الأحد، 10 يونيو 2012

هل النية معروفة ، ام انها من عالم الغيب ولا يمكن معرفتها؟


اذا اتفقنا ان النية حقيقة و موجودة عند كل انسان - ولا اظن احدا سينفي وجودها ، لانه لا يوجد سلوك بدون دافع - ، اذن سنتفق بأن الخير و الشر موجودان عند كل انسان .

النية جو حر بالكامل (في ظل الثنائية) ، تستطيع لذلك ان تنوي الشر ولا احد يدري بنيتك ، و قد تنوي الخير ولا احد يصدّق انك نويت الخير .

و زعم ان النية لا يمكن ان تعرف أبداً ، من الواضح انه زعم ليس بدقيق ، فما لا يُعرف كله لا يُجهل كله ، لان النية مرتبطة بالسلوك ، فبالتالي من الممكن التثبت منها من خلال الافكار و السلوك ، لأننا نتعامل مع من حولنا بموجب نياتهم و سلوكهم ، ولذلك نثق بهم او لا نثق بهم ..

الفعل بحد ذاته لا يدل بالضرورة على الخير او الشر ، فقد يكون حقا يـُراد به باطل . اذن نفي معرفة النية قطعيا هو امر منافي للواقع اصلا . كيف سنفهم الاخرين بدون ان يكون لدينا تصوّر عن نياتهم ؟ وعلى اي اساس نفضّل فلان وننفر من فلان ؟ فأنت تنفر من شخص وتقول ان اسلوبه فظ ، بينما تجد نفسك تحب شخصا اخر يتمتع بنفس صفة الفظاظة ! و تنفر من شخص لانه كما قد تقول انه جاهل و غير متعلم ، و تكتشف انك تحب شخصا اقل تعليما منه !

و تقول انك تكره الاشخاص قليلي الكلام ، لتكتشف انك تحب شخصا قليل الكلام ! فأي نفور حقيقي أو انجذاب حقيقي لا ياتي الا من بعد معرفة نية الاختيار هل هي للخير ام للشر .. و لو عرفت ان الشخص مختار الخير لك ، لكنه يتعامل بالشر مع غيرك ، ما موقفك منه ؟ هل تحبه ام تخاف منه ؟ هذا سيقط فكرة ان الخير هو المصلحة .. فأنت نفرت منه لأنه لم يحب الخير المطلق ، مع انه اختار المصلحة معك و لك .

مثلا : انت لا تحب و تنفر من الرياضة ، و ياتيك نفور من شخص يتكلم كثيرا عن المباريات ، هذا النفور لا نسميه حقيقيا ، فقد يتضح لك منه سلوكات تكشف نية طيبة عنده . وتجد نفسك تتقبله رغم ذلك السلوك الذي لم يعجبك ، لان هذا فرعي ، و النيات الاعمق منها اعجبتك ، كأن تجد نفسك تتفق معه على الاهتمامات الانسانية ، و تختلف معه على الاهتمامات الرياضية . فاتفاقكما اعمق من اختلافكما .. والعكس يكون ، فتجد شخص يتفق معك في الرياضة ، لكنه لا يتفق معك في الاهتمامات الانسانية ، و النتيجة : نفور حقيقي بالرغم من التقارب السطحي ..

اذن في العلاقات ، هناك نفور و تجاذب عميقان ، و نفور وتجاذب سطحيان . والخير ليس هو المصلحة ، فكلاهما من عالم مختلف .

إن اي سلوك يظهر ، يسحب معه نيته . لكن النيات التي لم ترتبط بسلوك ، لا يمكن ان نعرفها . و السلوك الذي لم تتضح نيته لا تفهمه . فحتى نقيـّم سوف نحتاج الى معرفة شيئين ، هما السلوك و النية ، والا فلا حـُكم على الشخص .

كلما تكثر السلوكيات عند شخص ، تكون معرفة نياته اسهل . شخص يمشي صامتا في الشارع ، ما نيته ؟ الله اعلم .. فنحن ليس لنا الا الظاهر ، اي نعرف الدوافع من خلال الظواهر ، و كلما زادت دراستنا للظواهر زادت معرفتنا بالشخص . و هذه المعرفة لا تكون الا بربطها بالخير المطلق او الشر المطلق . لأننا لا نستطيع ان نصف شخصا بالخيرية و نحبه لأنه ينفعنا ، بينما نجده يظلم الضعفاء و يقسو عليهم .. اذن نحن نقيّم الآخرين من خلال ربطهم بالخير المطلق او الشر المطلق وليس من خلال علاقتهم بمصالحنا .

من لا يريد ان تـُعرف نياته ، عليه الا يمارس اي سلوك .

بناء الفكرة عن الشخص يحتاج لتراكم من معرفة النيات تبعا للسلوكيات ، و هذا الحكم موضوعي وليس عاطفي . وعلى هذا نستطيع ان نعرف بطريقة موضوعية اختيار الشخص للخير او للشر ، بعد ان يسقط وهم ان النية شيء لا يمكن ان يـُعرف .

مثلا يا عزيزي : اراد عامل النظافة تنظيف مكتبك فقلب الطاولة بما فيها كوب الماء او القهوة على ثيابك و تأثر لذلك .. لا تجد نفسك الا تريد ان تسمح له ، بمعنى : انك عرفت نيته بسرعة .. بينما لو جاء شخص غاضب ويصرخ في وجهك و قلب الطاولة ، لاعتبرت هذا اعتداء و شرا . اي عرفت نية الشر ، مع ان السلوك واحد ..

اذن انت تقيّم الناس على النية و ليس على السلوك المفرد المجرد ، لان اسقاط الطاولة فعل واحد . فالسؤال اذن لك : كيف انت عرفت نيات الاثنين وبهذه السرعة ؟

الحكم يكون من مجموعة سلوكيات وليس من واحد . فأنت حكمت في اسقاط الطاولة في المثال الاول ، ليس من السلوك نفسه ، ولكن بموجب سلوكات اخرى مصاحبة ، وكلها غير شريرة نحوك . و المثال الثاني لذلك الشخص الغاضب المزمجر الذي تشعر بحقده و كراهيته لك ، فمن كلامه وصراخه عرفت نيته ، و ليس من اسقاط الطاولة بحد ذاته الذي اعتبرته عملا اجراميا مع هذا الشخص .

كل هذه العمليات يقوم بها شعورنا الذي يرصد بسرعة و دقة اكبر من العقل . إن تقييم نيات الاخرين امر حتمي و ليس اختياري عندنا ، فلا تستطيع ان تقيّم الشخص بسلوكه فقط مجردا من النية ، حتى لو كانت النية مُفترضة وغير حقيقية . " من يفعل كذا فهو شخص طيب " ، "من يفعل كذا فهو شخص سيء" ..

كل الناس يحكمون من خلال النيات ، وهذا واقعهم ، وان كانوا ينكرونه و يقولون : ما لنا الا الظاهر والنوايا لله !! حتى القانون الوضعي يفرّق بين الجريمة المقصودة والجريمة بالخطأ ، اي ينظر الى النية . فكيف بعد هذا نقول ان النوايا لا يمكن معرفتها ؟

النية الغير مرتبطة بسلوك هي فقط ما لا يمكن معرفته .. و لماذا يصفون احداً بأنه منافق ؟ او مدعي ؟ لأنهم ينظرون إلى نياته من خلال سلوكياته الاخرى من عالم الشر ، و ليس الى سلوك واحد مجرد .

والذين يحاربون معرفة النية ولا يريدون لاحد ان يتعامل بها ، غالبا يكون قصدهم ان يغيـّبوا العقل والشعور و دقة الملاحظة ليفعلوا ما يشاءون ..

اذا تابعنا فكرة التقييم من خلال الظاهر فقط ، فعلينا ان نصدق كل التمثيليات والافلام على انها حقائق ! فهي حقائق تظهر امامنا ! وكل ما قاله الشعراء حقائق ! لانهم قالوه ، و هذا ظاهرهم !

إن التشكيك في عمل الخير عند شخص ، يحتاج إلى سلوكيات مناقضة لهذا العمل ، حينها يكون للشك مدخل . إذا لم نر الا سلوكا واحدا ، كشخص نراه لأول مرة ، و يساعد فقير ، ليس لنا هنا الا الظاهر ، و نحكم مبدئيا بانه شخص طيب (مبدئيا) ، و اذا اردنا ان نتأكد ، علينا ان ننظر الى سلوكياته الاخرى ، فإن كانت دوافعها تناقض دوافع هذا العمل ، بدأنا نتشكك .. لأن الاختيار واحد ، وهكذا يجب ان يكون

في العلاقات : النية الاساس (الام) التي تتفرع منها كل النيات ، هي مدار الحكم على الشخص .

ان الحكم الجامد على الشخص من خلال السلوك الظاهر المفرد ، ظلم الكثيرين واعطى الكثيرين ما لا يستحقون .  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق