الثلاثاء، 12 يونيو 2012

هل يوجد مهم وتافه بشكل دائم؟


من مبادئ المنطق الصناعي أن من هو في المقدمة هو الأفضل, بينما في الحقيقة أن الكل مهم, فالمهندس الذي صمم العمارة هو مثل المقاول بالقيمة ولا يكتمل العمل دون أحدهما, وفي السيارة لا تستطيع أن تحدد ما هو أهم شيء فيها فهي وحدة متكاملة, وحتى في الطبيعة لا يوجد شيء أهم من شيء فالكل مهم وقائم بدوره وليست القيمة لشيء واحد فالطبيعة كلها مترابطة, والله هو الواحد الصمد والذي قيمته بذاته {إلى الله تُرجَع الأمور}, فالله لم يجعل شيء قائم بذاته وهو وحده القائم بذاته (قانون) ولو قلت أن هناك شيئا قائما بذاته لأشركت مع الله أحدا في الاستقلال. 

ولا يوجد شيء تافه (قانون) فكل شيء مهم وقائم بدوره والأشياء كلها متشابكة ومترابطة, فالحيوانات تحتاج النباتات والنباتات محتاجة للرياح وهكذا.., والشبكة من الاحتياجات لها نهاية منطقيا, فلابد أن تنتهي بواحد هو الخالق الصمد, والصمد هو المقصود والمرجع لكل شيء, مثلما تنتهي سلسلة السببية منطقيا بواحد, وهذا من الخيوط المنطقية الدالة على وجود الله, فلا يمكن أن تلتف شبكة الاحتياجات على نفسها ولا سلسلة السببية على نفسها, {والسماء بنيناها بغير عمد ترونها} فهناك شبكة من الترابطات والمغناطيسية تربط الأشياء ببعضها, وشبكة الاحتياجات لابد أن تقف عند شيء فمثلا المكيف يحتاج كهرباء والكهرباء يحتاج شركة كهرباء والشركة تحتاج بترول والبترول خارج من الأرض وهنا تتوقف الشبكة..

فكلما توقفت شبكة الاحتياجات عند شيء تجد أن الشبكة محتاجة للاستكمال فتضطر أن تُواصِل الشبكة, وهنا علينا أن نبحث عن الصمد الذي تنتهي إليه الأشياء, وبالتالي تسقط فكرة المهم و التافه في المادي وفي المعنوي, حتى مخلفات الجسم لها فائدة في الطبيعة. فلا يوجد شيء تافه إلا ما هو غير موجود والصناعي (أفكار الشر) غير موجودة, لأنها مصنوعة, وأفكار الشر والشيطان تافهة لأن لا وجود حقيقي لها, إنما هي قطع للروابط {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض}, والإفساد والتخريب لا وجود حقيقي له إلا من خلال التقطيع, والتقطيع ليس شيئا بحد ذاته.

وفكرة عدم وجود تافه ستجعلك تحترم كل شيء حقيقي ولا تحقّره, وبالتالي تجعلك تكسب الناس وخاصة من احتقرهم المجتمع الصناعي. 

النظرة الطبيعية نظرة كلية شمولية وليست جزئية, والفكر الصناعي يجعل الشخص ينظر لمواقع الأشياء داخل الشيء الواحد ويترك الهدف الشامل, أما الفكر الطبيعي فينظر للهدف الشامل وبالتالي يدرك أن الصراعات بين المواقع داخل الشيء الواحد تضر مسيرة العمل..

فتجد أن الموظفين الذي يفكرون بالمنطق المادي يقولون لماذا هذا الموظف يأخذ هذا المنصب وهذا المكتب الفخم وأنا لا, بينما من ينظر بشكل شمولي سيقول أن هذه الصراعات تعطل الهدف الشامل من العمل, فعلى الشخص أن لا يهتم بقيمة العمل عند الناس بل يعمل ما يستطيع ليخدم الحقيقة والفضيلة بأي شكل كان دون النظر للنتائج والمكانة عند الناس, والمكانة الحقيقية هي عند الله وليست عند الناس, فعليك أن تنوي التسليم لله والعمل ولا دخل لك بالباقي. 


الفكر الطبيعي هو ما يجعلك مرن فتستطيع عمل كل الأدوار حسب قدراتك, لأن كل شيء مهم.

في الطبيعة (الفطرة) هناك شيء مهم وشيء أهم ولكن أهميته مربوطة بالوقت أي بالظرف, فأنت تعمل وتحاول أن تركب فيش كهرباء مثلا فأهم شيء بالنسبة لك هو مفتاح الكهرباء, حتى أثناء الطبخ كل لحظة هناك شيء هو الأهم مرة الملح ومرة الملعقة ومرة الماء وهكذا, فلا شيء مهم بشكل دائم إلا الله.

في الطبيعة هنالك مهم حالي ومهم غير حالي, فلابد من التنبيه على قضية العاجل وعدم الخلط بين العاجل والآجل. لا يوجد شيء بحد ذاته تافه, لكن يكون تافها بالنسبة لما هو أهم منه, مثل أن يكون أناس في حالة حرب ويوجد الكثير من الجرحى ويأتى واحد يقول: لم لا نصنع من أوراق النفايات لوحة جميلة؟! أو تتكلم بموضوع معنوي عميق ويقول لك صاحبك مثلا لماذا غطاء إبريقك صغير؟!

لأن كل الصناعيين (الماديين) يريدون أن يكونون (الأول) تجدهم يقرؤون للناجحين في المجتمع ويعظمونهم, وهذا مذلة لهم. الله هو الواحد فليس هناك شيء اسمه الرقم واحد, وبما أن كل شيء من الله فلماذا يعظَّم الناس على شيء ليس منهم؟

على الإنسان ألا يثق بشكل كامل بأي شيء وعليه أن يأخذ حذره دائما, فلا أحد يستحق أن تثق به إلا الله, و حتى الأفضل والأول والرقم واحد لا أحد يستحقه إلا الله , وإدراك هذا الشيء يقود الإنسان إلى الحكمة.

على الإنسان ألا يجعل حياته غريبة عن القبر, فحياته كلها يجب أن تكون متناسبة معه, حتى لا يكون مثل المادي المتشبث بالدنيا فمنظره غريب على المقبرة, وهذا لا يعني ثقافة موت, قدر ما يعني احترام الحقائق ومن ضمنها الموت.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق