ورغم هذا وذاك ، الإلحاد يُقدم الحقيقة كما هي ، لا يزيّن ولا يغالط ، فإن كانت الحياة عبثيّة فلتكن ،
اي حقيقة وهي بلا نظام ؟ العبثية لا تقدم نظاما ، فكيف تكون
العبثية حقيقة ؟ العقل لا يرصد شيئا اسمه العبثية والفوضوية والصدفية ، العقل يعرف
: بما أن .. إذن .. ، كسلاسل منطقية مترابطة . اذن العبثية لا يمكن ان تكون حقيقة
. وإلا فلنتخلص من العقل حتى نقبل العبثية كحقيقة ، لكن سنقبلها بماذا اذا تخلصنا
من العقل ؟ العقل و العبثية ضدان ، والإلحاد بني ما يسميه فكرا على العبثية ، اي
على اللا معقول ، واي عبثي او فوضوي هو شيء غير معقول ، اي لا يمكن تسجيله في
العقل الذي خلق لمعرفة النظام .
تستطيع ان تسمي العقل اسما اخر و هو : حاسة النظام في الانسان . و
اذا قدمت فلسفة كاملة للحياة مبنية على العبث ، فعلى العقل السلام . فالعبثية تدخل
من باب و العقل يخرج من الباب الآخر . و بعد هذا كله يتبجح الماديون العبثيون
بالعقلانية و العلم ! هذا امر عجيب و تناقض حاد وغريب ، و كيف يـُدرس العبث
والفوضى و هو عبثي ؟ هذا قتل للعلم و العقل معا . و ما كان اصله عبث سيكون فرعه
عبث . اما فكرة الفوضى التي تخلق نظاما ، فالفكرة نفسها يلفظها العقل ، لأنها غير
منطقية وغير موجودة في الطبيعة ابدا ، و لم تمر على العقل البشري يوما من الايام .
انها من صنع الخيال ليس الا . فلا حالة واحدة عرفها البشر انوجد فيها النظام من لا
عقل ولا ارادة .. ولا في حالة جزئية بسيطة ، فكيف اذا كان نظاما معقدا اشد التعقيد
ومتناسقا مع بقية الانظمة ؟ كيف يكون كل هذا النظام في الكون جاء دفعة واحدة من العبث
؟ حتى تقبل هذه الفكرة عليك ان تتخلص من عقلك ، وهو شرط ضمني على الملاحدة ان
يصرحوا به ..
انها نفثة خيالية لم تلامس الواقع يوما من الايام ولاتعرف لها
طريقا . حتى الخيال يحتاج الى بعض العقل حتى يهضم .. شطحة متناهية في الغرابة و القبح معا ، وهكذا
كل من يريد ان يتخلص من وجود الاله فالضحية هو عقله و ذوقه دائما .. وهذا اكبر
دليل على وجود الله .. ان نفي وجوده يمحق عقلانية نافيه .. ولو لم يكن الا هذا
الدليل لكفى من يتذكر ..
فالشيء لا يأتي من ضده ، والملاحدة يصرون على ان الشيء ياتي من ضده
، ومع ذلك يتبجون بالمنطقية ! اي انهم يريدون ان يكونوا منطقيين رغما عن المنطق .
على طريقة : كرر و كرر حتى تصدق ! العقل يعرف ان وراء كل نظام وعي و عقل و ارادة ،
العقل يوصل الى الله ويقف عنده ، والعقل مأخوذ من الحياة كلها . اعزاءنا الملاحدة
المنطقيين يكسرون هذه ايضا ! و يصرون على منطقيتهم بقوة الاعلام الراسمالي ! انهم
يريدون ان يثبتوا العبث باستخدام المنطق عبر لبس مريلة العلم ! ويريدون اثبات ان
المنطق جاء من العبث ، و النظام من الفوضى . اذن اين ذهبت الفوضى ما دام حل محلها
النظام الكامل ؟
لاحظ ان كل حواري معك ومع بقية من حاورته من الملاحدة ادافع انا
فيه عن العقل اكثر من دفاعي عن الدين ، لتعرف كيف ان الالحاد عدو للعقل قبل الدين ،
ومدى ارتباط الاسلام الحقيقي بالعقل . لا يوجد عاقل يستطيع ان يقبل ان الصدف هي
التي صفت الرموش على العين ، و وزعت الاعصاب على الاصابع لتقبضها وتبسطها . وهذا
من ملايين الامثلة الاكثر تعقيدا مما ذكرت ، بينما عاش البشر لالاف السنين واكثر ،
لم يروا الصدف تفعل نظاما ، بدليل محافظتهم على العقل ، فلو كانت العبثية موجودة
لما احتاج البشر للعقل .
طرح الملاحدة يساوي "طرح" العقل ، و لم يظهر في التاريخ
اي فكر يتصادم مع العقل مثل فكرهم .. و بنفس الوقت يدعي العقلانية ! ما اكبر
المغالطات التي يريدون من العقل المسكين ان يبتلعها : كون كامل جاء من الفوضى ، بل
جاء من اللاشيء ، و بنفسه ! اشتغلت عليه الفوضى حتى عقدته اعقد تنظيم ! يا للجنون
الذي يـُفرَض على عقلاء العالم ! اقل جزئية في هذا النظام القادم من الفوضى
العمياء ، يـُدرس عشرات السنين حتى يفهم تنظيمه و ليس عبثيته ، ولا يـُوصَل إلى
آخر نظامه !
فعلا الفلسفة المادية عدو للعقل ، ومن حقها ومعذورة عندما طالبت
بموت الفلسفة و بشرت به ، لان العقل هو الذي يفضح تهافت هذه الفلسفة التي لم
تتهافت فلسفة كتهافتها امام العقل . و سوف تدوسها البشرية وترميها وراء ظهرها
عندما تكتشف حقدها الدفين على العقل و انسانية الانسان ، فالانسانية اثمن ما عليها
هو عقلها و احساسها ، وليس مادتها كما يتصور هؤلاء الماديون .
ان طرحهم غريب جدا على البشرية ، ولم تعرفه في السابقين ، كل ما في
الامر ان البشرية لم تدقق في طرحها حتى الان . وكل من ابتعد عن الالحاد فبسببين :
اما بسبب الاخلاق او بسبب العقل ، او بهما معا ..
ان القول بالعبثية لا يحتاج الى دليل ، اي انها مخرج مريح ، و لكن
القول بالنظام هو الذي يحتاج الى اثبات . اذن فكرهم فكر هارب عن الحقيقة و ليس واجدا
لها كما تقول . من يقول ان المنزل احترق بفعل فاعل سوف يطالـَب بالدليل وراء
الدليل ، اما من يقول انه احترق من نفسه ومن الصدف ، فلا يطالب بدليل لانه خرج عن
نطاق العقل ، والعقل نظام و تسلسل .. لا تستطيع ان تثبت بالنظام العبثية ، ولا
تستطيع ان تثبت بالعبثية النظام ، اذن من اختار العبثية فقد اختار اللاعقل واختار
الطريق السهل ، و من اختار النظام فقد اختار العقل واختار الطريق الصعب.
الدين كالخمر ،يجعلك تهرب من الحقيقة ، فالفاشل في حياته يلجأ إلي الخمر ليغيّب نفسه عن الواقع المرير ، ويري ما يريد أن يراه
فهذا ليس حلاً بل تغييباً للعقول ،وبناء استنتاجات علي المجهول
في الكلام السابق لم يجف قلمي عن ذكر تغييب العقل ، بل طرحه في
الطرح الإلحادي ، هذا التغييب أسوأ حتى من الخمر لأنه تغييب للعقل من جذوره ، فكيف
يكون الدين تغييب للعقل وهو يتماشى مع العلم والمنطق والواقع ، وفكرة الدين لا
تتصادم مع المنطق اطلاقا ، بل المنطق هو الذي يقود اليه ، أما الطرح الإلحادي فكله
متصادم مع العقل والمنطق ، فكيف تحكم انت؟ هل هذا هو حكم الهوى أم حكم المنطق ؟
العقل لا يعرف العبثية وانتم تعرفونها ، العقل يعرف السببية وانتم لا تعرفونها ،
العقل لا يعرف ان يوجد النظام من العبث وانتم تعرفونها، العقل لا يعرف أن يوجد
الشيء نفسه وانتم تعرفونها ، العقل يعرف الأخلاق وانتم لا تعرفون إلا المصلحة
،العقل يعرف المشاعر وانتم لا تعرفون الا المادة ، العقل يعرف أن لكل شيء غاية
وانتم لا تعرفون الا العبث في البداية والنهاية ، العقل لا يعمل بدون فكرة الغائية
وانتم تعملون بدونها ، إذا من الذي يغيّب العقل ؟ بل ماذا بقي منه ؟ الدين يسير
بموجب هذه المنطقيات كلها .
إذن من الذي يفسد العقل الدين أم الإلحاد ؟ ، أنا اتكلم بحقائق ، أنا
أتكلم بما هو كائن ، وانت تتكلم بما تحب أن يكون وبينهما فرق ، انت تحب أن يكون
الدين غير منطقي ومضاد للعقل ، لكن الواقع لا يساير الأهواء فمعذرة لك من هذا
الواقع المعاند دائما لمن فلسفتهم الأهواء والرغبات في غطاء الإدعاءات ، أنتم
تتصورون أنكم إذا قلتم نحن عقلانيين تكونون كذلك ، وإذا قلتم أنكم علميون أنجذب
العلم كله لكم ، وساير رغباتكم . الحقائق لا تستجيب للعاطفيين ، وتنسق نفسها كما
يشتهون ، مثل هؤلاء تصدمهم الحقائق صدماً لأنهم لم يحترموها واحترموا الرغبة وحب
المتعة العاجلة بتصور خاطئ أيضا عن المتعه ، فلا متعة إلا مع الاطمئنان النفسي ،
وإلا سيغدو الحلو مراً ، وتنقلب اللذة الى ألم تدريجيا ً .
السؤال كيف عرفتم هذه الحقائق وهي ضد العقل ؟ تقول نحن عرفنا الحقيقة
وهي ضد العقل ، والمعرفة هي بالعقل .
الورّاق كتب:ليس صحيحا ان تتوقف نتيجة الاختيار على القدرات العقلية ، ليست المسألة مسألة ذكاء ولا معرفة .. المسألة مسألة اختيار بين خير وشر يحس بها بداخله ويعرفها جيدا كل انسان .. بينه و بين نفسه ..
غريب أمرك ، أنت تحس بها ، بينما شخصي الكريم لا يحس ولا يشعر بأي شيئ؟ هل هذا إختياري ؟ هل أنا من أختار أن يكن أنا وليس أنت ؟
لقد كنت مسلماً لم لم يقبض روحي هذا الإله مطلق الرحمة حينها ؟
ماذا عن الاطفال هل سيدخلون الجنة ؟ لماذا لم يقبض روحي وانا طفل مثلهم ؟
لا يوجد شيئاً يسمي اختيار كل شخص هو نتيجة لعدة ظروف لم يكن له أدني أختيار ، فالخيّر الذي ينفق امواله ويساعد المحتاجين لم يفعل شيئاً ليكن كذلك ، كما انه لو كان في موضع شخص ما بائساً لا يجد قوت يومه لخرج علي الناس شاهراً سيفه كما يقول ابا ذر ، أو بمعني ادق كما قال احدهم ، لا ن أعطي فأحمد ، خير لي من أن ابتلي فأصبر !
نعم هذا اختيار شخصك الكريم ، بدليل أن كل كلامي المنطقي رفضته دون
أن ترد عليه ، مع أن فيه حقائق ، وبدليل عدم ردك عليه وعدم تفنيده إلا بالتسخيف
وارتياحك لذلك دون الخوف من ان يكون فيه حقيقة ، ثم تعود الى الشأن الالهي مرة
أخرى ، ولا تريد أن يلامس هذا الخطاب الموضوع ، وتجريد الإنسان من اختياره للخير
فيه ظلم للإنسانيه جميعا واحتقار لأصحاب المبادئ والأعمال البطولية والشهامة
واصحاب المواقف الوطنية والذين تمجدهم البشرية وتتغنى بإنجازاتهم ليس لاختيارهم مع
أن هذا حصل بسبب اختياراتهم وتضحياتهم وكانوا يستطيعون التخلص من الواجب بأي حجة
فما أكثر حجج العاجز والجبان .
البشرية من منظور الإلحاد مغرر بها وتعظم أناسا لا يستحقون التعظيم
مثل كرات البولينج تسيرها الظروف ليس إلا , إذا يجب أن تُسقط تماثيلهم وتنزع صورهم
لأنهم لم يختاروا أن يفعلوا شيئا حسنا ولكنهم كانوا مجبرين وبلا إرادة فلا ميزة
حقيقية لهم , بدافع الظروف المادية , هكذا يتعامل الإلحاد مع عظماء الإنسانية بلا
إنسانية , وفي المقابل كل مجرم وظالم وشرير يجب أن لا يعاقب بل تعاقِب الظروف
المادية وهذا تساهل مع الخطيئة عند وصفها بالجبرية وخلاف للواقع .
وبالتالي هذه الفكرة تحمل حربا على المشاعر وكأنها تقول : لا تحب
أحدا ولا تكره أحدا . بعد أن نفينا الاختيار الحر, وكن مثل السيارة التي تركبها
بلا مشاعر لأنك مادة . وهذا قتل لإنسانية الإنسان أن يكون بلا حب وبلا كره , وكل
هذا التطرف نتيجة لإنكار وجود الله , فليس إنكار وجود الله وجهة نظر في قضية معينة
كما يقول الملاحدة بل هي نقطة فارقة تسبغ آثارها على كل حياة الإنسان العقلية
والأخلاقية والسلوكية والاجتماعية , مع أنها وجهة نظر في قضية معينة على طريقة
التبسيط الساجاني .
وصدق نيتشه الملحد عندما قال : أردت أن أقتل الإله فقتلت معه
الإنسان. لأن الواقع في تفكير الملاحدة يصدقه , وها أنت ذا ملحد وتلغي
إنسانية الإنسان كما فعل نيتشه والبقية ,
ولا ميزة للإنسان إلا في حرية الاختيار وهي التي تفرقه عن الحيوانات وهي أساس
إنسانيته , والملحد بهذا يضر نفسه ولو عامله الناس بموجب تفكيره لغضب , فيا للثمن
الباهظ لإنكار وجود الله لأن في هذا خسران لكرامة الإنسان يقدمه لنفسه , والحمق هو
أن يضر الإنسان نفسه ويخمش عينه بيده , ولا أظنك ترضى أن تجرَّد من أي ميزة أو عمل
جيد قمت به وتعبت لأجله وكنت تستطيع التخلي عنه , ويقال لك أنت لا تستحق الشكر بل
الظروف هي من يستحق الشكر وأنت لم تفعل الخير بدافع ذاتي فقد كنت مجبرا , إذا
لماذا توضع السجون للناس ولا تسجن الظروف ؟
ومن يجبرك على الخير قد يجبرك على الشر لذا يجب الحذر منك بدلا من
شكرك , فأنت لا تستحق أي تقدير فأنت دمية , ولا أظن بأن هذا التقييم يريحك , ولو
كنت غير ملحدا لما كنت في هذا الموضع ويجب أن تلغى كلمة شكرا من القاموس لأن الكفر
يريد ذلك ولأن الكفر من صفاته العموم فكل ما كفرت شيئا فستكفر بما في جواره ,
وكفار قريش لم يكفروا بالله فقط , بل
كفروا بالإنسان والأخلاق ومنعوا الماعون ومارسوا الاضدهاد والتكبر والفخر ولاعتداد
بالمال.
كل ما في الأمر هو أن يفهم الناس ما هو الإلحاد وحينها سيتجنبونه ,
حتى من لم يختاروا الخير سيبحثون عن شيء آخر غير الإلحاد كالإنسانية أو اللادينية
أو التوفيقية , فهم ليسوا بحاجة لفكر يصمهم أمام الناس فكل يحب أن تكون مبادئه
محترمه أمام الناس على الأقل .
هذه هي القضية وهي أن يعرفوا حجم الخسائر لذلك الاختيار , وهذا في
الدنيا قبل الآخرة والعاقل لا يواصل المسيرة مع الخسائر , والطريق السليم تأتي
بشائره مبكرة . أنت تعرف أنك حر في الرد علي أو عدم الرد , وتعرف أنك حر هل تقرأ
رواية ما أو لا تقرأها , وتعبر عن ذلك بأنك اخترت كذا ولا تختار كذا وتعرف ماذا
تختار , ومع ذلك تنفي وجود الاختيار ! مع أنك تردد هذه الكلمة كثيرا في حياتك
وتنسبها إلى نفسك , ومع أنك وأنت تختار تعرف أنك تختار , إذن كيف لم تعرف أن اخترت
أنك تكون كافرا بالله والناس ؟ مع أنك تستطيع أن لا تكون كذلك .
والظروف لا تقدم لنا ما يخدم اختيارا واحد فقط , فهذا وهم في
العقلية الإلحادية , بل الظروف تقدم ما يخدم الاختيارين ولهذا نحتار قبل أن نختار ,
فهذا المحل مثلا أسعاره رخيصة لكن البائع متجهم , وذاك المحل أسعاره غاليه لكن
البائع مبتسم , أحدهما قريب والآخر أبعد , أحدهم أكثر معروضات من الآخر وهكذا .. ,
الظروف تقدم ما يخدم الاختيارين فلا تتجمع الظروف على اختيار واحد , ولو كان كذلك
لكانت فكرتكم سليمة , الحيرة هي أكثر ما يعاني منه الإنسان في اليوم واللحظة فأين
هي الجبرية لتنقذه من هذه الحيرة .
إذن كلمة جبرية بدافع الظروف كلمة ليس لها أساس عقلي ولا واقعي ,
فالواقع ضدها والعقل ضدها والإحساس بالاختيار ضدها , إنها من ضمن أفكار الاسباجيتي
الإلحادية فكل أفكار الإلحاد عبارة عن اسباجيتيات طائرة لا تلامس الواقع , حتى
الاسباجيتي جعلوه طائرا لأنهم غير واقعيين بالأساس وإلا فما يمنعه أن يكون على
طاولة الطعام , فكل شيء عندهم طائر فينصرف ذهنهم للطيران , هكذا الإلحاد يقتل
الجمال ويبرر للقبح ليعيش , ويقلل من شأن الخير ويفسح المجال للشر , والخير هو
صمام أمان الشر فإذا أضعفنا الخير قوي الشر أوتوماتيكيا .
لهذا لم يمدحوا الشر مباشرة بل ذموا الخير كتحصيل حاصل , والإلحاد
يشن هجماته على الخير وليس على الشر فهو يحارب الدين الذي يأمر بالخير ويحارب
الأخلاق ويقلل من شأنها وهي تأمر بالخير , ويحارب الإرادة الحرة وهي من دوافع
الخير ويبرر للشر بالجبرية والحرية ويحارب المنطق لأن الخير جزءا منه ، الإلحاد
يحتقر كل عظماء الإنسانية ويجعلهم عاديين ، فمن كان نتيجة ظروف فليس بعظيم ، شأنه
شأن الكره في الملعب تتقاذفها أقدام الظروف ، فهي ليست عظيمة رغم أنها تسجل
الأهداف .
تجريد الإنسان من إرادة الخير أو الشر ، هذا أكبر دليل على كرهكم
لإنسانية الإنسان وفيه حرب للخير ونصر للشر , ويكفي الشر نصرة أن يقال : أننا
مجبرون عليه بدافع الظروف وليس مني . أي كأن الشرير صار خيِّرا لكن الظروف أجبرته , إذا عند الماديين لا أحد
يستحق الشكر وشعاركم لكل من فعل خيرا أن تقولوا له (مكره أخاك لا بطل ) مثل ذلك
الفارس الجبان الذي قيل فيه هذا المثل عندما فرَّت به فرسه وأدخلته في قلب جيش
العدو فهتف له الجميع .. بطل .. بطل ,
فصاح عليهم وهو يرتعد من الخوف (مكره أخاك لا بطل ) حتى أنه لحَنَ بسبب الخوف ,
والأصل أن يقول (مكره أخوك ) ، لأنه نائب فاعل يرفع بالواو لأنه من الاسماء الخمسة
.
وكل أبطال الإنسانية يراهم الإلحاد بهذا الشكل ، أي أن كفر الله جرّكم
الى كفر الناس ، فكل من أحسن اليك وانت مادي ملحد لا يستحق الشكر ؛ لأن الظروف هي
التي دفعته كي يقف معك ويساعدك . و الظروف نفسها ستجعله ربما يقف ضدك ، و ربما يقتلك
ويسلب مالك بعد أن أحسن اليك ! العجيب كيف أن كفر الله يقود الى كفر الإنسان ، و هذا
دليل آخر على وجود الله و وجوب شكره حتى تستقيم الحياة . يقولون : لا يشكر الله من
لا يشكر الناس ، والحقيقة هو عكسها ، لا يشكر الناس من لا يشكر الله ..
ارأيت كم هو سيء و كافر هذا الفكر ؟ حتى في حق من وقفوا معك
وساعدوك ؟ أنت لا ترى لهم أي فضل ولا تستطيع أن تنكر هذا ، لأن فكرك هو من يقول لك
أن الظروف دفعتهم للإحسان اليك ليس إلا ، و قد تدفعهم الظروف للإساءة اليك بلا اختيار
، لأنهم مجرد الآت تجمعها مصالح و تدفعها الظروف كالروبوتات . أي انهم غير موجودون
. و الموجود فقط هو المادة ، انها فكرة لم تأتي إلا من رؤوس راسمالية تنظر الى
النتيجة ولا تنظر الى الاسباب .
هل هذا فكر يـُقدّم للإنسانية في زمن يـًدّعى فيه بتحرر الإنسانية
؟ حقيقة الواقع غير هذا تماما . إن الواقع على سوءه أجمل من الطرح الإلحادي ، لأنه
لو خليت لخربت ، و كلنا وجد من فعل لنا الخير يوما ما ، مع أنه كان يستطيع أن يفعل
الشر ، و اشعرنا بثقل شكره و تقصيرنا في ذلك . و تبرير المصلحة قابل لمن يفعل معنا
شرا و لمن يفعل معنا خيراً . كم رأيت كم هذا الفكر متعارض مع الإنسانية والعقلانية
والواقعية والعلمية ؟ هل رأيت الثمن الباهظ لإنكار وجود الله ؟ و الساعة أدهى وأمر
.
بموجب كلامك و كلام نيتشه والملحدين : كل كافر بوجود الله هو كافر
بوجود الإنسان ، كنتيجة حتمية . و الكفر هو عدم الشكر و جحد الفضل والحق . لا
تستطيع أن تكفر بالله و لا تكفر بالإنسان ، لأنك ستضطر بسبب الالحاد إلى نفي فكرة
الاختيار لنفي الحرية في الاختيار ، و للمساواة بين الخير و الشر و فتح الحواجز
بينهما بدافع من تكبير الذات و رغباتها ، لأنها حلت محل الاله ، ولا تريد ان يكون
امامها حواجز . و بالتالي نفي أي ميزة للإنسان .
و الميزة ستكون للظروف . أي أن من لا يعبد الله هو يعبد المادة ، كأنها
هي التي تستحق الشكر عند الملحد لأنها صنعت هذه الظروف ، إذن كل ملحد عبارة عن
وثني مبطـّن ، لأنه يحوّل الشكر الى المادة و يحول كل شيء الى المادة ، حتى مشاعر
الإنسان وافكاره واختياره و حتى ذوقه ، اي ان الانسان غير موجود والمادة هي
الموجودة فقط . و الشكر نوع من العبادة .
و كل مادي يفضل المادة على الإنسان دائما ، إذن منطقيا لا يمكن أن
يكون الملحد إنسانيا ، لأنه يكفر بالإنسان ويرجع فضله الى الظروف المادية العمياء
. كل شيء أعمى عند الملحد ، كل شيء فوضى و متناقض ، وكل شيء مجنون ، فالكون مجنون
والعالم مجنون، فيا له من ثمن باهظ ..
ماذا بقي في الحياة غير ملذات مادية لا تسمن ولا تغني من جوع ، يستطيع
أن يجدها بطريق مشروع ، ولا تحتاج كل هذه اللفة الكبيرة والخسائر العظيمة ؟
نفي الإرادة الحرة هو بدافع نفي الخير والشر , حتى تكون الحياة
فوضى ويتعامل معها الملحد كما يريد هواه .
يـُقضى على المرء في أيام محنته .. حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن ..
وقد يكون هو ضحية لهذه الفوضى التي يريدها ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق