الأحد، 5 أغسطس 2012

رأيي في الماهية والوجود





بالنسبة لفكرة الماهية والوجود فأعتقد أنها فكرة يونانية الأصل , ربما جاءت بسبب ديني فلسفي لأن اليونان يؤمنون بتعدد الآلهة وأكثر آلهتهم أرضية , وبالتالي تتبين عيوبها من خلال الماهية (الصفات) , فصارت مبحثا فلسفيا ,

كان سقراط يقول مثل مقولتك أن الماهية لا تنفصل عن الوجود , مما جعله ينصرف عن التفكير المادي إلى المثالية العقلية على اعتبار أن الفكرة كاملة بينما الصفات لا تأتي كاملة في أكثر الحالات , ثم تلاه أفلاطون الذي عدّل في هذا الطرح بحيث أدخل نظرية (عالم المثل) لتسد الثغرة في النقص الذي قد يظهر على الصفات من خلال التعويض بعالم المثل ,

 فكل ماهية ناقصة في عالمنا هي كاملة في عالم المثل حتى الكرسي الموجود عندنا هناك كرسي مثالي كامل في عالم المثل كما يقول , وهو الذي يجعلنا نختار كل فترة الأفضل من الكراسي تبعا لمعلوماتنا الملهمة من عالم المثل كما تصور أفلاطون واليونان عموما وكما يؤكد سقراط ولهذا قال : أن السعادة في المعرفة . والمعرفة عند سقراط تعني تذكر عالم المثل الذي يؤمن به اليونان (أي عالم الآلهة السماوية) (إنها فلسفة دينية) , لأن آلهتهم الكثيرة موجودة في الأرض وفي السماء .

أما بالنسبة لي , فلا أستطيع أن أفصل بين شيء اسمه ماهية وشيء اسمه وجود , بل إن الماهية هي وجود , فصفات الشيء جزء منه ومن خلالها يعرف وجوده ولا يوجد شيء نعرف كل صفاته كاملة أصلا , ومادمنا لا نعرف صفات كل شيء بالكامل فنحن لا نعرف ماهية أي شيء بالكامل , 

ومن هنا يجب أن يلغى هذا المبحث الخاص بالثقافة اليونانية (الماهية والوجود) من وجهة نظري طبعا , ويلغى معه كل اللف والدوران والتعقيد المصاحب له , إذا اعتبرنا أن الماهية هي الصفة ,

أما إذا اعتبرنا أن الماهية هي الوجود الذهني المتكامل لشيء ما , فهذا مجرد افتراض لا دليل عليه , وإن كان يعتنقه أفلاطون أو غيره من اليونانيين , يقول أفلاطون : أي حصان تراه تجد فيه نقصا ما , ولا يمكن أن تأتي بالحصان المتكامل بكل الصفات التي تطلب في الحصان . مما يعني بسبب معرفتنا بالحصان المتكامل وعدم وجوده في الواقع , أن ذلك الحصان موجود في عالم المثل السماوي , ولهذا أي بطل يوناني يصل للتكامل يتحول إلى (إله) لأنه يتحول إلى عالم المثل .

لهذا السبب صار تفكير أفلاطون مثاليا (عقلي) أي غير مادي ولا واقعي عكس أرسطو الذي اتجه إلى المادة كما هي , والحقيقة أن أفلاطون صار خياليا وليس عقلانيا كما تصور , لأننا إذا افترضنا وجود الحصان المتكامل سيكون متناقض , فنحن نريد الحصان القصير ليركبه الصغار , ونريد الحصان نفسه أن يكون طويلا ليجتاز في السباق , ونفسه نريد أن يكون قويا ليصلح للجرّ , ونريده أن يكون رشيقا ليصلح للقفز , هذا غير الألوان المتعددة والجميلة التي لا يمكن أن تجتمع بحصان واحد , وهذه صفات متناقضة , فلا يمكن أن يكون الحصان صغيرا وكبيرا في نفس الوقت .

لهذا أقول أن أفلاطون خرج من العقلانية المرتبطة بالواقع وحاجات الإنسان وقوانين المادة إلى عالم الخيال , فإن كانت هذه هي الماهية فهي مجرد خيال , وإن كانت الماهية هي صفات الشيء , فصفاته جزء من وجوده أي تكون الماهية هي الوجود نفسه , وينتهي هذا الإشكال المليء باللت والعجن منذ أيام اليونان إلى فلاسفة العصر الحديث كسارتر وهيدجر.

ثم كيف ـ كما يقول البعض ـ  بتلازم الماهية بالوجود يقتضي ذلك أن يكون الشيء أوجد نفسه , هذا استنتاج غير واضح وليس له علاقة بمسألة الإيجاد من عدم , كما نلاحظ أن مثالية أفلاطون وسقراط امتدت في خط فلسفي يسمى بالمثالي (الذي يعتمد على الفكرة فقط دون الواقع) والتسمية جاءت من عالم المثل وليس من المثالية المعروفة (بالتكامل والفضيلة) إلى أن نصل إلى ديكارت وكانت وهيجل والكثير من الفلاسفة المثاليين المنطلقين من أفلاطون بداية .

أنا أعتبر أن البداية لم تكن صحيحة , وهذا لا يعني أنني مع الماديين من سفسطائيين إلى أرسطو إلى رواد الفلسفة المادية في العصر الحديث من ملحدين وشيوعيين الذين اكتفوا بالعلم دون العقل , فلا بد من الجمع بين الاثنين (العلم والعقل) وبالتالي تلتقي الفلسفة المثالية والفلسفة المادية في مصب واحد , هذا ما يجب أن يكون , وهذا ما يتفق مع الرؤية الإسلامية التي تجمع بين العقل المتفكر وآيات الله في الطبيعة .

هناك تعليقان (2) :

  1. أستاذي هناك مشكلة في كلامك ، أولا : الفلاسفة يقولون بأن الإنفصال بين الوجود والماهية هو انفصال ذهني لا عيني ، أي أن الوجود والعينية شيء واحد في الخارج ولا يوجد مصداق منفصل لكل منهما ، إذا فالخلاف حول الانفصال في الذهن ، وتبقى الإشكالية : هل الوجود سابق على الماهية أم العكس ؟ فالقائلون بالرأي الأول يقولون بأصالة الوجود واعتبارية الماهية وهي عامة المدرسة المشائية ، والقائلون بأصالة الماهية واعتبارية الوجود هم أتباع المدرسة الإشراقية . وشكرا لك ...

    ردحذف
  2. تارة الكلام عن الخارج فما ذكرته تام من ان الماهية نفس الوجود
    وتارة اخرى بحسب التحليل الذهني (بناءا على كون الماهية صفة)فالماية غير الوجود فالصفة ذهنا غير الموصوف

    ودمتم موفقين

    ردحذف