الأربعاء، 13 يونيو 2012

حوار مع شاكي (1-1)



"حوار مع العضو شاكي shaki في منتدى اللادينيين العرب في موضوع الثنائية والضدية والاختيار الحر واثباتها لليوم الاخر .. "
شاكي:

السيّد "الورّاق" تحيّة ،


دعنا من المجادلة حول الثنائيّة ، ولماذا لا يوجد لون رمادي بين الابيض والاسود ، ولماذا تفوز برشلونة بالدوري الاسبانيّ لا ريال مدريد ، ولنأخذ الامر بشكل جديّ ضمن واقع ديني وفق النصوص الاسلاميّة ، ومقارنة مع فهمك تقول :

    الورّاق كتب:

    اذن الاختيار الحر لا يستطيع احد ان يمنعه ، لان الله يريد ان يختبر البشر و لم يخلقهم عبثا ، وإرادة الله لا تـُرَد ، بدليل انه لا يمكن ان تجد ظرفا لا يكون الانسان مُختـَبَرا فيه بين عالم الخير و الشر ، حتى لو كان مجرد افكار ، و لو كان ذلك لكانت الحياة عبثا كما يفهمه الماديون و الدنيويون .



ويقول الذي تتحدث أنت عن الوهيته انه يعلم الغيب ، وعلام الغيبوب ، ولا شيئ يحدث إلا بعلمه ، ويحيط بعلمه ..إلخ هذه الاشياء المثيرة للإهتمام حقيقة .

لا بد ان يدعي ذلك ، فإن لم يعلم الغيب ويحيط بكل شيئ علماً ، فلن يكن الهاً في هذه الحالة ، فالإله وفق فكر البشر علي مختلف العصور والتطورات ، يجب أن يكون مطلق (القدرة ، العلم ، الارادة ) ،

ولكنك الان تأتي إلينا لتنفي عنه ذلك ، فتقول أنه لم يخلقنا عبثاً بل ليختبرنا ! ، وقد خلق أختيارين أثنين فقط ليجبرنا علي الاختيار بينهما .

أنت هنا تقع في عدة تناقضات ومغالطات :

1- الهك وفق فهمك لا يعرف الغيب (يجهل اشياء) ، ولا يعرف ماهي نتيجة اختياراتنا ! [تناقض]


الرد:
لا مانع او تناقض في ان يعلم الغيب ، وأن يختبرنا حتى لا نقول أننا ظـُلِمنا .. 


شاكي:
2- وجود اختبار ينفي العبث ، [مغالطة] ماهي فائدة الاختبار اساساً ، -حتي لو فرضنا انه لا يعرف الغيب وسايرنا هذا جدلاً -

يجب ان يكون مستوى حديثنا عن البشر و علم البشر و واقع البشر و منطق البشر .. فللبشرية منطق وللالوهية منطق ، و منطق المخلوق لا ينطبق على منطق الخالق .. و ما يصلح للساعة ليس شرطا انه يصلح لصانع الساعة ..  

انت قفزت بالمستوى الى الاله ، و هذا قفز على الموضوع .. نحن نتكلم عن الحياة الدنيا التي فيها البشر ، اما اسرار الاله فعنده .. انت تريد ان يكون الاله شفافا و معروفا بالكامل ، و هذا تناقض ، فحينها لن يكون الها .. سيكون احد اصدقائك ..

يجب ان نقف عند حجمنا كبشر ، نحن وجدنا و سوف نذهب ونحن لا نعرف شيء ، و لا ندري من ادخلنا في هذه الحياة و امتحاناتها الجبرية المستمرة  و من الذي يخرجنا ، و لا ندري حتى ما هذي ذواتنا ، و من لا يعرف نفسه : كيف يريد ان يعرف الاله قبل ان يعرف نفسه ؟ هذا قفز الى المستحيل .. وخروج عن النطاق لا يتناسب مع العقلانية .. فكلمة اله لا تساوي رئيس دولة .. و كل عقلاني يعرف ذلك ..

انت تريد ان تسأل الاله عن كل شيء ، و لماذا هو إله ، و لماذا يخلق كونا بهذه السعة ، و ما فائدة خلقه للحشرات و و إلخ .. اسئلة الهية يقدمها العقل الملحد و اللاديني .. نحن نريد اسئلة بشرية تتعلق بواقعنا وحياتنا ومصيرنا ..

تذكر اننا لا نعرف شيئا تمام المعرفة .. نحن بشر ضعفاء نعيش مدة قصيرة ثم نخرج من قاعة امتحانات الحياة ليأتي دور غيرنا ، و لسنا بآلهة ، إلا أن تكون انت الها و نحن لا ندري ! اذن عليك ان تخبرنا بكل شيء ان كنت الها .. و حينها لن تكون الها ! ستكون من احد الاصدقاء ..

الملحد لا يناقش كينونة الانسان و لا اهداف الحياة و لا ما هو الافضل عندما يتكلم عن الدين ، و لا يقدم حتى فلسفة بديلة للحياة سوى الاباحية و العبثية ، معتمدا على اسئلته للاله ، و لا يبحث عن حل لمشكلة الوجود و هدف الحياة وغايتها .. اذن الملحد يسقط نظاما و يحل محله الفوضى ، وهذا لا يسر النفوس الطيبة و إن سر من له هوى يعصف بداخله ، معتقدا انه يحمل الجمال .. إن الفوضى ضد النظام ، و ما الجمال الا نظام متناسق .. والانسان يبحث عن الجمال .. والالحاد لا جمال فيه ، لاعتماده على الفوضى والعبثية .

الانسان يريد ان يجد هدفا لحياته ، و فلسفة واضحة و متكاملة .. ليس اسقاط الاله هو الحل عند البشرية ، اما عند الملحدين فهو غاية المنى ونهاية المطاف ..

عند الملحد ، بعد اسقاط الاله ، تنحل كل المشاكل ! هكذا يتصور ، و هكذا تصور نيتشه ، لكنه تفاجأ فيما بعد بالكارثة : كارثة سقوط الانسان في داخله ..  عندما قال : اردت قتل الاله ، و إذا بي قتلت الإنسان ..

إن البشرية ترى العكس : ان الالحاد بداية المشاكل مع الوجود و الغاية والخير والشر .. الانسان مخلوق مرتبط وليس منفلت كما يظن الماديون .. يكفي من خطأ المادية والالحاد انها لا تقدم اي بديل لحل محل الدين .. و هذا الطرح لا يتناسب مع كل البشر .. أكثر البشر يريدون شيئا افضل اذا تحرروا من الشيء الخطأ .. و الفكر الالحادي يحسب ان كل البشر مثله ، يريدون التحرر والانفلات فقط ، و يسعدون بذلك .. و هذا ناتج من تهاونهم بقضية الثنائية التي سخرت منها بأول مقالك ..

الملحد يشتغل على الاحادية دائما ، ويتصور ان كل البشر مثله و مثل ما يريد تماما .. في الحقيقة : هناك ثنائية في كل شيء ، حتى في الالحاد نفسه : هناك ملحد مطمئن ، و هناك ملحد غير مطمئن للالحاد .. ترى ما السبب ؟ انها الثنائية ..

نعم جمعهم الالحاد ، و لكن فرّقهم الاختيار .. كل من نظر الى البشر نظرة واحدة وليست ثنائية سيكون مخطئا ، و لنا في التاريخ عبرة .. انا لا انظر للبشر نظرة واحدة بل نظرتان ، لكن في الوقت ذاته انظر الى البشر في اساسهم الفطري نظرة واحدة .. لأن منهم من يحترم شعوره و فطرته ، ومنهم من يتمرد عليها .. و هكذا علمنا القران ..

ماركس تصور ان الاقتصاد هو هم البشر فقط ، و لهذا نحّى الدين والاخلاق لانها ليست هم البشر ، و وقع في هذه الاحادية ايضا فرويد ، و نيتشه ، عندما حسب ان البشر يريدون الجنس فقط أو القوة فقط و لا يريدون شيئا غيرها ، و انهم لا يحبون الرحمة ولا العفاف ، و لكن الاديان فرضتها عليهم .. تصورات أحادية و خاصة عـُممت على الجميع . و كل هذا وغيره تخبط بسبب احادية النظرة الى الانسان ..

أنا أعرف الآن ان كلامي هذا لا يعجبك اطلاقا .. لكني اعلم ان هناك من يعجبه . ستقول : انه لم يعرف الحقيقة مثلي ، اقول: لا ، بل هو سيقول نفس الكلام ، انك لم تعرف الحقيقة مثله .. اذن نحن امام اختيارين متضادين .. احدهما اختياره و الاخر اختيارك ..

انت لم ترد على موضوع الثنائية ، ولكنك قفزت الى فكرة ظننتها تنقذك ، و هي : لماذا يختبر الله الناس وهو يعلم كل شيء .. لم تناقش الموضوع فلسفيا .. من البداية كان همك هو الهجوم على الدين فقط .. أن الفلسفة لا تعنيك ، بل يعنيك سقوط الدين .. حسنا : سقط الدين عندك : فهل يعني هذا ان كل الناس سيكونون مثلك ؟ هذا ليس اكيد ، فالثنائية قائمة ما بقي البشر ..

 تجد الملحد يقفز الى الاله مباشرة : لماذا يخلق الحشرات ؟ لماذا يختبرنا وهو يعرف كل شيء ؟ لماذا اوجد الجاذبية ؟ لماذا جعل 1+1=2 و لم يجعلها 3 ؟ لماذا الارض صغيرة بالنسبة للاجرام الكبرى ؟ لماذا و لماذا .. كل هذه تسمى اسئلة الوهية ليست من اختصاص الانسان .. لان المنطق البشري لا يعمل فيها ..

بل ان المنطق البشري لا يعمل في مجال الاحاطة كله .. المنطق البشري لا يعرف اللانهائي ، و الكون لا نهائي ، اذن هو لا يعرف الكون .. و هل يستطيع ان يتصور العقل البشري وجود حدود للكون ؟ وهل يستطيع ان يتصور عدم وجود حدود للكون ؟ فإن قلت ان الكون محدود ، فماذا الذي بعد حدوده ؟ و ان قلت انه غير محدود ، فكيف نفهم الكون وهو بلا حدود ؟ منطقنا البشري تعلّم على الحدود ومبني عليها ، اذن لا يستطيع عقلنا ان يتعامل مع المطلق و الشامل ، فكيف اذن يستطيع ان يتعامل مع الاله المطلق (الخالق) طالما انه لم يستطع التعامل مع الكون المطلق و هو مخلوق ؟؟  اذن عقلنا لنا و لطبيعتنا و بيئة وجودنا التي بنته و انبنى وتكوّن فيها اصلا .. و نحن لم نخلق انفسنا و لم نخلق الكون ، اذن هذا العقل والمنطق لا يتناسب لدراسة من خلق كل شيء ..

المنطق يدلنا على وجود خالق ، لكن لا يستطيع المنطق ان يتعدى هذه النقطة فيسأل من أوجد الخالق .. لأنها منطقة خارج نطاقه ، لأنه مخلوق .. أتمنى ان يكون هذا الكلام واضحا ، فيكون سؤالنا من خلقنا سؤال منطقي ، لأنه في نطاق المنطق البشري ، و سؤالنا من خلق الخالق سؤال غير منطقي ، لأنه سؤال عن من خلق المنطق اصلا الذي نسأل به ونحتكم اليه ..

المنطق الانساني للانسان ، و لظروف الانسان ولوجوده الغريب على هذه الحياة .. منطقنا مرتبط بوجودنا .. الالوهية وجود آخر مختلف .. كيف نناقش بالمنطق من خلق المنطق ؟ الا يستطيع ان يخلق غيره ؟ علينا ان نحل مشاكلنا كبشر من خلال المنطق ، لا ان نقفز لتطبيقه على خالقه ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق