين لهدف ايديولوجي .

 

الملحدون اسرى لتصورات خاطئة عن الدين ، يبنون عليها تصوراتهم و نظرياتهم ، من ضمن هذه الاخطاء : ان الدين يقدم تفسيرات كاملة لكل مظاهر الطبيعة ، و يقول لأتباعه : لا تبحثوا عنها فالله هو الذي يعرفها فقط ، وإجابات اسئلتكم موجودة في الدين ! و هي بكلمة واحدة : من اختصاص الآلهة ! و اذا نظرنا الى العلوم ، نجدها تتبلور حول الديانات ! اذن ما الامر ؟ كان يجب ان يتبلور الجهل حول الديانات و ليس العلم والحضارة ! اذن فكرتهم خاطئة من الاساس ، لأن الواقع والتاريخ يكشفان ذلك الخطأ .

 

و الخطأ الآخر : ان الملحدين درجوا على حصر العلم في موضوع واحد من موضوعاته ، وهو النظريات التفسيرية لظواهر الكون و اصله . هناك علوم تصف الظواهر الطبيعية بدقة ، و هناك علوم تستفيد من ظواهر الطبيعة ، وهناك علوم تطويرية وتركيبية تعتمد على ظواهر الطبيعة ، كل هذا لا يعتبرونه علما ، العلم فقط عند الملحد هو التفسيري ، لذلك يبحثون عن اول من حاول (تفسير) ظواهر الكون و اصله ، و يعتبرونه نقطة بداية العلم ، دون ان يذكروا انهم يتكلمون عن جزء من العلم ، وهو الجزء التفسيري الغير مثبت ، و هم يعرفون ذلك ، في محاولة سيئة لتضليل الراي العام ، عندما يحصرون العلم كله في نظريات التفسير للكون ، مع انها جزء من العلم و غير مهم ، لانه غير قطعي دائما .. فهذا النوع من العلم اسير لفكرة النظرية لم يفارقها ولا مرة ، وكل ما يسمى بالعلم التفسيري لم يستطع ان يكسر حاجز النظرية و يتحول الى علم ، و النظرية اضعف من الحقيقة المثبتة ..

 

اذن هم يعتمدون على اضعف انواع العلم ، ويهمشون الباقي ، فعندما قال احد علماء الاغريق : ان اصل كل شيء هو الماء ، اعتبروا هذا انجازا عظيما ، طوره آخر عندما قال ، : بل كل شيء يرجع الى اربعة عناصر : الماء والتراب والنار والهواء ، و هي كما ترى نظريات بسيطة و غير صحيحة ، وعند الصينيين اقدم منها ، و حتى ارجاعه (هوكينج) هذا التفسير الى اليونان غير دقيق ، لان الصينيون من قبلهم قسموا الاشياء الى الين و اليانج ، و اقاموا على اساسها الطب الصيني القديم . مع العلم ان تفسير الصينيين اقرب الى الحقيقة من تفسير اليونان بعناصرهم الاربعة .. اذن حتى في هذه لم يصب الحقيقة .. و عليه ان يؤرخ الفكر العلمي التفسيري من الصين بداية ، و ليس من مستعمرة يونانية .. فحضارة الصين هي الاقدم ..  وامتدت لتصل الى الهند واليونان فيما بعد ..  

 

لقد قدم علماء غيرهم علوما وصفية او تشريحية وتطبيقية وتكنولوجية نفعت البشرية اكثر من هذا ، بل ان نظرية العناصر الاربعة و الذرات التي يمجدها الملاحدة و يعتبرونها بداية للعلم ، هي التي ضللت الطب القديم لقرون طويلة ، لم يتخلص منها الطب الا في العصر الحديث و ما قبله بقليل ، بل انها أسقطت أخطائها على الطب في الحضارة الاسلامية ، الى ان اتجه ابن النفيس و غيره الى التشريح واكتشاف الدورة الدموية الصغرى ، و جاء هارفي و اكتشف الكبرى ، وبدأ العالم يتخلص من لعنة العناصرالاربعة الاغريقية ..  

 

ومن يعود الى كتب الطب القديمة ، سيجد ان الطب يدور حول اختلاط العناصر : الصفراوية والنخامية ، و الرطب واليابس ، والحار والبارد ، بناء على الثقة بطب اليونان المبني على نظرية تفسيرية خاطئة لأصل كل شيء .. وهذه من نتائج التصديق بالنظريات الغير مثبتة بناء على الثقة .

 

هذا مثال على ان النظريات التفسيرية لا تستطيع ان تنزل الى الواقع ، بل من الخطأ إنزالها للواقع و هي لم تثبت علميا ، حتى لا نكرر كارثة الطب القديم ، طب الحار الرطب والبارد اليابس والصفراوية و النخامية .. يجب على العالم الا يثق بالعلم النظري المتعلق بالمادة حتى يثبت بالتجربة والمنطق .. لان المادة قابلة لذلك ..

 

الملاحدة يريدون ان يعيدوا البشرية الى عصور التخلف عندما كانت تمشي على نظريات غير مثبتة ، من خلال تمجيدهم للنظريات التفسيرية الغير ثابتة علميا . ولو طاوعتهم البشرية لرجعت الى مثل عصر العناصر الاربعة ، و بنت فكرها و طبها عليه ، و هذا الشيء واقع مع الاسف ، فالعلم في كل اصعدته الاجتماعية و الادبية والتشريحية والبيولوجية حاليا ، كلها تتجه للاعتماد على نظريات غير مثبتة .. مثل نظرية التطور والكوانتم و نظريات اخرى ، فكيف يقام الفكر والعلم والثقافة على اساس غير مثبت ؟ يجب ان نستفيد من التاريخ و لا نكرر نفس الاخطاء عندما تدمر الطب بسبب فكرة العناصر الاربعة ، و هي نظرية تفسيرية تشبه نظرية التطور التفسيرية ، و كلاهما غير مثبت علميا .. 

 

الطب كان عند الهنود والصينيين افضل من الطب بعد اليونان ، لان طب الصينيين والهنود اتجه الى جسم الانسان مباشرة ، و لم يعتمد على نظرية كل شيء الخاطئة دائما ، و الملاصقة للفكر الغربي منذ اليونان .. فالابر الصينية لا تزال تـُستعمل حتى الان ، و افكارهم عن الطاقة والتغذية والمايكروبيوتك ورياضة اليوغا هي التي تقدم كطب بديل في هذا العصر ، لكن اين طب اليونان و عناصره الاربعة ؟ الحضارة الهندية القديمة كانت تـُجري حتى عمليات شفط الدهون والتجميل . كل هذا و غيره كثير لا يعتبره هوكينج من العلم الاقدم من اليونان ..

 

ما اشبه النظريات التفسيرية بالخرافات ، لا فرق كبير بينهما ، حتى لو تمسّحت الاولى بمسوح العلم ، فالنظرية تبقى نظرية دائما ، لا يجب الاعتماد عليها ما دامت لم تثبت نفسها .. في هذا الزمان زمن الملاحدة ، كـُبّر من شأن النظريات التفسيرية و ضـُخمت و قـُدمت كحقائق ، والبشرية سوف تدفع الثمن ، لأن كل من سار على وهم و خرافة سيدفع الثمن ، الملاحدة يلزمون البشرية بنظريات غير مثبتة ، حسنا : الخرافة نظرية غير مثبتة ، لا فرق كبير بينهما ، اذن الملاحدة يحشرون رؤوس البشرية بالخرافة ، في حين يقللون من شأن العلم الحقيقي و يشككون في ثبوته و قطعيته ، فكيف يسمى هؤلاء بمحبي العلم و حماته ؟ لا يغرك تمسحهم ، فالفعل ادلّ من القول .  

 

العلم التفسيري ليس اهم شيء في العلم ، و ليس هو العلم الذي نفع البشرية ، العلم الذي نفع البشرية هو العلم الوصفي والتطبيقي والتكنولوجي .. اي انهم اختاروا اضعف نقطة في العلم و جعلوها هي العلم . و أرّخوا للعلم بموجبها ، لأنهم رأوها هي الاقرب لخدمة فكرة : لا يوجد اله والحياة مادة .. و كلما وجدوا عالما او فيلسوفا تطرق لهذا المجال التفسيري سموه عالما ، وما قبله و بعده فترات غير علمية .. مع أن ركب العلوم سائر فيها .

 

العجيب في الامر ، انهم يعودون الى تعظيم العلم الوصفي اذا لاحقتهم اسئلة "لماذا" .. فإذا قيل لهم : لماذا وجدت الارض ؟ قالوا لك : لا تسأل هذا السؤال ، بل اسأل عن خطوط الطول ودوائر العرض ومساحة الارض ومحيطها ، الخ .. هذا هو العلم الذي يفيدك !! اي رجعنا للوصفي !! .. معترفين بقيمته .. فإذن لماذا لم يأرخوا للعلم الوصفي ؟

 

اذن هم يلجأون للعلم الوصفي كلما عجز العلم التفسيري .. و إذا وجدوا نظرية تفسيرية ، رجعوا لتعظيم العلم التفسيري على حساب الوصفي ، من خلال لعبة الانتقائية المعروفة في الفكر الالحادي كله .. يحبون أن يـُسالوا : كيف تكون الكون ، ليقدموا نظرياتهم التفسيرية ، و لكنهم لا يحبون ان يـُسألوا : ما غاية وجودنا ، و ما غاية وجود الكون .. لأنهم لا يملكون نظريات تفسيرية في هذا المجال . ولو ملكوها يوما من الايام فسيقولون : دعك من معرفة خطوط الطول و دوائر العرض ، و تعال الى تفسير هذه النظرية لغاية الوجود ، التي طبعا لن يكون فيها اله ..

 

يحبون ان تكون الاسئلة حول المادة ، ولكنهم لا يحبون ان تكون الاسئلة حول الانسان . الانسان دائما هو نقطة الضعف في النظرية المادية . يتمنون ان يوجد علم ولا يوجد انسان .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق