الأحد، 10 يونيو 2012

اجوبة على اسئلة حول الانانية والخير والشر (جواب الى @3bdolr7man) ..

@3bdolr7man :


أهلا عزيزي لي تساؤلات؟ كيف لا تكون الأنانية أصيلة و الإنسان كائن نفعي متمصلح سواء مع الناس أو مع الله تعالى؟!

الأنانية غير أصيلة لأنه تزداد و تنقص بالمؤثرات الخارجية! فكذلك-الغيرية-حب الخير فهي أيضا تتأثر بالمؤثرات الخارجية و غيرها كثير!

السؤال هنا هل الأخلاق بنوعيها الإيجابيةو السلبية هل هي أصيلة أم أن البيئة هي التي تحرض و تشكل أخلاق الإنسان ؟!

أعجبتني مقالتك و تحليلك في مسألة أن الخير هو الأصل. ما رأيك في قوله تعالى(فألهمها فجورها و تقواها) لاحظ هنا قدم الشر على الخير!

وإذا كان كلامي فيه نظر فعلى الأقل ذكر وجود الشر والخير في طبع الإنسان فهل معنى هذا أصالة الإثنين!

أيضا أظن أن قسمت نفس الإنسان إلى ثلاث أقسام: نفس أمارة ونفس لوامة ونفس مطمئنة فالنفس الأمارة أليست دليلا على أصالة الشر و شكرا(:

صحيح أن الإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بحرية الإرادة لكننا لا نغض الطرف عن قوة البيئة في تشكيل وبلورة الخير والشر في نفس الإنسان


الرد :


الله يقول : {خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} ويقول: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} ..


 أما نسبة الخطأ والضلال فهي إلى الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فالشيطان يسري من ابن ادم مسرى الدم . الشيطان يستغل دوافع الانسان و حاجاته ، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} إنه لكم عدو مبين} ، {زين لهم الشيطان سوء أعمالهم} .. وتزيينه بالشهوات ..

على هذا نفهم أن فطرة الله على الخير ، أما رغبات الإنسان وشهواته فغير محدودة ، والحياة الدنيا لا تقدم إشباعاً كاملاً لها . 

لو لم تكن هذه الحاجات ومشكلة إشباعها ، لم يكن للشيطان طريق على الإنسان؛ لأن فطرة الخير ستحميه لوحدها ، فلا أحد يريد أن يقتل بدون جلب منفعة ولا دفع مضرة، و من هنا نفهم النفس الأمارة بالسوء .

لا تجد سوءاً لم يركب على رغبة أو شهوة .. الرغبة والشهوة نابعة من أساسات فطرية غير شريرة . فإشباع الرغبات ليس شراً ، لكن لأن الدنيا ليست جنة، يكون إشباعها على حساب الأخلاق والخير في أحيان كثيرة ، و هنا يقع الشر ..

إذاً كأن الشر والخير مـُلهمان في النفس . يعني دوافع الخير والشر موجودة ، فشعورنا يقول والشيطان يقول .. و نحن بين رأيين متناقضين دائماً .

الشيطان مع شهوات النفس ، وهي تأتي أولاً مع وسوسة الشيطان ، لأنها لا تشبع أبداً إلا في الجنة ، ثم يأتي الضمير ليوبخنا كلما نفكر تفكيراً سيئاً .. كأن صوت الفجور يأتينا أولاً .

لاحظ التوبة والندم تأتي بعد الذنب بشكل أوضح . مثلاً عندما يجد فقير محفظة مليئة بالنقود ، يفكر أول ما يفكر بأخذها ، لكن يتحرك ضميره ليقول له : "هذه سرقة! و ربما صاحبها يحتاجها أكثر من حاجتك لها!  و ليس العكس، وقد يكون له أطفال سيجوعون بسببك! "

من هنا نفهم قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} ، أي أن داعي الفجور أسبق من داعي التقوى ، و ليس لأن الفجور هو الأساس .. بل إن الشيطان من شدة حرصه يـُسمعنا ما لا نحب أن نسمعه ، ويعطينا أفكاراً لا نحب أن نركز عليها ، و لكنه يـُقحمها بقوة . لهذا قال تعالى : {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} ، والنزغ تعني الدفع بقوة . قال تعالى: {إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً} ، وقال: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} ..

لاحظ إذا انتفت المصلحة تحول الإنسان إلى أصله وهو الخير . لذلك كل من ليس له مصلحة في موضوع سيعطيك رأياً فطرياً و معروفاً ، لذا قالوا : (لا يجتمع الناس على باطل) ؛ لأن الأغلبية لن يكون لهم مصالح . و لو كانت الأمم المتحدة خالية من حق الفيتو وضغوط الأقوياء لكانت أقرب إلى العدالة ولقالت رأيها بكل عدالة ..

لكن إذا تبين أن للشخص مصلحة بعد تفكير أو نبهه أحد لمصلحة أو مضرة فسيتغير رأيه إلا من عرف الله و خشيه بالغيب ، لهذا قالوا : آفة الرأي الهوى ، أي بدون أن يكون لك هوى يكون رأيك سليماً .. لماذا سليم؟ لأنه على الفطرة .

إذاً ما هو الأساس؟ الشر أم الخير ؟ لا شك أنه الخير .. قال تعالى : {إنه فكر وقدر} أي قدر مصالحه {فقتل كيف قدر} .. مع انه أعجب بالقرآن أول ما سمعه !

الدين والقرآن يعززان جانب الفطرة ، والشيطان (من الجن والإنس) يحاول محاربة ذلك الدافع الفطري؛ لهذا العاصي يكون ظالماً لنفسه ، أي أنه ظالم لصوت الفطرة والحقيقة في داخله .

الإنسان كائن يريد إشباع كل حاجاته ، ليست فقط المادية ، بل حتى المعنوية؛ لأنه قادم من الجنة . والمؤمن الحقيقي لا يتعامل مع الله بمبدأ المصلحة كهدف أول ، لأن هذا تقليل من شأنه سبحانه ، فالمصلحة إذا حللتها تجد أنها مادية في الأخير ، و إذا تعامل الإنسان مع الله نفس تعامله مع المادة ، صارت النظرة أشبه بالوثنية . وبدلاً من النظر إلى الله بالحب وأنه مصدر الخير والجمال وأهل الشكر كل الشكر وكل الحب.. يـُنظر إليه كشيء يراد لأجل فائدة من وراءه !!

في هذه الحالة تكون الذات أكبر وليس الله أكبر ، مثلما تفعل مع المصالح الأخرى حيث تكون الذات أكبر . و في هذه الحالة يكون الله وسيلة لتحقيق الرغبات و السلامة من الأضرار ليس إلا ..

إذاً إذا عرفنا الوسيلة و حددناها ، فما هي الغاية؟ ستكون الذات هي الغاية ، و الغاية أثمن من الوسيلة دائماً ، إذاً ليس في هذا احترام لله ، و لا تتحقق كلمة "الله أكبر" ، لأن الذات هنا صارت أكبر !! وكما قال ابن الرومي :

أأحب قوماً ما أطاعوا ربهم .. إلا لفردوس لديه ونارِ ؟

إن وصف الإيمان بالمصلحة منقصة له ، كما لاحظ ابن الرومي .

ثم: بناءً على فكرة المصلحة ، إذا تحققت المصالح ، انتهت العلاقة مع الوسائل ، و هذا هو المنطق والمعتاد .. إذاً بعد دخول المؤمنين الجنة ، تتحقق المصلحة وتنتفي المضرة ، و بناءً على فكرة المصلحة ، فسوف ينسون ربهم و هم في جنته !! لأنها مصلحة و غاية ، أي مثلما تستعمل أي أداة وقت حاجتها ، ثم تبعدها عن اهتمامك بعد أن كانت مهمة جداً .. لأنها وسيلة .. وهل هذا يليق بتعامل العبد مع الله خالقه؟
لا يا عزيزي .. الإنسان مخلوق محب ، وليس هناك من يستحق ويحتمل طاقة حبه إلا ربه .. وأذكرك بقصيدة بيرم التونسي :

القلب يعشق كل جميل .. ويا ما شفت جمال يا عين ..
واللي صدق في الحب قليل قليل .. و ان دام يدوم يوم ولا يومين ..
واللي هويته اليوم .. دايم وصاله دوم ..
ما يعاتب اللي يتوب .. ولا بطبعه اللوم ..
واحد مافيش غيره .. ملى الوجود نوره ..
دعاني لبيته .. لحد باب بيته ..
لما تجلى لي .. بالدمع ناجيته .. 

الإيمان الحقيقي قائم على المحبة وليس على المصلحة .. كما قال تعالى {يحبهم ويحبونه} و كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} و قوله لكذابي بني إسرائيل : {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} وقال عنهم: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} ، فهم يدَّعون أنهم يحبون لقاء الله ، وفي نفس الوقت يتمنون أن يعيشوا ألف سنة !!


وأما موضوع البيئة وتأثيرها على الخير والشر والأخلاق ، فقد تكلمت فيه سابقاً في التغريدات ، وبإيجاز أقول: لا يمكن جعل مجموعة من الناس تتصرف تصرفاً واحداً تبعاً لمؤثر واحد ، إذاً الفكرة غير علمية؛ لأنه لا يمكن تجريبها وتقدم مثل هذه النتيجة . ولا حتى نفس التوائم الذين تربـّوا بنفس الظروف ، فسوف تتميز شخصية أحدهما عن الآخر ومواقفهما من الخير والشر؛ لأن البشر في اختبار ، والاختبار يجب أن يكون في جو حر ، وهذا هو الواقع ..

الخير هو إرادة الخير ، والشر هو إرادة الشر . وليس عملاً معيناً يسمى شراً دائماً أو خيراً دائماً .. فالقتل مثلاً ليس دائماً شراً وليس دائماً خيراً . إذاً الخير والشر في الداخل وليست في الخارج ، إنها النية والقلب . قال تعالى: {إلا من أتى الله بقلب سليم} ولم يقل : بعمل خير سليم ..


وشكراً لمتابعتك وأسئلتك المثرية والعميقة في نفس الوقت .. فأسئلتك دائماً مفيدة ودقيقة ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق