الأربعاء، 13 يونيو 2012

حوار في موضوع: من أين تأتينا الأفكار؟ في منتدى منابر ثقافية




محمد عبدالرزاق عمران :

* العقل .. هو اكثر الأشياء عدلا في القسمة بين بني البشر .
* أحمد الورّاق .. أهلا وسهلا بك في منبر الحوارات وشكرا لك لقيامك بنقل هذا السؤآل الطيب وكذلك لردّك على المتسائل بهذا الخصوص وأتمنى أن تساهم معنا بالمزيد من مثل هذه المشاركات القيّمة .. وأمّا عن مساهمتي بالسؤآل المطروح فهي كالآتي :

* لا أتفق معك في أن التفكير هو عبارة عن حركة العقل الباحث عن حلّ لمشكلة في الداخل .. بل أنني اذهب إلى أن التفكير هو حركة للعقل تبحث عن حلّ لمشكلة في الخارج حتى ولو كانت نتائجها في بعض الأحيان داخلية .. إذ حسب معلوماتي هو أن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء وهذا ينفي عن الفكر الأفكار والمثيرات الداخلية .. وبالتالي من خلال ما تنقشه الوراثة والتربية والبيئة المحيطة بهذا الإنسان في صفحته البيضاء تتشكل لديه منظومة خاصة من الأفكار تبلور فيما بعد أسلوبه وطريقته في التفكير ومن ثم يبدأ بتطبيق ما حصل عليه من هذه المصادر في حلّ المثيرات أو المشاكل التي تعرض له في محيطه .. ولهذا يختلف البشر من شخص لآخر في وضع الحلول الممكنة لنفس المشكلة التي تعرض على مجموعة من الأشخاص .. إذ ترى حلولا مختلفة بالرغم من أن المشكلة واحدة .. وعليه تصبح إجابتي للسؤآل : أن الوراثة والبيئة والتربية هي التي تنقش قوانينها فيما بعد على الإستعداد الفطري الذي يولد به كل إنسان على قدم المساواة مع غيره ويسميه العلماء ( الصفحة البيضاء ) .. أعني أننا نولد جميعا بنفس الخاصية المسماة العقل ؛ وفيما بعد تأتينا الأفكار من الخارج بواسطة العوامل المذكورة ( البيئة ، الوراثة ، التربية ) , وهذا ما يفسّر الإختلافات بين الناس في علمهم وعملهم .. مشاركة قيّمة .. شكرا لك .. مودتي .



الرد:

احترامي و شكري على ترحيبك الطيب .. ولكن كل الكلام الذي نقلته عن الثقافة الغربية ونظرتها للإنسان ، كله خطأ من وجهة نظري .. وأرجو ألا تغضب مني شخصيا ، فأنا أرد على تلك الافكار المتعسفه لخدمة أيديولوجية مادية سقيمة لا تعبر عن الإنسان وتختزله بالمادة وقوانين المادة مع أن قوانينة معاكسة لقوانين المادة تماماً ، وتخدم اهواء ومصالحا في الغرب .. واستطاعت ان تفرض نفسها على الساحة ليس الا ..

ليس الانسان يولد صفحة بيضاء ، كما قال جون لوك وليس أنت .. ورددتها بعده .. بل انه عقل الانسان وذاكرته هي التي تكون صفحة بيضاء من المعلومات المادية وليست الشعورية التي لا تزيد ولا تنقص منذ ولادته حتى مماته والتي لا تضاف ولا تحذف أيضا .. فكيف يكون صفحة بيضاء وهو يقدر قيمة الامن ، ويقدر قيمة الحنان ، ويخاف ، ويملّ ، ويكره، ويحب ؟؟ هل هذه نقشت فيما بعد على الصفحة البيضاء ؟

الطفل يكره الاهانة كما يكرهها الكبير تماما .. الطفل يحب الوئام والالفة كما يحبها الكبير ايضا .. اذا كل ما في الكبير موجود في الصغير ، اذا استثنينا العقل المرتبط بالمادة والعالم الخارجي ، والذي يتعلمه الصغير شيئا فشيئا ..

انت تتحدث عن اختلاف الناس : ألا ترى ان اختلافهم دائما يتمحور حول ثنائية ؟ نعم قد يوجد اكثر من ثنائية ، لكن اذا استمر الجميع في الحوار الا ترى ان الجميع يتمحورون حول قطبين في الاخير ؟ انظر في السياسة مثلا في الدول الديموقراطية ، المجال مفتوح لتكوين الاحزاب الى حد كبير .. لكن من يتداول السلطة ؟ تجدهم في الغالب حزبان .. اين التعددية والخلافات المتنوعة ؟

الجمهور الرياضي متنوع في بداية كاس العالم ، ولكنه ينقسم الى جمهورين في الاخير .. فاين التعددية ؟ لماذا لم يستمر مشجعي الفرق الاخرى على تشجيع فرقهم والتوقف عندها ؟

لماذا مراكز القوة العسكرية في العالم تتمحور حول قطبين ؟ واذا ضعفت احدى القوتين قالوا ان هناك اختلال في موازين القوى وظهر فراغ يـُحتاج إلى ملئه ..

لماذا قامت الحروب العالمية على قطبين ؟ اين التعددية ؟

ولماذا هناك شيء اسمه خير وشيء اسمه شر ؟ ولا يوجد شيء ثالث ؟ لو كانت البيئة والظروف والتربية هي المؤثرة فقط كما تقول ، و نعلم ان الظروف متنوعة ، لما وجدت الثنائيات ابدا .. اليس كذلك ؟ اذا ليست التربية والظروف هي المؤثرة .. بدليل النزعة الى الثنائية والاستقطاب كقانون مستمر ، وعلى مر العصور ..

اذا اريد حسم اي موضوع يكون الاتجاه الى الثنائية وليس الى التعددية .. كما يفعل البرلمان من خلال التصويت : مع أو ضد ..

لماذا توجد دائما في الحكومات حمائم و صقور في كل قضية ؟ اين التنوع ؟ اين بقية الطيور ؟

الظروف اكثر من ثنائية ، فلماذا يتجه الناس الى الثنائية ؟ الخير والشر مثلا ، لا نجد الظروف تتحكم في اختيارهما ، فأحد يعامل معاملة سيئة ويكون سيئا ، وأحد يعامل معاملة سيئة ويكون خيّرا احيانا ، وأحد يعامل معاملة حسنة ويكون سيئا ، وأحد يعامل معاملة حسنة ويكون حسنا أيضا .. وفي نفس الظروف .. اذا الاختيار بين ثنائية الخير والشر والحمائم والصقور اختيار حر .

تجد البلد يمر بنفس الظروف ، وتجد البلد واعضاء القيادة ينقسمون بين حمائم وصقور مع انهم يمرون بنفس الظروف . لماذا لم يكن رايهم واحدا ، ما دامت الظروف هي المؤثر الوحيد والفعال ؟؟

الجميع يعلم ان جنديا مثلا ، يصل الى معسكر الاعداء ، سيعلم ان منهم من عامله بقسوة ، ومنهم من عامله بلطف ، مع انه عدو لهم جميعا !  في كل لجنة قضائية او غيرها ، كل متهم يعلم ان بعض الاعضاء تتجسد فيهم القسوة وبعضهم تتجسد فيه الطيبة ، فلماذا هذه الثنائية مستمرة في كل شيء وفي كل مكان ؟

هل نقول ان ظروفهم هي التي جعلتهم يختلفون ؟ لكن ظروفهم متنوعة بينما هم اختلفوا على شكل ثنائية حمائم وصقور !! فما السبب ؟

لا اعرف سببا الا الاختيار الحر بين قطبين .. قطب الحقيقة وقطب الانانية .. وقد يحصل الانتقال بين القطبين ، ولكن باختيار حر ايضا .. فلا شأن للظروف في هذا الموضوع ..  (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) .. هنا اختيار حر .. ولا احد يزكي نفسه بدافع الظروف ولا احد يدسي نفسه بدافع الظروف ايضا ..

-وربنا يجعل في طريقك اولاد الحلال .. ويبعدك عن اولاد الحرام -.. ثنائية يعرفها العوام ..

لو كانت المسالة متوقفة على الظروف والبيئة والتربية فقط ، اذا لأمكن تهيئة مجموعة من الأفراد كي يكونوا على ما نرغب به من أفكار وتوجهات من مثل الامن العالمي والسلام ، او السوبرمان النتشوي مثلا  ، وطالما ان هذا لا يمكن تطبيقه ، اذا هو غير علمي ، ويبقى وجهة نظر تخدم ايديولوجية مادية ، لكنها نظرة مهينة للانسان ، وتحتقر ذاتيته واختياره الحر  وتجعله كالكاس افارغ الذي يعكس ما يملأ به فقط ، أو كالكمبيوتر الذي نبرمجه كما نشاء .. وهذه نظرة مهينة للانسان يقدمها الفكر الغربي المادي مع مجموعة من الافكار الاخرى المهينة ..

----------------------------------
محمد عبد الرزاق عمران :

* حسنا يا صديقي لا تغضب .. فأساس الفكرة والموضوع هو أننا نبحث عن كيفية حدوث الأفكار .. وقلت أنت أن الأفكار تأتي من الداخل مثل ما يذهب إفلاطون قديما .. وقلت أنا أنها تأتي من الخارج مثل ما يذهب جون لوك حديثا .. وسقت معلومات للتدليل على ذلك قلت أنني اسوقها بحسب معلوماتي ولم أدعيها .. هذا هو صلب الموضوع .. فلا تخرج بنا عن موضوع النقاش ، فإن كانت لديك أدلة تؤكد ما ذهبت إليه أنت وتدحض ما ذهبت إليه أنا فهاتها بشئ من الإحترام للآخر ولرأيه ودون خروج عن الموضوع المطروح حتى لا نتوجه لمناقشات عقيمة لا محل لها .. تقديري .. مودتي .


الرد:

أنا أستغرب أنك تحسبني غاضب ! لا بل و غاضب عليك ! ألا ترى أنني أرد على النظرة الغربية المادية ! فهل أنت النظرة الغربية المادية؟؟

ألم أقل لك لا تغضب فأنا أرد على تلك الأفكار المتعسفة لفهم الإنسان؟ .. إلا إذا كان هذا أمراً يغضبك .. فالمعذرة أنك لم تنبهني بهذا .. أنا أتحدث في صلب الموضوع و لن أخرج إلى مواضيع شخصية و لن أخرج حتى لو خرجت أنت ..

أنا وضحت رأيي بفكرة الورقة البيضاء والإنسان الكمبيوتر التي يرددها الفكر المادي الغربي ، ولم أنسبها لك ، مع أنك اخترتها - كما تقول - وفضلتها على رأي أفلاطون - كما تقول - .. وأنا قمت بالرد على هذا الرأي الغربي الذي اخترته أنت ..

فهل تجنيت عليك لأني قمت بالرد على رأي تبنيته أنت؟ وهل خرجت بهذا عن الموضوع؟!

هل وجهت لك إهانة شخصية – معاذ الله- ؟! ..

أرجو أن تعيد القراءة مرة أخرى ، ولكن بنفس هادئ . ستجدني مركزاً على الموضوع ومستغرقاً فيه ، وليس عليك أنت ، فليس بيني وبينك شيء ، فأنت رأيت التتابع والإطالة ، واعتبرت أن مثل هذا لا يخرج إلا بدافع غضب ، لكن ليس هذا صحيحاً دائماً ، فأنا متسع الصدر و معتاد على النقاشات الطويلة بدون غضب .. بل إني أعتبر الغضب في النقاش من صور الحمق ، فأرجو المعذرة لأن ردي أشعرك بالغضب من غير أن أقصد .. وأهلاً بك زميلاً عزيزاً ..

لكن رأيي في الفلسفة المادية يجب ألا يغضبك ، لأننا في منبر حر ، وقد فندت فكرة الصفحة البيضاء ، فإذا كان لك اعتراض على ما قلت فتستطيع أن توضح الخطأ فيما قلت .. ولن أغضب منك أبداً .. وإذا كنت ستغضب لأدنى مساس بالثقافة الغربية .. فإني أخبرك من الآن أني لا أقبلها جملة ولا تفصيلاً .. لأنها لا تقوم على أساسات فلسفية ومنطقية سليمة .. بل هي فلسفة قائمة على تقديس الأنا والذات وما يتعلق بها من هوى ومصالح ، والهوى لم يكن يوماً من الأيام أساساً فلسفياً سليماً، وأرجو ألا تغضب من هذا ، فهي تبقى وجهة نظر ولست أنت مُلزماً بها ، فأنا فقط الملزم بها و مستعد للدفاع عنها ، و كل ما أسس على باطل فهو باطل ..

 أنا لا أنطلق الآن من أساس ديني قدر ما أنطلق من أساس منطقي وفلسفي .. ولو رجعت إلى مدونتي ستجد أكثر نقاشات حول أساسات الثقافة الغربية ، فليس الموضوع جديداً عليّ ..

وشكراً لك .. وأرجو أن تتفهم موقفي .. فأنا لا أريد أن أزعج أحداً ، ولا أحب أن أخرج عن الموضوعية إلى الشخصية ..
والسلام ..
---------------------------------------
إلهام مصباح:
. تأتى الأفكارمن حياتنا اليومية..من تجاربنا ،ماعشناه وسنعيشه،ماقرأناه،ماسمعناه

...

الرد:

هل تأتي الأفكار من نفسها؟ أم أنا نطلبها من متعدد حسب حاجتنا الداخلية ؟ لو كانت الأفكار تأتي من الخارج لتساوى الناس في أفكارهم حسب البيئة التي يعيشون فيها .. وهذا غير واقع ولا صحيح ..
فمجموعة من المستمعين إلى محاضرة نسألهم بعد مدة نجد أن أن المحاضرة تقطعت بينهم .. وكل أخذ جزءً منها وكأن الأجزاء الأخرى غير موجودة في المحاضرة .. لماذا هذا يكون؟
يكون لأن المقياس هو حاجة الداخل وليس ما يعرض في الخارج 

إلهام مصباح:
برأيي أن كل شئ داخلي عليه أن يتأثر بالخارج!
لانستطيع القول أننا استوحينا الفكرة من الداخل فقط.لماذا؟لأننا ومن الطبيعي أن نكون على دراية بها من الخارج.
كيف؟
الطائره مثلا ، استوحى العالم فكرتها من الخارج.
مايفكر فيه الإنسان وما يستوحيه من أفكار وتجارب لابد أن يكون للخارج فيه نصيب
الرد:

لابد أن يكون للخارج نصيب .. ولكن السؤال من أين تأتي الأفكار ؟ وما هو مصدرهـــا الأساسي وليس التكميلي ؟ .. الرغبة في الطيران هي التي جعلت الإنسان يستوحي فكرة الطيران من الطيور .. الإنـسان رأى الزواحف والأفاعي وهي تمشي على بطنها .. لكنه لم يستوح طريقة للسير مشابهة لمشيها .. لأن مشيه أفضل .. لكنه رأى الطيور تستمتع بفضاء وترى الأشياء من فوق وتنتقل عن الخطر بسرعة وسهولة .. فحاكاها .. فطار الإنسان لأنه يريد أن يطير وليس لأنه رأى الطيور ، فالطيور شجعته وقدمت له الطريقة ، فالإنسان رأى الدود كيف يمشي ولكنه لم يحاول أن يقلده ..


إذاً الداخل هو الذي حدد مجال التفكير ، وليس الخارج هو من ترك بصماته علينا بطريقة آلية ، فالإنسان ليس آلة تصوير تنسخ وتطبع ما هو أمامها فقط ، إذاً مصدر الأفكار كلها هو الداخل ، وتتبلور الأفكار خلال التفاعل مع الخارج ، بل الخارج المناسب للحاجة ، حتى لو أن الخارج هو الذي أثار التفكير ، يبق السؤال: لماذا هذا الخارج أثارنا وذلك الخارج لم يثرنا؟؟!


قفي في الشارع وعدي السيارات ذات اللون الأزرق مثلاً ، ستجدين أنك حصلت على مجموعة .. لكن .. اسألي أحداً يجلس بالقرب منك: هل مرت سيارة زرقاء؟ .. غالباً سيقول : لا .. وحتى لو سألت نفسك عندما جلست في المرة السابقة : هل مرت سيارة زرقاء ؟ فسيكون الجواب بالنفي .. فلم تنتبهي لها .. مع انها موجودة في الخارج ..


و هذا لأن عقلنا و دماغنا يبحث عما نريد في الخارج ، و ليس هو من يقدم ما هو موجود بطريقة آلية ، وإلا لامتلأنا من المعلومات التي لا فائدة منها .
لاحظي الذاكرة : لماذا لا تحفظ كل ما يمر علينا ؟؟ مادام أن الخارج هو الذي يأتي بالأفكار ؟ ذاكرتنا تنتقي ما نحتاجه ، و تبقي الشيء فيها على قدر عمق الحاجة و عدم وقتيتها ..

ألا تلاحظين أن كل حاجاتنا المادية ننساها بسرعة ، بينما حاجاتنا المعنوية لا ننساها ؟ إذاً الداخل هو الذي يتحكم في الخارج ، إذاً ليس الفرد انعكاس كامل للبيئة ، لأنه ببساطة ليس جهاز كمبيوتر يبرمج من الخارج ، بل إنه هو الذي يبرمج الخارج على حسب الداخل ، فانظري إلى الفن والشعر الرومانسي مثلا ، كيف يسبغ الشاعر شعوره على الطبيعة ، فإذا كان حزيناً جعل السحابة تبكي و أشجار الشتاء مكتئبة والطيور تنشج و تبكي ... والعكس إذا كان سعيداً .. حيث يرقص الروض و تلعب الفراشات وتمرح ..الخ ، 

ولو كان الخارج هو الذي يطبع على الداخل ، لقبل الإنسان الخارج كما هو ، وبالتالي لن يكون هناك أي تغيير ولا تطوير .. ولن يكون هناك تعدد آراء للشيء الواحد ..

إلهام مصباح:
.إن العقل البشري...ينتمي إلى...طبيعة وهذا لاشك فيه،وطبيعته تحتم عليه أن يستوحي الأفكار ولايستطيع أن يطورها ويستوحيها إلا من الخارج.
دمتم بخير
الرد:

التفكير خاصية بشرية و نتيجة تعامل طويل بين الداخل والخارج ، والأفكار أصلاً على نوعين : مادية – و معنوية ، والأفكار مترابطة وليست قطع متفككة ، حسبما يكون داخل الإنسان تكون أفكاره ، فالأفكار مثل الملابس و كل يختار ما يعجبه ، إذاً الداخل هو من يتحكم بالأفكار وليس الخارج ..

إذاً المهم هو إصلاح الداخل .. الداخل هو سيد الموقف ، و القوانين المادية تدافع عن نفسها و تثبت وجودها ، لكنها لا تتحكم بداخل الانسان ، بدليل انه يتكيف معها ، و يصنع من هذا التكيف اشياء جديدة يريدها و غير موجودة في الطبيعة ، وهو لا يصنع شيئا عبثا .

انظري الى العلم : لماذا بنى الانسان العلم ؟ لأنه ينفعه ويفيده . و لو كان الانسان انعكاس للخارج لما استطاع ايجاد اشياء غير موجودة في الطبيعة الخارجية .. يعني ان هناك معرفة لم يهتم بها الانسان ، لان علمه نفعي .. التركيب والتحليل والتفكيك والبناء والتقييم ، كلها يقوم بها العقل الانساني .. و هي التي انشأت الحضارة . والطبيعة لم تركّب ولم تخترع ، الطبيعة مادة خام ، و لنا افكار عن الانسان و لنا افكار عن الطبيعة ايضا ، افكار معنوية وافكار مادية ..

في مجال المادة نجرب وتجيبنا الطبيعة من خلال قوانينها ، ولكن في مجال الانسان نجرب ولا نحصل على قوانين قطعية كما نحصل عليها عند تعاملنا مع المادة .. مما يعني ان الانسان ليس ماديا في اصله ، فالمادي يحكمه العلم ، والانسان ليس له علم مثل علم الكيمياء او الرياضيات ، وما يسمى علم نفس وعلم اجتماع وعلم انسان وعلم جمال ، ليست الا وجهات نظر يخالفها الكثير و ليست علما قاطعا خاضعا للتجريب ..  

اما في مجال المعنويات و الانسانيات ، فليست هناك قوانين مادية تفرض نفسها ، لهذا فالافكار الانسانية والاجتماعية كالملابس : كلٌ يختار منها ما يريد .. وان كان من الممكن ضمها في مجموعتين كبيرتين ، تتجه احداهما تجاه الخير ، والاخرى تجاه الشر .

الانسان هو الذي يفكر و ليست الطبيعة المادية ، اذا الافكار من الانسان ، اي من داخله ..
-------------------------------------------------------
هوازن البدر :

تأتينا الأفكار بما تحثنا به ِ الروح ..ومنه يأتي التفكير بالفكرة ...
ولكن .. هل هناك حرية في طرح الأفكار ؟؟؟
هو رد أولي ... ولي عودة ...
موضوع جميل ...
الهوازن

الرد:

كلام واعي جدا .. وبانتظار عودتك ..
------------------------------------------

أيوب صابر :

العقل هو ماكنة انتاج الافكار الكامنة في مخازن المعرفة التي تولد مع الانسان

اتصور ان من يعتقد بان الافكار تأتي من الخارج وان الانسان يولد صحفة بيضاء يستهين بهذه الماكنة العجيبة لا محدودة القوة التي تنتج الافكار اذا ما توفرت الوسيلة و وسيلة الفكر هي اللغة...

لكن الافكار موجودة في مخازن المعرفة التي تولد مع الانسان والاحتكاك مع العالم الخارجي يقوم على ايقاظ الافكار خاصة في ظل وجود لغة.... فحتى حينما نفكر بصمت نحن نستخدم اللغة في التفكير.


الرد:
ربما تقصد بمخازن المعرفة ما ذهب اليه سقراط من ان كل معرفة موجودة في دواخلنا ، وما عملية التعليم الا عملية تذكر .. و طبعا انا لا اتفق مع راي سقراط ان كنت تتفق معه ، فلست ادري .. كما اختلف مع فكرة انه لا تفكير الا من خلال لغة .. والا فالاصم والابكم الأمي ، كيف يفكر ؟ لا احد يشك في انه لا يفكر ..   


أيوب صابر :كذلك ليس للروح دخل في الافكار لا بل ان الافكار هي نتاج ماكنة العقل فهذه وظيفة العقل،


الرد:
وصفت العقل بانه ماكنة ، والماكنة تؤدي دورا ، فما الذي امرها ان تؤدي هذا الدور ؟ و من أين تتلقى تحديد المناطق التي يجب ان يبحث فيها العقل ؟ ما دمنا عرفنا ان العقل خادما (ماكنة) وليس عبارة عن كاميرا تلتقط كل ما امامها .. وعرفنا ان عقولنا تهتم باشياء ولا تلتفت الى وجود اشياء اخرى ، مع انها كانت موجودة وانتبه لها غيرنا ؟ اذا العقل ليس آلة تصوير عامة تلتقط كل شيء و بنفس القيمة ..

ومعروف ان هذه التصورات ترددها الفلسفات المادية ، حتى يثبتوا ان الدين والاخلاق ليست حاجات نابعة من عمق الانسان ، و لكنه يتلقاها من بيئته باعتبار ان العقل الة تجمع ما حولها و تدخله الى الداخل الفارغ الذي اعتبره جون لوك صفحة بيضاء ، كأن الداخل قنينة فارغة ، والعقل قمع يصبُ من حولُنا من خلاله ما يريدون .. وهذا الكلام ليس عميقا ولا يصمد للتحليل والنقاش ، ولكنه يخدم الفلسفة المادية وايديولوجية الالحاد المادية ..

 أيوب صابر :وحتما الانسان لا يولد صفحة بيضاء والدليل على ذلك...نحن ندهش احيانا من قدرة الطفل وندهش مما يقوله ويفعله وعلى افتراض ان الطفل جاهل... ولكن يبدو ومن خلال الملاحظة ان الانسان يصبح جاهل بسبب الاساليب التربوية والممنوعات التي تقيد التفكير... وهذه الاطر التي تقيد التفكير يكون مركزها الانا العليا وتكون ضرورية احيانا لتحفظ توازن الانسان لكنه يسيء استخدامها كونها تتحول الى قيود تحد من حرية التفكير وتوليد الافكار....

الرد:
اسم "الانا الاعلى" يشير الى السمو ، فلماذا السمو صار يقيد التفكير ؟ المنطق هو انه هو الذي يطلق التفكير السليم ، والتفكير لا يمكن قمعه اصلا .. ولا حتى صاحبه يستطيع ، بدليل الوساوس والشكوك التي تنتاب حتى المتدينين المتشددين ، لان التفكير مطلب من الشعور الانساني الى العقل الانساني تجاه كل امر غير واضح و تجاه كل مشكلة ، ويتم ذلك بطريقة اوتوماتيكية ، حتى ان الانسان يتهرب من التفكير في مشكلة ، و لكنه يلاحقه !!

متعاطي الكحوليات والمخدرات اكثرهم هاربون من التفكير ، وحتى المنتحرين ايضا ، اكثرهم هاربين من هذا التفكير المفروض عليهم والذي يضايقهم ، الداخل يضغط على العقل كلما كان في خطر او محتاجا ، و هذا اكبر دليل على ان التفكير لا يـُقمع .. حالة السكر تخفف التفكير ولكنه ما ان يصحو حتى يعود اشد من ذي قبل .. هذا ما اسميه بالتفكير المرضي المزعج ، اساسه طلب التغيير في طريقة الحياة ، وصادر من الشعور العميق ، لان ذلك الاسلوب غير متفق مع ثوابت الشعور ، و لو كان الانسان صفحة بيضاء لما وجد مثل هذا التفكير المزعج الذي يجعل الانسان في حالة تناقض ، هو تلقّى من الخارج كل شيء ، فلماذا ينزعج اذا ؟

اذا هناك معيار في الداخل يفرز صحة الافكار التي يتبناها من خطئها ، ولكنه لا يحدد ولا يلزم ، فقط يزعج و يسلب شعور السعادة والمتعة ، وعلى العقل ان يبحث كي يحدد ، و كلما قدم حلا ولم يعجب ذلك المعيار في الداخل ، يعاد الطلب مرة اخرى .. ثم لا يجد حلا فيبدأ بالضيق والتعب .. وهكذا .. الى ان يجد حلا ..  


أيوب صابر :
 والافكار تسبق المخرجات اي ان فكرة الطائرة تأتي اولا ثم يقوم الانسان على ترجمة الفكرة الى مخرجات مجسدة فكيف اذا نقول ان الافكار تتأثر بالخارج.. بل ان الافكار هي التي تجعل الخارج على ما هو عليه..ولو ان العقل غير قادر على توليد الافكار لما حصل تقدم او تغير وظل العالم على ما هو عليه...

الرد:
الافكار تتاثر بالخارج ويحكمها الداخل ، وتخرج من الداخل احيانا بدون وجود تأثير في الخارج .. على احوال متعددة .. لكن الداخل هو المتحكم الاساسي ، في اكثر الاحيان يثير الافكار الخارج ، لكنها تأتي بشكل غير الخارج ، مما يعني ان المتحكم هو الداخل ..

الانسان شاهد الطيور ، و لكنه لم يصنع طيرا ، بل طائرة ..  ولو لم توجد الطيور لربما لم يفكر في الطيران اصلا . مع ان الرغبة موجودة في الداخل .. لكن الطيور اخبرته بواقعية الفكرة .. فهي ليست مستحيلة مطلقا ..  

أيوب صابر :ان العقل الباطن خلاق بطبيعته ولديه القدرة على توليد الافكار من خلال قدرته الخلاقة...صحيح ان هناك عوامل تساهم في تنشط قدرة العقل على الخلق وذلك يتم من خلال زيادة نسبة الطاقة في الدماغ فتتسارع الافكار وتكون اكثر قدرة واعجاز وابداع ومن هذه العوامل بل هو اهمها مصيبة الموت ( اليتم مثلا )، نلاحظ مثلا ان اي انسان مبدع يكون على مستوى معين من الانتاج الابداعي ( اي انتاج الافكار ) لكن اذا ما اصابته مصيبة الموت لقريب او حبيب يبدأ عقله فورا بإنتاج الافكار بتسارع عجيب لا سابق له
كذلك نعرف ان العقل البشري توصل حديثا الى اساليب تساعد على دفع العقل للتفكير بصورة اكثر ابداعية فمثلا يلجأ مدراء الشركات الى ما يسمى بحلقات العصف الذهني Brain storming حيث تشترك مجموعة في طرح مشكله ومحاولة ايجاد حلول لها ، وتكون النتيجة ان المشاركة تؤدي الى نتائج ابداعية عجيبة حيث تولد افكار ما كان يمكن ان تولد لو ظل عقل فرد لوحده يحاول ايجاد حل للمشكلة المطروحة.

كل هذا يشير الى ان العقل بذاته لدية القدرة على توليد الافكار من خلال قدرته الخلاقة والافكار لا تأتي من الخارج
.

الرد:
هذه الحالة ليست خاصة بمشاعر الحزن ، بل حتى اذا كان سعيدا تنشط الأفكار ، وهذا اكبر دليل على ان الافكار تأتي من الشعور الانساني .. فإذا نشط الشعور نشطت معه الافكار ، ومن هنا نفهم ان الاستنساخ لو أجري على أينشتاين مثلاً فلن ينتج لنا أينشتاين آخر ، بسبب اختلاف الوضعية الشعورية .. فالانسان ليس آلة .. هذه هي النقطة المهمة .. والا لو كان آلة لأمكن صناعة العباقرة والفنانين وصناعة المواطنين الصالحين والمبدعين.. الخ ، من واقع إعداد الظروف منذ الطفولة .. وهذه قصة فاشلة .. واثبتت فشلها ..

اذا خصوبة الافكار والعبقرية تابعة للشعور وليست تابعة للذكاء والنشاط العقلي كما يقال .. فالنشاط العقلي نفسه يتحكم فيه الشعور الانساني .. انظر الى تلميذ ذكي يتعرض للتحطيم والاقلال من قيمته وقيمة تفكيره ، هو بين أمرين : إما أن يصدق ما قيل فيتأثر شعوره وينسحب ويتحول إلى تلميذ بليد ، أي إلى الإطارالذي يراد أن يوضع فيه ، وإما ان يثور ليثبت لهم العكس ، فتخصب افكاره وتبرز عبقريته ..

والغالب هو ان يحدث الشيئين تبعا لترتيبهما .. ويكون هذا الضغط الشعوري هو سبب عبقريته .. مثل تلميذ اخر تتولى المدرسة تشجيعه فيزداد إبداعه ، فيكون ذلك الشعور السعيد سببا لعبقريته ، إذاً كلما احترم الشعور برزت العبقرية .. وأقصد أن يحترم من صاحبه ، لا أن ينتظر الناس أن يحترموه ..

المصيبة هي إذا لم يهتم الإنسان بداخله والتفت إلى الخارج ، فيتلقى من الخارج وينفذ ما يريده الخارج ، هنا يكون مقلدا ، والمقلد غير مبدع .. وإذا جارينا الفلسفة المادية بأن كل شيء من الخارج ، فسيتحول الناس إلى مقلدين ولا يبدعون .. إذاً المادية تقتل العبقرية ..

الدين والاخلاق هي في اطار المشاعر ، وتنشط الشعور ، اذا كان الانسان مختارا وغير مقلدا ، إذاً لا خوف على العبقرية من الأنا الأعلى ، الخوف عليها من الانا الادنى ! 

وليس الصحيح أن الأفكار كلها تأتي من الخارج ، ولا انها كلها نابعة من الداخل بلا علاقة مع الخارج ، ففكرة الطائرة لا يمكن أن تكون غير متأثرة بمرأى الطيور .. واختيار الطيران ومعالجة المحاولات للطيران ، هذه تابعة للداخل ، في ديالكتيك مع الخارج .. فكرة ثم تطبيق ، أو تطبيق ثم فكرة ..

بعبارة أخرى الأفكار عبارة عن ديالكتيك مع الخارج يتحكم فيه الداخل ، موضوعاً و كيفية .. الخارج لا يفرض علينا الموضوعات ولا الكيفيات .. الخارج يقدم قوانينه ، وعقولنا تتعامل معها . الإنسان طار بالصاروخ ولم يقلد في هذا الطيور .. اخترع الصاروخ من غير قصد أساسي إلى الصاروخ . أحيانا الصدفة جعلت العقل يستفيد منها ويوظفها في شيء آخر .. والعقل لم يعمل هذا الا بدافع من الشعور ، وأخذ ورد مع الشعور .. اذا الشعور هو السيد والعقل هو التابع .. والخارج يعلّم والداخل يعلّم ويتحكم .

الخارج لا يفرض الفكرة على الانسان ، بل الداخل .      


.

------------------------------------

حنان آدم :

شدّنى ..

ليس العنوان , بل المحتوى !

وأتخيّر :

" هذا الكفاح الطويل للشعور الإنساني غايته هي الفضيلة ، لكي يوصلها كأمانة إلى رب الفضيلة عندما يموت الإنسان الذي حملها ، وهذه المهمة ينيطُ بها الشعور للعقل ، لأنه هو وسيلة الاتصال مع العالم الخارجي .. "

فأعجب حقاً بدقة الإصابة .. وأتساءل وفق ما تداعى إلى ّ - هل حظيت رواية الفضيلة للأديب الفرنسي برناندين دي سانت بيير بقراءتكم ليكتمل عمق هذه النظرة بها ؟!


وأضيف للإختيار :

"وبهذه التداعيات يحمي الشعور نفسه من التركيز على المشاعر المؤلمة ، فالتداعي يحرّك الإنسان حتى لا يظل تحت أسر شعور واحد . افترض مثلاً شعور الحزن ، فلو استمر الإنسان عليه ولم يعمل التداعي (أو التفكير اللاإرادي) فلربما مات الإنسان من الهم "


فأقف طويلاً أتأمل كم أثارت في من أفكار وأطالت تأمّلى بصدق محتواها ودقة معناها !


السيد الكريم
تقديرى .. تقديرى
 -----------------------------
محمد عبدالرزاق عمران :


* حنان آدم .. أهلا وسهلا بك وبمشاركتك في هذه الحوارية المفيدة .. لا شك بأن إقتباساتك جميلة .. وأحسب أن رواية الفضيلة في نسختها العربية هي من ترجمة الأديب المصري : مصطفى لطفي المنفلوطي التي قمت بقراءتها منذ زمن طويل ولم أعد أذكر منها شئ .. ولا أعرف إن كانت الرواية في جودة نسختها المكتوبة بلغتها الأم .. ما أدريه على وجه اليقين هو أنني سابحث عنها وأقرأها من جديد .. والآن أستسمح الجميع في أن أطرح سؤآلا أو أكثر وآمل أن أكون محقا في أحدها على الأقل .. يقول الإقتباس ( هذا الكفاح الطويل للشعور الإنساني غايته هي الفضيلة ، لكي يوصلها كأمانة إلى رب الفضيلة عندما يموت الإنسان الذي حملها ، وهذه المهمة ينيطُ بها الشعور للعقل . ) هذه العبارة جميلة بالفعل ولكنها تفترض أسبقية الشعور على العقل .. وهنا تطرح مسألة أسبقية الدجاجة أم البيضة نفسها .. أعني أيهما يسبق الآخر الشعور أم العقل ؟ وهل يمكننا بدون أسبقية العقل أن نميز الشعور ونفسره ونحلله ؟ أسلم تماما بأن الحيوان يشعر ذلك أمر بديهي ولكن كيف يفسر الحيوان مشاعره ؟ وهل يمكنه بلا العقل التفرقة بين اللذة والألم ؟ أو بين الفضيلة والرذيلة ؟ ما أراه هو أن العقل سابق على الشعور فهو الذي يوازن ويقيم ويختار بين الفضيلة والرذيلة ومن ثم يشعر لاحقا على المستوى النفسي بلذة الفضيلة أوألم الرذيلة .. وفيما عدا ذلك فهو إما اللاعقل الذي يميز الحيوان أو الجنون الذي يميز فاقد العقل من البشر .. وكلاهما لا يدري ما الشعور لأنه بلا عقل .. والله سبحانه وتعالى أعلم .. تقديري .. مودتي .


الرد:
كل شيء في العقل له اساس في الشعور ، فعقل البشرية نتيجة لشعور البشرية ، والشعور اساسه حاجات ، وهذه الحاجات اما مادية وإما معنوية .. الحيوان لا يعرف الحاجات المعنوية ، و شعوره عبارة عن غرائز تتعلق بوجوده و حفظ نوعه و أمنه و غذاؤه إلخ .. بدليل ان الحيوانات لا توجد لديها المبادئ ولا الأخلاق .. اذا عندما نتكلم عن طبيعة الانسان ، فعلينا ان نتصور ثنائية تلك الطبيعة ، فالانسان وحده له طبيعتان : مادية و معنوية ..

الانسان العاقل ، و الإنسان القاصر او المتخلف عقليا : لهما نفس الحاجات ، لكن تلبية هذه الحاجات سوف تختلف تبعا لاختلاف ما يملكانه من العقل ، فالعقل هو وسيلة الشعور للتعامل مع العالم الخارجي المادي .. و عالم المادة هو تجسيد العقل ، و منه يأخذ العقل مفرداته ، بدليل الاصل المادي لمفردات اللغة ، و اللغة هي وسيلة نقل للشعور وللعقل ايضا ..

لنفترض انهما في حريق ، فكلا الشعورين يريدان الخلاص ، و لكن فرصة العاقل للنجاة اكبر ، لأنه يستطيع ان يتجاوز حدود المكان بعقله .. و بالتالي يعرف الطريقة المناسبة اكثر من ضعيف العقل .. وهذا العقل خادم للشعور .. ولهذا مدح الله اولي الالباب ، واللب الجيد هو الذي يتبع الشعور بدقة ، ويقدم حلولا مطابقة لما يريده الشعور ، دون ان يبخس الشعورات الاخرى حقها .. و الشعور نفسه عبارة عن حزمة هائلة من المشاعر ، تنطلق بخطوط معزولة عن بعضها البعض .. إذا لا بد من العقل حتى ينظّم سمفونيتها ، ولا يجعلها تتناقض مع بعض .. مثلما يفعل المايسترو مع عشرات العازفين ..

وكثيرا ما يكون التنسيق بين المشاعر المعنوية و مشاعر المادية ، مثل حاجة الجوع ، يردّها العقل من حاجة اكبر منها ، وهي حاجة الامانة او الصيام .. لو لم يكن هذا التنسيق ، لصارت انفلاتات وتناقضات تضر بالانسان وتضرب بعضه ببعض .. اذا العقل الصحيح من الطبيعة ، و ليس من مكتسبات المجتمع والدين والظروف كما يدعي الماديون والملاحدة ، فيطالبونا بالتمرد على كل ما اكتسبناه من المجتمع ، أي كأنهم يطالبونا بالتمرد على العقل ، ثم يفتخرون بعقلانيتهم بعد ذلك ..!

أنا أدافع عن المنطق السليم و ليس عن اي شيء نأخذه من مجتمعاتنا .. وهم يطالبونا بالثورة على كل شيء .. و في نفس الوقت يطالبونا بالخضوع والطاعة لتلبية كل نوازعنا الحيوانية ! حتى لو كانت ضئيلة .. وفي نفس الوقت ان نهمل كل ما تمليه علينا نوازعنا الفاضلة ، حتى لو كانت كبيرة وضاغطة ،  والنتيجة حينئذ تساوي حيوانية .. لتكمل البغلة بالرسن مع نظرية التطور ليقولوا انكم حيوانات ، فاستجيبوا لحيوانيتكم ، وإلا فسوف تصابون بالامراض النفسية كما يردد دعاتهم مثل داوكينز وفرويد غيره .. بعد ان جردوا الانسان من اثمن ما فيه ، و هي غرائزه العليا .. واكتفوا بالغرائز السفلى ..

كل معرفة صحيحة تكتسبها البشرية عبارة عن عقل يضاف إلى التراكم العقلي السابق .. بما في ذلك حقائق العلم .. فإذا ثبت العلم تحوّل الى عقل ومنطق .. وكل شيء يثبت يتحول الى عقل ومنطق ، سواء كان ماديا او معنويا ، و دون تعارض مع البناء السابق والذي تأكدت منه البشرية بالتجربة .. إذا العلم عقل والعقل علم .. وبينهما خصوص وعموم .. فالعقل عام و العلم خاص ..

يشعر الانسان بالبرد مثلا ، فيتذكر اين وضع ملابسه الثقيلة ، او يبحث عن الحطب ليشعل به النار ، أو يفكر باكتشاف وسيلة جديدة للتدفئة ، او غير ذلك .. كل هذه العمليات عمليات عقلية سبقها الشعور بالبرد .. اذا الشعور اسبق من العقل .. وإذا العقل خادم للشعور ..

يتضايق الناس شعوريا من زحام السيارات مثلا ، او من حوادثها ، فيبدأ العقل بالعمل على شكل قوانين مرور و إشارات و جسور .. إلخ .. محاولا ان يحل المشكلة الشعورية ..

الناس يتالمون من المرض ، ولهذا ظهر علم الطب .. الناس يتألمون من مشقة السفر ، ولهذا ابتكروا عالم المواصلات والاتصالات .. وهكذا ..

اذا الانسان تابع للشعور وليس تابعا للعقل ، هذا هو الاساس .. نعم احيانا نتبع العقل قبل ان نحس ، و ذلك اعتمادا على ان ذلك العقل مبني على الشعور ، فاذا اكتشفنا مخالفته للشعور ، تخلينا عنه و بحثنا عن حل عقلي اخر .. وهذا ينطبق على كل شيء .. من وسيلة مناسبة لطهو الطعام ، إلى ايديولوجية كاملة ..

ولو كان العقل هو الذي تتبعه البشرية ، لما تكرر تخليها وتغييرها له ، بل و معارضة الكثيرين له . فتجد المجتمعين لحل مشكلة الاختناقات المرورية مثلا او اي مشكلة ما ، متفقين على الاساس ، وهو وجود مشكلة ، وتتألم شعوراتهم منها ، لكنهم يختلفون على طريقة المعالجة ..

والدليل على ان الشعور هو الذي يحرك البشرية ، هو تغير الوسائل عبر الحضارات ، و بقاء نفس الحاجات ، كحاجة الامن وحاجة الراحة والبقاء .. إلخ . فالقدماء كانوا يبحثون عن وسائل تساعدهم في شؤون حياتهم ، و إن كانوا لم يعرفوا الكهرباء ولا القطارات ، ولكنهم استعملوا عقولهم لتحل لهم مشكلاتهم ، لكن الحاجة هي الحاجة .. اذا الشعور هو الدافع وهو السباق .. والعلم لم يتوقف يوما من الايام ، بمعنى ان العقل لم يتوقف ..

و بهذا صار لدينا نوعان من التعلم : تعلم قوي ، و تعلم ضعيف ..

التعلم القوي هو الذي بدافع الشعور مباشرة و يتجه إلى العقل ، اي يبدأ من الحاجة .. والتعلم الرديء ، هو ان يبدأ التعلم من العقل إلى الشعور .. على اعتبار ان هذا العقل منطلق من شعور ، وهذا ما هو واقع فيه التعليم الحديث ، اي على التعليم الضعيف ، الذي يحشر دماغ التلميذ بمسائل و قضايا و افتراضات لم تصل اليها حاجاته الشعورية ولا تشغل باله ، في حين يترك ما يشغل باله بلا اهتمام .. مما يضطره إلى الحفظ الابله .. والذي قلما يمسكه الشعور ، لأن الذاكرة مرتبطة بالشعور ..

لاحظ نفسك وأنت تقول : اريد ان افعل شيئا .. ما هو ؟ وكيف افعله ؟ هذا يحصل لنا دائما .. الأول شعور ، والبقية عقل و ذاكرة .. والعقل يعمل من خلال الذاكرة ، و من لا ذاكرة له لا عقل له ، والذكاء عبارة عن السرعة والدقة و سعة تحميل المعلومات والانتقال بها بين الذاكرة و الشعورات ..

والذاكرة يتحكم بها الشعور .. لاحظ في حالة النسيان ، يكون الشخص متأكد انه نسي شيئا ما ، ولكنه لا يعرفه ، و يبدأ بالتفكير والتذكر حتى يتذكر .. إذا فالشعور لا ينسى .. و كل شيء مرتبط بالشعور لا ينسى ، فلا أحد ينسى الاشياء التي يحبها .. حتى فاقدي الذاكرة ، فهو لم يفقد الذاكرة بالصورة التي تشير اليها اللفظة ، وإلا فسوف ينسى كيف ياكل ، و كيف يمشي .. كل المهارات لا يمكن نسيانها .. حتى العزف على البيانو ..

----------------------------------------------
محمد عبدالرزاق عمران :

يشعر الانسان بالبرد مثلا ، فيتذكر اين وضع ملابسه الثقيلة ، او يبحث عن الحطب ليشعل به النار ، أو يفكر باكتشاف وسيلة جديدة للتدفئة ، او غير ذلك .. كل هذه العمليات عمليات عقلية سبقها الشعور بالبرد .. اذا الشعور اسبق من العقل .. وإذا العقل خادم للشعور .

* يا صديقي .. بلا العقل لا يوجد أي عقل أو شعور .. الحيوان ايضا يشعر بالبرد .. ولكنه لا يشعل نارا ولا يفكر في أن يبتدع وسائل للتدفئة لأنه ببساطة يعجز بلا العقل عن تحديد شعوره ومن ثم تسميته والتعبير عنه .. وبالتالي لا مشكلة لديه تتطلب حلا

الرد:
ليست كل المشاعر صعبة التحديد كما تتصور ، فالمجنون يحدد الكثير من مشاعره ، فيعرف انه جوعان ويعرف انه بردان .. الحيوان ايضا يعرف مثل هذه الاشياء ..

ثم عملية تحديد الشعور ، تحتاج إلى طلب من الشعور يوجَه إلى العقل .. فما الذي يدفعه لأن يحدد شعوره إلا شعوره نفسه و ليس عقله ؟ إذا الشعور هو المحرك للعقل ، والعقل خادم للشعور حتى في تحديد الشعور .. و كيفية ملؤه .. العقل لا يدفع إلى شيء .. بل المشاعر هي التي تدفع ..

إذا الشعور هو الاسبق دائما من العقل . والعقل آلة ، ونحن لا نشغـّل الآلة إلا إذا احتجناها بدافع شعوري ، والشعور هو "طاقة" العقل وبها يعمل ..   

محمد عبدالرزاق عمران :.. العقل هو الأساس وبه نتمكن من تمييز الأشياء والمشاعر وتسميتها والحكم بوجودها الذي لا شك أنه سيصبح والعدم سواء لولا وجود العقل الذي يحكم بذلك .. تصور الكون بلا وجود الإنسان العاقل الذي يحكم بوجوده وقيمته .. أوليس هو والعدم سواء بسواء ؟ العقل هو الذي يحكم بوجود الأشياء لا الإحساس فالحيوان ظل موجودا لآلاف السنين قبل الإنساس بإحساسه ولكنه لم ينتج علما ولا فلسفة .. ولذا إمتاز الإنسان عن الحيوان بدرجة .. ألا وهي نعمة العقل .

الرد:
العقل من أين تكون وكيف تكون ؟ كله بدافع الاحساس .. اليست من صفات العبقري شدة و دقة الإحساس ؟ وليست آلية وبرمجية عقلية ؟.. عالم اللغة لا يعني علمه بها ان يكون شاعرا ، مع أنه متمكن منها عقليا .. وياتي شخص مستواه اللغوي عادي ، ولكنه يستطيع ان يحلق في سماء الادب والشعر .. و أولى عمليات الإستقصاء التي يقوم عليها العلم هي "الإحساس" بالمشكلة ، والعبقري يتميز بانه يكتشف المشكلة ويحس بها قبل غيره ..  


و كل مبدع حساس .. والحدس هو سيد الابداع ، وليست الآلية العقلية الجامدة .. مثل الكمبيوتر تماما ، ولو كان العقل هو كل شيء ، لكان الكمبيوتر اكبر مبدع .. وهو يستطيع القيام بملايين العمليات العقلية في وقت قصير ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق