الأربعاء، 13 يونيو 2012

حوار شاكي (1-3)



شاكي:
المشكلة سيّد " الورّاق" ان الإله كما يحاول مؤلف القرآن أن يظهره لا يمكن أن يوجد ، فإن بحثت عن مخرج لتناقض ما ، أوقعت نفسك في تناقض آخر ! ، فهو لم يخلق شيئاً عبثاً ، وخلقنا للعبادة ، ولكنه لا يحتاج إليها ، فماهو العبث إذن إن لم يكن خلق شيئ ما ، ليقوم بشيئ لا تحتاج إليه ؟


الرد:
انت تريد ان تنظر الى المشهد من فوق سبع سموات .. لا ، انظر له من تحت .. تجد انه منطقي جدا.. اذا نظرت اليه من فوق ، فسيظهر لك عدم المنطقية ، لانك صعدت فوق المنطق اصلا .. لنتواضع و ننظر من موقعنا ، نجد عدم العبثية والنظام والقوانين . كل هذا موجود .

اما العبادة فكما وضحت في الكلام السابق امر مشاهد و موجود ، و كونه لا يحتاج الينا فهذا امر منطقي و واقعي ايضا ، ماذا اخذ الله منا و ماذا استفاد ان عبدناه او لم نعبده ؟ لا يوجد .. لأن كل شيء لله .. و فعلا جـُبلنا على العبادة ، وفعلا لا يوجد عبث كما يتخيل الملحد و ينبش في العلم لعله يجد عبثا ، و لكنه يرجع البصر خاسئا وهو حسير .. الالحاد منذ داروين و المئة والاربعة عشر عضوا عبثيا في جسم الانسان ، كلها تلاشت و ازالها العلم ، من وقتها وهو يبحث عن صور عبث ، فياتي العلم ليثبت اللاعبث .. فلا ترى في خلق الرحمن من تفاوت ..

اما ان تضع نفسك مكان الاله و تفكر من فوق العرش ، فهنا المغالطة .. لأنك تخاطب بالمنطق من خلق المنطق .. انظر الى المشهد كما هو ، تجد كل ما قاله القرآن منسجما ، اما علم الله فهو لله .. نحن لنا ما أمامنا و ما في انفسنا وعقولنا ، وما سواه خاص بالاله .. اي : لنكن واقعيين ، و نترك القفز الخيالي و ارتياد المناطيد الالحادية والعروج الى السماوات واستراق السمع ..
شاكي:
الاختبار ، رغم انه يعلم سلفاً كل شيئ ، بل كتب اقدارنا قبل أن يخلقنا ، ولكنه لا يعبث ! فما هو العبث إذن إن لم يكن اجراء اختبار تعلم نتيجته قبل ان تجريه ولست بحاجة إلي إجرائه اساساً ؟

هذا كلام ينطبق في المحيط البشري .. والاله له علمه ، و نحن نؤمن بعدله ، ونؤمن انه لا يعبث ، ولكننا لا نعرف الحقائق كلها ، و لا تستطيع عقولنا ان تستوعب كل الحقائق : (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا) ،(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) ، (وما اوتيتم من العلم الا قليلا) ، فبقية الاسئلة داخلة في علم الله الكثير .. المهم ان نكون واقعيين منطقيا و ننظر وضعنا كبشر (لم يخلقوا شيئا و هم يخلقون) .. و لهم معرفة اتيحت لهم من زاوية معينة فقط ..   

هل تزعم انك تعلم حقيقة كاملة واحدة بكل جوانبها ؟ لا اظنك تدعي هذا .. اذن ما اوتيتم من العلم الا قليلا .. كيف نحاكم الاله ونحن لا نعرف ولا شيء واحد معرفة كاملة ؟ اليس هذا من التكبر العقلي ؟ لنعرف كل شيء بأكمله ، و حينها نستطيع ان نناقش الاله المطلق .. و هذا لن يكون .. اذن لنفكر بمشكلتنا و واقعنا دون قفز او تكبر .. و نحن محتاجون الى الله و ليس العكس .. لأننا نمر الحياة و نخرج غير عارفين ولا حتى انفسنا .. نحن قادمون من العدم ، فكيف نحاكم الموجد الازلي ؟ المسألة مسألة معرفة نفس .. لقد احسن سقراط عندما قال : اعرف نفسك ، اي اعرف جهلك وضعفك واعرف قدراتك و حاجاتك ايضا ..

التفكير من خلال المادة ابعد الملاحدة عن معرفة النفس البشرية ..   

انت تريد العلم الكامل ، و لا تنظر الى واقع البشر ، والعلم الكامل عند الله .. كلما نكون واقعيين ، اي ننظر من خلال واقعنا الوجودي و من خلال محدودية قدرتنا وعلمنا ، يكون فهمنا افضل .. لنقيم أنفسنا و واقعنا افضل من ان ننشغل بتقييم الاله الذي هو خالق كل شيء ، بما فيه عقولنا التي نحاكمه بها .. دون ان نتكبر .. و نحن لا نعرف شيئا كاملا واحدا ، ولا حتى المادة ..

الوصول الى الله يمر من خلال الوصول الى النفس .. فاعرف نفسك تعرف ربك .. وهذا سؤال لك : هل هذه الفكرة التي اشغلتك : كيف يختبرنا وهو يعرف كل شيء : هل تحمل ظلما لنا ؟ طبعا لا .. هل تؤثر في كوننا نـُختبر ؟ طبعا لا ، اذن لا جدوى منطقية و لا اخلاقية لها ، وليس لها اثر في واقعنا الوجودي و مصيرنا .. المسألة تتعلق بعلم الله ليس الا ، هذا يشبه لأن تقول : لماذا خلق الله القمر رقم 3 الذي يدور حول المشتري ؟ عقلي لا يجد جدوى لذلك !! قالوا قبل ذلك عن الزائدة الدودية و غيرها ، وقال داوكينز : لماذا يخلق الله 200 نوع من الخنافس ؟ الا يدلك هذا على ان فوق كل ذي علم عليم ؟

وهذا الشيء الذي لا نعرفه أيساوي عبثا لأننا لا نعرف جدواه ؟ الحكم بالعبث يكون بعد العلم وليس قبله .. فإذا كان الحكم بالعبث قبل المعرفة فيكون من صور التكبر والاغترار بالموجود من العلم ، اي الجهل والعبث العقلي ايضا .. تخيل القدماء اذن : كم هو حجم العبث عندهم قبل الكشوف العلمية ؟ وكم هي الاشياء التي لا فائدة منها من وجهة نظر عقولهم ؟

دائما بعد العلم يوجد علم ، وبعد هذا العلم يوجد علم ، وهكذا ، فالعلم طبقات و ليس طبقة واحدة ..   

ان التكبر هو اساس الابتعاد عن الله ، و هو أول ذنب عصي به الله .. و هو مرجع كل الذنوب ، فكلها يمكن اعادتها الى الكبر ، حتى الكذب و السرقة .. وهو الدليل على خطأ الإلحاد أو غيره ، فكل موقف بدافع كبر هو موقف خاطئ بلا شك ، لاحظ ان الملحد يكبر من قدرة الانسان ويضخم العلم ومستقبل العلم ، ولا يتحدث ابدا عن الضعف البشري على طريقة نيتشه والسوبرمان ، ما سوبرمان نيتشه الا صورة المتكبر .. يكفيك من صحة الايمان انه لا يبتعد عنه احد الا بدافع الكبر .. و الملحد لا يتكلم عن الكبر ابدا ولا يعتبره عيبا ، بل يدعو اليه و الى تعظيم الذات و البشرية ويتعامل معها كمطلق على طريقة الخيال العلمي ، في حين ينفي وجود المطلق حتى ينفي وجود الله ، اي يحل البشر محل الالهة وهذا اوضح صور الكبر .. بل يدعو الى السوبرمان الذي يهزأ بضعفه و حاجته ويحاول قهر الطبيعة، وليس مسايرتها والاستفادة منها ..

الملحدون يعظمون من قدرات الانسان و ما يمكن ان يصل اليه ، و بنفس الوقت يقللون من قيمته الانسانية و يساوونه بالحيوان ، اي عكس ما يفعله الدين تماما .. و التعظيم لا يعني الحقيقة والوصول . انهم يصورون منجزات العلم الحديث على انها احداث غيرت الانسان ، بينما الانسان لم يتغير ، و ما هي الا وسائل لخدمته انتجت له اضرارا احيانا اكثر من فوائدها ؛ و كلما حل العلم مشكلة ، انتج مشاكلا وليس مشكلة واحدة .. وكلما عرف شيئا  ، عرف جهلا لم يكن يعرفه من قبل .. و مع هذا يبقى الانسان محتاجا الى العلم ، بينما العاقل يعرف حدود العلم وما يمكن ان يعرفه وما لا يمكن له ان يعرفه ..

اذن الملحد يتعامل مع العلم بطريقة عاطفية وليست واقعية ولا منطقية .. انه يتخيل لنا ان العلم سيفسر لنا كل شيء يوما من الايام .. كل شيء !!! وسوف يعرف ما هي الحياة ، وما هو الوعي ، وسوف يصنع حياة من عدم ، وسوف يخبرنا عن آخر الكون إن كان له آخر ، و سوف يخبرنا عن اللا آخر إذا لم يكن له آخر ، وسوف يصل بنا الى الخلود والشباب الدائم و القوة الدائمة والسلام الدائم ، مع انه يؤمن بالصراع !! وبناء مجرات جديدة و ملئها بالغلافات الجوية  والمياه و مخلوقة من عدم !! فقط انتظروا العلم !! وسوف يزيد صور العبث في الكون التي خلقها من يسمى بالله !! فقط انتظروا العلم المطلق كما هو في خيال الملاحدة !! على رسلك يا أخي فالعلم له نطاق مرتبط بالمادة فقط و بظاهرها فقط ..

ومبالغاتهم في العلم معروف هدفها ودافعها ، انه الاشعار بألوهية الذات ، و انتصارها على عالم الغيب .. و هذا امر لم يحدث ولا يمكن ان يحدث .. اننا نعيش في الميتافيزيقيا ونحن في الواقع ..

ما هي انفسنا ؟ انت لا تؤمن بالنفس .. اذن ما هي افكارنا ؟ هل تؤمن بالافكار؟ اين وجودها المادي ؟ لماذا لا يكشفها العلم ؟ ما هو الخيط الذي وصل اليه العلم في سر الحياة ؟ الخيط هو صفر ، وسوف يستمر هذا الصفر .. وسيبقى العلم محكوما بقوانين المادة التي لا يمكن ان يفسرها يوما من الايام ، حيث ان خيوطه لذلك هي صفر .. الملحد ينكر قوانين المادة حتى يبتعد عن امر ميتافيزيقي ، و يسميها ظواهر المادة .. حسنا : فسر لنا ظواهر المادة ؟ لماذا تتصرف المادة بهذه الاوضاع الثابتة و المحسوبة ، ولم تتصرف باوضاع اخرى ؟ عدنا الى القوانين الغيبية !! الم اقل لك ان الميتافيزيقا تعيش معنا ؟ بل نحن انفسنا عبارة عن ميتافيزيقا ، عندما تقول "انا" : ماذا تقصد ؟ أيها العقل من رآك ؟ ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق