الأربعاء، 22 أغسطس 2012

الصبر ومستوياته..




{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَ‌بَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْ‌ضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُ‌ونَ أَجْرَ‌هُم بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ}

تشير الآية وبأسلوب الحصر (إنما) إلى أنه أي صبر في سبيل الله سوف يوفّيه الله في الدنيا والآخرة, وبغير حساب أي جزاء مطلق وواسع وليس بقدر العمل, وأيضا دون حساب أي بدون توقع من الصابر, فالله لطيف لما يشاء وفرج الله أقرب مما يتصور الصابر, أي يصل إلينا بدون أن نتوقعه, وهذا يتفق مع قوله تعالى {وبشر الصابرين}. وهناك صبر على قضاء الله من مصائب أو نوازل ليس للعبد يد فيها ولا يستطيع ردها, وهي داخلة في اختبار الشدة, لأن الإنسان يمتحن في الرخاء ويمتحن في الشدة..

ووفرة النعمة ليست دليلا على الرضا بل هو اختبار, وهناك صبر على أذية الآخرين وهو أعلى مستوى من النوع الأول لأن فيه مساحة للاختيار, فنستطيع أن نؤذيهم أو نصبر لوجه الله ورضاه, لأنه لا يحب أن نكون منتقمين وعديمي الصبر, وهي مستوى أخلاقي, وهناك الصبر الأرقى وهو الصبر لأجل الله ولإعلاء كلمته وهو أعلى أنواع الصبر, لأن تعبه جاء باختيار كامل وفرضناه نحن على أنفسنا, أما النوع الأول فلا حيلة لنا فيه والثاني لنا فيه اختيار لكن فرضه الآخرون علينا, أما هذا النوع فالتعب فيه مختارا ويمثل قمة محبة الله, إنه صبر على الأذية بسبب الحب لله ولما يريد, وكل الأنواع الثلاثة يمر بها المؤمن الصادق {وبشر الصابرين} على قدر الله وعلى الآخرين وعلى الأذى في سبيل الله, وهكذا لا محبة بدون صبر ولا صبر بدون محبة, ولا جمال بدون صبر, قال تعالى: {واصبر صبرا جميلا} ودائما ما أجمل الشخص الصابر.. إنه سر الجمال المعنوي لكل من أراد أن يكون جميلا.  

وأنا أقول بلا دليل ولا تدخل بقضاء الله أنه ربما كلما ارتقى الإنسان إلى مستوى من الصبر خف عليه المستوى الذي قبله,  ونستأنس بوعد الله {إن مع العسر يسرا} ووعد الله للمؤمنين الصادقين بحياة طيبة, قال تعالى : {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك..} {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ} ثم يأتي الاختبار: { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث}
وهكذا نرى أن الله خفف مصائب نبيّه بعد أن اختار الصبر في سبيله , وبسبب ذلك الاختيار تعرض لأذية الكفار وصبر عليها الذين لم يكونوا ليؤذوه لولا نصرته لكلمة الله.

ومن رحمة الله أن كل المتاعب لا تأتي دفعة واحدة على الإنسان , ويؤيد هذا قوله تعالى {وما يفعل الله بعذابكم}. وقوله {إن مع العسر يسرا}. فإما أن يخفّف الصبر أو يخفّف الاختبار نفسه وتقل المصائب والمشكلات مع الآخرين , لأنه ارتقى في سلم الاختبار, بدليل نجد أحد يتحمل أذى الآخرين ويجد سهولة في ذلك التحمل بينما يحاول غيره ولا يستطيع, وهذا رحمة من الله, ونجد شخص يقاوم شهواته وهو ينجذب لها ويمنع نفسه, نجده فيما بعد لا يقاوم انجذابا لتلك الشهوات بل تبدل الانجذاب إلى نفور, فصار الآخرون يظنون أنه يقاوم بينما هو يمارس هوى نفسه الآن بالنفور من المعاصي التي تجعله يتعب ويتقزز لو اقترب منها وهذا من رحمة الله وتخفيفه,

{وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فكأنه الآن لا يُختبَر بالشهوات, لكنه لم ينتهي من الاختبارات الأرقى, وهذا يؤيد الرأي السابق, وكل شيء يخف أو يزول تأثيره كأنه غير موجود, والاختبارات لا تتكرر هي نفسها.


اضافة :


ايضا الصبر ينقسم الى انواع، منها الصبر على الأذية مع وجود بدائل للرد، وهذا هو الصبر الجميل، بينما الشخص الدؤوب على الشر لا يوصف بالصبور، رغم صبره على التعب، وإلا لوُصف الشيطان بأنه صبور. طريق الصناعي والشر هو أصلا ضيق ولا بد أن تتحرك فيه بكل ما تستطيع و إلا فستسقط، قال تعالى عن مختار هذا الطريق (فسنيسره للعسرى) ، فالدؤوب في الشر يتعب ولكن لا يدري انه يعاني.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق