السبت، 2 يونيو 2012

القلب والعقل ..


يبدو لي أن المقصود بالقلب والله أعلم هو مكان الاعتقاد والنية ، أما العقل فقد ورد في القران بصيغة المضارع فقط ، مثل ( نعقل ، يعقلون ، تعقلون ) ولم يرد الاسم المصدر ( عقل ) في القرآن بينما وردت كلمة (قلب) كثيراً جداً ، مما يعني أن القلب هو الأساس الثابت والعقل هو المتحرك..

 أي أن تركيز القرآن ليس على العقل المرتبط بالمادة إلا كخادم للقلب، بل ركّز على القلب المرتبط بالشعور ومدى استفادته من العالم الخارجي وتحويل تلك الملاحظات إلى دعم للشعور ، أي تحويلها إلى معتقدات متفقة مع ثوابت الشعور ، مثلما تجد شخصاً يصدق معك في مواضع متعددة ، ستجد أنك تعتقد وتثق بصدقه دائماً حتى لو لم تتأكد ، لأنك تأكدت من قبل ، أي عقلت سلوكه ..

كذلك الآيات في الكون وتصريف الرياح والسحاب والرزق المعد للعباد... إلى غير ذلك من الآيات تحتاج إلى من يعقلها ولا يدعها تمر هكذا دون أن يسبغها على اعتقاده وقلبه، كذلك العبر والحكم والمواقف إذا لم نعقلها فلن نستفيد منها..

 بعض السائقين المتهورين يشاهدون حوادث فظيعة ويسمعون عنها ومع ذلك يستمرون في طيشهم ، لأنهم لم يعقلوا ما شاهدوا وما سمعوا ..

 أما مكان القلب فوجهة نظري والله أعلم لا يمكن تحديد مكانه لأنه أمر معنوي ، فكيف يكون له وجود مادي؟  مثله مثل الروح والأفكار ، لا في القلب هذه المادة العضلية ، ولا في الدماغ هذه المادة الدهنية ، لكن رمز له بالقلب لأنه أمر معنوي، والكلمة مستعملة من قبل القرآن في اللغة العربية، بل في كل اللغات، ربما ضربات القلب في لحظات المشاعر الهائجة جعلته يسمونه هذا يسمون هذا الشيء المعنوي بهذا العضو النابض ، والله أعلم على كل حال ، والقرآن نزل بلغة عربية أي بموجب مسمياتنا .

وهناك أمور كثيرة في نفوسنا تحتاج إلى أن نفهمها، ولدى الإنسان ظمأ لمعرفة أي شيء عن الإنسان من الداخل، والله وجهنا بالقرآن إلى التبصر في نفوسنا، أي وجهنا القرآن لدراسة النفس البشرية.

لابد لأي أمر معنوي أن يأخذ اسمه لغوياً من عالم المادة، مثل كلمة "ارتباط" مأخوذة من الربط بالحبل ، ومثل كلمة "عُمق في التفكير" مأخوذة من عُمق الحفر المادي ، كلمة "أنيق" مأخوذة من حسن المظهر وارتفاع الناقة ..

 وهذا يدلنا أن اللغة من نتائج العقل وليس الشعور ، لأنها تسمي المعنويات بالماديات حتى يمكن نقلها للآخرين ، لأن الشعور لا يمكن نقله ولا يعرف اللغة ..

 لاحظ أنك تحس أولاً، ثم تبحث عن كلمات ثانياً، مما يبين أن عمل العقل بعد عمل الشعور ، لأنه إحساس خاص إلا إن تم توضيحه عن طريق وسائل ذات علاقة خارجية كاللغة والعقل ..

 والعقل في اللغة هو التقييد والربط ، أي ربط شيء بشيء ، أما النية فمحلها القلب ، وأنا اختلف جداً مع فكرة أن العقل هو محل الأحاسيس ، أو أن الدماغ هو محل المشاعر والأفكار ، وهي رؤية تطرحها الفلسفة المادية وتحاول إثباتها علمياً لكنها لم تستطع ولن تستطيع ..

العقل مرتبط بالحواس وهو المنطق واللغة والذاكرة ، والتفكير عملية تفاعلية بين هذه الثلاث ، لكن ليس هذا فقط هو الجانب المعنوي في الإنسان ، هناك أحاسيس ثابتة ومشتركة بين البشر قد يصعب ترجمتها عند كل الناس لكنها فعالة ، فهل نسميها عقل وهي فطرية؟  إنها ثابت ومشترك ولا تزيد ولا تنقص ..

 كل فكرة عند الإنسان تتكون من جزئين ، جزء عقلي وجزء شعوري ، والبداية من الشعور والعقل خادم له ، مثل الشعور بالخوف يجعل العقل يفكر ويبحث إما في ذاكرته أو في الأشياء حوله و يربط بينها بالتفكير حتى يجد وسيلة يؤمِّن بها ذلك الشعور بالخوف. تشعر بالعطش فتصب الماء في الكأس وترفعه إلى فمك ، هذه العملية نصفها من الشعور ونصفها من العقل ، وهكذا كل عمليات الحياة ، وهذا التفصيل أوضح من أن نقول أن كل شيء داخل في العقل ، حتى المشاعر نجدها مختلفة عن الأفكار ، فكيف يكون منطلقها واحد؟

 أيضاً نجد الأفكار تعرض على الإحساس فيختار منها ويعدل فيها حتى ترضيه .

والفهم عملية ارتباط بين معطيات خارجية وإحساس داخلي ، لاحظ عندما يعبر أحد تعبيراً يعجبك تفز من الفرح ، لأنه ربط بين إحساسك وعقلك عن طريق الحواس التي استقبلت كلامه ، هذه الفرحة نسميها لحظة فهم أو ربط ناجح أنتج هذه البهجة .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق