الأربعاء، 15 أغسطس 2012

الجواب على سؤال حول الأخلاق ومدى عدالة الإسلام في التعامل مع موضوع الرقيق..




الوراق .. سؤال يجول في خاطري ؟ من اين تاتي الاخلاق من وضعها من اين مصدرها؟
قال النبي عليه الصلاة والسلام اتيت لاتمم مكارم الاخلاق, البعض ياخذ على هذا الشيئ فيقول لم يقل النبي شراء العبيد وبيعهم حرام لكن الامم المتحده تدين هذه الاعمال ..

التعليق:

الأخلاق تتكون من جزء عقلي, وجزء شعوري أو عاطفي (فطري), إذن الشعور الفطري هو أساس الأخلاق, وهو ما سماه القرآن بالمعروف, لأن الجميع يعرفون هذا الأساس الفطري ويحسون به, لكن لا تكون الأخلاق ذات فاعلية ووجود على أرض الواقع دون ان ترتبط بالإيمان بالله, وإلا ستضعف تبعا للضعف البشري من خوف ورغبة, هذا غير أن الدين يلبسها لباسها العقلي المناسب الذي كثيرا ما تنحرف عنه, إما بتطرف أو بمخالفة. 

وقد وضعها الخالق فطريا على شكل إحساس يحاول العقل أن يترجمه, فرحمة المصاب إحساس تحاول أن تترجمه عقليا بالإسعاف أو التمريض أو استدعاء الطبيب, وهذا العمل في هذا المثال يعرفه كل البشر ويتفقون على أنه عمل جيد, إذن أساس الأخلاق معروف عند الجميع, و ما عُرِف أنكر ضده وعُرف من خلاله, لهذا تعارف الناس على المنكر أيضا, أي أنكروه لأنه مختلف عن المعروف عندهم ومناقض له.

(جئت لأتمم مكرم الأخلاق): الأخلاق دون إطار ديني صحيح تتضرر ويبرز بعضها بقوة ويمسح بعضها من الوجود, تبعا للظروف والقوى المؤثرة في المجتمع التي لا تناسبها تلك الأخلاق التي يراد إزالتها, فتخبو لكنها لا تموت, لوجودها في الشعور الإنساني. والعرب قبل الرسول كان عندهم مجموعة من الأخلاق المنتقاة مقابل الأخلاق المندثرة أو الضعيفة, فمثلا كان عندهم الكرم لكن لم يكن عندهم إنكار الإسراف, وكان عندهم حماية المستجير لكن كان عندهم وأد البنات أيضا. ولهذا كل مجتمع بحاجة إلى تتميم الأخلاق ولا نقول إيجادها من العدم. لم يكن الربا محرما عندهم ولا عند غيرهم وجاء به الإسلام كقيمة خلقية تحمي الضعفاء من قوة رأس المال, لم يكونوا مسؤولين عن الفقراء في الجاهلية إلا على نطاق فردي ولهذا ظهرت طبقة الصعاليك كحل أخلاقي وقع في سوء الأخلاق, لأنهم يقطعون الطرق ويسرقون أموال الأغنياء ليوزعوا على الفقراء, فأصلحوا الخطأ بخطأ, ومن هنا الحاجة للدين حتى ينظم الأخلاق ويتممها ولا يجعلها تتعارض, قارن بين حل الصعاليك وروبن هود وحل الزكاة لترى عظمة الإٍسلام وعدالته مع الجميع. 

كما دعا الإسلام إلى تحرير العبيد ورفَض العبودية بين المسلمين وجعل إعتاق الأرقاء من مصارف الزكاة, لكن لم يكن هناك إجماع دولي في ذلك الزمان على تحريم استرقاق الأسرى, وليس من المناسب أن يحرم من طرف واحد لأنه كان عرفا دوليا, والتعامل الدولي يقوم على المعاملة بالمثل, إذن الإسلام تعامل مع قضية العبودية أجسن التعامل, ولو منعها سيكون على حساب المسلمين فقط, أي يأخذهم الأعداء أرقاء بينما هم لا يأخذون من الأعداء أرقاء. أما الرق داخل الإٍسلام فقد اتخذ الإجراءات للقضاء عليه نهائيا بحسب رغبة العبد, لأن بعضهم لا يريد أن يتحرر من سيده, وإن أراد أن يتحرر فالكفارات تدفع عنه أو هو يكاتب سيده أو يأخذ من زكاة المال العام, وبالتالي لا يتضرر المالك ولا العبد. أما إذا حصل اتفاق دولي كما هو الآن فهذا ما كان يريده الإسلام أصلا والمسلم الحقيقي أول من يرحب بمثل هذا الاتفاق. لو كان هناك اتفاق عالمي على منع الحروب وتفكيك القوات المسلحة سيكون المسلم الحقيقي أول من يرحب به لأن دينه يدعو إلى السلام والدعوة إلى الله بحرية والدخول إلى الإسلام بحرية. إذن الإسلام هو الرائد في تحرير العبيد, ولم سبقه أمة ولا حضارة في ذلك, فقد منع الرق بين المسلمين حتى لو تحاربوا, وفتح المجال لتحرير الرق المأخوذ من غير المسلمين في الحرب, ولم يقسوا على العبد ولا على المالك, لأن رمي العبيد فجأة في الشارع هو جريمة بحد ذاتها باسم التحرير, ورفض أي تعويض للمالك, كما حصل في الغرب. الإسلام دين التوازن بين العقل والعاطفة. 
  
أما الغرب ففي القرن الماضي وما قبله كان عندهم عشرات الملايين من العبيد, وهذا سبب التفرقة العنصرية التي حلت محل تحرير العبيد عندهم, أما المسلمون فلا يعرفون التفرقة العنصرية بهذا الشكل الصارخ الموجود عند الغرب, كرذيلة أخلاقية تعبت القوانين هناك في مكافحتها ولا تزال جيوبها موجودة ومختبئة عن القانون, أما الإسلام فيقول أن الناس سواسية (كلكم من آدم وآدم من تراب), أما في الغرب فكانت نعرة العرق الأبيض والدماء الزرقاء وأخيرا نعرة التطور الجيني بعد أن فشلت فكرة سعة الجمجمة الغربية, حيث ثبت أن الصينيين أوسع جمجمة منهم. 

أما العرب والمسلمون فلا يفرقون عنصريا وبدون فرض قوانين, إلا على نطاق ضعيف وعلى استحياء, وليس علني, وهل تتصور أن في مطعم في العالم العربي يطرد فئة من الناس بعد ان ينظر إلى ألوانهم ويمنعهم عن دخوله كما كان يحصل في محطات القطار والمطاعم وغيرها, في امريكا وجنوب أفريقيا وغيرها قبل عدة سنوات؟! ففي أمريكا طرد الملاك محمد علي كلاي من مطعم همبرجر لأنه أسود! بل ويُطرد الملونون من المشي على الرصيف في جنوب أفريقيا كما حصل لغاندي, والذي وحاولوا طرده من ركوب الدرجة الأولى في القطار مع أنه يحمل تذكرة إلى أن تدخلت بعض السيدات من العرق (الراقي والأشد بياضا), وأيضا المطاعم التي كان يُكتَب عليها ممنوع دخول الكلاب والسود! وأنا أتساءل وكل عربي ومسلم يتساءل كيف استطاعوا كتابتها دون خجل؟! 

هذا غير أن العبيد الذين حررتهم الأمم المتحدة ليسوا عبيدا أصلا في فكر الإسلام, بل أناس مسروقون من مزارعهم وقراهم بدون ذنب, وليسوا كفارا أشهروا السلاح في وجه المسلمين كشرط للعبودية, إذن الإسلام لم يقر نظام العبودية أصلا قبل أمريكا والأمم المتحدة لأنه لا يعترف بهذا النوع من العبودية الذي قامت الحركة ضده. والرقيق الذي كان موجودا على قلته عند العرب والمسلمين إلى عهد قريب عبارة عن بضائع اشتروها من تجار الرق الغربيين حيث يقومون بالسرق من أفريقيا, بعد أن غير تجار الرقيق عندهم وجهتهم عن شرق أوروبا إلى أفريقيا, بعد اكتشاف أمريكا وحاجة المزارع إلى عمال. ولا نجد في الأدب والتاريخ الشعبي عندنا ما يشير إلى معاناة ومشكلة أخلاقية كانت عندهم بل كثيرا ما نجد العبيد وهم يرثون أسيادهم ويبكون عليهم, بعكس ما كان عند الرقيق الغربي حيث المعاناة والضرب بالسياط حين كانوا يعملون وأرجلهم مربوطة إلى بعض في مزارع قصب السكر وغيره, وهذا طبعا على الأغلب في كلا الحالين. إن العبيد الذين كانوا موجودين عند العرب المسلمين في هذا القرن والقرن الذي قبله والذين قامت حركة التجرير لأجلهم وتبنتها الأمم المتحدة, لم يقرهم الإسلام أصلا كعبيد لأنهم ليسوا نتاج حرب, بل إن بعضهم كانوا مسلمين في ديارهم تمت سرقتهم وبيعهم على مسلمين أو غير مسلمين.

وعيوب المسلين ليس الإسلام مسؤول عنها لأن بعضهم مارسوا أيضا سرقة العبيد من بلاد أفريقية إسلامية وباعوها أيضا على مسلين, فهل يقر الإسلام مثل هذا؟ أن يسرق المسلم مسلما أو مسالما ويبيعه؟ وإن كان هناك سكوت وتغاضي في ذك الزمان فلا ذنب للإٍسلام فيه, فالحاصل أن كل العبيد الذين ضجت أوروبا وأمريكا لأجل تحريرهم كان الإسلام يرفض أن يكونوا عبيدا أصلا حتى يقبل ببيعهم وشرائهم وحتى نطالبه بأن يحررهم أو لا يحررهم, لكن الغرب قبل أن يجعلهم عبيدا, رغم ما يدعيه من رقي في ذلك الزمن, وبعد أن تحرر الغرب من استرقاق الأفراد اتجه إلى استرقاق الشعوب من خلال الهجمات الاستعمارية المستعرة, أي سرقة الجمل بما حمل! ولما ثارت عليهم الشعوب وطردتهم بالقوة والتضحيات رغم تفوقهم العسكري اتجهوا إلى الاستعمار عن طريق العولمة والسيطرة السياسية والاقتصادية, فداء الاسترقاق ملازم لهم فيما يبدو والويل للضعيف! 

والغرب أمة تدعي الأخلاق لكنها تمارس المصلحة, وكلما انصرفت مصلحتها عن شيء بينت سوء أخلاقه وشنعته على غيرها لأنها وجدت مصيدة جديدة وأماكن صيد أفضل.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق