شاكي:3- أن الانسان ليس مخيّراً ، بل هو مجبراً علي اختيار شيئ من بين اثنين (فقط) ، ونتيجة الاختيار تتوقف علي قدرة الفرد العقليّة التي لم يقم هو اساساً باختيارها ، [تناقض]
ليس
صحيحا ان تتوقف نتيجة الاختيار على القدرات العقلية ، ليست المسألة مسألة ذكاء ولا
معرفة .. المسألة مسألة اختيار بين خير وشر يحس بها بداخله ويعرفها جيدا كل انسان
.. بينه و بين نفسه ..
المسألة
مسألة رغبة واختيار وخط حياة ، وليست مسألة قدرات عقلية ، و القدرات العقلية اصلا
تنبني من الاختيار ، فكل من يختار الخير والحق كخط في حياته ، سوف يبني عقلا سليما
مبنيا على الحق و الخير ، و ليس ضد الحق الا الباطل ، و ليس ضد الصواب الا الخطأ
.. والخطأ ضعف في القدرات العقلية .. اي من اختار الطريق الخطأ ، فسوف يبني عقلا
خاطئا ، والعكس بالعكس ..
ومن
اختار طريق الانانية واللذة العاجلة ، سوف يبنى عقلا على عواطف و أهواء ..من اختار
طريق الكذب و المراوغة فسوف يبني ذكاء في هذا المجال ، وغباء في ضدها .. ألا تلاحظ
ان هناك من يشتد ذكاؤه في ناحية و يضعف في ناحية اخرى ؟ هناك من المحتالين و النصابين
من يـُعجِز أكثر المحنـّكين عن كشف مكره ، في حين قد يكون راسبا في مادة الادب أو
الرسم ، و قد لا يستطيع ان يتذوق بيتا من الشعر ..
اذن
على حسب الاختيار ينبني العقل والذكاء (قانون) ، و من يبحث عن الحقيقة منحّيا هوى
نفسه ، سوف يبني عقلا منطقيا لامعا .. و هذه نظرية اخرى توضح موضوع القدرات
العقلية والذكاء لن تجدها طبعا عند كتب الغرب التي تثق بها ، و لك ان تسخر منها
ايضا .. لكنها ثمينة عند من لهم طريقة تفكير و اختيار مختلفة .. و تساهم في حل
اشكالية الذكاء الفلسفية ..
شاكي:
أود أن اضيف :
- أن مدعي الالوهيّة يعلن بكل صراحة " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ، بينما انت تقول للإختبار [تناقض]
اختبار
في العبادة : هل يشكرون ام يكفرون .. فلا تناقض هنا كما توقعت .. الاية من وجهة
نظري تبين هدف المخلوقين و ليس هدف الخالق .. فهدف المخلوقين هو ان يعبدوا .. و هذا
هو الواقع (لاحظ ان كلمة "يعبدون" بدون ياء النسب ! ) ، و لاحظ ان
الجميع يعبد .. فمن يعبد الشيطان و من يعبد الله ومن يعبد الغرب ومن يعبد السلطة أو
المال ..
و الايات
التي تسند هذا المعنى من القرآن كثيرة ، منها : ( ألم اعهد اليكم يا بني ادم الا
تعبدوا الشيطان) ، ( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ)
.. (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)
.. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ) .. وقال عن المطر (رِزْقاً لِّلْعِبَادِ) .. لو كان معنى الاية التي
ذكرتها أنه خلقهم ليعبدوه و جبرهم على ذلك ، فلم يعبدون الشيطان وغيره بإقرار
القرآن نفسه ؟
القرآن
حصر مسعى البشر بانه إلى العبادة ، ثم وضـّح مسالك تلك العبادة ، و هي تدور حول
قطبين في الأخير ، هما : الله او الذات ثم الشيطان ، و ما يتعلق بهما ، من مثل
الطواغيت او المصلحة او الهوى الخ .. ففي الاخير الانسان يعبد الله او الشيطان ،
لأن الشيطان يستغل عبادة الذات ليحولها الى عبادته في الاخير ، فتكون الذات خادمة
للشيطان ..
والنظر
للآية بهذا المعنى يخرجها من هذا الإشكال ويكرّس فهم هذا القانون الإلهي الجبري ،
فتكون 3 قوانين تعمل مع بعضها : الثنائية والاختيار و العبادة .. لهذا القرآن سمى
البشر كلهم بالعباد ، و لم يتطرق ابدا لأحد لا يعبد شيئا كالملحدين مثلا .. لذلك
عقيدتنا كمسلمين لا نسميهم بلا دين ، ولا نصدق زعمهم انهم لا يعبدون شيئا ، بل هم ممن
عبد الذات و المؤدي الى عبادة الشيطان ، اي من نوع : اتخذ إلهه هواه ، و صورة تأليه
الذات عند الملحد كثيرة ويجسدها بوضوح
الطرح النتشوي و مناقشتهم للاله كشخص مثلهم .. فالشيطان يجعلهم متكبرين مثله
فيناقشون الله مثلما ناقشه هو عندما خلق الإنسان ، و أسبغهم بشخصيته المعتمدة على
تكبير الذات ، و هذا أمر واضح و مستفيض عند الملحدين واللادينيين .. حيث ان نقاشهم
ينصب على الذات الالهية قبل الدين ..
انه
حتى جامعي الثروات يظهرون و كأنهم يعبدون المال ، لاجل المصلحة ، ولكن اعمارهم
تنقضي و هم يخدمون المال ويضيعون اوقاتهم بالعمل و التي كانت اولى بالاستمتاع لأن
مالهم كافي لذلك كما كانوا يتصورون انه هدفهم ، اقصد الاستمتاع بالمال .. و في
الاخير يصرفونها لخدمة ايديولجياتهم و افكارهم .. مما يعني انه كان خادما لتلك
الافكار منذ البداية ، لكنه يمر بفترة وهم عبادة الذات ، وهي وسيلة الشيطان لجذب
الانسان لعبادته ، حيث يوهمه بأنه يحرره لكي يستمتع و يعيش لذاته فقط .. الملحد
يهرب من كلمة عبودية ليقع فيها في عبادة اخرى ..
أما
قول عيسى لله : (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ
أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، فهذا باعتبار الاصل ، انهم مملوكون لله ، و ليس
القصد انهم يعبدون الله ، وإلا لما عذبهم ، ففطرتهم الشعورية مفطورة على البحث عن
الله في الاصل .. فمنهم من زكاها و منهم من دساها .. فكلمة عباد تأتي بمعنى التملك
، و هي عامة على كل الخلق ، وهي المقصودة هنا ، و لاحظ انها لم تأتي على شكل فعل
كيعبدون ، و تاتي ايضا بمعنى اختيار عبادة الله ..
لا
تسأل الملحد عن شخصية الشيطان ، حتى لو كان لا يؤمن بها ، فهي مصدر اعجاب و يرى
فيها تشابها مع شخصيته في العناد واحترام اللذة العاجلة ، ويسميها الاستقلالية
والصلابة .. إن حربه على فكرة وجود اله تنصب في خدمة وجود الشيطان .. فلن تجد ملحد
يلحد و توقف ، بل يتحول الى داعية ، و هذا من صور العبادة .. فمن ليس له اله لا
يدخل في نقاشات و سجالات مع اتباع الالهة الاخرى .. اذن العبادة جبرية على الانسان
، و الاختيار بين المعبودات حر ..
و
قوله تعالى : (ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون) ، هذا يبعد فكرة
الانسانيين بأن تجعل لك هدفا ساميا في تمريض الجرحى او مساعدة الفقراء في المجاعات
، كهدف سامي يكفي عن اتخاذ دين و عبادة اله .. لأن الله هو الرزاق ، و ما سوف يقدم
للفقراء فهو من رزق الله اصلا .. والجميع سوف يفنون اصلا ، اذن لا يصلح هذا ان
يكون هدفا الحياة ، لانه غير ممتد ، بل يصلح لان يكون جزءا من هدف .. اذن هدف
الحياة هو العبادة ..
لاحظ
ان كلاً له افكار يجالد و يكافح لاجلها ، وهي ليست بالضرورة تخدم مصالحه المادية
مباشرة .. اذن لماذا هذا يكون ؟ انه بدافع قانون العبادة الجبري .. قال تعالى : (ولكل
وجهة هو موليها) ، يكفي من عظمة القرآن أنه لم يقر بوجود احد بلا عبادة .. و ان
ادعى الملحد انه لا يعبد شيئا ، لان كلمة عبادة ليست بالشرط ان تكون بمظهر العبادة
في الاديان حتى يقول الملحد اني لا اقوم بطقوس وليس لي معابد .. العبادة هي الولاء
والانتماء والتضحية ، و هذا الملحد يضحي بوقته و راحة باله ومتعه احيانا لاجل ان
يخدم افكارا ضد وجود الله .. اي في خدمة الشيطان ..
لا
احد سالم من معركة الافكار الثنائية العالمية .. فالإنسان في حقيقته ليست المصالح
هي التي تنتج الافكار عنده .. بل الافكار تتسمى باسم المصالح و تـُلصق نفسها بها حتى
تسوّغها .. و يتصور الملحد انه يخدم مصالحه بأفكاره ، بينما هو يخدم افكاره
بمصالحه ، أي انه يضحي ، و التضحية من صور العبادة ..
إن
الإنسان مهما كان ، يعمل و مفطور على العمل ، والعمل له غاية .. (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ
عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي
أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ
حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) .. و اي عمل يدل على وجود دوافع له ، وما
هذا الدافع الا العبادة .. فالايديولوجية توضح ذلك .. لانها خدمة لافكار تكون دائما
على حساب المصالح ..
أعتقد أن المقصود في الآية أن هذا هو المطلوب من الجن والإنس هو أن يعبدون يعني يعبدوا الله لأنه اردف ب ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون. .. فأين الأشكال لو قلنا أن الخلق كلهم مطالبين بعبادة الله ؟!
ردحذففي قوله تعالى ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون ... أي أنه تعالى ليس محتاج منهم لهذه الأشياء بديهيا لأنه هو من خلقها. .. والله اعلم
حذفمثل الأب عندما يقول لأبنائه ما أريد منكم فلوس ولاشي أريد فقط أن تتفوقوا ف دراستكم و تنجحوا في حياتكم ...
ردحذفنعم يا اخي جمال ، أتفق معك ، لكن سيقول لك الملحد : لم يعبده كل الناس ، إذن الله أراد ولم يستطع أن ينفّذ ! هذا الفهم الذي طرحته أنا يفيد من ناحيتين : الأولى : جبرية العبادة عند البشر ، مهما حاولوا التنصل وإدعاء الإلحاد ، فالكل عابد لا محالة ولا مناص ، كما قال تعالى (لكل وجهة هو موليها) . ويؤيد هذا عدم ذكر الملحدين في القرآن، اي المتحررن من العبادة، فلو كانوا موجودين لذكرهم من ضمن الديانات.
حذفالفائدة الثانية : هي تحديد العبادة الصحيحة وهي العبادة لله وحده ، عندما قال (ما أريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون) أي أن يعبدوا االله لمصلحتهم وليس لمصلحة الله وحاجته.
اذن الله فطر الناس على العبادة ، و وجههم للعبادة الصحيحة، والقرآن يثبت ذلك في مواضع أخرى، عندما قال (اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقال (ألا تعبدوا الشيطان) ، اذن الانسان عابد عابد لا محالة .. إن على حق أو على باطل. ولا وجود حقيقي للإلحاد، لأن الإلحاد نفسه عبارة عن فراغ ، والشعور يحتاج إلى إرتباط، ألا ترى كيف الملاحدة يخلقون آلهتهم كل يوم، فمرة العلم ربهم، ومرة الانتخاب الطبيعي والتطور ، ومرة المال والغرب ، ومرة داروين ونيتشه ، ومرة يبحثون عن روحانيات شرقية أو تأمل أو يوغا أو كابالا اليهود ، ومرة يقسمون بالقمر واللات والعزى، لا بد من بديل. اذن هو عابد عابد ، هذا غير عبادته لنفسه، وهذا غير عبادة فرق كبيرة منهم للشيطان نفسه ويصنعون له اعيادا وكنائس ويقيمون الطقوس .. هذا يدل على وجود الحاجة للعبادة.
الانسان ضعيف وصغير في هذا الكون، لهذا يبحث عن الكبير ليرتبط به. لأن
حذفالارتباط حاجة من حاجات الشعور الإنساني الاصيلة. إذن الالحاد عبارة عن وهم
وخرافة. مثله مثل كلمة الحرية، وهم وخرافة ، لا يمكن تطبيقها .