الاثنين، 18 يونيو 2012

حوار شاكي (3-7)


شاكي:

الورّاق كتب:
في الكلام السابق لم يجف قلمي عن ذكر تغييب العقل ، بل طرحه في الطرح الإلحادي ، هذا التغييب أسوأ حتى من الخمر لأنه تغييب للعقل من جذوره ، فكيف يكون الدين تغييب للعقل وهو يتماشى مع العلم والمنطق والواقع ، وفكرة الدين لا تتصادم مع المنطق اطلاقا ، بل المنطق هو الذي يقود اليه ، أما الطرح الإلحادي فكله متصادم مع العقل والمنطق ، فكيف تحكم انت؟ هل هذا هو حكم الهوى أم حكم المنطق ؟ العقل لا يعرف العبثية وانتم تعرفونها ، العقل يعرف السببية وانتم لا تعرفونها ، العقل لا يعرف ان يوجد النظام من العبث وانتم تعرفونها، العقل لا يعرف أن يوجد الشيء نفسه وانتم تعرفونها ، العقل يعرف الأخلاق وانتم لا تعرفون إلا المصلحة ،العقل يعرف المشاعر وانتم لا تعرفون الا المادة ، العقل يعرف أن لكل شيء غاية وانتم لا تعرفون الا العبث في البداية والنهاية ، العقل لا يعمل بدون فكرة الغائية وانتم تعملون بدونها ، إذا من الذي يغيّب العقل ؟ بل ماذا بقي منه ؟ الدين يسير بموجب هذه المنطقيات كلها .

إذن من الذي يفسد العقل الدين أم الإلحاد ؟ ، أنا اتكلم بحقائق ، أنا أتكلم بما هو كائن ، وانت تتكلم بما تحب أن يكون وبينهما فرق ، انت تحب أن يكون الدين غير منطقي ومضاد للعقل ، لكن الواقع لا يساير الأهواء فمعذرة لك من هذا الواقع المعاند دائما لمن فلسفتهم الأهواء والرغبات في غطاء الإدعاءات ، أنتم تتصورون أنكم إذا قلتم نحن عقلانيين تكونون كذلك ، وإذا قلتم أنكم علميون أنجذب العلم كله لكم ، وساير رغباتكم . الحقائق لا تستجيب للعاطفيين ، وتنسق نفسها كما يشتهون ، مثل هؤلاء تصدمهم الحقائق صدماً لأنهم لم يحترموها واحترموا الرغبة وحب المتعة العاجلة بتصور خاطئ أيضا عن المتعه ، فلا متعة إلا مع الاطمئنان النفسي ، وإلا سيغدو الحلو مراً ، وتنقلب اللذة الى ألم تدريجيا ً .

السؤال كيف عرفتم هذه الحقائق وهي ضد العقل ؟ تقول نحن عرفنا الحقيقة وهي ضد العقل ، والمعرفة هي بالعقل .


الدين يتماشي مع العلم والواقع والمنطق ؟ يارجل ماذا تقول ؟ أي علم هذا وأي منطق ذاك . ووواقع ؟ ههه واقع ؟ الدين الخيالي صاحب النظرة المستقلبية والوعود بحياة الخلود ، يتماشي مع الواقع ؟
الألحاد لا يملك طرحا ولا حلاً ولا يحزنون ، الالحاد ليس دين عزيزي ، ولا منهج هو فقط قبول ما يتواجد علي ارض الواقع مع توافر ادلة مادية ، لا اكثر ولا أقل ، فلا تطلق لخيالك العنان ، وتطلب مني أن اصدق .
فالذي يأمر بقذف الاحجار بالاحجار ، والطواف متجرداُ من ملابسسك ، ورفع مؤخرتك كل يوم ليس الالحاد ، ليس الإلحاد من يامر بغسل وجهك بالتراب ، ولا الصوم عن الماء والطعام ، ولا إطلاق شعر اللحية !

الرد:
لكن الالحاد يامر بسحق الضعفاء ، على مبدأ الصراع . الالحاد يامر بسحق الاخلاق ، و تقديم المصلحة الشخصية عليها ، الالحاد يامر بالنفاق على مبدا البرجماتية ، و من آخر كتب سام هاريس كتاب "الكذب" يدافع فيه عن الكذب لا عن الصدق .. و الالحاد يسمح بالاباحية الجنسية حتى مع الاقارب ، بل حتى الشذوذ . الالحاد يامر بعدم احترام العقل و العلم ، و يعتبرها غير ثوابت ولا مطلقة ، الالحاد يامر بالحيوانية .. ماذا بقي اكثر من هذا ؟ لنترك البقية .

كل هذا و تقول انه ليس بدين ؟ لاحظه يا اخي من تشابه اتباعه و تعصبهم وتقديمهم رؤيا واحدة يجب ان يكون عليها جميع البشر ، فكرة خلاصية دينية ، هل تدري ان كل ما تطرحه من كلام يطرحه كل ملحد بالضبط ؟ راجع مدونتي لترى التشابه ، ولترى انك لم تأتي بجديد و لا هم . انها اضبط الاديان و اقلها مذاهبا و اكثرها تشابها بين الاتباع ، انه يـُخرج نسخا مكررة بالكامل كما يفعل السكانر .

هو مليء بالخرافات ايضا و تتجاوز الملايين ، و ذكرت لك الكثير من الخرافات التي لم ترد عليها ، و هو دين مستقبلي ايضا . هل نسيت كلامك عن الاله-العلم وماذا سيفعل في المستقبل من معجزات لا يطيقها العقل ؟ هم يكذ ّبون بمعجزات حصلت في الماضي في الاديان ، بينما هم يبشرون بمعجزات العلم الخارقة في المستقبل و يؤمنون بها قبل ان تحصل !!

كل ما في الامر انه ليس عنده حياة اخرة ، انه ديانة دنيوية تقوم على عبادة المادة واللذة والعلاقة بينهما ، ولا تقر بوجود شيء غيره ، حتى انسانية الانسان . هل انا اعلمك تعاليم دينك و عقائده و فقهه الاباحي ؟

الدين ينطلق من تحديدات ، و انتم قمتم بتحديدات مسبقة ، فلا تقل ان الالحاد ليس شيئا .. الالحاد حدد ان الحياة عبث ، فكان له فقهه الاباحي الفوضوي . الالحاد حدد انه لا يوجد اله يحاسب على الخير و الشر ، فكان فقهه : خذ راحتك .. الالحاد حدد ان التطور نتيجة الصراع ، فشرّع الباب لكل صور الصراع و اعتبر ان الحياة كلها صراع . الالحاد قرر ان الشر هو الحقيقة و لا وجود للخير ، و لستُ بحاجة لاذكرك بكلامك السابق عن الشر بأنه هو الاساس ، و وصفك لنفسك بأنك شرير بالاصل والاساس .. و هذه تعليمات استقيتها من دينك الوافد . و ما دام الشر هو الاساس ، فلا حرج على من سار على الاساس . هل عرفت دينك أم اشرحه لك اكثر ؟

انه ديانة شيطانية ، هذا كل ما في الامر ، فكل ما يحبه الشيطان موجود في الالحاد ، و لا مكان للصدفة ..


شاكي:
اما الراحة النفسية ، فالمسيحي لا يجد الراحة إلا في كنيسته ، ورغم هذا فهو احساس متوهم ، كحال الذين يرفعون تمثال بوذا ، وهم يتمنون تحقيق امنانيهم ، اما الحقائق فلا يوجد حقائق مطلقة أنت لا تبحث عن الحقيقة أنت تبحث عن وجود كائن خارق ـ وحياة بعد الموت ، انت لا تبحث انت تطلب منا ان نؤكد ما تتوهمه ومتي خالف هذا تعارضه ،

الرد:
الذي لا يبحث عن الحقائق هو الذي يصفها بوصفك : ( لا توجد حقائق مطلقة) ، انت قررت مسبقا انه لا توجد حقائق : اذن كيف ستكون باحث عن الحقيقة ؟ هل تبحث عن شيء حكمت مسبقا انه غير موجود ؟ اذن الملحد بموجب فلسفته ليس باحثا عن الحقيقة ، لانه قرر بعدم وجودها مسبقا ..

و هذه النقطة من اصول الدين الالحادي ، و بئس النقطة ان تبشر الناس بعدم وجود اي حقيقة و تستبدلها بالفوضى والعبثية ، لأن من علموكم هذه المعلومة يرون انهم هم الاقوى ، اي الانجح في اجواء الفوضى ، و كل قوي يحب الفوضى و العبثية ، لانه يعلم انه سينتصر ، ولا يريد نظاما يعيقه ويمنعه مما يريد . و وجود النظام يحدّ من استعمال قوته ، فالقوي ينادي بالفوضى والضعيف ينادي بالنظام . وهذا ما عبـّر عنه نيتشه من أن الاخلاق سلاح الضعفاء يحتمون بها عن سحق الاقوياء لهم ، اما الاقوياء فليسوا بحاجة لها .

و من هنا سمى هو والملاحدة الاخلاق بالمصلحية ، اي متى ضعفنا لجأنا إليها ، وإذا قوينا استغنينا عنها .. و هو مبدأ ليس بالشريف ولا بالشجاع لمن يطبقه من ملحد او غيره . إذا استقويت ظلمت ، وإذا ضعفت استرحمت . فعظّم الاخلاق والسلام ما دمت محتاجا و ضعيفا ، و اسخر منها اذا صرت قويا .

من يقر بوجود حقائق مطلقة ، هو الاجدر بادعاء البحث عن الحقيقة . انت تقدم لنا حقيقة ، وهي انه لا توجد حقيقة ! هل رأيت تناقض تفكيركم ؟ تمنعون المطلق عن غيركم و تبيحونه لانفسكم ! فتمنع المطلق حتى تسقط وجود اله ، بينما تجعل العلم مطلقا وقادرا على كل شيء ليكون بديلا عن الاله !! .. اي تصففون الاوراق بما يناسبكم ، ولا ترون في ذلك اي عار ، لانكم قررتم بانه لا توجد حقيقة ، فضلا عن ان تحترم . هذا غير انه لا يوجد اي عار في شرعكم ، فالمصلحة هي كل شيء .

أرايت ان دينكم هو السبب الذي يجعلك لا تكترث بتناقضاتك ؟ لان التناقض هو تصادم الخطأ مع الحقيقة ، و انت لا تقر بوجود حقائق اصلا ، فماذا يهمك من التناقض ؟ هذا ما يجعل اي ملحد لا يهتم بتناقضاته ، حتى لو كانت في سطر واحد . لأن الفوضى والعبثية هي اساس تفكيره ، كما علمه جامعو الذهب القادمون من فوضى السوق و بذاءته .

و قولك : (لا توجد حقائق مطلقة) ، هذه حقيقة مطلقة ! قمت بها و بكل بساطة ! تبعا لإله الهوى المتناقض اصلا .

الحقيقة انه لا طرح عندكم سوى التناقض ، و العجيب مهما تنبِّه الملحد على التناقض ، فإنه يسكت عنه و يهرب الى موضوع آخر ! فمن صفات الملحد : السكوت عن التناقض ، و يتصور ان سكوته يجعل الناس لا ينتبهون ! و لأنه لا يملك القدرة على ازالة اللبس و اظهار عدم التناقض فيما ينكشف انه تناقض ، يلوذ بالفرار كالعادة و القفز الى الامام الى قضية أخرى . اي انه يعرف ان منهجه خطأ و لا يهمه ذلك . لأنه رفض الحقيقة من الاساس ، بل كانت هي عدوه .

و الفصل بين الحقيقة و الاطلاق فصل خبيث ، لان كل حقيقة مطلقة ، و الا فكيف تكون حقيقة ؟ ما الفائدة من حقائق غير مطلقة ؟ بل لا تسمى حقائق اصلا . لو لم يكن جدول الضرب حقائق مطلقة لما احتجنا لحفظه .

كل حقيقة مطلقة في وضعها . و العقل و العلم مبنيان على حقائق مطلقة ، لو كانت تتبدل فلا فائدة من استيعابها .. اي بعبارة اخرى : لو لم يوجد المطلق ، لما وجد العقل والمنطق و العلم ، ولكانت البشرية بلا عقل .

كيف نصدقك بانه لا يوجد مطلق و انت تستعمل المطلق لتثبت عدم وجود المطلق ؟ انكم تستخدمون الشيء لنفيه .. فتستخدمون المطلق لنفي المطلق ، و الفلسفة لنفي الفلسفة ، و الحقيقة لنفي الحقيقة ، و المنطق لنفي المنطق ، و العلم لنفي العلم والتشكيك فيه ..

هذا اسلوب لا يحترم عقول القراء ، بقدر ما يكشف عن النفسية التي وراءه القائمة على التملص من الحقيقة و عدم الرغبة بها اصلا .. فالملحد عدوه الحقيقة دائما قبل الدين . فعلا الهه هواه .. و لهذه الاسباب لن ينجح هذا الفكر و لن يعيش طويلا ، الا مع مختاريه .

كل من استيقظ قلبه و عقله فسوف يبتعد عنه . لانه دين يحتضن الشر ويمجده ، والشر دين ابليس ، و ليس لا شيء كما تقولون .

لن يستمر على الالحاد الا من يعرف انه يفعل الخطأ و يحب ذلك .. لأنه في الاخير يؤدي الى عبادة الشيطان ، ولا يصل اليها الا من اكتشفوا انهم يفعلون الشر و يمجدونه ، كما يفعل النورانيون وعبدة الشيطان . لاحظ : مع إلحادهم يسمون أنفسهم عبدة للشيطان ! لتعرف التقارب الشديد بين الإلحاد وما يريده الشيطان ، بل هما شيء واحد ، لذلك هم قالوا : نحن ملحدون وعبدة شيطان بنفس الوقت ! ولم يجدوا في ذلك أي تناقض كالوجهين لعملة واحدة ، ،و هم يقدمون الدليل على ذلك ، وليس كلاما من عندي ،

الملحدون يراوغون وبعضهم يعرفون انهم يراوغون و يعجبهم ذلك .. وهؤلاء سيكونون قلة بلا شك . اما المغرر بهم فإن من اكتشف منهم حقيقة الالحاد ، تسرّب خارج سرب الالحاد ..     

الحقيقة ان الملحد اضعف محاور ، و سيلته الهروبات و القفز ، لانه لا يملك فلسفة اصلا ، و من خطّوا له الخطوط الاساسية في افكاره ، هم باعة و سوقيون في الاصل و ليسوا فلاسفة ولا علماء .

تفهمُ كل الفلسفة المادية عندما تتخيل حفنة من الراسماليين الذين يملكون الاعلام والاقتصاد والسياسة و دور الفكر و المعاهد العلمية ، و هم يخططون للبشر ..

انهم ينظرون الى بورصاتهم و صراعها فيقولون : الحياة صراع ! ثم ينظرون الى الاتهم و مصانعهم ، فيقولون : الانسان الة بدون روح ! ثم ينظرون الى غباءهم و عدم معرفتهم كيف كسبوا ، فيقولون : كل شيء عبث و بالصدف والبقاء للاقوى ولا توجد حقيقة مطلقة ولا معرفة مطلقة ، كسوق الاسهم تماما لا يوجد له علم قطعي ومطلق ! لان ثرواتهم جاءت بالصدف و ضربات الحظ اكثر من المعرفة والدراسة !

ثم هم ينظرون الى الدين و الاخلاق كحواجز في وجه حرية رؤوس اموالهم و في وجه الفردية التي تـُنجِح الراسمالية ، لأنها لا تريد ان يجتمع الناس الا عليها كأفراد ولا علاقة لاحدهم بالاخر ، فالراسمالي لا يريد مجتمعا ، بل يريد افرادا مستهلكين ، مستقلين عن بعضهم حتى لا يتعاونون على مشاكلهم . و يوجههم كما يشاء بكل سلاسة ، و يصنع عندهم الحاجات كما يشاء ، و يغرقهم بالديون كما يشاء .. فقرروا نشر الالحاد حتى يوجهوا الناس كما يشاءون ، دون ان تمنعهم دياناتهم او اخلاقهم ، و هم يعلمون قوة تاثيرها ..

و رأس المال لا يريد ان يقف الدين في طريقه .. و لأنهم انانيون و يحبون امتلاك كل شيء لانفسهم ، قرروا الفردية و الراسمالية . و لانهم يريدون ان يتصرفوا و تتصرف رؤوس اموالهم كيف تشاء ، قرروا مبدأ الحرية . و لأنهم جشعون و يعيشون اجواء المادة ، قرروا ان السعادة في المادة و الثروة . و لأن السوق بلا اخلاق و لا مشاعر ، ألغوا اهمية الاخلاق و المشاعر والتضحية ، واثبتوا الاخلاق التجارية لانها نفعتهم في كسب الزبون . و لان السوق مبني على المصالح المادية ، قالوا : الحياة و الاخلاق ليست سوى مصالح مادية !

فكرة الجبرية هي موجودة في السوق ، لأن السوق يتصرف برواده ، والسوق يتحكم بالبائعين والمشترين ، مثل ارتفاع السهم و انخفاضه .

هل بعد هذا التطابق تطابق ؟ هل عرفت من هم اساتذة الفلسفة المادية ؟ انهم بائعوا الفوط الذين حالفهم الحظ ، فتحولوا الى صيارفة و جامعي ذهب ، فامتلكوا الاعلام والاقتصاد ، و صاروا يتحكمون في الفكر و في العلم والاعلام والفلسفة ، و صارت توضع رغباتهم في الاعتبار لمن اراد النجاح ، و اشتروا الافكار باموالهم . هذا كل ما في الامر ..

لكن انتفاضة الشعوب الغربية الشعورية الاخيرة و الغريبة والمعتم عليها اعلاميا ، و التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الراسمالية ، و ليست بحركة شيوعية ، لا تبشر بمستقبل زاهر للراسمالية و لا لافكارها ، وعلى راسها الالحاد . وتجعل من القرن الواحد والعشرين قرن التغييرات الجذرية نحو عالم يكون للخير فيه موطن قدم ، بعد ان حكم الشر في القرون السابقة .

الزمن يتغير إلى غير صالح افكار الشر . و سوف تنكشف اللعبة و تنتبه الشعوب لما يحاك لها في الخفاء . و قوة الشعوب اقوى من قوة الذهب . و ما أسس على الباطل فمصيره للانكشاف والزوال .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق