السبت، 2 يونيو 2012

عن الخجل والرهاب والاجتماعي

الخجل ليس مرضاً, الخجل هو أن تشعر بأنك صغير وضعيف مقارنة بالموجودين ومدى معرفتهم, فالخجول يخاف من قوة الآخرين وتفوقهم، فقضيته معهم وليست مع نفسه, بدليل أن الخجول إذا جلس مع أطفال أو مع معتوهين فإنه لن يخجل منهم, فإذا أجلست الخجول مع شخص أقل منه في القدرات لن يخجل منه, فبمجرد أن الخجول يعرف أن الناس لا يعرفون ولا يفهمون سيزول عنه الخجل, فمشكلته أنه يتصور أن المعرفة معهم ..!

ولو اختار طريق الخير وسار فيه لزال هذا الخوف؛ لأن المعرفة ستكون معه الآن, فالمعرفة ستربطه بالحقيقة، والحقيقة ستربطه بالشعور؛ لأن الشعور هو من يحدد الحقيقة, والقيمة لا تأتي من الحقيقة بل من الشعور, وإذا كان عندك شيء أنت متأكد أنك تعرفه معرفة كاملة فلن تخجل.

هناك خجل مرضي وخجل استباقي:
الخجل الاستباقي مثل خجلك من الناس الجدد لأنك لا تعرفهم,
فإذاً الخجل كله سببه المعرفة, لهذا الطفل لا يخجل لأنه لم يعرف قيمة المعرفة بعد, مع أن هناك أطفال يكتشفون الخجل أبكر من غيرهم، وهذا يدل أنهم يبحثون عن المعرفة أكثر من غيرهم.

 والتفكير الصناعي (المادي غير الطبيعي، أو التفكير المنطلق من الشر) أيضاً له دور, فالطفل الذي تلقى ضربات صناعية أكثر سيخجل أكثر, بالإضافة إلى الخجل الطبيعي من نقص المعرفة, وحتى من لديه المعرفة لكنه لم يثق أنها الحقيقة فسيخجل، لهذا من يقول معلومة أو يؤدي مهارة لن يخجل بقدر ما سيخجل من سيقول قصيدة, فخجل الشاعر هو من أن يأتي من هو أفضل منه, لهذا الخجول دائماً يخاف من المقارنة.

 الخجل هو خوف, فيخاف الخجول أن يقول شيئاً جاداً ثم تضج القاعة كلها بالضحك مثلاً, لأنه لا يعرفهم, وهذا ما يسبب الخوف من الكلام أمام الجمهور, لأنه يقف أمام أناس لا يعرفهم.

الخجل له صور وأنواع مختلفة وليس صورة واحدة ..

 هناك من خجله يجعله صامت وسلبي,

 وهناك من خجله يجعله يحجم عن إظهار التمكن والقيادة، وهذا الشخص يخجل من أن يضع نفسه في موضع المعلم أو القائد, فتجد أحداً متمكناً لكن إذا قلت له أنه قائد تراجع.

 وأحياناً يكون شخص خجله عن طريق ضحكه على نفسه وسخريته منها, فيتخيل المواقف المخجلة ثم يخجل, وهذا النوع نسميه الخجل الخيالي.

 ونوع آخر يكون على شكل نوبات عنيفة, ويتخذ قراراً بالعزلة عن المكان أو الأشخاص الذين سببوا نوبة الخجل.

 هناك أحد الخجل عنده هو ألا يأتي بجديد (خجل إبداعي) لأنه يخاف أن يُسخر منه, فيمكن أن يشارك بكل شيء لكنه لا يشارك بجديد.

 وهناك أناس خجلهم من البدايات, فتجده يشارك في المواضيع ولكنه لا يبدأ الموضوع, وحتى في العلاقة لا يستطيع أن يبدأ العلاقة.

 وهناك أشخاص عندهم خجل استئناف, فتكون له علاقة مع أحد ولكنه لا يستطيع أن يرجع من جديد إلى العلاقة, مثلاً يعرّفه صديقه على شخص جديد وتتكون العلاقة ولكن لا يستطيع أن يأتي من نفسه لاحقاً ويستأنف العلاقة, فهناك من لا يستطيع أن يبدأ العلاقة وهناك من يستطيع أن يبدأها ولكن لا يستطيع أن يستأنفها.

 ومن أنواع الخجل : الخجل من النفس وهو أرقى أنواع الخجل.

وقد تجتمع عدة أنواع من الخجل في الشخص.  

إذا زاد الخجل وصار عنيفاً فهو عقدة, فمن صفات العقدة العنف.

الخجل كله خوف من التقييم, فالنقاط التي عندك فيها ضعف، أي أنك لم تملك تقييماً وافياً لها وأنت تحتمل أن يكون عند الآخرين تقييم أفضل منك هنا ستكون نقطة خجل, والخجل ليس مرضاً شخصياً بل هو مرض اجتماعي, فالخجول لوحده أو مع من يعرفه جيداً لا يكون خجولاً.

 لهذا لا يوجد أحد يخجل من كل شيء، فلا يوجد خجل شمولي, مثلاً قد  تجد أحداً يعزف على آلة موسيقية ببراعة لكنه لا يغني لأن صوته لا يعجبه, فهو عنده نقطة ضعف في هذه الناحية.

إذا نجحت بالتقييم فهذا يعفيك من النجاح بالمعرفة, وهذه أفضل طريقة لحل الخجل, فالمعرفة ستكون صعبة لأن هناك معلومات كثيرة جداً ومن الصعب الإحاطة بها, لكن لو قيمت أن الموضوع كله تافه وليس له قيمة هنا سيزول الخجل دون أن تعرف الكثير عنه, فالمعرفة مثلاً عن إتيكيت الأكل في المطعم الفرنسي أو الصيني أو الياباني ليست معرفة طبيعية حتى تتعب على معرفتها, لأنه سيلزمك أن تعرف عادات الأكل عند كل شعوب الأرض، وهذا أكثر مما يُحتمل.

وإذا صرت تحترم الشعور ستصر على هذا التقييم دون أن تبالي بتقييمهم أو استغرابهم؛ لأن هذا التقييم طبيعي, وهكذا سينتقل الخجل منك إلى الآخرين لأنك ستكسرهم بقوة الطبيعة التي أنت تحترمها, فمثلاً في نفس الجلسة تجد أنك تقوم بعمل طبيعي كان تطعم فقيراً, هكذا ستجعل الآخرين يخجلون منك, فالشعور هو مقياس الخجل.

 لكن لو كنت تجهل الإتيكيت وأيضاً لست تحترم الطبيعة فهكذا ستكون مدعاة للسخرية؛ لأنك فاشل ألفياً (عقلياً) وبائياً (شعورياً), وهذا أقبح تشويه ممكن أن يكون للإنسان، وهو التشويه العقلي الشعوري (لا علماً ولا أدباً) .

أن يقال عنك أنك جاهل وغير متمدن لكنك طيب وتحب الخير فهذا وضع أفضل ، أما  أن تكون فاشلاً عقلياً وأخلاقياً .. فهذا التشويه المؤلم, لهذا من يُغلَب بالعقل (العقل أ) عليه أن يَغلِب بـالشعور (العقل ب), ومن غُلِب بالعلم فليَغْلِب بالأخلاق, فالمعرفة العقلية لا تسبب خجلاً كبيراً، لكن نقص المعرفة الشعورية هو المشكلة, فمثلاً قبيلة بني أنف الناقة كان يُسخر منهم لاسمهم (أي بسبب عقلي "ألفي" ) ، لكن بعد أن مدحهم الحطيئة لكرمهم بالقصيدة التي فيها:

 قوم هم الأنف والأذناب غيرهم**** فمن يسوي بأنف الناقة الذنبَ

 فصار أفراد هذه القبيلة يتفاخرون باسم قبيلتهم بسبب الدعم الشعوري "البائي" الذي قٌدِّم لها.

من يقول كلاماً من شعوره يَخجل أكثر ممن يقول كلاماً من عقله, لأن الشخص ليس متأكداً من صحة ترجمته لشعوره, فكلما تزداد نسبة المجهول كلما يزداد الخجل (الخوف من الخطأ), إذن الخجول في أساسه -إذا لم يتطرف- هو إنسان عاقل وغير متهور, لأنه يعرف أنه يجهل, والأحمق والمتهور يجهل أنه يجهل.

الخجل هو خوف من التقييم، فإذا ملك الإنسان التقييم زال الخوف عنه, فالشعور يخاف على نفسه من التقييم, فالمسألة هي معركة تقييم, فإذا قيمت الآخرين تقييماً على بصيرة ومعتمداً على الشعور تحصنت من تقييمهم، وسيكون تقييمهم مضحكاً, لأن الشخص دائماً يخاف ويتساءل عن صورته عند الآخر, فإذا صرت تملك عن الآخر صورة حقيقية وليست مزيفة فلن تخاف من تقييمه, ولهذا الشخص الصامت تخجل منه أكثر من المتكلم؛ لأنه لم يتكلم حتى تقيمه, كما قال ديوجين: " تحدث حتى أراك " .. وكذلك لم تعرف تقييمه لك، فقد يكون تقييمه لك سخيفاً مما يسقط قيمته عندك.

انتقال الخجل هو أنك إذا قيمت أحداً وعرفت نقاط ضعفه سينتقل الخجل منك إليه. إذن من يحترم الشعور أكثر يخجل منه من لم يحترم الشعور, والمعرفة الحقيقية هي من الشعور.

نوبة الخجل المتعبة هي خوف من الصناعي على الشعور, أي خوف من تقييم خاطئ لمشاعرنا وأفكارنا وذواتنا, لكن الشخص الطبيعي تعرف أنه لن يمارس الصناعي على شعورك فيتحول الخجل منه إلى احترام.

كل محاولة للتخلص من نوبات الخجل عن طريق اقتحام المخاوف سيغلبك فيها الخجل ولن تغلبه, وإذا شعر الشخص بأن الآخرين قد كشفوا ضعفه ستزود حالته سوءاً.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق