@3bdolr7man :
أسعد الله صباحك أستاذنا الحبيب مشتاقين لك يا شيخ ،أرجو أن تكون بخير إن شاء الله (: الحياة بتعقيداتها تدهش النفس حتى تنضح بالتساؤلوقعت على كتاب بعنوان [ الروح و النفس و العقل و القرين] للدكتورأحمد شوقي ابراهيم ، قرأت بعضه لكن شككت في بعض ما طرح و تساءلت...** هل هناك فرق بين النفس و الروح أي أنهما منفصلتان أم أنهما شيء واحد؟!
الرد :
الوعي مستويات : مثلا هناك وعي على مستوى الخلية ، فهي تدرك الاخطار وتبتعد عنها ، وتقوم بعمليات الهضم والحركة والاخراج الخ . هذا مستوى من الوعي . ويمكن نقلها وبقاءها حية .
ووعي آخر هو : وعي التنسيق بين الخلايا من خلال الدماغ ، و وعي ثالث يعي الانسان به خارجه ، والوعي هو الروح . والروح من امر ربي .. لا احد يعرفها ولا أحد يستطيع اعادتها بعد خروجها من أي مستوى من المستويات، فضلاً عن أن يوجدها من العدم .. ولم يستطع العلم معرفة أدنى شيء عن الوعي الذي هو الحياة ، ولا يوجد أي مدخل لدراسته ، وهذا لإعجاز قرآني بحد ذاته.
و الوعي الذي يستمد معرفته من داخل الانسان ، اي من الفطرة والشعور ، و يمزجها بالمعرفة القادمة من خارج الانسان وعالم المادة (من خلال الحواس مروراً بالعقل) برابط مصلحة الذات، هذا المجموع من المعلومات نسميه النفس او العقل الوسيط . وهي موطن العادات والمهارات والسلوك البديهي ، و يمكن تغيير ما فيها ، كما قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ، فكيف يغيرون شيئاً لا يمكنهم أن يعرفوه ؟ إذن النفس يمكن ان تـُعرف و يغيّر ما فيها ، اما الروح فعلمها عند ربي .
وعليه فالنفس فيها الصحيح والخاطئ ، وعليه تكون النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة على السوء، ويدخلها الشيطان من خلال العقل على شكل أوامر وأفكار بالوسوسة المباشرة أو من خلال الوسوسة المنقولة عن طريق شياطين الإنس وهي ما يسمى بالأفكار الهدامة والسيئة، ومرجعها كلها الشيطان.
والبعد الثالث المعنوي للإنسان ، من وجهة نظري ، هو الفطرة (الشعور) ، وهو احد رافدَي النفس، وهو معلومات غير مادية متصلة بالروح فطرياً ولا يمكن فصله أو تغييرها (الشعور الصافي)،وبناء عليه اعتبرت أن أصل الإنسان خيّر.
والمنطقة الرابعة هي العقل، وهو وعي ارتبط بالعالم الخارجي و اخذ منه المعلومات والقوانين والمعايير ، و أودعها الذاكرة .
والمجموع كله عبارة عن وعي أخذ نوعه بحسب ملامسته، لكن اصله هو الروح ، والروح من امر ربي . اذن نحن ندرس الظواهر .
الشعور او الفطرة يحوي معلومات جاهزة ، والعقل يستقبل معلومات خارجية ، والنفس تجمع ما بين المصدرين؛ لأجل مصلحتها المعنوية والمادية. والجميع في اطار الوعي (الروح) ..
فالنفس منفصلة في تميزها وغير منفصلة في اساسها ، مثلما تمتاز اغصان الشجرة عن جذورها ، وإذا نظرنا إلى الشجرة من حيث الحياة ، نجد ان كلها (الأغصان – الأوراق – الجذور ..إلخ) شيء واحد يسمى كائناً حياً .
@3bdolr7man
** هل الروح التي نفخ الله تعالى بها الإنسان تختلف عن الروح الموجودة في الحيوان ؟!
الرد :
في اعتقادي ان إنسانية الإنسان وهي التي تميزه عن الحيوان هي المقصود ، فالإنسان يطلب المعرفة والمحبة والجمال والخير والشكر ...الخ من الفضائل غير الموجودة في الحيوان ، وكثيراً ما تتعارض هذه الجوانب الراقية مع المصلحة المادية إلا أننا نحبها أكثر لأنها من روح الله الجميل العظيم الرحيم الكريم المتعالي.
تتفق مع صفات الله ولا تتفق مع صفات الحيوان ، فالله غفور ودود شكور محب كريم رحيم حكيم عليم ، وكل هذه نجدها في شعورنا الإنساني ، ومن خلالها نعرف الله ونتفاهم معه ، لأننا نعرف صفاته الأخلاقية .
أما الحيوان فلا يعرفنا ولا نعرفه إلا من خلال الغرائز الحسية ، والجمادات لا نعرفها ولا تعرفنا ، كذلك الإنسان المادي الذي دس شعوره فلا يعرفنا ولا نعرفه إلا من خلال المصلحة المادية ، إذاً من يعرفنا ويحس بنا؟! .. إنه كل من يحترم شعوره الفطري وهو ما سماه الله بالمعروف.
وهل كل من أحس بنا يستطيع أن يساعدنا بشكل دائم وكامل؟.. طبعاً لا ، لأنهم بشر مثلنا.
إذاً من يحس بنا ويستطيع فعلاً أن ينفعنا؟؟! ..
إنه الله ، ونحن محتاجون له بالضرورة كما بينت.
@3bdolr7man
** و قرأت مرة النفس للبهائم و الروح للإنسان ما صحة ذلك ؟
الرد:
حسب ظني أنهما لكليهما ، فالبهائم لها وعي ولها نفس، بدليل اختلاف سلوكها في النوع الواحد ، ولها عقل أيضاً ، لكنها تفتقر إلى الدوائر العليا من الشعور ، أو ما يمكن تسميته بالإنسانيات ، كل إمكاناتها لأجل بقاءها ، وليس عندها دافع للمعرفة ولا دافع للأخلاق، وتمييزها لا يعمل إلا في نطاق غرائزها الحسية ، مما يعني أن الإنسان ليس متطوراً من حيوان وليست المسألة مسألة ذكاء أكثر عند الإنسان ، بل إن ذكاء الحيوان أكبر من ذكاء الإنسان فيما يتعلق بغرائزه ، وهذا يدل على عدم وجود تطور في الذكاء ، لأن الحيوان يملك ذكاء متطوراً أصلاً بما يتعلق بحياته وطبيعتها ..
انظر إلى سرعة القط وهو يهاجم ودقة حركاته المحسوبة بذكاء ، انظر العصفور المنحبس في منزل وكيف يطير بطريقة بارعة مع الممرات والمنعطفات بحسابات دقيقة لا يستطيعها الطيار بطائرته، انظر إلى عصفور وهو يقبض بقدميه عودين من النبات ليصل رأسه إلى الماء. كل الأحياء تملك عبقريات ، والإنسان نفسه يتعلم منها، لكنها لا تتعلم منه ولا من غيره ، مثلما صنع السفينة كالأسماك والطائرة كالطيور والغواصة كالحوت .
ولو كان الحيوان يملك التمييز الشعوري الذي يملكه الإنسان لما فرق عن الإنسان ، إذاً اتهام الحيوان بالغباء اتهام وهمي ، وكل الحيوانات والحشرات تملك هذا الذكاء المحصور ،
أما ذكاء الإنسان فهو مطلق ، بحيث ان الإنسان يستطيع أن يعرف ما له علاقة مباشرة بحياته او ما ليس له علاقة ، أما الحيوان فلا يستطيع أن يعرف ما ليس له علاقة بحياته ، لأنه لن يستفيد منه وليس له رسالة ولا خلافة ، لهذا الإنسان أكثر هموماً وأمراضاً بسبب الهم من الحيوان ، لأنه حمل الأمانة التي أبت الجبال والسماوات أن تحملها وأُطلع على ما لم يُطلع عليه الحيوان .
الحيوان عنده ذاكرة لكنها تتعلق بطعامه وشرابه وأمنه وتكاثره ثم تقف . عنده تفكير وذكاء أيضاً يتعلق بهذه الأمور ، الحيوان مسؤول عن نفسه ونوعه وليس له علاقة بالأنواع الأخرى ، أما الإنسان فنطاقه واسع .
حتى نفهم الصورة لنتخيل إنساناً تحصر اهتماماته ومعرفته بنفس اهتمامات الحيوان فقط سيكون إنساناً حيوانياً ، مثلما صور لنا الماديون الإنسان البدائي ووهمونا ، بينما المضحك أن الصورة تنطبق عليهم هم :)
لأنهم يحاربون إنسانية الإنسان ، على طريقة: رمتني بدائها وانسلت !
وانظر إلى الإلحاد كيف ينادي بالحيوانية على يد داوكينز وغيره، ولا تستغرب حينئذ كيف يحارب هاريس الإنسانية والأخلاق وكيف يشككون بالمنطق والفلسفة لأنها أشياء لم يعد لها قيمة بعد الدعوة إلى الحيوانية ، وهذا يفسر لك الربط بين الأنانية المادية وبين انخفاض مستوى الشخص في أخلاقه وذكائه وثقافته واهتمامه، فهي علاقة طردية ، كلما ازدادت أنانية الشخص كلما ازداد ضيق أفقه ليقترب من الحيوان ، لأن هذه هي صفات الحيوان . قال تعالى {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلًاً} وهذه رؤيتهم ، وتشبه رؤية الحيوان لو نطق، فالحيوان يعرف سبيله، وهم لم يستطيعوا أن يكونوا حيوان ولا إنسان فضلوا السبيل
بينما الإنسان مختلف ولهذا تتألم روح الإنسان مع أن جسده منعم وعيشته رغدة ، أما الحيوان فلا يتألم أبداً دام أنه منعم وعيشته رغدة وصحته جيدة ، ومن ارتضى بحياة الحيوان فعيه أن يقبلها كلها حتى بضيق عقولها وأخلاقها ، وما دامت الحيوانية هي المنهج الصحيح كما يقول داوكينز ، فعليه إذاً أن يكملها إلى آخرها ، ليتطابق النموذج مع المثال وهو الحيوان ، وهذا ما لا يريدونه ، فيريدون حيوانية غير كاملة ، وهذا عيب في المنهج ، فالمنهج صحيح يتبع إلى آخره ، إذاً منهج الحيوانية غير صحيح!!
@3bdolr7man
** هل الذات الإنسانية كانت موجودة قبل وجود جسد الإنسان في الأرض بمعنى هل هناك ما يسمى بيوم الذر أو عالم الذر ؟!
الرد:
هذا من علم الغيب الذي لا نعرفه إلا من خلال القرآن الذي أشار بالآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم...} ، وهذه الشهادة هي المطبوعة في شعور الإنسان ، كما قلنا أن الشعور معلومات جاهزة ومطبوعة فطرياً ولا تتغير ، وهي فطرة الله الخيرة ، فالفطرة تعرف ربها الذي أشهدها عندما طبعها ، من يحترمها يشهد بشهادتها .
والدوائر العليا أو إنسانية الإنسان هي الأمانة التي أسندت للإنسان وحده في عالم الذر، أمانة: اعبد - اعرف ربك - اصدق - أوف بعهدك - اعدل - اشكر ...الى آخره من الفضائل ، فمنا من يحفظها ومنا من يضيعها . والله المستعان .
ومنطقياً سوف نسأل ، لأن هذه الأمانة إذا تأملتها تجدها عند كل شعور ولا تجد لها علاقة بغرائزنا الحيوانية ، أي نستطيع أن نعيش بدونها ، ومع ذلك هي مقحمة في ذواتنا ، وتسبب لنا الألم إذا تركنها والسعادة إذا استجبنا لها ولو على حساب مصالحنا ، فأين المفر؟!
أما زعم الماديين بأن الفضائل والأخلاق مجرد وسائل ابتكرها الناس ليزدوا من دخلهم ويحسنوا معيشتهم المادية فهذا رأي سخيف ، لأن الأخلاق في تعارض دائم مع المصلحة ، ونشعر بجمالها أكثر من جمال المصلحة ، والحيوان يعيش عمره مستمتعاً بدونها ، إذاً الإنسانية أمانة وهي سبب الهم ، لأنها حمل ثقيل ، وانظر إلى دقة القرآن : {وحملها الإنسان} والحمل يعني الثقل ، لهذا قال لنبيه {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} فكل ما يتعلق بهذه الأمانة فهو ثقيل وجميل وسعيد بنفس الوقت .
@3bdolr7man
** لا أعلم لما هذه الأسئلة فهل هي مهمة لنا أن نعرفها .. ما رأيكم في هذا الموضوع أستاذنا العزيز و بارك الله فيك (:
الرد:
فعلاً هذه أسئلة مهمة بل هي الأهم ، فإذا لم نعرف الأساس لم نعرف الأطراف ، رغم أنها أسئلة من العيار الثقيل المسبب للصداع ، إلا أننا كلنا استفدنا من أسئلتك العميقة دائماً والمفيدة بطريقة تذهب الصداع والغموض أيضاً، وإن لم يقنعك الجواب فعلى الأقل أنه فتح للحوار باب .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق