الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

ردود على كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 7


و أول طرق المنطق عند الإنسان كانت الفكرة السببية ؛ أي لكل سبب مسبب .  فعندما ينزل البلاء بقوم مثلا فلابد أن يكون هنالك سببا لذلك. و بما أن الإنسان لم يكن يعرف هذه الأسباب فهو إخترعها و ذلك بنسبها لنفسه و بتحمل اللوم. فأصبح الإنسان و ما يقوم به من عمل هو دائما سبب الكوارث حتى لو لم يكن ذلك منطقيا، و حتى لو لم يكن قادرا على أن يربط هذا العمل بتلك النتيجة بطريقه مباشرة .

 

ما زلنا نسمع خطبة الحادية ! اين الكتاب العلمي ؟ هل يعقل اننا نقرأ لعالم الآن أم لداعية مؤدلج همه ان ينقض الدين ويعريه من اهدافه السامية ؟ و الان جاء دور المنطق ليعريه من قيمته الحقيقية ويقلل من شأن قانون علمي منطقي وهو قانون السببية ..  

 

أو كما يذكر المؤلف،  ” قابلية الإنسان {الطبيعة} لتحمل الذنب جعلت الناس  يبحثون عن الطرق {العديدة}  ليلوموا أنفسهم على كل ما يصيبهم {من آلام و فواجع}”، لأن ذلك له مرجع نفسي يجعل الفرد قادرا ، نوعا ما أن يسيطر علي محيطه حتي لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة.


هذا هو العقل ، فالعاقل هو من يلوم نفسه و الاحمق هو من يلوم غيره فقط ، و دائما يجد العاقل ما يلوم فيه نفسه ، و الأحمق دائما يجد ما يلوم فيه غيره و يبرئ نفسه . اليس هذا الملحد يؤمن بنظرية الفوضى أو تأثير الفراشة التي تحمّل الفراشة شيئا من المسؤولية في حدوث الاعصار ؟ لماذا لا يطبق مبدأه ؟

 

نعم المنطق و الاحساس والفلسفة كلها تقول بوجود اله ، و هذا الاله مطلق القدرة وخيّر القصد ، اذن له دخل في كل ما يجري ، مع انه وضع القوانين التي يمكن دراستها .. انفسنا و مشاعرنا لا يمكن ان نعرفها ونتحكم بها ، و لا نعرف ماذا سنختار ، هو من يعرف ، ويستطيع ان يجعلنا نختار الافضل من بين القوانين ، وبموجبها ، و لا يليق بمن يسمى عالما ان يقلل من شأن فكرة السببية ، وكيف ينتسب الى العلم وما العلم الا معرفة الاسباب ؟

 

ثم لماذا الانسان لديه قابلية لتحمل الذنب ؟ اليس عالما ؟ لماذا لا يخبرنا ؟ اليست هذه فطرة الانسان ؟ و يعرف بموجبها ان اخطاؤه تؤثر في حياته المستقبلية ؟ و ما يجري له ؟ وأن سخط ربه لن يجر له الخير ؟      


هذا بالإضافة إلي “الجهل بطرق الطبيعة” أساسا ، و الذي ” قاد الناس في الأزمنة القديمة إلي إختراع الآلهة لتتحكم في كل أوجه حياتهم {و ترسم طريق الخير و الشر لهم ، و كيفية التعامل مع الأمور الحياتية و خصوصا العلاقات البشرية الإجتماعية و السيكلوجية التي بدت و لازالت تبدو غامضة لهم }. فلقد كان هنالك آلهة للحب و الحرب؛ و {آلهة} للمحيطات و الأنهار؛ و {آلهة} للأمطار و العواصف الرعدية يتوسلون لها و يقدمون القرابين {ألا يذكركم هذا بصلاة الإستسقاء عند المسلمين حيث لازالت آثار الطقوس البدائية حية حتى علي مستوي الدول التي تعتبر نفسها مدنية حديثة  كالكويت؟}؛ و حتي كان هنالك آلهة للزلازل و البراكين . فعندما تكون هذه الآلهة راضية عن الناس، فهم سيتمتعون بأجواء جيدة {صافية}، و يتمتعون بالسلام {و يكون الإحبة علي حب و وئام دائم } ، و سيتم إنقاذهم من الكوارث الطبيعية و الأمراض. و لكن عندما تكون هذه الآلهة غير راضية عن الناس ، فالقحط و الحروب و الطاعون و الاوبئة ستكون من نصيبهم {بسبب هذا السخط الإلاهي}. و حيث أن العلاقة بين السبب و المسبب لم تكن ظاهرة لأعين الناس {في تلك الأزمنة}، ضل الناس {و لازال المؤمنون منهم }  تحت رحمة هذه الآلهة و التي كانت تبدو غامضة لهم٠

 

هذه فكرة عن الاديان مكبرة اكبر من اللازم لتناسب ما يريده الملحد ، الديانات لم تكن تدور حول الزلازل والبراكين والطواعين ، هذا في فلك الملحد فقط ، لأنه لا يستطيع ان ينظر من منظار المؤمن . المؤمن يستطيع ان ينظر من منظار الملحد ، ولكن لا يستطيع الملحد النظر بمنظار المؤمن ، لان الملحد مادي وغير مؤمن ، و المؤمن و غير المؤمن يعرفون المادة و يحتاجون لها .

 

التفسير الالحادي للدين يصر على ان الدين وضع لاجل الدنيا و تكافي شرورها ، محتجا بالقليل الذي يجده عن ذكر للكوارث الطبيعية في السياق الديني ، التفسير اصلا خاطئ ، هذه المسيحية و هذا الاسلام والديانات الموجودة امامك ، وهي لا تصدق هذا الطرح الملحد عن الدين ، فليست تدور على فلك الفيضانات والامراض والتسونامي كما يفكر الملحد ، وكان بامكانه ان يسأل رجال الدين : ما هو هدفكم من الدين ، هل فعلا انتم تخافون من الكوارث لذلك تأتون الى الكنيسة والمسجد ؟  

 

و إن ورد لهذه الكوارث بعض الذكر مثل صلاة الاستسقاء ، فهذه الصلاة ليست دائما ، بل خاصة بظرف ، و مثلها القنوت في الصلاة عند حدوث المحن ، فهدفها الدعاء ، وهذا يدل على ان اتقاء المحن ليس هو الاصل في الدين ، و إلا لكانت صلاة دائمة . كما أن صلاة الاستسقاء ليست واجبة على المسلمين بل سنة مستحبة ، واذا قام بها البعض سقطت عن البقية ، مع ان القحط امر فظيع . و هذا يثبت بطلان النظرة الالحادية و عدم واقعيتها .

 

و لو كان الدين وضع لاجل القحط وامثاله من المصائب لكانت مستمرة ، علاقة الدين بالآفات والجوائح هي علاقة دعاء ، اي داخلة ضمن ما يدعو به المؤمن ، وليست هدف الديانة كلها كما يتصور الملحد ، ولماذا نتكلم عن الاديان و هي موجودة ؟ انظر اساسها ، بل انظر ماذا تعبر الاديان عن نفسها ، لو كان هدفها اتقاء الكوارث في الدنيا ، لكان هدفا معلنا في الدين نفسه ، ولا احتجنا الى ملحد لكي يفسره لنا .. لماذا لا يقول المسلمون وعلماؤهم : اننا نعبد الله حتى نتقي الجفاف و الامراض والعواصف والزلازل ؟ لكنهم لا يقولون ذلك ، بل نعبد الله لانه يستحق الشكر والعبادة (اعملوا ال داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور) ، فكيف يقوّل الملحدون الاديان ما لم تقله ؟ هل هذه موضوعية ؟ لو كانت الاديان كلها تقول : نحن نعبد لاجل هذه الاخطار في الدنيا ، لكان الكلام صحيح ، بل لا يوجد دين يقول ذلك ، انما هي وجهة نظر الحادية تعبر عن شيء ليس بغائب و يستطيع ان يعبر عن نفسه . اما ان يفسر الملحد الدين كما يريد ، مع أن اهل الديانة يقدمون تفسيرهم لسبب عبادتهم ، اليس الاولى ان يؤخذ به ؟ ام ان يؤخذ راي الملحد بدينهم ؟ هل نقبل تفسير الملحد لدين المؤمنين ؟ ام نسمع تفسيرهم هم لدينهم ونعتمد طرحهم ؟

 

اذن هوكينج يتكلم باسم الاديان ويقولها ما لم تقله ، ويجعل هدفها الذي وجدت منه غير الهدف الذي تقوله هي ، و يصر على انهم خائفين من الزلازل و البراكين ، بينما هو لا يخاف ! مع انهم بشر ! ويقول انه حتى المؤمنين الآن دافعهم هو الخوف من الزلازل و البراكين ونحوها ، و ليته يقول هذا هو رايي ، لكنه يتكلم بثقة و لا يترك لهم فرصة ليعبروا عن انفسهم ، و هم اصحاب الشأن ، و لا يرجع الى تفسيرهم و لا حتى مصادرهم . فاين الموضوعية في الدراسة ؟

 

هذه انتقائية و تضخيم للمنتقيات و الباس الجزء على الكل ، وهو تناول غير علمي ممن يوصف بالعلمية .. إن هذا النوع مصادرة على الراي يقع فيه الملحد ، و يفسر الآخرين رغما عنهم . ويقوّل دياناتهم و كتبهم ما لم تقله ، هذا هو القرآن ، اين سور العواصف وتعويذات لسع الدبابير وتعويذات المرض والجدري والطاعون والكسوف والطوفانات والقحط والحرب والثعابين ؟ هكذا يجب ان يكون الدين اذا اتبعنا تصور هوكينج واشكاله من الملحدين ، يجب ان تكون كل الايات تدور حول الموضوع .

 

نعم هناك اوراد عامة طلبا لحماية الله من الشرور ، هي من ضمن الدعاء ، و الدعاء يشمل الدنيا والاخرة ، بل القران يشنع على من يطلب للدنيا فقط كما يتصور هوكينج ، ( ومن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما لهم في الاخرة من خلاق) ، و هذه الاية تسقط كل هذا التفسير الالحادي بدنيوية الدين ، لأنها تتوعد من يعبد لاجل الدنيا فقط بعذاب الاخرة ، فهل بعد هذا دليل ؟ المؤمن يتعامل مع رب الدنيا و الاخرة ، و من حقه ان يطلب منه حمايته في الدنيا و الاخرة وان كانت الاخرة هي الاهم و لاجلها وجد الدين و ليس لاجل الدنيا ، فالدنيا لا تحتاج الى دين ، بدليل ان الملاحدة الماديين الواقعيين لم يحتاجوا الى دين ، لان هدفهم هو الدنيا فقط ..

 

لا توجد ولا ديانة همها هو الواقع اليومي و المعاشي والدنيوي فقط ، هذا هم الملحدين الدهريين فقط ، و الا لما سميت ديانة ، بل تسمى فلسفة حياة كبقية الفلسفات الدنيوية كالشيوعية و الراسمالية والمادية و غيرها ، كل الديانات تعتمد على الغيب ، وهو مركز اهتمامها ، وليس الواقع ، لأن من يخاف من الكوارث والاضرار والامراض فقط ، منطقيا سيكون تركيزه عليها بدلا من اهدار الوقت في بناء المعابد ، أن يبني السدود مثلا ، فالسدود نتائجها مضمونة في منع الطوفان اكثر من ان يختلقوا الها و يطلبوا منه ان يمنع الطوفان و يبنوا له المعابد . هل القدماء كانوا اغبياء و سذج الى هذه الدرجة التي ينظر اليهم بها الملاحدة ؟ هل الملحد يتصور ذلك عنهم ؟ الم ينظر الى آثارهم و ابداعهم و صناعتهم والتي نعيش عليها و نستعملها حتى اليوم ؟ هل هذا الابداع يخرج من ناس سذج و حضارات ساذجة الى هذه الدرجة ؟ موقف الملحد غير متمكن و مفتوح للنقد من كل الجهات ..

 

الم يكن الاهتمام بالعلاج انفع من احراق البخور والتعاويذ للالهة ؟ هل كانت عقولهم مجدبة الى هذا الحد ؟ اذن كيف اختلقت خيالا خصبا و اقامت تماثيلا ضخمة و فنية و هندسية و حضارات عظيمة ؟ اثار القدماء تشير الى انهم كان لديهم عقل ، و من كان عنده عقل وهو لا يخاف الا من اضرار الدنيا ، سيتجه فورا الى العقل ، لكي يحارب الجفاف و يبني السدود والجسور ويتعامل علميا مع الطبيعة ، و هم يعرفون ذلك ، و يعرفون ان البيت يحميهم من البرد والثلج ، ولم يجلسوا في العراء ويطلبوا من الالهة ان تحميهم منه ، و لم يجلسوا ويطلبوا ان ترسل الالهة لهم السمك مشويا ، بل ارتادوا البحر و بنوا القوارب والسفن وصنعوا الشباك ، وطلبوا من الالهة التوفيق .. لان هذه امور دنيوية ، اما الدين فليس هدفه فقط الدنيا ، لان الدين يثبت لهم هدف حياتهم وغاية وجودهم و نصرة الخير الذي يحبونه .. آمنوا لأنهم يريدون ان يتغير الواقع الى الافضل انسانيا ، وليس لانهم مشغولون بالاستثمارات المالية المادية كما يفهم الملحد والحماية من مخاطر البيئة .

 

الانسان ليس عابد مصلحة كما يتصور الملحد ، الانسان مخلوق متسامي ، لا يستطيع ان يعيش بدون اهداف سامية ولا يستطيع ان يكون واقعيا 100 % وبدون خيال جميل و بدون آمال راقية  ، والالحاد مجدب من كل هذا . لهذا بحث عن الدين و بحث الدين عنه ، ليسد هذه الثغرات غير المادية في اهتمام الانسان ، فخالق الناس لم يضيع الناس ويتركهم في الجدب الروحي .. فأرسل لهم الرسل تترا . 

 

هكذا يجب ان يكون لو تابعنا فكر الملاحدة : انهم يعتقدون ان المؤمنين يريدون اصلاح الدنيا فاختاروا الطريق غير المباشر ، مع انهم يعرفون الطريق المباشر لاصلاح الدنيا ، و هذا الكلام لا يمكن قبوله عقليا ، لان القدماء اعملوا عقولهم في حل مشاكل الدنيا و لم يتكلوا فيها على الالهة فقط . اذن هذه الفكرة الالحادية فاشلة ويسقطها المنطق والواقع الانساني و الديني والتاريخي ، و يجب ان تنحى عن الطرح ويبحثوا عن بديل لها يقدم تفسيرا اوجه لظاهرة الدين . خصوصا ونحن نعرف و كل من زار المتاحف يعرف محاولات القدماء الكثيرة و الناجحة في اصلاح شؤون معاشهم و حياتهم ، اما الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين فهي اصلا نادرة الحدوث وليست عامة في كل مكان بينما الدين عام في كل مكان ، ويمكن اتقاؤها الى حد كبير . هذا عدا ان لها كثيرا من الفوائد .     

 

كيف تكون الديانات وضعت لاجل الدنيا و مصالحها ومخاوفها ؟ ان الملحد يضيق الدائرة اكثر بعدما يحصر الدين في الخوف من مظاهر الطبيعة ، فحصرَ الخوف بعدم المعرفة التفصيلية بحدوث هذه الامور التي قد يخاف منها .. و كل هذا الاعتساف لماذا ؟ ليقدم الحل الذي أخـّر ظهوره : وهو العلم ، كبديل عن الدين ، اي ان الملحد يصنع مسرحية كما يشاء و يدخل البطل في الوقت المناسب . تستطيع ان تـُمَسْرِح كما تشاء ، و لكن الواقع شيء آخر . ولم تتطابق مسرحية مع الواقع في يوم من الايام .  

 

المؤمن لم يضع الدين كله لاجل حمايته من مشاكل الدنيا فقط كما يحب ان يتصور الملاحدة ، معتسفين للنصوص كما يريدون . هم عمموا الجزء على الكل .. ان دعاء الله عام ، ولو كان دعاء الله خاصا بأمور الدنيا و طلب الوقاية من شرور الطبيعة ، لكان الدين كذلك ، و لصرح بذلك ، ولنهى عن طلب اي شيء غير الدنيا ، و لكن واقع الاديان مختلف جدا عن الطرح الالحادي ، فهي اوسع من هذا الضيق الذي حصروها فيه ، و ليس هناك اوسع من الدنيا والاخرة ، بينما هم حصروا الدين في كوارث طبيعية معينة قد تحدث وقد لا تحدث .

 

في جزيرة العرب ، عاشوا و ماتوا لم يعرفوا الزلازل ولا البراكين ولا حتى الطوفان ربما ، و ليس عندهم اخطار طبيعية اكبر من الجفاف . لو كان طرح الملاحدة صحيحا ، لكان دين الاسلام الذي ظهر في جزيرة العرب دين الجفاف و محاربته ، ويدور قرآنه كله حول هذا الموضوع . هل رأينا كيف ان طرحهم شاذ و غريب وأنهم يتكلمون عن شيء لا يعرفونه اسمه الايمان ، وحتى لو مروا به يوما من الايام لا يعني هذا انهم وعوه وادركوه ، بدليل انهم مرقوا منه .

 

المادي له الحق ان يتكلم عن المادة ، لانها هي الشيء الوحيد الذي يجوز له ان يتكلم فيه لانه يعرفه .  

 

الديانات تدور حول التصوف و الايمان و حلاوته ، فليست المعابد وزارات دفاع ضد اخطار الطبيعة كما يحب الملحد ان يتصور ، لانه وجد بعض المغالين الذين يرجعون ظواهر الطبيعة مباشرة الى غضب الهي ، و هذا الارجاع غير منطقي اصلا ، لانه من الذي يستطيع ان يحدد ان الله غاضب على هذا البلد او ذاك ؟ ثم الجميع يعرف انه اذا كان الطوفان قد اضر ببعض اتباع الالهة ، فهو قد جاء بالخصب والماء لمزارع بعض الاتباع ، فإذن أي التفسيرين سيكون هو المعتمد عند السدنة ؟ هل هو كلام الصيادين الذين غرق اهلهم ؟ ام كلام المزارعين الذين اتروت مزارعهم ؟

 

البشر منذ القدم يعرفون ان مصائب قوم عند قوم فوائد ، و لا توجد مصيبة عامة على كل الناس كما يستطيع العقل الملحد ان يبتلع بسهولة ، فيتصور وجود كوارث عامة على كل الناس لا يوجد من يشكرها ، فحتى حفار القبور قد يشكر مرض الطاعون على ازدهار عمله ، هذه الحقائق يعرفها الناس ، اذن كيف يقيمون دينهم على اساسها و هم يعرفون ان ما ساء قوما سيسر قوما اخرين ؟ انهم ليسوا مجانين الى هذه الدرجة التي ينظر اليهم بها الملحد من كل زاوية و كأنه يطلع على فيلم المجانين الثلاثة .. البشر القدماء وغيرهم هم مثلك تماما في الاساس، ويعرفون المنطق ..

 

كلما حصلت كارثة في بلد ما ، لا بد ان يخرج منها اصوات غير عقلانية ولا منطقية و تدعي معرفة الغيب وتصور ذلك الحدث على انه عقوبة الهية لاسباب معينة . هؤلاء لا يصدقهم العقلاء طبعا .. بسبب انهم يعرفون ان الحوادث الطبيعية خاضعة لقوانين، و لسبب منطقي آخر ، وهو ان علم الله عنده دائما ، وثالثا : ان الله عادل ، لا يعاقب الجميع بسبب ذنب البعض ، ورابعا  : انه لا يمكن معرفة ما يفيدنا فعلا وما يضرنا فعلا : ( عسى ان تكرهوا شيئا وهوخير لكم ، وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم) . والناس تعودوا على مثل هذه التقلبات في النظرة ، فطالما خافوا من شيء و اذا به خير لهم ، وطالما احبوا شيئا او احدا ، فطالهم منه الضرر ، و يذكرون قصصا كثيرة عمن عاش يجمع المال حتى قتله ماله . و يذكرون قصصا كثيرة عمن نفعه ما كان يتوقع ان يضره ، وضره ما كان يتوقع ان ينفعه ..

 

عندما تتكلم عن دين ، فأنت تتكلم عن اجماع بشري على اساسات ، و لا قيمة للشذوذات التي يحاول الملاحدة ان يجمّعوها و ينظروا الى الدين من خلالها ، كتعظيم خرافة هنا او هناك .. البشرية اعلم باساسات و دوافع ما تفعل دائما ، و ليست بحاجة الى واحد مثل هوكينج او غيره لينبهها عن شيء لم تكن تعرفه من قبل و يصحح لها مسارها .. البشرية اعقل بكثير مما يتوقع الملاحدة ..

 

العاقل هو من يستخلص من اجماعها نقاطا اساسية يعتمدها كاساسات ثابتة و لا يلاحظ شواذا هنا و هناك لاحقها بعض الحمقى من الاتباع او المتطرفين .. الانسانية لا تستطيع ان تعيش بدون هدف لوجودها ، و هوكينج يريدها ان تعيش بلا هدف لوجودها .

 

فني الكهرباء يكسر الجدران ويعمل الممرات و يضع الاسلاك والقواطع والفواصل لاجل ان يضيء المصباح ، هوكينج وامثاله يريدون منا ان نعمل كل هذا وبدقة اكثر ، ولكن بدون ان نضع مصباحا ! ما فائدة الحياة و ما جدوى الوجود ؟ هل رأيت كيف يخالف الملحد مسيرة البشرية و يخالف دوافعها العميقة من خلال نظرات مادية ظاهرية غير مرتبطة بالعمق الانساني ؟

 

و لكن كل هذا {بدأ} بالتغيير مع ظهور حواديت ميليتس  (٦٢٤-٥٤٦ قبل الميلاد)٠

Tales of Miletus

أي بحوالي ٢،٦٠٠ سنة ماضية، {عندما برزت مجموعة من القصص القديمة المكتوبة و المجمعة تحت الإسم أعلاه في مدينة ميليتس الإغريقية\التركية العتيقة} و التي {تؤكد  بعضها أن} الطبيعة تتبع قوانين ثابتة في الإمكان حل رموز شفرتها .  و هكذا بدأت {من يومها} العمليات الطويلة {المتسلسلة الشاقة} بإستبدال فكرة {تدخل} الآلهة {في الظواهر الطبيعية كقوى خير و شر} مع فكرة الكون المسير بقوانين طبيعة {ثابتة و مفهومة}،


هذا غير صحيح و يلغي كل الجهود العلمية السابقة للبشرية بميلتوس والمثبتة تاريخيا وحضاريا .. الم يعرف الانسان الهندسة قبل ميلتوس ؟ الم يتعامل مع قوانين الطفو في بناء السفن والطوافات ؟ الم يتعامل مع النباتات و يعرف النافع والسام منها ؟ الم يتعامل مع الحيوان ويكون ثقافة ومعرفة حول سلوكها ؟ الم يعرف الكتابة و التحنيط و الهندسة الراقية عند الفراعنة والفخار والزجاج عند السومريين والبابليين والصينيين ؟ ألم تقدم تلك الحضارات معطيات باهرة ؟ هل كانت هذه المعطيات ستأتي بلا علم ؟ كل هذا علم ، و كله قبل ميلتوس ،، فلماذا يريد ان يجرد هوكينج البشرية من علومها ؟

 

واضح جدا ان العلم عند الالحاد ليس ما نعرفه و تعرفه البشرية ، العلم عندهم هو تفسير ظواهر الكون ، هذا اسمه العلم عندهم ، و لهذا يدخلون النظريات غير المثبتة والتفسيرية في مسمى العلم ، لكي يثبتوا ان العلم فسّر ظواهر الطبيعة بدون اله ، معتقدين ان الاديان تفسر ظواهر الطبيعة من خلال الاله ، وهذا غير صحيح ايضا ، وإلا فكيف بنوا الحضارة ؟ هل الالهة هي التي بنت الحضارة ام هم ؟ هل بنوها بغيبيات ام بعلوم و قياسات ؟ المسألة كلها اختلاق و تقويل الأديان ما لم تقله وما لم تفعله . لو كان العلم وحدوث الظواهر مرتبط باله عند القدماء ، لما فعلوا شيئا ولا درسوا شيئا ولا ابتكروا شيئا ، و لما وردتنا حضارتهم الباهرة ، لانهم سوف ينتظرون الالهة ان تحل مشاكلهم وما عليهم الا تقريب القرابين و العبادة بموجب تفسير هوكينج ، و التاريخ يثبت عكس ذلك .. اذن من الخاطئ : هم ام الطرح الالحادي ؟

 

و هناك دافع آخر يريد ان يحصر العلم في اوروبا فقط ، و يجرد بقية الشعوب من اسهاماتها الحضارية والعلمية التي نقلها اليونان انفسهم . فحضارة بلاد الرافدين اقدم من حضارة اليونان وهي حضارة باهرة ، و تعد من اقدم الحضارات وكذلك الحضارة المصرية والصينية وغيرها كثير . المصريون القدماء وضعوا انظمة للري وقياسات فلكية كلها تتعلق بالطوفان ، فلماذا لم يكلوا هذا الامر للآلهة ؟ السومريون ايضا والبابليون كتبوا عن الزراعة والعلاج ، لو كانوا يتكلون على الالهة لما فعلوا اي شيء من هذا ولاكتفوا بالذبح والنذور للالهة لتحل مشاكلهم كما يتصور الملاحدة .

 

هذا فهم غير جيد ، لان الواقع و التاريخ يتصادم معه ، وما يجعله ضعيفا هو ان له هدف مسبق ، وهو تنحية الدين واحلال العلم محله .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق